بحوث ودراسات

الإرهاب في اليمن نشأته ومراحل تطوره.. ودوافعه ومصادر تمويله


الملخص: تهدف الدراسة للكشف عن نشأت التنظيمات الارهابية في اليمن ومراحل تطورها ومصادر تموينهاـ وقد استخدمت الدراسة المنهج الوصفي التاريخي لتتبع ظهور هذه التنظيمات في اليمن، وقد كشفت نتائج هذه الدراسة عدد من التحولات التي شهدتها أهم تلك التنظيمات بداية من النشأة ومرورا بمختلف المراحل وصولًا إلى أهم الاستراتيجيات المتبعة من قبل تلك التنظيمات.

وهي كالاتي:

  • التوغل داخل بنية النظام اليمني: (1938م ـ 1948م)
  • التمرد والانقلاب على الحكم في اليمن: (1948م – 1962)
  • التحالفات السياسية ضد شريك الوحدة: 1990- 1994م
  • مرحلة الغطاء السياسي والمشاركة في السلطة 1994- 2000م  
  • بدايات تأسيس الدولة في مطلع الألفية الثالثة 2001- 2011
  •  إعلان (إمارات التنظيم المتطرف فرع اليمن) 2011- 2024م

Summary

The study aims to reveal the emergence of terrorist organizations in Yemen, the stages of their development, and the sources of their supply. The study used the historical descriptive approach to trace the emergence of these organizations in Yemen. The results of this study revealed a number of transformations witnessed by the most important of these organizations, starting from their inception and passing through the various stages, arriving at the most important strategies used. by these organizations.

It is as follows:

– Incursion into the structure of the Yemeni regime: (1938 AD – 1948 AD)

– Rebellion and coup against the government in Yemen: (1948 – 1962)

– Political alliances against the unity partner: 1990-1994 AD

– The stage of political cover and participation in power 1994-2000 AD

– The beginnings of the establishment of the state at the beginning of the third millennium, 2001-2011

– Declaration of (Emirates of the extremist organization, Yemen branch) 2011-2024 AD

المقدمة:

إن البحث في نشأة تكوين التنظيمات الإرهابية في اليمن يقودنا للعودة إلى تاريخ وجذور هذه الظاهرة ككل في المنطقة والإقليم مع الإحاطة الكاملة بأهم التحولات التي شهدتها أهم تلك التنظيمات بداية من النشأة ومرورا بمختلف المراحل وصولًا إلى أهم الاستراتيجيات المتبعة من قبل تلك التنظيمات.

لقد كانت الحركات الإسلامية السياسية التكفيرية اليمنية متواجدة منذ مطلع الثلاثينات من القرن الماضي وبدعم من تنظيم الإخوان فرع مصر.

وفي هذه الورقة البحثية سوف نتطرق لمراحل نشأة الأفكار المتطرفة للتنظيمات الإسلامية المتطرفة في اليمن وهنا نستعرض أبرز تلك المراحل وهي:

المرحلة الأولى: التوغل داخل بنية النظام اليمني: (1938م ـ 1948م)

ولدت حركة الإخوان المسلمين عام 1928م، بعد سقوط الخلافة العثمانية، وخضوع أغلب بلدان العالم العربي والإسلامي للاستعمار الغربي، وتبعيتها السياسية والفكرية والاقتصادية للدول الأوروبية، واستمرت في النمو والانتشار، وتحولت بفعل تطورات كثيرة إلى مدرسة فكرية امتد تأثيرها إلى بقية الأقطار العربية والإسلامية ومنها اليمن.

وبـدأت جماعـة الإخوان المسلمين نشـر دعوتهـا خـارج مصـر عـام 1926م إذ خـرج أعضـاء الجماعـة للدعـوة لفكرتهـم فـي عـدد مـن البلـدان العربيـة، وفـي مقدمتهـا سـوريا وفلسـطين ولبنـان واليمن، وقد مثَّل هذا التحول بدايــة الازدهار فــي نشــاطاتها، ودخلــت الجماعــة فــي الأعــوام 1939-1952 طــور تحقيــق البرامــج الواســعة، وانضــم إليهــا عناصــر جديــدة مــن شــباب جامعــتي القاهــرة والأزهــر، والطوائــف العماليــة والمهنيـة المختلفـة، وانتظمـت أعمالهـم فـي الفـروع وأصبحـوا قـوة يحسـب لهـا حسـاب.

وقد تجلت العلاقة بيـن القصـر والإخوان رغم التباينات في الغايات والأهداف، فقد كان تحالف الضـرورة الملحـة أصلهـا مصلحـة كل منهمـا، فـكان القصـر ظهيـرًا إذ تدهــورت عــام 1948 نتيجــة انتشار نشاط الجماعــة السياســي والعســكري.

لقد اتخذ الإخوان المسلمين طرقًا ووسائلًا شتى للوصول إلى صنعاء، لتحقيق أهدافهم وغاياتهم، والوصول إلى حقيقة الدور الإخواني ومن تلك الطرق والوسائل، البعثة العسكرية العراقية، والتجارة وكذلك استقبال الطلاب المبتعثين في الخارج وعمهم، فضلًا عن تعزيز العلاقات مع نظام الأئمة في اليمن.

تجلى أول نشاط للإخوان المسلمين باليمن عام 1929 عندما ألقى المرشد الأعلى محاضرة في احتفال جمعية الشباب المسلمين بالقاهرة لمناسبة ذكرى الهجرة النبوية، وكان من ضمن الحاضرين السيد محمد زبارة الحسن أمير قصر السعيد في صنعاء، ودار حديث طويل بينهما بعد المحاضرة عن مصر وعن اليمن وعن انتشار الإلحاد والإباحية وضرورة مجابهتهما. وزار الأمير زبارة الإسماعيلية وأقام فيها ثالثة أيام مع حسن البناء، شاهد فيها منشآت الإخوان ومؤسساتهم: مدرسة أمهات المؤمنين، معهد حراء الإسلامي، وأعجب بذلك وعرض على البناء أن يعمل مدرسًا لدى الحركة، وتوسعت علاقة حسن البناء بأطراف المعارضة اليمنية عام 1937 عندما تلقي الدراسة في الأزهر، وجاءت زيارة أحمد محمد النعمان إلى القاهرة، ومن ثم لحق به محمد محمود الزبيري بحسن البناء وترددهم على مقر المركز العام للجماعة، فاهتم حسن البناء بهما، وانضم الزبيري إلى جماعة الإخوان المسلمين بعد تعرفه في القاهرة على حسن البناء والفضيل الذي تحدث عنه الزبيري بأنه احد العمالقة الذين نقلوه إلى مرحلة الصفاء الروحي الورتالني.

من هنا بدأ حسن البناء يرى أن اليمن أنسب بلد بإقامة الحكم الإسلامي الصحيح، وأن المناخ مناسب للإخوان المسلمين ليعملوا فيها. فكان يهتم بها اهتماما خاصًا، فبدأ تأسيس تنظيم طلابي عرف بـجماعة الطلبة العرب، وحركة منظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتيبة الشباب اليمني.

تعرَّف الإخوان إلى القاضي حسين الكبسي الذي وصفوه بالرجل الذكي أثناء حضوره الاجتماعات، إنشاء الجامعة العربية عام 1944م وما أن تعرف بهم حتى وقع ما كان يحذره الإمام يحيى، إذ فتحت عيناه على الدعوات التحررية الداعية إلى الثورة على الظلم والاستبداد حتى اختمرت في ذهنه فكرة كانت نواة الثورات المتلاحقة في اليمن، لذا فإن فكرة إعداد الشعب اليمني للثورة نبتت في المركز العام لجماعة الإخوان  للأخوة الإسلامية والجهاد المخلص لرفع راية الإسلام، فمنحوهم الثقة، وكانوا يرون في الإخوان رمزًا، فحصلت جماعة الإخوان ولاءً وانتماءً بشكل لم يتكرر مع بلد آخر([1]).

التقى حسن البناء في موسم الحج عام /1946 1365هـ بالمعارض اليمني القاضي عبد الله الشماحي المبعوث من أحمد المطاع، وعبد الله بن أحمد الوزير، إلى الملك عبد العزيز لطلب دعمه من أجل تغيير النظام في صنعاء، ووعد حسن البناء الشماحي بمساعدة الجهاد اليمني، وفتح أبواب الجماعة نظام الحكم في اليمن للشباب اليمني الذي جاء للدراسة إلى مصر. وعلى إثر هذا اللقاء تدفق المدرسون المصريون المنتمون لجماعة الإخوان إلى اليمن، حاول حسن البناء التدخل بأن يكون واسطة بين الإمام يحيى وشعبه؛ فانتهز فرصة وجود صالح محسن سكرتير ولي العهد أحمد في مصر ليحمله رسالة شخصية لولي العهد، حثه فيها على التوسط لدى الإمام للنظر في مطالب أحرار اليمن بالإصلاحات.

أعد حسن البناء خطة ذكية بهدف التغلغل في اليمن، إذ انتهز الأساتذة المصريون الذين يعملون باليمن فرصة تواجد حفيد الإمام يحيى سيف الإسلام محمد البدر ابن ولي العهد أحمد في القاهرة للعالج فدعوه لحضور إحدى ندواتهم التي تقام في المركز العام للجماعة، فتعرف حسن البناء بالبدر، والتقى الأخير مع الطلبة اليمنيين الدارسين في مصر، وتوطدت العالقة بين الجميع، وقام البناء بدعوتهم لقضاء يوم في محافظة الفيوم، وفي إحدى الندوات تعرف الجميع على الفضيل الورتالني الذي أخذ يجتمع باليمنيين بعد انتهاء الندوات، ويزورهم في الفندق، وتردد على سيف الإسلام البدر، ثم انضم إلى المجموعة صاحب شركة اتوبيس الشرقية صديق المرشد العام محمد سالم سالم، وهنا تطورت العلاقات بين البدر وهذه الشخصيات، وكان دخول الفضيل الورتالني ليؤسس شركة تجارية جديدة لشراء وتصدير السيارات والآليات إلى اليمن، وكان الإمام يحيى رافضًا، واستطاع البدر إقناع أبيه بأن الورتالني يمتلك علمًا ودينًا كبيرين.

كلف الورتالني من قبل الجماعة بالحضور إلى اليمن والمشاركة الفعلية بالتهيئة للثورة، ودخل البلاد في نيسان 1947م وبعد اطالعه على أوضاع البلد غادر اليمن إلى القاهرة، وفي شهر آب من العام ذاته عاد مرة أخرى إلى اليمن عن طريق عدن، والتقى بأعضاء الجمعية اليمانية الكبرى، ثم غادرها إلى تعز، والتقى فيها بسيف الإسلام أحمد الذي قربه لمجالسه الخاصة،  لاسيما والورتالني من أعظم علماء الدين الإسلامي، ثم التقى الورتالني بالقوى الوطنية في تعز، وغادرها الى صنعاء ولم تمنع ولي العهد من الشك به إلى صنعاء([2]).

يقول أحمد الشامي عن الميثاق المقدس: بأن الورتالني عندما عاد إلى اليمن في المرة الثانية جلب معه الميثاق الوطني المقدس في مسودته الأولى قبل المواد التي أضيفت إليه، وقبل التعديلات التي أجريت عليه، ولكنها تضمنت أهم المواد التي سيبايع بموجبها الإمام الدستوري الذي سوف يختاره أهل الحل والعقد بعد وفاة الإمام يحيى، وأخبر الورتالني الشامي أن معظم رجال اليمن اجمعوا على هذا الميثاق، وأن حسن البناء اطلع عليه بنفسه، وكذلك بعض زعماء المسلمين في مصر والعراق والشام، وأنهم سيؤيدون هذه الدعوة ويساندونها.

 وكان التعاهد على أساس أن يعلن المؤتمرون عن أنفسهم بعد وفاة الإمام يحيى، وكان المجتمعون هم حسين الكبسي، الفضيل الورتالني، جمال جميل، أحمد المطاع، أحمد الشامي، والممثل الشخصي لعبدالله بن أحمد الوزير النقيب عزيز يعني المطري، القاضي عبد السالم صبرة، محمد حسين عبد القادر، وبعد اجتماعات عدة اتفقوا نهاية تشرين الأول عام 1947م على وضع الخطط العريضة للثورة، وهي: اختيار عبد الله بن أحمد الوزير إمامًا دستوريًّا وشورويًّا يتماشى مع نظام دول العصر الحديث، والاتفاق على صياغة الميثاق الوطني، وتشكيل مجلس شورى، وتشكيل حكومة وطنية، وتكليف جميل جمال الذي كان يحضر الجلسات مع الأحرار؛ بأنشاء تنظيم عسكري داخل الجيش تحت قيادته وتشكيل خلايا سرية في الجيش.

مما سبق تبين أن:

رأى حسن البناء في اليمن أرضًا صالحةً لأفكاره؛ لجهل وتخلف وفقر شعبه، وأن بالإمكان صياغة فكرهم وآرائهم من جديد، وأن ظلم واستبداد نظام الأئمة القائم آنذاك في اليمن يسهل من عملية تغيير السلطة والاتجاه من شيعي زيدي إلى سني إخواني، وعودة الخلافة الإسلامية من جديد من خلاله، كما أن الموقع الاستراتيجي لليمن يجعل من موارده الاقتصادية أساسًا متينًا للإقامة الخلافة الجديدة. وأنه سيكون نقطة انطلاق جيدة للفكر الإخواني، فضلًا عن ذلك يستطيع خلق قوة بشرية تكون يده الضاربة لتحقيق أهدافه. وفي الوقت ذاته كانت مصر تضيق ذرعًا بالإخوان المسلمين، فكان لابد من مغادرتها إلى مكان آمن يلقى فيه القبول، وهذا ما جعله يفكر بالسفر إلى اليمن بعد الثورة ومقابلة القبائل وتهدئتهم، وربما أراد بذلك سحب البساط من الإمام الجديد عبدالله بن أحمد الوزير.

 المرحلة الثانية: التمرد والانقلاب على الحكم في اليمن: (1948م – 1962)

بدأت المعلومات تتسرب من بين صفوف حركة الإخوان؛ فكان الخوف هو السائد من رد فعل الإمام يحيى بعد انكشاف خططهم ورجالهم، فوضعوا ودبروا أمرهم، واجتمعوا في صنعاء في رسم خطة ثانية بعد الإشاعة الكاذبة بموت الإمام يحيى وانكشاف أمرهم، فقرروا قتل الإمام غداة اليوم التالي عند خروجه حول صنعاء، وقتل ولي العهد أحمد بتعز بالتوقيت ذاته، وتم تعيين الأشخاص الذين سوف يقومون بالمهمتين، اختاروهم للتنفيذ بعد طلب فتوى العلماء والتوقيع عليها من قبل عبدالله الوزير، تلك الفتوى التي تبيح قتل الإمام يحيى. ويذكر آخرون أنه قرأ عليهم حكمًا أصدره حاكم المقام محمد بن محمد الوزير وزيد الموشكي وصادق عليه شرعيًّا.

 قرر ولي العهد البقاء خارج صنعاء – مكان الخطر الرئيس – ففي ذلك نجاته في حالة قيام ثورة يمنية، واستطاع مراوغة أبيه بالوصول إلى صنعاء إلى أن قام الثوار بتنفيذ مخططهم. وتم قتل الإمام يحيى يوم الثلاثاء المصادف 17 شباط 1948م في سواد حزيز، وهو في طريق عودته من جولته التفقدية اليومية على بعد كيلومترات عدة من صنعاء، وقتل مع الإمام كل من كان في سيارته وهم: كبير وزرائه القاضي عبد الله بن حسين العمري، وحفيده الحسين بن الحسن، وسائق الإمام، وخادمه، ونفذ المهمة علي بن ناصر القردعي، ومحمد بن قايد الحسيني ورفاقهما. وفشل المكلفون بقتل ولي العهد في تعز؛ بل استطاع مغادرتها إلى حجة([3]).

بعد حادثة اغتيال الإمام يحيى أرسل ولي العهد أحمد رسالة إلى ابن الوزير، وهو في طريقه من تعز إلى حجة، جاء فيها: من أمير المؤمنين المؤيد بالله الناصر أحمد.. إلى الناكث الذليل الحقير عبدالله الوزير. لقد ركبت مركبًا صعبًا عن طريق الغدر والخيانة، وأنك ستسقط إلى الهاوية في القريب ذليلًا حقيرًا، وأني زاحف إليك بأنصار الله التي سترى نفسك تحت ضرباتهم  معفرًا مزيدًا، والعاقبة للمتقين، والله المستعان، وأرسل من الحديدة في طريقه إلى حجة رسالة إلى الملك عبدالعزيز بن سعود بواسطة حاكم الحديدة حسين الحاللي؛ أعلمه فيها بالحادث وخطورته التي لا تقف عند اليمن، وأن مقتل والده ممن يسمون أنفسهم بالأحرار والإخوان المسلمين، وهما خطر على العروش والأسر والملوك، وعلى الدين…، وطلب من ابن سعود أن يتناسى عمَّا كان بينهما من خلاف، وأن اليوم غير الأمس، وأنه سيكون له ابنٌ متى ما كان أبًا واستمد منه النجدة والمؤازرة، وأرسل إليه أمير جيزان رسالة من الملك السعودي في شباط 1948م، يبلغه فيها مؤازرته وحثه على خوض المعركة في استبسال، ووعده بالمساعدة إلى آخر نفس([4]).

وقد وقف الملك ابن سعود موقفًا معارضًا لابن الوزير، ثم قابل وفد ابن الوزير الذي زار الرياض ببرود شديد، إذ كان يخشى من انتشار هذه الأفكار والأعمال في بقاع الجزيرة، وبذكاء ابن سعود وسياسته سمح للوفد بالتكلم في عدائية ضد الأسرة الحاكمة، وفي نهاية حديثهم صرخ ابن سعود في وجههم كيف تستطيعون الحضور إلي وتطلبون معونتي وأنا صديق سيدكم، ثم أشار بأصبعه إليهم، وقال: أنتم أيها الناس قتلة.. وقد أتيتم إلي كضيوف ولا رأي عندي، واسمعتموني ما عندكم، وأنا لا أستطيع إلا أن أقول لكم: اتركوا بلادي وغادروا([5]). وكان لمصر موقفٌ معارضٌ، إذ رأى القصر الملكي في مصر أن اشتراك الإخوان المسلمين في المؤامرة يعد دليلًا على خطورتها بالنسبة للوضع في مصر.

اتضح أن موقف المملكة العربية السعودية ومصر كان واضحًا في مواجهة هذا الفكر التكفيري الذي يؤدي إلى استخدام العنف في تغيير السلطة الشرعية، ويُعدُّ أمرًا ينذر بالخطر على مستقبل الأنظمة في المنطقة، لاسيما أن هذه الخطوات قامت بدعم مباشر من حركة الإخوان المسلمين وسوف تنتشر تباعًا بمساعدة الإخوان المسلمين، وأن أغلب الذين نفذوا هذه المؤامرة هم أعضاء في جماعة الإخوان، وبذلك لا يستطيع إيقاف الزحف الإخواني الثوري ضد الأنظمة العربية. كما أن الحركة في اليمن بحد ذاتها خطرة على الأنظمة الملكية في الجزيرة العربية بخاصة وفي المنطقة العربية بعامة، والذي جعلها غير محببة قيام الثوار بقتل الإمام يحيى الطاعن في السن.

مما سبق تبين أن الإخوان المسلمين قاموا بدور قيادي بارز في اليمن سواء في تنشيط حركة المعارضة، أم في بلورة أفكارها وتحديد أهدافها السياسية، أم في الإعداد وتنفيذ ودعم ثورة 17 شباط 1948م، فهي أول ثورة في العالم الإسلامي كان لإخوان المسلمين دور فيها. وأن ما نشرته صحيفة إخوان المسلمين خلال شهري كانون الثاني وشباط عام 1948م دليل واضح ومهم على الدور الذي قام به الإخوان لتغيير نظام الحكم في اليمن.

المرحلة الثانية: التوسع والانتشار 1962- 1990:

افتقد الإسلاميون أهم مرجعياتهم، بعد مقتل الزبيري ورحيله المبكر، لكن المكونات المتميزة في شخصية المخلافي، جمعت أصحاب كل تلك البدايات تحت قيادته في أواسط الستينيات، فقد تم اختيار الأستاذ عبده محمد المخلافي أمينًا عامًا للحركة الإسلامية في اليمن، واندمجت البدايات المتعددة للعمل الإسلامي في إطار كيان واحد بما في ذلك العمل الإسلامي الذي كان ينشط في مدينة عدن تحت لافتة ’’المركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي’’، ولتوحيد الرؤية والجهود عُقِدَ في مدينة تعز بتاريخ 28 سبتمبر 1966م أول اجتماع لمناطق العمل، دعا إليه ورأسه الأستاذ عبده محمد المخلافي، وحضره كل من: عبدالواحد الزنداني، والقاضي أحمد أحمد سلامة، والأستاذ محمد عبدالله اليدومي، والأستاذ عبدالسلام العنسي، والأستاذ عبدالملك داود، والأستاذ محمد علي بن أحمد شملان(السماوي)، ويحيى بن أحمد صبرة، والشيخ محمد حسن دماج، واتُّخِذ في هذا الاجتماع قرار بضرورة النهوض بواقع العمل الإسلامي في اليمن.

ففي شهر سبتمبر 1966م تم إعفاء عدد كبير من الشخصيات التي اختلفت مع الرئيس السلال والقيادة العربية المصرية من المناصب السياسية والإدارية.. وجرت عمليات اعتقال واسعة، قدرت المصادر الغربية حصيلتها بألفي معتقل من مختلف التيارات السياسية، وفي ذلك الجو تم اعتقال عبده محمد المخلافي مع ثمانين شخصًا آخرين من مدينة تعز، ونقل إلى سجن القلعة في صنعاء، واستمر فيه ثلاثة أشهر، فيما عاد علي فارع العصيمي إلى قريته، وانتقل كل من: عبدالمجيد الزنداني، ومشرَّف عبدالكريم المحرابي، وعبدالسلام خالد كرمان إلى عدن، وانغمس هؤلاء في النشاط الدعوي والحركي فيها، فتولى الأستاذ الزنداني إدارة معهد النور بمدينة عدن، وتولى الأستاذ عبد السلام خالد التدريس في المعهد الإسلامي، ونشط في العمل الدعوي في مسجد أبان وعدد من مساجد حي(كريتر)، وأسهموا في إعداد مشاريع نظام داخلي موحد للمركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي بعدن والمركز الإسلامي في تعز.

وبعد خروج القوات المصرية وقيام حركة نوفمبر 1967م، تنفست الحركة الإسلامية الصعداء (تنفسًا نسبيًا)، فعاد الأستاذ المخلافي إلى التدريس في المدرسة الثانوية الوحيدة آنذاك، وبناءً على مطالب عدد من التجار والمشائخ والمواطنين، تم تعيينه مديرًا لفرع التربية بلواء تعز، كما عاد الأستاذ الزنداني، ومشرف عبدالكريم من عدن إلى صنعاء، أما الأستاذ عبدالسلام خالد كرمان فقد حصل على منحة دراسية إلى بغداد، وأسس هناك وإلى جانبه الأستاذ عبدالستار الشميري لعمل إسلامي بين الطلاب الموفدين من شمال اليمن وجنوبه.

وبوصول القاضي عبد الرحمن الإرياني إلى السلطة، مدعومًا من مشائخ القبائل، وحزب الأحرار اليمني، وحزب البعث، والإخوان المسلمين، توفرت أجواء مناسبة للإخوان أفضل مما كانت عليه في عهد الرئيس السلال، فقد تم تقليص نفوذ التيارات اليسارية والقومية الراديكالية، وانتقلت السلطة إلى شخصية مدنية معروفة بخلفيتها الدينية.

فقد تعين الأستاذ عبده محمد المخلافي مديرًا لمكتب التربية بمحافظة تعز، واتجه بقية أعضاء التنظيم وفي مقدمتهم الأستاذ عبدالمجيد الزنداني، للعمل بين الأوساط الطلابية في مدارس العاصمة صنعاء.

وفي عام 1968م تم تعيين الأستاذ المخلافي عضوًا في المجلس الوطني، الذي كان من مهامه صياغة دستور دائم، والإعداد لانتخابات مجلس الشورى، وفي شهر مايو1969م توفي في حادث مروري غامض، وتعرض العمل الإسلامي بعد وفاته إلى حالة إرباك جديدة، وسرعان ما اجتمع أبرز الإخوان، واختاروا الأستاذ عبدالمجيد الزنداني مراقبًا عامًا للجماعة، والأستاذ ياسين عبدالعزيز نائبًا له ومسؤولًا عن العمل في منطقة تعز، وفي الاجتماع نفسه أُقرت أول وثيقة تنظيمية تهدف إلى بلورة النشاط التنظيمي للحركة.

وفي عام 1970م اتخذت قيادة الحركة قرارًا بمد النشاط الإخواني إلى المدن الرئيسة، وكُلف الأستاذ عبدالستار الشميري ليتولى قيادة العمل في مدينة الحديدة والأرياف التابعة لها، حيث اُستصدر له قرار من وزير التربية والتعليم –حينذاك- الأستاذ أحمد جابر عفيف لتعيينه نائبًا لمدير مكتب التربية والتعليم في محافظة الحديدة، وهكذا نشط العمل التنظيمي في ثلاث مناطق: صنعاء ويتبعها عدد من المحافظات وكان المسئول عن العمل فيها القاضي العلامة أحمد أحمد سلامة، وتعز وتتبعها محافظة إب ومسؤولها الأستاذ ياسين عبدالعزيز، فيما استمر الأستاذ عبدالستار الشميري مسؤولًا عن العمل التنظيمي في الحديدة.

في تلك الفترة وتحديدًا عام 1971م، تعرف الإخوان في اليمن على خبرات تنظيمية من عدد من قيادات الإخوان المسلمين في بعض الدول العربية، أسهمت في بلورة العمل التنظيمي وترتيبه داخل الحركة. حيث فاز أربعة من الإخوان بعضوية مجلس الشورى، والذي تم انتخابه في عام 1971م، وهم: أحمد محمد الأكوع، وعلي محمد الأكوع، عبدالسلام العنسي، عبدالسلام خالد كرمان، وشغل الأخير منصب أمين عام المجلس.

وتصاعد التوتر بشكل أشد على إثر الخلاف بين الرئيس الإرياني ومجلس الشورى، نتيجة لتوقيع رئيس الوزراء محسن العيني لاتفاقية القاهرة مع الشطر الجنوبي، بعد انتهاء الحرب بين الشطرين عام 1972م، ودفاع الرئيس الإرياني عن العيني، وتوقيعه لاتفاقية طرابلس مع رئيس الدولة في الجنوب سالم ربيع علي، في ذلك الوقت هاجم عدد من المحسوبين على الإخوان الرئيس الإرياني علنًا، وفي مقدمتهم الشيخ عمر أحمد سيف والأستاذ سعيد فرحان، مما دفعه إلى حبسهم برغم أنهما عضوان في مجلس الشورى.

وفي عام 1975م، أُخذت البيعة للقيادة من أعضاء الحركة، بمن فيهم الأعضاء القدامى، لأن البعض لم تؤخذ منهم في المرحلة السابقة، ولهذا فقد كان العضو المؤسس من الإخوان يؤدي البيعة من جديد مع تلاميذه وتلاميذ تلاميذه، أي مع الصف الثاني والثالث، وبذلك تم بناء ما يشبه الهيكل التنظيمي للحركة.

فُتحت ميادين جديدة للعمل الإسلامي أمام الحركة الإسلامية في بداية فترة حكم الرئيس إبراهيم الحمدي في منتصف عام 1974م، والذي حرص على كسب مزيد من الشعبية والتقرب من العلماء، فقرر تشكيل ثلاث مؤسسات تعليمية وإرشادية حكومية، وأوكل إدارتها إلى شخصيات من الإخوان المسلمين أو مقربة منهم، فقد أصدر قرارًا جمهوريًا بإنشاء مكتب للتوجيه والإرشاد، وأوكل رئاسته إلى الأستاذ عبدالمجيد الزنداني برتبة وزير، وقرارًا آخر بتشكيل الهيئة التربوية العلمية، على أن يكون من مهامها العناية بالمعاهد التي تُخرج علماء الشريعة والقضاة، وأوكل رئاستها إلى القاضي الصفي أحمد عبدالرحمن محبوب، وقرارًا ثالثًا بتشكيل الهيئة العامة للمعاهد العلمية، وجعل على رأسها القاضي يحيي بن لطف الفُسيل، وهي كما هو ملاحظ مؤسسات تقع في صلب اهتمامات الإخوان في تلك المرحلة.

كان الرئيس الحمدي يُؤمل في استخدام حركة الإخوان في صراعه مع القوى السياسية والاجتماعية الأخرى، وحاول أن يجذبهم إليه، غير أن الإخوان كان لديهم القدرة على أن يقيموا توازنًا بين علاقتهم مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وبين سلطة الرئيس الحمدي، فلم يكن أحدهم قادرًا على أن يؤثر على الحركة بحيث تقطع علاقتها مع الطرف الآخر، فقد كان الشيخ عبدالله حليفًا للحركة ولها من يمثلها لديه في خمر، وفي الوقت نفسه كان لها مَن يتواصل مع الرئيس إبراهيم الحمدي، وهذا لا ينفي حدوث بعض التوترات مع سلطة الرئيس الحمدي، غير أنها سرعان ما تتبدد بحدوث لقاء معه، خاصة وأن الرئيس الحمدي كان رجل حوار .

وفي عام 1980م بدأت الحركة ببناء تحالف استراتيجي بين الحركة ونظام الرئيس علي عبدالله صالح، فقد استدعى مخاطر العمل العسكري الذي يقوم به تنظيم اليسار الماركسي، مفاتحة الحركة للرئيس، وكشفها عن قيادتها، ودعوته إلى التعاون معها لمواجهة تلك المخاطر، وهي المرة الأولى التي تتعامل الحركة بهويتها الحقيقية مع رئاسة الدولة، فمع أنها كانت معروفة لقيادات الدولة والقيادات السياسية في المرحلة السابقة، إلا أنها كانت تفضل التعامل من خلال لافتات سياسية واجتماعية أخرى.

استمات الإخوان المسلمون في المواجهة العسكرية والفكرية مع تيار اليسار، ووثقوا علاقتهم بالرئيس وأعوانه، وبالواجهات الاجتماعية المتضررة من ذلك، وأقنعوا الرئيس بقوتهم وفائدة التحالف معهم.

ومكنهم التحالف الفكري والعسكري من بناء تحالف في القضايا السياسية والتنظيمية مع الرئيس، فتعاون الطرفان لصياغة الميثاق الوطني، وتشكيل المؤتمر الشعبي العام، والذي أصبحوا جزءًا فاعلًا فيه، وبمقادير متفاوتة تولوا الدفاع عن النظام، وتوفير البعدين الفكري والشعبي له.

وفي مقابل تحالفها مع النظام، حصلت الحركة الإسلامية على الأمن وشرعية التحرك والنشاط، وتحررت من القيود التي يفرضها الشعور بالخوف والقلق اللذين لازما كثيرًا من الحركات الإسلامية الأخرى، واستطاعت أن تنتشر جغرافيًّا في كل المحافظات، فقد توفر للإخوان مناخ مناسب لنشر أفكارهم وتجنيد الأعضاء، فتوسع العمل الدعوي الجهادي والتنظيمي، وتجاوز عواصم المحافظات والمدن الكبيرة إلى الأرياف والقرى، فقد أرسل التنظيم الإخواني أفرادًا متفرغين للعمل الدعوي وتأسيس التنظيم في كثير من المناطق، وكثفوا جهودهم لنشر المعاهد العلمية التي مثلت محاضن فكرية وتربوية لتخريج الآلاف من الأعضاء الجدد، ونشط العمل الدعوي في المساجد، وأثمرت جهود الإخوان المبكرة في العمل في مجال التعليم وتوحيد المناهج، كما تمكنت من الحضور في بعض مؤسسات الدولة، وبالذات في الإرشاد والتعليم، وفي السلطة التشريعية، والمجالس المحلية، وتنظيم المؤتمر الشعبي العام، وبعض الاتحادات والنقابات، وتولى بعض أعضائها والمقربين منها إدارة عدد من الوزارات والمصالح والمؤسسات الحكومية الأخرى.

ساعد جو الاستقرار العام في اليمن الحركة الإسلامية على النمو والتطور والتوسع.. وكانت السلطة تُعدُّ هذا الأمر ضروريًا للتخفيف من مخاطر توسع التيارات اليسارية المختلفة، التي كانت تحظى بدعم مالي من عدة دول عربية، وكانت السلطة ترى أن نمو بنية الحركة الإسلامية لن يشكل خطرًا على البلاد، بسبب غياب أية إمكانيات لحصولها على دعم خارجي، وبالتالي تنتهي إمكانية تورطها في مؤامرات ضد النظام.

وهكذا فخلال الثمانينيات توسعت البنية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين واكتسبت جماهيرية كبيرة لم تحظ بمثلها قبل ذلك، وأتاحت علاقتها بالسلطة أن تصبح الجماعة السياسية الأكثر نشاطًا، وبفضل ذلك استطاعت أن تحتل الموقع الأول بين الأحزاب السياسية السرية في انتخابات مجلس الشورى عام 1988م .

فقد جرت في يوليو 1988م أول انتخابات نيابية للسلطة التشريعية(مجلس الشورى) بالاقتراع السري، حيث تم تقسيم الجمهورية إلى 128 دائرة، وانتخاب 128 عضوًا لمجلس الشورى، وبالرغم من تحريم الحزبية إلا أن التيارات السياسية كانت موجودة وقائمة على أرض الواقع، فقد تمت الانتخابات وسط تنافس حاد في عدد غير قليل من الدوائر بين تيار الإخوان المسلمين وأنصارهم من جهة، وبين مرشحين من الشخصيات والقوى اليسارية والمستقلين من جهة أخرى.

أوضحت نتائج الانتخابات الحجم الكبير للإخوان المسلمين، فقد حصلوا على ’’ستة وثلاثين’’ مقعدًا، فأسفرت نتائج الانتخابات _ بحسب أحد المهتمين بالشأن الانتخابي _ عن فوز كبير للإخوان .[6]

وكانت مرحلة الصراع الأفغاني الروسي دافعًا قويًّا في ظهور تلك الحركات الإسلامية في اليمن للعلن، ومثَّل اجتياح السوفييت لأفغانستان بداية ذلك الظهور، فقد أدى ذلك الاجتياح لتعاطف شعبي واستغلته هذه الحركات للدعوة إلى الجهاد في أفغانستان ضد السوفييت، وهو ما لقي قبولًا شعبيًّا كبيرًا حيث تم استغلال هذه الظروف لإعطاء الطابع الدولي للحركة الاسلامية اليمنية من خلال التنديد بالتدخل الروسي.

من المعلوم أن معظم التنظيمات الإرهابية كان مسرح أحداثها في أفغانستان، حيث اختارت الولايات المتحدة الأمريكية أواخر سبعينيات القرن المنصرم ذلك البلد ساحة لإغراق الاتحاد السوفييتي في حرب لا تمكنه من التموضع في أفغانستان ناهيك عن محاولاته الوصول إلى المياه الدافئة.

في غضون تلك الفترة انتصرت طالبان وعاد معظم المقاتلين من البلدان العربية، ونشأت كثير من التنظيمات ذات التيار الإسلامي المتطرف في بلدانهم، تلك التنظيمات التي تتبنى فكرة الجهد ضد المشركين في الوطن العربي والإسلامي، والكفار في العالم، وقام نشاطها بأعمال عديدة ومثيرة، وتتالت الأحداث في مختلف مناطق العام بدءًا في اليمن الجنوبي الذي يعد في نظرهم شوعيًّا مشركًا، ومرور بمصر والجزائر… وغيرها من البلدان.

إن اعتماد معظم تلك التنظيمات على أداتهم الإيديولوجية والتنظيمية التعبوية بشكل ناجح في الصراع مع الإيديولوجية الماركسية التي كانت خصمًا قويًا له قبل الوحدة، دخل الإسلاميون إلى جانب النظام في الصّراع المسلّح العنيف مع الجبهة عبر صيغة المعاهد الإسلامية في تلك المرحلة، علاوة على شراكتهم في منظومة إقليمية تموّلها بعض الدول العربية، وبإدارة أمريكية، وموافقة رسمية على تغذية “العمليات الجهادية” في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي “الكافر[7].

المرحلة الثالثة: التحالفات السياسية ضد شريك الوحدة: 1990- 1994م :

تعود الجذور الأولى للظاهرة الإرهابية في اليمن إلى التداعيات التي أعقبت الحرب الباردة بين محور الشرق بقيادة روسيا ومحور الغرب بقيادة أمريكا، فبعد عودة المقاتلين العرب بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي وانتصار حركة طالبان عاد معظم المقاتلين إلى بلدانهم، وكانت الرحلات المكوكوية من أفغانستان إلى اليمن شبه يومية حيث قدر باحثون أعداد الأفغان العرب العائدين إلى اليمن بحوالي (10000) مقاتل.

التدريب والتحشد للحرب الأفغانية الروسية

 من الطبيعي لشخص مثل الزنداني اليمني أولًا، والمبتدئ في حقل الدعوة والجهاد ثانيًا، أن يبقى في الظل حتى تأتيه المصادفة بفرصة تنقله إلى عالم الأضواء، وكان ذلك مع الحرب الأفغانية، ونشوء ظاهرة المجاهدين العرب في نهاية السبعينيات التي صنعتها الاستخبارات الأميركية تحت إدارة جورج بوش الأب، بتمويل سعودي، وتحوّل اليمن إلى معسكر للتدريب بالتفاهم مع الرئيس علي عبد الله صالح، الذي كان قد وصل إلى الحكم حديثًا.

وكان للزنداني دور أساسي في تكوين حركة الأفغان العرب، فهو الذي تولّى شؤون المعسكرات في اليمن للاستقبال والتدريب والتعبئة الفكرية والإرسال إلى أفغانستان، وعلى الطرف الآخر في بيشاور كان أسامة بن لادن يستقبل المتطوعين القادمين بجوازات سفر يمنية شمالية، وكانت الغالبية العظمى من اليمنيين، فضلًا عن مصريين وليبيين وجزائريين وجنسيات أخرى.

 وقد أصبح الزنداني وبن لادن قطبي العملية، حين انتقل الزنداني إلى الميدان، لكنّه لم يستقرّ هناك، وظلّ يتنقل بين أفغانستان والسعودية والمعسكرات اليمنية. وقد اكتسب صفة الأب الروحي للأفغان العرب، فيما كان بن لادن رجل الميدان. ولعب القطبان على العصبية اليمنية في الجهاد الأفغاني، بالتنافس مع المصريين الذين كانوا أكثر عددًا، علمًا بأن مجيء اليمنيين في المرتبة الثانية لم يقلّل من قيمة حضورهم في الصدارة بفضل الشجاعة التي كانوا يتحلّون بها في ساحات القتال([8]).

وقد عالج غريغوري جونسن في كتابه “الملاذ الأخير”، التناقضات بين اليمن وحكومات عربية أخرى في دعمها للجهاد في أفغانستان ضد السوفيات، لا سيما في ظل توجه المزيد من المقاتلين العرب إلى أفغانستان منتصف ثمانينيات القرن الماضي. وأشار جونسن إلى أن معظم الحكومات العربية “دعمت علنًا الجهاد رادعةً سرًّا شبابها من السفر إلى أفغانستان”. في المقابل، أرسلت الجمهورية العربية اليمنية الشمالية العديد من “أفضل وألمع” شبابها إلى الخطوط الأمامية للقتال، حيث أصبحت الرحلة بمثابة طقس عبور للكثيرين.

التحالفات بين صالح والأحمر والزنداني

في هذه الفترة، حين عملية وضع اللمسات الأخيرة على مشروع إعلان الوحدة، التقى الزنداني، ومن خلفه الإخوان المسلمون، مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ أكبر قبائل اليمن (حاشد)، والرجل القريب جدًا من الرئيس علي عبدالله صالح ومفتاحه في العلاقات مع السعودية. وكانت ثمرة اللقاء تأسيس حزب «التجمع اليمني للإصلاح»، كناية عن زواج الإخوان بالقبائل، وقام هذا الحزب على تبادل مصالح، فالإخوان الذين كانوا بلا رصيد جماهيري باتوا يحسّون بامتداد داخل الوسط القبلي، والشيخ الأحمر الذي لم تكن له صفة حزبية بات يشعر بأنه من خلال مركزه القبلي يمسك بورقة الإسلاميين في اليمن، الإخوان والأفغان على أساس أن الزنداني ظل في موقع الأب الروحي لهؤلاء. لكن المستفيد الأكبر من المولود الجديد هو الرئيس صالح الذي بات يمسك بورقتي(القبائل والإسلاميين)، وبما أنه على وفاق تام مع الأحمر، فقد بقي على الرئيس أن يكسب الزنداني إلى صفّه، وهو يستعدّ ليكون الرقم الأول في معادلة الوحدة[9].

  • الزنداني ومعارضة مشروع الوحدة بين جمهوية اليمن الديمقراطية والجمهورية العربية اليمنية

عارض عبدالمجيد الزنداني قيام الوحدة اليمنية، بدعوى ومبرر ديني “أنه لا يجوز توقيع اتفاقية وحدة مع دولة ليست إسلامية كما كان ينظر لها، وعدَّ الزنداني أن الوحدة مع الشيوعيين الجنوبيين “كفرًا”، وتهدد الإسلام، لكن علي عبدالله صالح عقد معه تحالفات استراتيجية، اشترطها الأول بتصفية الناصريين القوميين في صنعاء، الذين كان يعتقد الزنداني أنهم يشكلون خطرًا على الإسلام، ثم اتفق حزب المؤتمر الشعبي العام مع التيارات اليمنية المتطرفة في مواجهة اليسار الجنوبي.

واستطاع صالح أن يقنع الطرفين الأحمر والزنداني في هزيمة هؤلاء الشوعيين عبر الوحدة، وأن لم تكن الوحدة هي الوسيلة الأسهل لما استطعنا أن نحمي أنفسنا، حينها تمت التعهدات فيما بينهم للعمل القادم. ووزعت المهام بين الثلاثة الأطراف. وهكذا كان فعلًا، حيث تكوّن حلف ثلاثي قوامه(صالح والأحمر والزنداني)، خاض من خندق واحد كل الحروب منذ سنة 1990 حتى الآن.

مشروع (بن لادن والزنداني)  بإعلان دولة إسلامية باليمن[10] 

في هذه المرحة عمل نظام صنعاء عبر جناح تنظيم (الإخوان المسلمين) فرع اليمن بتجميع وحشد كافة المجاهدين العرب إلى مدينة صنعاء واستقبالهم في معسكرات تدريبية في صنعاء وبإشراف مباشر من نظام صنعاء وبدعم من المتشددين القبليين والدينيين. ويمكن شرح حماسة حكومة الشمال إزاء الحرب في أفغانستان جزئيًا بالدور الذي لعبه السوفيات في اليمن.

وفي مطلع التسعينيات، نال الأفغان العرب قبولًا رسميًّا وترحيبًا كبيرًا لغرض لدى حكومة الرئيس صالح الشمالية – حيث تبوأ بعضهم مناصب عسكرية رسمية[11].

وكانت أهداف صنعاء من هذا الحشد والتفاعل الكبير سياسيًا بامتياز في سبيل توظيف هؤلاء المقاتلين في حربهم ضد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الجنوبية التي كانت حليفة للاتحاد السوفياتي، وكانت الدولة العربية الوحيدة في شبه الجزيرة العربية تتواجد فيها قواعد عسكرية مشتركة لحماية المياه الإقليمية.

وأثمر الأمر لاحقًا ولادة جيش كبير مدرب ومنظّم، وظهر الأمر واضحًا حين انتهت الحرب الأفغانية، وعاد اليمنيون إلى بلادهم في نهاية الثمانينيات. لكن تطورًا مهما حصل بعودة الزنداني إلى حضن نظام دموي متعطش للدماء في سبيل توطيد حكمه، بينما كان بن لادن يريد تطبيق نموذج الجهاد الأفغاني في الجنوب، وهو ما حال دون تحقيقه إعلان مشروع الوحدة بين الشمال والجنوب في أيار سنة 1990م، وهنا انفرط عقد التحالف بين بن لادن والزنداني، الذي صار يشتغل لحسابه الخاص على محورين، سياسيًا على جبهة الإخوان المسلمين.

وجاءت قضية دستور مشروع دولة الوحدة لتظهر الخلاف بين بن لادن والزنداني، فقد كان بن لادن مع تجييش رجال الدين في اتجاه قيام دولة إسلامية في الجنوب والشمال معا، بينما وقف الزنداني في اتجاه النص في الدستور على أن «الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع.

الزنداني من تواربوا إلى قصر الرئاسة اليمينة

الزنداني من عضو تنظيم إرهابي إلى عضو مجلس رئاسة في اليمن

لم تكن العضوية في المجلس مبنيّة على أي معايير واضحة، رغم أنها التزمت بتوازن جغرافي تقريبي، حيث كان ثلاثة من أعضاء المجلس من شمال اليمن وهم الرئيس علي عبدالله صالح وعبدالعزيز عبدالغني وعبدالكريم العرشي، واثنان من جنوب اليمن الرئيس علي سالم البيض وسالم صالح محمد، ونظرًا للاختلالات بين شمال وجنوب البلاد من حيث عدد السكان، حصل الحزب الاشتراكي على ثالث أكبر عدد من المقاعد في أول برلمان منتخب بعد الوحدة، بعد حزبين شماليين في الغالب وهما المؤتمر الشعبي العام بقيادة صالح والتجمع اليمني للإصلاح، وهو حزب إسلامي مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين. ولعكس هذه النتائج في المجلس، استُبدل رجل الدين المتشدد عبدالمجيد الزنداني بالعرشي([12]).

ومن هنا أصبح الإرهاب رسميا في الدولة الجديدة فنال الأفغان العرب قبولًا رسميًا وترحيبًا كبيرًا لغرض لدى حكومة الرئيس صالح الشمالية – حيث تبوأ بعضهم مناصب عسكرية رسمية.([13])

لقد كانت الفترة الأولى للوحدة تتّسم باضطراب سياسي كبير، يعود لجملة من الأسباب: أولها إن الوحدة بالنسبة إلى الرئيس(صالح والشيخ الأحمر والزنداني) ما هي إلا ضمّ للجنوب، وبالتالي رفض معاملة الجنوبيين على أنهم شركاء، بل طرف فرضت الضرورة التعاطي معه لفترة انتقالية، ولذا يجب التخلص منه بسرعة حتى يمكن بناء النموذج الذي يوافق رؤية الثلاثي صالح ـــــ الأحمر ـــــ الزنداني. وعمل الثلاثة كل من موقعه على التعجيل بإنهاء اتفاقية مشروع الوحدة. صالح استمرّ في إدارة الدولة الجديدة بأساليب دولة الشمال، ورفض تطبيق الاتفاقات الوحدوية فيما يخص دمج الجيشين والعمل بالقوانين الإدارية التي تعطي صلاحيات واسعة لرئيس الوزراء، وخصوصًا لجهة التعامل مع المال العام.

 وأصرّ صالح على بقاء جيش الشمال وتهميش جيش الجنوب، وواصل تسيير شؤون الدولة بالهاتف. أما الأحمر، فقد بدأ بشنّ حرب نفسية على الجنوبيين، من منطلق أن الجنوب فرع والشمال أصل، والوحدة هي “عودة الفرع إلى الأصل”.

وفي هذا الوقت لعب الزنداني على وتر الدين، ورأى أنّ الجنوبيين كفار؛ لأنهم يعتنقون الفكر الماركسي، وعليه يجب إعادة أسلمتهم، ووصل إلى حد عدّ كل الزيجات التي حصلت خلال فترة حكم الاشتراكيين في الجنوب منذ سنة 1978 باطلة؛ لأنها حصلت في ظل دولة شيوعية.

بداية تنفيذ مخطط الاغتيالات السياسية ضد القيادات الجنوبية

عقب الوحدة عمل الإسلاميون السياسيون عبر “التجمع اليمني للإصلاح” على تعبئة المجتمع ضد “الاشتراكي”، وكان خطابهم العام واليومي يعمل على نزع حق الاشتراكيين في الحياة عبر توصيفهم المستمر بأعداء الدين، وهو ما شكّل تبريرًا دينيًا ضمنيًا لموجة الاغتيالات التي طاولتهم حينها.

بدأت عمليات الاغتيال التي استهدفت شخصيات سياسية بارزة من قيادات دولة الجنوب في مطلع عام 1992م بمحاولة اغتيال عمر الجاوي رئيس حزب التجمع الوحدوي اليمني، ولكن المحاولة أسفرت عن اغتيال الدكتور حسن الحريبي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الحزب.

وفي العام نفسه جرت محاولة لم يكتب لها النجاح لاغتيال عبدالواسع سلام وزير العدل، وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي. وتلت ذلك محاولة اغتيال أخرى فاشلة استهدفت أنيس حسن يحيى عضو المكتب السياسي في منتصف عام 1993م.

وفي أواخر ذلك العام جرت محاولة فاشلة لاغتيال علي صالح عباد مقبل الأمين العام الحالي للحزب الاشتراكي، وكان عضوًا في اللجنة المركزية للحزب في ذلك الوقت.

وفي منتصف عام 1993 اغتيل العميد ماجد مرشد عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، وسجل تاريخ الاغتيالات السياسية من قبل تلك التنظيمات التكفيرية كذلك محاولة اغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان رئيس مجلس النواب السابق وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي في 1993م.

وتلتها في صيف العام نفسه محاولة اغتيال حيدر أبو بكر العطّاس رئيس الوزراء في ذلك الوقت، وهو من كبار قادة الحزب الاشتراكي، وقد جرت المحاولة في العاصمة صنعاء.

ولعل أهم ما يلاحظ بشأن تلك الاغتيالات، أن أغلبها كان يستهدف رموز الحزب الاشتراكي، وأن الجناة لم يتم التعرف عليهم. وفي تصريح لأحد المسؤولين الجنوبيين قال: إن الإخلال بالأمن هو نتيجة حماية القبائل للخارجين على القانون والمتشددين الإرهابيين المدعومين من القوى اليمنية، كما أنه نتيجة لعادات الثأر. بينما يؤكد الحزب الاشتراكي ـ دومًا ـ أنه مستهدف، من قِبل القوى السياسية الأخرى المناوئة له.

وكانت البوادر الأولى لهذا التحول للحركات الارهابية في اليمن في شكلها المنظم عبر عدد من الجمعيات والمعاهد والجامعات ذات الطابع الإسلامي المناهض للتوجه الاشتراكي الذي تبنته دولة الجنوب، وكانت تلك الجمعيات والمعاهد والجامعات مرتبطة بجماعة الإخوان، المتمثلة في حزب التجمع اليمني للإصلاح، وقد تبنت تلك التنظيمات عدد من المبادئ مدعية تطبيق الشريعة الاسلامية.

لقد كانت علاقة الإسلاميين بالعنف العام في اليمن متينةً تمامًا، وهي قائمة منذ تشكلهم كقوة سياسية رئيسة في البلاد تعتمد أيديولوجيتها على وجود نقيض مستمر، “علماني”، وتتعرف على كينونتها بإنكاره كليًا.

مراحل تطور العمل السياسي للتنظيمات الإرهابية تحت عباءة الديمقراطية وممارسة النشاط الديمقراطي، ففي الانتخابات الأولى التي جرت في 93م دخل التجمع اليمني للإصلاح العملية السياسية بوصفه شريكًا مع نظام صنعاء.

وكانت تلك الانتخابات أول انتخابات برلمانية في اليمن بعد انتهاء الفترة الانتقالية بين البلدين في 27 أبريل 1993م، وكانت النتيجة تقدم الأحزاب اليمنية في صنعاء التي حصلت على (245) من أصل 301 مقعدًا بينما حصل الحزب الاشتراكي الجنوبي ممثل الجنوب في الانتخابات على(56) مقعدًا، وصارت تلك التنظيمات الإرهابية شريكًا في السلطة والثروة وصنع القرار السياسي والتشريعي.

وعندما رأى نظام صنعاء أن الانفصال تجسد على الجغرافيا الطبيعية، حيث جاءت نتائج الانتخابات مجسدة ذلك، فالأحزاب اليمنية محصورة على دوائر محافظات اليمنية الشمالية ودوائر الحزب الاشتراكي اليمني محصورة على محافظات الجنوب، حيث كان إقبال الناخبين 84.1 في المائة. أي أن مجموع الناخبين بلغ (2,262,184) كان نصيب الأحزاب الشمالية منها(1،848،780) صوتًا بينما كان نصيب محافظات الجنوب(413،404) صوتًا، مما جعل شركاء صنعاء تغير الاستراتيجية من العمل الديمقراطي إلى العمل العسكري.

     جدول رقم (1) يوضح نتائج الانتخابات التنافسية 1993م

الأصواتالمقاعد%الحزب
640,52312328.7المؤتمر الشعبي العام
379,9876217.0التجمع اليمني للإصلاح
413,4045618.5الحزب الاشتراكي اليمني

وقد علق الدكتور عبدالكريم الإيرياني، على نتائج الانتخابات بقوله: “إن المنافسة الحقيقية كانت بين حزب المؤتمر وحزب التجمع للإصلاح، وليس بين المؤتمر والاشتراكي، كما كان يشاع”.

لقد دلت على اكتساح حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يرأسه علي صالح، وقد فاز بـ 121 مقعدًا. كما برز على أرض الواقع حزب التجمع للإصلاح، الذي يتزعمه الشيخ عبدالله الأحمر.

وفي 16 مايو 1993م اختير الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، أمين عام حزب التجمع اليمني للإصلاح، برئاسة مجلس النواب اليمني الجديد، الذي أكد على أن تعديل الدستور، سيكون من أولويات عمل المجلس، وأنه سيسعى إلى تحسين العلاقات، مع المملكة العربية السعودية، والدول الخليجية الأخرى، ومع الولايات المتحدة الأمريكية[14].

جماعة الإخوان وتعثر تعديل الدستور في 11 يوليه 1993م

 تعثر الحوار حول التعديل الدستوري، بين الأحزاب اليمنية الثلاثة المؤتلفة، أمام ثلاث قضايا رئيسة، هي:

(1) الآلية التي سيتم بها تغيير شكل رئاسة الدولة، من مجلس رئاسة، إلى رئيس جمهورية، وما يرتبط بها من أمور، مثل وضع نائب الرئيس.

(2) طرح الحزب الاشتراكي، فكرة منع الرئيس ونائبه، مزاولة أي نشاط حزبي.

(3) أسلوب تحقيق، نظام الحكم المحلي.

ونتيجة للعقبات التي واجهت الحوار حول مشروع التعديلات الدستورية، الذي وصل إلى طريق مسدود، فتح مجلس النواب اليمني باب الترشيح، لعضوية مجلس الرئاسة الجديد، للجمهورية اليمنية، على أن تأخذ مسألة تعديل الدستور، الوقت الكافي لمناقشتها.

جماعة الإخوان وفشل تشكيل مجلس الرئاسة

في 11 أكتوبر 1993م انتخب مجلس النواب اليمني، مجلس الرئاسة الجديد في البلاد، المؤلف من خمسة أعضاء، بينهم الرئيس علي عبد الله صالح، ونائبه علي سالم البيض، وعضو حزب الإصلاح، الشيخ عبد المجيد الزنداني، والأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي، عبدالعزيز عبدالغني، والأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي، سالم صالح محمد.

فيما أكّد نائب رئيس مجلس الرئاسة، علي سالم البيض، أنه لن يحضر إلى صنعاء لأداء اليمين الدستورية، واعتكافه في عدن، وبرر البيض رفضه حضور الجلسة، بقوله “إن صنعاء تشكل ترسانة أسلحة، واستمرار هذا الوضع يعني إبقاءنا مقيدين، وأن نتقاتل فيما بيننا” وشدد على أنه “لا يريد الذهاب إلى صنعاء لأداء اليمين، وليمارس الكذب على الناس مرة ثانية وصرح أنه غير قادر على تحمل المسؤولية، في ظل الأوضاع الراهنة، التي لم ولن تمكنه من عمل شيء، منذ اليوم الأول للوحدة “([15]).

وفي 29 أكتوبر حذر البيض، من أن مشروع الوحدة بين الشعبين “في خطر، إذا لم نُقِمْ دولتها، ونعطها مضمونها الوطني والديموقراطيً، وشدد البيض على “أن لا أمن في دولة مشروع الوحدة”. واتهم البيض “أن من في يده الآلية في السلطة، يحول دون اتخاذ إجراءات”، وأضاف أنه يؤدي اليمين الدستورية “إذا رأى إمكانية لجدولة زمنية(لنقاط الـ18 التي طرحها)، لإجراءات عملية.

وفي اليوم نفسه تعرَّض أبناء البيض(نايف 24عامًا ونيوف 22عامًا) مع ابن خالتهما كامل عبدالحامد (23 عامًا)، لوابل من الرصاص في حي المنصورة وقُتل كامل فورًا بأكثر من ثلاثين طلقة في رأسه، وأنحاء جسمه. وأكد مصدر مسؤول في الحزب الاشتراكي، أن ثمة “دوافع سياسية”، وراء محاولة الاغتيال، التي اعتبرها “رسالة موجهة إلى البيض، بسبب صلابة موقفه”، في الخلاف مع الرئيس صالح، على برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي.

تلك كانت أهم المراحل في تكوين تلك التنظيمات الإرهابية في شكلها الأخير، هو فتح مجال ممارسة النشاط السياسي والتجاري لكل تلك العناصر المشبوهة، ومن خلال مشروع الانتخابات المقدم الذي أصبح فيه حزب “الإصلاح” (فرع “الإخوان المسلمين” في اليمن)، في عمق العملية السياسية في اليمن.

أول وثيقة عربية لمكافحة الإرهاب وموقف الإخوان المسلمين منها

تعدُّ وثيقة “العهد والاتفاق” الموقع عليها من قبل طرفي الوحدة اليمنية في عمَّان 1993م، أول وثيقة عربية لمكافحة الإرهاب، وقد تبلورت تحفظات واسعة المدى أمام تلك الوثيقة، أبدتها قيادات البرلمان، ممثلة في الشيخ عبدالله حسين الأحمر. والمعروف أن البرلمان لم يتخذ موقفًا رسميًّا مؤيدًا للوثيقة. وتعود تحفظات البرلمان إلى أن الوثيقة، ستتضمن تحديدًا لدور البرلمان، وهو ما يتعارض مع بعض نصوص مواد الدستور، كما تستهدف الوثيقة إنشاء مجلس للشورى في المستقبل، ومنحه صلاحيات تشريعية حال تشكيله.

أثيرت جميع هذه الخلافات قبل التوقيع على الوثيقة، وبقيت دون حسم، إلاّ فيما يتعلق بمكان التوقيع، والأطراف المشاركة فيه، أما الخلافات الأخرى، المتعلقة بالضمانات الأمنية لقيادات الحزب الاشتراكي حال عودتها إلى صنعاء، وكذلك دور البرلمان في تطبيق بنود الوثيقة، ومسألة آلية التنفيذ، وتعديل الحكومة، وضم أطراف من غير أحزاب الائتلاف الثلاثة، فقد بقيت تشكل عقبات دون حل، وكان يجب حلها حتى تتضح معالم الطريق أمام عملية التطبيق، التي بدورها شكَّلت حدًا فاصلًا، لما قبل الوثيقة، وما بعدها. ومن الناحية الفعلية، فإن هذه القضايا، شكلّت محتوى الصراع السياسي والعسكري فيما بعد، وأدت إلى انهيار الأسس والقواعد، التي بنيت عليها دولة الوحدة.

وفي 19 يناير 1994م، أكد حزب المؤتمر الشعبي العام، التزامه بكل ما تضمنته وثيقة العهد والاتفاق، خاصة البند المتعلق بالإجراءات الأمنية والعسكرية، وتطبيق لا مركزية إدارية واسعة، وهي ما كانت نقطة خلاف رئيسة بين الشماليين والجنوبيين.

وعلى الرغم من أن كثيرًا من المهتمين بالمشكلة اليمنية، سواء في الداخل، أو الخارج، ومنهم الولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا، باركوا الاتفاق، إلا أن بعض المراقبين تفاءلوا بحذر، فقد نشرت صحيفة السفير اللبنانية، مقالًا، تحت عنوان(تجميد الأزمة)، رأت فيه، أن الأزمة السياسية في اليمن، ليست نتيجة لنقص الاتفاقات والوثائق، بل هي في الأساس نتيجة لعدم تنفيذ الاتفاقات والوثائق، التي قامت عليها دولة الوحدة في عام 1990م.

وفي 23 يناير 1994م، أكد الحزب الاشتراكي، استعداده لتحمل مسؤولياته، مع غيره من القوى السياسية، لتنفيذ الاتفاق. ودعا إلى الإسراع في اتخاذ ترتيبات التوقيع، وقال “إن القوى الطيبة التي اشتركت في الحوار، تقف أمام محك حقيقي، لنقل ما جاء بالوثيقة إلى واقع، من أجل بناء دولة الوحدة، التي لم تقم بعد”.

وشُكلت لجنة عسكرية، اشترك فيها أطراف النزاع، إضافة إلى الملحق العسكري الأمريكي، والملحق العسكري الفرنسي، وممثل عن الاتحاد الأوروبي، لتحديد حجم المخاطر العسكرية، وإمكانية احتوائها. وذلك في أعقاب الحديث عن تحركات لألوية عسكرية شمالية وجنوبية، في أكثر من مكان، فضلًا عن تحركات القبائل، التي تعدُّ جيشًا قائمًا بذاته.

ورأى نائب الرئيس اليمني، علي سالم البيض، في خطاب مرتجل، بعد حفلة التوقيع، أنها “مرحلة جديدة في طريق اليمن وسنواصلها، لا بأس هذه المرة حصل صراع من نوع آخر، لكنه حوار بالكلمات، واستبعدنا حوار العنف والطلقات، واحتكمنا إلى الاجتماع”، وقال إن صور الكثير من أعضاء الحزب الاشتراكي الذين قتلوا في تصفيات سياسية، لا تزال ماثلة أمامه، لكن الوطن أغلى منهم جميعًا، وعلينا أن نضع بلدنا فوق كل الاعتبارات والذاتيات، وخلص إلى أنه على الرغم من تحفظاتنا، أو إحساسنا، أن هناك صعوبات في التنفيذ بناء على خبرة الماضي، دعونا نتفاءل هذه المرة.

أبرز بنود وثيقة العهد والاتفاق

1 . تؤكد لجنة الحوار ما تضمنه بيان الحكومة بالنسبة للإجراءات الخاصة بمناهضة الإرهاب وضرورة الالتزام بسياسة اليمن المناهضة للإرهاب المحلي والخارجي، وإبعاد العناصر غير اليمنية التي تتوفر بحقها دلائل كافية لمزاولتها لأعمال تخالف سياسة اليمن وقوانينها، أو تروج أو تحرض على مثل هذه الأعمال، وإبعاد من تثبيت إدانتهم بعد محاكمة شرعية وعلنية، تضمن فيها إجراءات العدالة، وتنفيذ العقوبة القانونية، ويتم ذلك عبر الأجهزة المختصة. ومنع استقدام أو دخول أو توظيف أو إيواء العناصر المتهمة بالإرهاب.

2- تعلن لجنة الحوار للقوى السياسية وقوفها ضد أي تهاون أو تلكؤ عن اتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة من قبل الأجهزة المعنية ضد المتورطين بالأعمال الإرهابية والتخريبية.

3- يُعدُّ كل من يأوي متهمًا أو يتستر عليه، وقد أعلنت الأجهزة الرسمية اسمه أو هاربًا من السجن، مخالفًا للقانون وتتخذ ضده الإجراءات القانونية.

4- توضع خطة لإلقاء القبض على الفارين.. والمطالبة عبر الإنتربول الدولي أو عبر القنوات الدبلوماسية بتسليم المتهمين من غير اليمنيين أو الفارين إلى الخارج من اليمنيين أو إجراء محاكمتهم غيابيًا.

5- تستكمل التحقيقات مع المتهمين في قضايا الإرهاب والتخريب بعد إجراء التحريات، وجمع المعلومات، وفي إطار تكامل التحقيقات، والربط بين القضايا، ويتولى التحقيق في هذه القضايا محققون مختصون وأكفاء تتوفر فيهم الحيدة، على أن تحال القضايا إلى النيابة أولًا بأول.

6- تؤكد لجنة الحوار للقوى السياسية على سرعة إصدار لائحة حمل السلاح وتنظيم العمل بها، والنظر في القانون الحالي لجعله أكثر صرامة للحد من حمل السلاح وانتشاره والإتجار به.

7- يتم التحري والتأكد من وجود معسكرات أو مقرات للإعداد والتدريب على أعمال العنف، واتخاذ الإجراءات المناسبة حيالها.

8- لا تتجاوز خطة التنفيذ وإجراءاته مدة ثلاثة أشهر.

9- كل الإجراءات المذكورة في البنود السابقة تتم وفقًا للقوانين النافذة وقواعد العدالة.

مما سبق يتبين للقارئ أن بنود الوثيقة حددت خطورة تلك التنظيمات الإرهابية التي اتخذت من صنعاء منطلقًا لتهديد الأمن والاستقرار لمشروع الوحدة اليمنية، إذ احتلت الاهتمام الأكبر والمرتبة الأولى في معظم القضايا المطروحة في الوثيقة، فقد كانت بالنسبة لحياة شعب الجنوب وقيادته تمثل وجودهم ومستقبل حياتهم لكونهم أصبحوا في مواجهة مباشرة مع تلك العصابات الإجرامية المدعومة من النظام القبلي والسياسي اليمني.

وهذا ما يؤكد أن الجنوبيين يبحثون عن مشروع وطني مشترك لإنقاذ اليمن جنوبه وشماله، من هذه للعصابات الإجرامية، وكانت الوحدة بالنسبة لهم مشروعًا والدليل على ذلك خطاب السيد علي سالم البيض في لقاء التوقيع على الوثيقة فلم يكن الحرب والانفصال مشروعًا رغم ما يوجهه من مخاطر حتى في أثناء الحرب والمواجهة والقتال بعد إعلان الحرب الشاملة وفتاوى التكفير ظل القرار السياسي للقيادة الجنوبية محتفظة بالعلاقة الوحدوية، لعل وعسى أن تجد قيادات مخلصة لها في الطرف الآخر.

إصدار الفتوى التكفيرية وحرب صيف 94م

بعد انتخابات 27 أبريل 1993م تجلت كثير من الخلافات السياسية والتشريعية والدستورية، فدفع نظام صنعاء بتلك العناصر الإرهابية للحرب الفكرية والدينية، وقد استخدمهم صالح في تلك الفترة من الزمن أداة بيده ضد خصومه الاشتراكيين الجنوبيين، فشكّلوا بذور ما تطوّر لاحقًا ليصبح تنظيم “عسكري منظم”.

وحين اندلعت الحرب في صيف العام 1994م، غزا جهاديو الشمال اليمن الجنوبي، متسلحين بفتوى دينية تبرر قتل الكفار الاشتراكيين في الجنوب. وقد صدرت تلك الفتوى عن وزير العدل اليمني الشمالي عبد الوهاب الدليمي([16]) والداعية عبد المجيد الزنداني، والتي تنص على الآتي:

النص المذاع للفتوى بصوت عبد الوهاب الديلمي: «إننا نعلم جميعًا أن الحزب أو البغاة في الحزب الاشتراكي اليمني المتمردين المرتدين هؤلاء لو أحصينا عددهم لوجدنا أن أعدادهم بسيطة ومحدودة، ولو لم يكن لهم من الأنصار والأعوان من يقف إلى جانبهم ما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوه في تاريخهم الأسود طيلة خمسة وعشرين عامًا، وكل الناس يعرفون في داخل المحافظات الجنوبية وغيرها أنهم أعلنوا الردة والإلحاد والبغي والفساد والظلم بكل أنواعه وصنوفه، ولو كان هؤلاء الذين هم رأس الفتنة لم يكن لهم من الأعوان والأنصار ما استطاعوا أن يفرضوا الإلحاد على أحد ولا أن ينتهكوا الأعراض ولا أن يؤمموا الأموال ويعلنوا الفساد ولا أن يستبيحوا المحرمات، لكن فعلوا ما فعلوه بأدوات، هذه الأدوات هم هؤلاء الذين نسميهم اليوم المسلمين، هؤلاء هم الذي أعطى الجيش ولاءه لهذه الفئة، فأخذ ينفذ كل ما يريد أو ما تريد هذه الفئة ويشرد وينتهك الأعراض ويعلن الفساد ويفعل كل هذه الأفاعيل، وهنا لا بد من البيان والإيضاح في حكم الشرع في هذا الأمر: “أجمع العلماء أنه عند القتال، بل إذا تقاتل المسلمون وغير المسلمين فإنه إذا تترس أعداء الإسلام بطائفةٍ من المسلمين المستضعفين فإنه يجوز للمسلمين قتل هؤلاء المُتترس بهم، مع أنهم مغلوبٌ على أمرهم وهم مستضعفون من النساء والضعفاء والشيوخ والأطفال، ولكن إذا لم نقتلهم فسيتمكن العدو من اقتحام ديارنا وقتل أكثر منهم من المسلمين ويستبيح دولة الإسلام وينتهك الأعراض. إذا ففي قتلهم مفسدة أصغر من المفسدة التي تترتب على تغلب العدو علينا، فإذا كان إجماع المسلمين يجيز قتل هؤلاء المستضعفين الذين لا يقاتلون فكيف بمن يقف ويقاتل ويحمل السلاح، هذا أولًا.

الأمر الثاني: الذين يقاتلون في صف هؤلاء المرتدين يريدون أن تعلو شوكة الكفر وأن تنخفض شوكة الإسلام، وعلى هذا فإنه يقول العلماء من كان يفرح في نفسه في علو شوكة الكفر وانخفاض شوكة الإسلام فهو منافق، أما إذا أعلن ذلك وأظهره فهو مرتد أيضًا([17])

حيث أوضح تقرير مرصد الإفتاء في مصر “تصاعد حدة الفتاوي الدينية لأغراض سياسية صادرة مع صعود التيارات الإسلامية..”، بإطلاق فتاوى تكفير المعارضين والمثقفين، ثم أفراد الجيش والشرطة الذين عدَّهم أصحاب تلك الفتاوي التكفيرية “طواغيتًا”([18]). وكان نتيجة تلك الفتاوى سقوط الكثيرين من أفراد الجيش والشرطة والمثقفين شهداء وضحايا عمليات إرهابية، جاءت استجابة لتلك الفتاوي الضالة والمضلة.

وأكد الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية والمشرف على إصدار التقرير، في بيان صحفي، “أن فتاوى التكفير تلقي بآلاف الشباب بأتون التطرف والقتل والانفجار طلبًا لما يزعمون من الشهادة، فيسارعون إلى سفك دماء الأبرياء وترويع المواطنين داخل البلاد وخارجها، إضافة إلى أنها تمزق النسيج المجتمعي وتشيع الكراهية والحقد بين أبناء المجتمع الواحد بعد أن تقسم المواطنين إلى مؤمنين وكفار، وتصادر حق المواطنين في أن يكون لهم وطنًا يحتضنهم ويأويهم” الجنوب جرح ينزف ودم مستباح لقوى الإرهاب كان الأمر أشد وطأة وأفظع تأثيرًا في الجنوب، حيث أفتى مشايخ حزب الإصلاح إخوان اليمن بقتل واستباحة دماء شعب الجنوب، وعلى رأس هؤلاء المشايخ عبدالمجيد الزنداني وعبدالوهاب الديلمي اللذان ارتبط اسميهما بفتوى التكفير التي استند عليها نظام صنعاء في حرب احتلال الجنوب صيف عام 1994م، الفتوى التي استباحت دم الإنسان المعصوم جاءت في توظيف سياسي وزماني ما زالت ارتداداته ممتدة، على الرغم من عقود مضت وتحولات وقعت، غير أن واقع الفتوى وعمقها يعيدها ليس للحياة، فحسب، وإن مات صاحبها، فهي أكثر من مجرد فتوى عابرة، إذ مثلت رغبة سيد قطب في أفكاره التكفيرية، وجسدت لوقائع صنعت المكونات الوحشية من تنظيم «القاعدة»، وحتى الذئاب المنفردة.

الحرب المقدسة ضد شعب الجنوب

إعلان الحرب على الجنوب 27/ إبريل / 1994م

يعدُّ خطاب الرئيس علي عبد الله صالح في ميدان السبعين في العاصمة صنعاء في 27/4/1994 بمنزلة إعلان حرب على وثيقة “العهد والاتفاق”، إذ جعل من الجنوب أرضَا مباحًا لقواته في سبيل احتلاله بالقوة العسكرية، وقد تلا إعلان الحرب عددًا من القرارات الجمهورية، منها:

 قرار إعلان حالة الطوارئ في 5/5/1994، والتعبئة العامة للقتال.

قرار إسقاط الشرعية الدستورية عن علي سالم البيض ثم عن حيدر العطاس بقرار من مجلس الرئاسة اتخذه انفراديًّا أعضاؤه الثلاثة وهم يمنيون شماليون وفي غياب ممثلي الجنوب الاثنين.

وبعد أن هزمت الجماعات الشمالية القوات العسكرية الجنوبية، لم يغادر “الأفغان العرب” قط. وبدلًا من ذلك، أصبحوا ذراع الحكومة الشمالية في جنوب اليمن، المستخدمة للدفاع عن الوحدة اليمنية وحمايتها. وبسطت الحكومة الشمالية كامل سيطرتها على الجنوب من خلال تطبيق الوحدة بالقوة، التي عدَّها كثيرٌ من الجنوبيون احتلالًا.

وبقي “الأفغان العرب” هؤلاء في المناطق الجنوبية وأحكموا قبضتهم عليها خلال هذه الفترة. وفي هذا السياق، استمر الجنوبيون في رؤية قوات “القاعدة” – التي تشكّلت من عناصر من “الأفغان العرب” والمجندين المحليين – على أنهم ذراع حكومة صنعاء المستخدمين لتطبيق الوحدة اليمنية والدفاع عنها تمامًا كما فعل “الأفغان العرب” خلال حرب العام 1994م.

وكما سبق فحين اندلعت الحرب في صيف العام 1994م، غزا جهاديو الشمال اليمن الجنوبي، متسلحين بفتوى دينية تبرر قتل الكفار الاشتراكيين في الجنوب. وقد صدرت تلك الفتوى عن وزير العدل اليمني الشمالي عبد الوهاب الدليمي جدير بالذكر أن عبدالوهاب الديلمي، وزير العدل اليمني من 1994- 1997م، قد شغل منصب مدير جامعة الإيمان التي أسسها الزنداني لعشر سنوات، وقد اشتهر عنه فتوى التحريض على قتل الجنوبيين في سنة 1994م عند اندلاع الحرب بين الشمال والجنوب؛ وهو مما يُثير سخط الجنوبيين على حزب الإصلاح إلى اليوم. ([19]) والداعية عبد المجيد الزنداني.

وما زالت تلك الفتوى التكفيرية سارية المفعول حتى اليوم، فـ(عصابة الردة) (الملحدون) أكثر من مجرد مصطلحات، ما زالت تعيش في وجدان اليمنيين الشماليين على اعتبار أن الفتوى لم تُنقض حتى وإن استنكرها كبار علماء بلاد الحرمين آنذاك الشيخين عبدالعزيز بن باز وابن عثيمين(رحمهما الله)، ووافقهما في الاستنكار الأزهر الشريف، غير أن ذلك الاستنكار لم يؤثر أو يغير من واقع الفتوى وتأثيرها.

قاد هذا الجو إلى حرب سنة 1994م التي شنّها الشمال على الجنوب، وانتهت بانتصار الطرف الشمالي وخروج الجنوبيين من معادلة الوحدة. وشارك الأحمر والزنداني بقوة في تلك الحرب، وكان للأخير دور بارز؛ لأنه قاد الفصائل الجهادية من الأفغان العرب، التي مثّلت طليعة المواجهات.

وكافئ الرئيس صالح الزنداني بمنحه كل الامتيازات، ومنح الأرض والاستثمارات في سبيل دعم التنظيمات الإرهابية في الجنوب والصومال ودول أفريقيا وعدد من البلدان العربية، وقد كان ما يُعرف بجامعة الإيمان بمثابة الحقل الذي يزرع فيه تلك العقول التكفيرية التي نقلته إلى مصاف فاعل الإرهاب الدولي، ولهذا فتحت الأعين على دوره السياسي الجديد، الذي وضعه في المرمى الأميركي بوصفه أحد بارونات الإرهاب، لا بسبب علاقته السابقة مع بن لادن، بل لما كان للجامعة من دور على صعيد تأهيل أجيال جديدة بفكر سلفي متعصب ومعاد للغرب، وانكشف هذا الأمر جليًا.

إن الحقائق تشير إلى تاريخ طويل ومعقَّد من الارتباط بين الجماعتَين وجماعات متطرفة أخرى؛ مما يجعل حزب الإصلاح يلعب دورًا أساسيًّا في زعزعة استقرار اليمن على مدى عقود من الزمن، الأمر الذي لا يثقل كاهل الشعب اليمني ويزيد النفور بين شمال اليمن وجنوبه فحسب؛ بل يقود كل الجهود الخارجية الرامية لحل الصراع في اليمن إلى طرق مسدودة.

وأحكموا قبضتهم عليها خلال هذه الفترة. وفي هذا السياق، استمر الجنوبيون في رؤية قوات “القاعدة” – التي تشكّلت من عناصر “الأفغان العرب” والمجندين المحليين – على أنهم ذراع حكومة صنعاء المستخدمين لتطبيق الوحدة اليمنية والدفاع عنها تمامًا كما فعل “الأفغان العرب” خلال حرب العام 1994م.

المرحلة  الرابعة: مرحلة الغطاء السياسي والمشاركة في السلطة 1994- 2000م   

لقد أصبح اليمن بعد حرب صيف 94 مركزًا رئيسًا لاستقطاب الإرهابيين، ومحطة لإرسالهم إلى الخارج وخصوصًا إلى العراق وأفغانستان والصومال، فكان أغلب المقاتلين في أفغانستان من اليمنيين، وأغلب المعتقلين في غوانتانامو يمنيين، ويُعتقَدُ بأن لدى الحكومة اليمنية كنز كبير من المعلومات والتقارير والأسرار عن نشاطات التنظيمات الأصولية وعن أماكن تواجد الإرهابيين، وبالتالي فإن استمرار الضغط على نظام صنعاء سوف يفضي إلى نتيجة إيجابية لصالحهم وإلى إتاحة الفرصة للأجهزة الاستخبارية الدولية للاطلاع على بعض الملفات الأمنية، مما قد يسهم بشكل كبير في معرفة مراكز تدريب الإرهابيين وأوكارهم، وأساليب عملهم، وطرق تمويلهم ومصادرها.

وبعد مرور عامين من حرب صيف 94م قام طرفا الحرب المنتصرين بإجراء انتخابات برلمانية يمنية صورية في عام 1997 حيث جرت في 27 أبريل 1997. وفاز الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام حزب الرئيس علي عبد الله صالح فوزًا ساحقًا في الانتخابات.

وجاء في المرتبة الثانية حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو شريك صالح في السلطة والقتال ضد الجنوب، وفي تلك الانتخابات الصورية كان إقبال الناخبين 61.0%([20]) من بين 16 مليون مواطن في اليمن سجل حوالي 4.6 مليون شخص في الانتخابات مع حوالي ربع منهم من النساء. ومع ذلك تلقى فقط حوالي 2.6 مليون شخص بطاقاتهم الانتخابية([21]).

حيث تنافس أكثر من 2,300 مرشحٍ من 10 أحزاب على 301 مقعدًا في مجلس النواب اليمني. وكان معظم المرشحين المستقلين، إلا أن العديد من هؤلاء يحظون بدعم إما من المؤتمر الشعبي العام أو التجمع اليمني للإصلاح.

جدول رقم (2)

يوضح اقصاء ممثل الجنوب عن المشهد السياسي لصالح القوى المتطرفة في عام 1997م

الأصوات المقاعد % +/- الحزب 1.175.343 187 43.1 +55 المؤتمر الشعبي العام 637,728 53 23.4 -10 التجمع اليمني للإصلاح

 امتدّت فعالية هذه التعبئة لاحقًا في وعي كثير من الإسلاميين الجهاديين الذين لم يتم إنكار “كفر” الاشتراكيين أمامهم من قبل شيوخهم، وهي تعبئة دينية متطرفة ومسكوت عنها، تتيح القتل وتقرُّ الاغتيال وتصفية المختلف، وما زالت تتغذى على قواعد متشددة تتم رعايتها وتوظيفها رسميًا من جهات عدَّة، أبرزها” جامعة الإيمان”.

وفي 7 من ديسمبر 2009م دخل اليمن خط المواجهة حيث نفذت فيه عمليتان عسكريتان بعد أن تأكد للدول المكافحة للإرهاب أن النظام اليمني تعايش مع التنظيم حد الرعاية بعد عقد من الزمن. لقد جرت العملية الأولى في قرية المعجلة في مديرية المحفد محافظة أبين ضد ما يسمى بمعسكر تدريبي للقاعدة بينما استهدفت العملية الثانية معسكر في مديرية أرحب شمال صنعاء، ثم تلتها في تاريخ 24 ديسمبر عملية عسكرية في قرية رفض بمديرية رصد أبين وفي العام نفسه تم تغيير اسم القاعدة إلى قاعدة الجهاد في جزيرة العرب.

بعد أحداث 11 أيلول، ألقى الأميركيون القبض على «قاعدي» أميركي في أفغانستان، تبيّن أنه تأهل فكريًّا في جامعة الإيمان، وهنا شرع الأميركيون بفتح ملف الزنداني. قفز الزنداني من مركب الرئيس صالح حين أدرك أنه بدأ يغرق، ووجد نفسه يقف على أرض يابسة مع التجمع اليمني للإصلاح(إسلامي) وقبيلة «حاشد»، وحبك مع اللواء علي محسن الأحمر يوم أول من أمس خيوط مسرحية انتقال جزء من المؤسسة العسكرية الى صفوف المعتصمين، الذين يرفعون شعار «الشعب يريد محاكمة السفاح»

  لقد لعبت الجماعات الجهادية (الأفغان العرب) وفي إطارها الفكري والقيادي العام ” جماعة اخوان اليمن” الدور المحوري في حسم انقلاب نظام صنعاء على اتفاق الوحدة بين دولة الجنوب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، وتحولت تلك الجماعات المتطرفة التي مثلت الطرف الفعلي والشريك في إقصاء كوادر الجنوب، واغتيالها إلى حزب سياسي يطالب بنصيبه في الحكم والثروة الجنوبية مقابل تلك الشراكة الدموية المتجددة في فتوى تكفيرية لشعب الجنوب.

 ومن ضمن الاستحقاقات التي حصلت عليها تلك الجماعات بعد أن كانت سندًا وداعمًا وشريكًا أساسيًا في اجتياح واحتلال الجنوب والوكيل الحصري في توطين الإرهاب فيه، تولي كثير من قياداتها مناصب مهمة في الدولة ونظام صنعاء، وصلت إلى حقائب وزارية ومراتب عليا في الجيش والأمن وجهاز الاستخبارات والجهاز القضائي الذي صدرت منه فتوى الجهاد على الجنوب من خلال عبد الوهاب الديلمي رئيس المحكمة العليا وكان في الوقت نفسه رئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح، فرع تنظيم الإخوان في اليمن.

إن الغايات والأهداف وحسب تقارير دولية أدَّى إلى تمكن الجناح السياسي للجماعات الجهادية المتطرفة منها تنظيم القاعدة ”حزب الإصلاح الإخواني ” من الحصول على نفوذ عسكري وأمني وقضائي واسع وعميق، إلى عجز نظام صنعاء من الإيفاء بالمطالبات الدولية في التعامل الجاد والحاسم مع الإرهاب وتحجيم مخاطره، وهو ما جعل التنظيم الإرهابي في اليمن قضية معقدة وشائكة ولا يمكن فرزه دون تنظيف هياكل السلطات الرسمية واجهزة الدولة من نفوذ جناحه السياسي حزب الإصلاح.

تقرير أوربي نشره مركز الأبحاث الأوروبي “European Eye On Radicalization”، المختص بالدراسات الراديكالية، حول تطرف حزب الإصلاح الإخواني وإرهابه في اليمن والجنوب، مؤكدًا أن الإخوان المسلمين، والتنظيمات الإرهابية الأخرى يتبادلون الأقنعة ذاتها بحسب ضرورات الزمان والمكان، لكنهم يجتمعون في كونهم وجهًا شريرًا واحدًا يحول دون مستقبل مشرق لليمن” اختراق القضاء، لعبت المؤسسة القضائية في نظام صنعاء دورًا في جوانب التوجيه والإرشاد والتعبئة للجماعات الجهادية المتطرفة، بل كانت أول أنشطة الإفتاء الإرهابي من ذات المؤسسة، ففتوى الجهاد على الجنوب في عام 1994م كانت من قبل الزعيم الروحي لتنظيم الإخوان فرع اليمن، ومن رئيس الهيئة العليا للتنظيم القاضي عبدالوهاب الديلمي الذي كان وقتها يشغل منصب رئيس المحكمة العليا.                                                                                                                                                                                                                                             

وفضلًا عن تغيير القوانين في الجنوب، همّشت الحكومة المركزية في صنعاء سكان الجنوب وغالبًا ما أهملت مؤسسات الدولة على غرار المدارس والطرق والمستشفيات في الجنوب. وقد كانت هاتان السياستان – أي إزالة الحماية القانونية تدريجيًا وإضعاف البنية التحتية للدولة – السبب في إحداث نقص في الخدمات والدعم، وللمفارقة أصبحت الجماعة الإرهابية التي ساعدت الحكومة المركزية في صنعاء بدعمها في عملها ضد الجنوب وشعبه، تستعمل من ذلك سببًا كي تستهدف هذه الحكومة فيما بعد.

لقد شكل اغتيال جار الله عمر حدثًا متطرفًا. ولكن هذا الفعل الدموي لم يكن معزولًا ضمن دافعه الجهادي فقط، ولم يحدث أن اقتنع أحد ببراءة الأمر من الامتداد الأمني فيه، وإن كان يمكن التأكيد مرة أخرى على كون التعبئة الدينية الحماسية التي نهض بها سابقًا حزب الإصلاح ضد الاشتراكيين، والتي تكررت عقب الحرب أيضًا وامتدت حتى الآن عبر رموز إسلاميين (مثل الزنداني، والذارحي، والتاج، والذهب وغيرهم) على المثقفين والصحفيين والنخب الليبرالية الجديدة في اليمن، برعاية رسمية وأمنية ضمنية، أسهمت بشكل كامل في هذه الواقعة الدموية التي ذهب ضحيتها جار الله، على الرغم من أنّها أتت متأخرة قياسًا لفترة الذروة في اغتيالات ما بعد الوحدة التي حدثت بين عامي 1992 و1993. ويمكن بالتأكيد لهذه التعبئة وللتحريض الديني المستمرين أن يستخدما لاحقًا في تسويغ أي قتل واغتيال، ما دام جذرها المتطرف يتلقى تغذية مستمرة.

إن علاقة الإسلاميين بالعنف العام في اليمن متينة تمامًا، وهي قائمة منذ تشكّلهم بوصفهم قوة سياسية رئيسة في البلاد تعتمد أيديولوجيتها على وجود نقيض مستمر، “علماني”، وتتعرف على كينونتها بإنكاره كليا وتتكرر أشكال التعبئة الدينية الآن، مضافًا لها أبعاد طائفية في إطار الحرب الحالية المستعرة في اليمن، ضمن تعريفات استئصالية متبادلة تمهد للتصفية. فكلّ الجماعات الإسلامية تركن لها بسهولة، مثل الإخوان والسلفيين والحوثيين، علاوة على المتطرفين الصريحين في القاعدة وداعش. وهناك حوادث اغتيال متعددة في عدن ضد كوادر أمنية لكونها في التعريف الجهادي “مرتدة..

تلقى الناس وفاة كثير من الشخصيات العامة القوية التي صنفت بالاستقلالية السياسية في علاقتها بالسلطة، أو عملت في إطار قوي على معارضة سياستها، بكونها تصفية من نوع ما، وإن لم تأخذ شكل الاغتيال العلني، إلّا أنّ التّقدير كان دومًا ينسب الحوادث المرورية مثلًا إلى مؤامرة من نوع ما، وعدَّها عملًا مقصودًا على الأرجح، (مثل تلك الحادثة التي أودت بحياة اللواء يحيى المتوكل، والحوادث التي أودت بآخرين)، ويرى في أزمة صحية طارئة تودي بحياة فرد بكونها تسميمًا مثلا، حيث تمّ تلقّي الوفاة المفاجئة للصحافي والبرلماني عبدالحبيب سالم في هذا السياق، وصولًا إلى الوفاة المفاجئة أيضًا للصحافي الاستقصائي البارز محمد عبده العبسي، ليمتد الحديث عن الاغتيال باستمرار على شاكلة شائعات وظنون تترافق مع أيّ حادثة تؤدي لوفاة أحد هذه الشخصيات العامة.

المناخ العام في اليمن لم يستبعد الاغتيال أبدًا، بل هو يرجحه باستمرار، ويستند في ذلك إلى الحقائق والظنون، بوصف صيغة السياسة في البلد ما زالت تستمد أدواتها من الذهنية القديمة نفسها ذات الهوى الأمني والخيارات العنيفة، التي أدارت البلد باستمرار.

المرحلة الخامسة: بدايات تأسيس الدولة في مطلع الألفية الثالثة 2001- 2011

 لقد ظهر هذا المسمى، لم يكن يعني سوى خلق فضاء جغرافي ومتنفس للاحتقان الشديد الذي شهدته المملكة إبان تلك الفترة نتيجة تنامي حجم القاعدة وتنامي أنشطته الإرهابية في أراضيها.

ولهذا شهدنا ما يشبه النزوح للعناصر الإرهابية من المملكة إلى اليمن، هربًا من الملاحقات الأمنية التي ازدادت بشكل كبير ونجحت في احتواء تنظيم القاعدة في المملكة.

كان هناك على ما يبدو ما يشبه المخطط من جانب أجهزة المخابرات السعودية، بأن تصبح اليمن هي الملاذ ليتسنى لها خوض معركة قليلة الكلفة ضد القاعدة في الأراضي اليمنية، وقد نجح هذا المخطط بشكل كبير، حيث تمكنت المملكة من قتل عدد كبير من أعضاء التنظيم السعوديين في الأراضي اليمنية..  

وقد حصلت أول عملية رسمية لتنظيم القاعدة في اليمن عبر الهجوم على المدمرة الأمريكية (يو إس إس كول) في الثاني عشر من تشرين الأول أكتوبر2000م، وهو ما جعل التنظيم يبرز مجددًا في اليمن مع اكتمال العقد الأول من الألفية الثالثة، وبعد رحلة الشتات الطويلة ليتصدر المشهد والأحداث الدولية ويضع القوى الكبرى أمام تحدي فتح جبهة جديدة في الحرب ضد الإرهاب.

لقد تأثر المشروع السياسي للقاعدة بالمتاح الذي وفرته الانتهازية السياسية الداخلية، والذي تجلى في مسيرة نظام صنعاء حين اعتقد أن بقاء القاعدة يعد ضروريًا لاستمرار الشراكة مع واشنطن، ولإبقاء ورقته مقبولة لدى القوة العظمى الأولى في العالم. وتجلّى ذلك من خلال التعاون المشترك بين النظام وقيادات القاعدة في أكثر من موقف. نحو إفساح المجال لأخطر 23 قياديًا مطلوبًا على ذمة قضايا إرهابية بالانسحاب من سجن الأمن السياسي الحصين في قلب العاصمة صنعاء، ومن هؤلاء ناصر الوحيشي الذي تزعم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب..

الزنداني يحذر من التدخل ضد تنظيم القاعدة في اليمن

حذر رجل دين بارز في اليمن، الشيخ عبدالمجيد الزنداني، من أن أي تدخل أمريكي في البلاد ضد تنظيم القاعدة سيكون بمثابة احتلال عسكري. وقال الزنداني خلال مؤتمر صحفي: إن اليمنيين لن يقبلوا ما وصفه بأنه استعمار جديد. لكن الزنداني الذي تتهمه الولايات المتحدة بتمويل الإرهاب، قال: إن لدى السلطات اليمنية الحق في عدم مطاردة عناصر تنظيم القاعدة طالما أنها تلتزم بدستور البلاد.

وقال الزنداني “نرفض الاحتلال العسكري لبلادنا ولا نقبل عودة الاستعمار مرة ثانية” في إشارة إلى إمكان تدخل واشنطن عسكريًا لدعم جهود مكافحة تنظيم القاعدة، وعدَّ التعاون مع الولايات المتحدة واحتمال التدخل الأمريكي، ولو كان محدودًا لمحاربة القاعدة في اليمن “تحكمه الاتفاقات، وهذه الاتفاقات ينبغي عرضها على البرلمان للموافقة”. وقال “لو وافق مجلس النواب على احتلال اليمن، سينتفض الشعب ضد البرلمان”.

وأضاف الزنداني أن “الحشود العسكرية الأمريكية والأطلسية الموجودة على سواحلنا لا تتناسب مع مطاردة القراصنة” في إشارة إلى قوات مكافحة القرصنة في البحر الأحمر وخليج عدن. وذكر أن الصحافة الغربية أشارت إلى أن “هذه الأساطيل والحشود هي لحماية مصادر النفط”.

وأكد الزنداني معارضته بشدة للمؤتمر الدولي حول اليمن الذي سيعقد في لندن في 28 يناير / كانون الثاني، وقال: إن الداعين للمؤتمر “يرون أن الحكومة اليمنية فاشلة” ودعا رجل الدين اليمني “أبناء اليمن إلى أن ينتبهوا حكامًا ومحكومين قبل أن تفرض عليهم الوصاية”. ونفى الزنداني أي علاقة مباشرة له برجل الدين اليمني أنور العولقي الذي قد يكون مرتبطًا بالهجوم الفاشل على الطائرة الأميركية يوم عيد الميلاد، وبإطلاق النار في قاعدة فورت هود الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي والذي خلف 13 قتيلًا و42 جريحًا.

وقد عمل العولقي في مؤسسة خيرية تابعة للزنداني في الولايات المتحدة، وكان موجودً في جبال محافظة شبوة شرق صنعاء. وكذلك جدد الزنداني تمسكه “بفتوى الجهاد ضد إسرائيل”، وقال “ما دامت إسرائيل تحتل بلاد العرب وتقتل المسلمين… من واجبهم أن يدافعوا عن أنفسهم[22].

 أحداث 11- سبتمبر 2011م

بدأت الحركات الاسلامية تظهر على السطح، وكانت التنظيمات الإرهابية في اليمن المنطوية تحت عباءة النظام السياسي أحد تلك التنظيمات الدولية، ففي هذه المرحلة واصلت نشاطها كحركة جهادية ذات أهداف عقائدية وأخرى سياسية، واعتمدها أسلوبًا تكتيكيًا وهو توجيه ضربات خاطفة لمصالح الدول العربية والغربية، إلى أن تموضع في مساحات ارتأى أن بوسعه أن يقيم فيه إمارات نموذجية تتأسس على نهج الخلافة.

لقد بدأت القاعدة بالظهور تحت مسمى “أنصار الشريعة”، منذ أواخر عام 2010 على وجه التقريب، وهذه التسمية تشير إلى بداية توجه القاعدة نحو تطبيق النموذج الإسلامي للدولة، من خلال تبنى فكرة تأسيس إمارة في أبين وشبوة.

وحدث ذلك في مارس من عام 2011 أي بعد مرور فترة بسيطة على اندلاع ثورة الحادي عشر من فبراير/ شباط من العام نفسه عندما توفرت للتنظيم أهم فرصة لتجريب مشروعه السياسي عبر قيام إمارة، وهي مرحلة تسبق الإعلان عن الخلافة، الذي بلغه داعش ورفضت القاعدة التعامل معه رغم التشابه الكبير في المنطلقات بين التنظيمين الإرهابيين.

وعاد وكرر التجربة نفسها في إبريل من عام 2015 أي بعيد فترة قليلة من بدء تدخل التحالف العربي على خط الأزمة في اليمن. وفي الحالتين شكل ذلك أحد المظاهر الصارخة للتوظيف السياسي للقاعدة وللتنظيمات المتشددة، والتوظيف حدث في حالتي إمارة أبين وإمارة المكلا.

لم يكن ليتسنى لتنظيم القاعدة بلوغ هذه المرحلة لولا أنه استغل الثغرة التي وفرها قطبي نظام صنعاء لهذا التنظيم، إلى حد التمكين بالدعم المباشر بالسلاح وبالتواطؤ وبالتضحية أحيانًا بالوحدات العسكرية والأمنية وبالشرف العسكري وبالأمانة، وغيرها من القيم التي يتأسس عليها قوام المجتمع والدولة الصالحة.

ولقد تأثر المشروع السياسي للقاعدة بالمتاح الذي وفرته الانتهازية السياسية الداخلية، والذي تجلى في مسيرة نظام صنعاء حين اعتقد أن بقاء القاعدة يعد ضروريًا لاستمرار الشراكة مع واشنطن، ولإبقاء ورقته مقبولة لدى القوة العظمى الأولى في العالم.

 وتجلى ذلك من خلال التعاون المشترك بين النظام وقيادات القاعدة في أكثر من موقف نحو إفساح المجال لأخطر (23) قياديًا مطلوبًا على ذمة قضايا إرهابية بالانسحاب من سجن الأمن السياسي الحصين في قلب العاصمة صنعاء ومن بين هؤلاء ناصر الوحيشي الذي تزعم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

هذا يدفعنا إلى تتبع الرابط الوثيق بين الحرب الأمريكية على الإرهاب في اليمن، وبين الانتهازية السياسية التي اتبعها رؤساء وزعماء القوى اليمنية الرئيس السابق صالح، ومن ثم الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، وحاليًا قيادات الحركة الحوثية فجميعهم يدعو محاربة الإرهاب وهذا يعني أن الظاهرة الإرهابية تحركها أجندات سياسية بالأساس، ولم تكن لتزدهر هذه الظاهرة لولا وجود أطراف لديها الاستعداد دائمًا لهذا النوع من التوظيف السياسي لجماعات العنف، لقد سقطت وسلمت عدد من المعسكرات والمواقع العسكرية المدججة بالسلام الثقيل والتوسط في كل من أبين ولحج وشبوة والمكلا بيدي تلك التنظيمات الإرهابية، وهذا الدعم مكن القاعدة من تأسيس سلطة ميدانية، معبرًا عنها بنموذج الإمارات الإسلامية التي أقامها التنظيم في عدد من محافظات الجنوب على وجه التحديد، بل إن القاعدة تعاملت مع اليمن بوصفه دولة إسلامية، وتعاملت مع محافظاته بوصفها ولايات تابعة له.

ومن هنا يمكن القول: إن المشروع السياسي للقاعدة كَبُر وترسَّخ بقدر الفرص التي منحته الانتهازية السياسية للمستفيد من هذا التنظيم، وهو قوى نظام صنعاء بكل أطيافها العسكرية والسياسية والقبلية والدينية.

المرحلة  السادسة: إعلان  (إمارات التنظيم المتطرف فرع اليمن )  2011- 2024م

ألقت ظاهرة الإرهاب بضلالها السلبية على النشاط الاقتصادي والاستثماري في اليمن، وأعاقت النشاط السياحي، وخلقت موانع لزيادة النمو والتطوير للقطاعات المنتجة، وإلغاء كثير من البرامج السياحية، ورفع مبالغ التأمينات على شحن البضائع، بالإضافة إلى تضرر النشاط الملاحي حيث زادت رسوم التأمين على البواخر والبضائع الواصلة أضعاف ما كانت عليه قبل تنفيذ العمليات الإرهابية.

نجحت التنظيمات الإرهابية في استغلال عاملي الفقر والبطالة اللذين يشكلان بيئة خصبة لنمو الإرهاب وانتشار الفكر المتطرف لاستقطاب الشباب وتجنيدهم مستغلين سوء أوضاعهم المعيشية حيث تعدُّ الأوضاع الاقتصادية المتردية هي الدافع الرئيس للشباب والمحرك لهم للانضمام للتنظيمات الإرهابية.

لقد بدأت القاعدة بالظهور تحت مسمى “أنصار الشريعة”، منذ أواخر عام 2010 على وجه التقريب، وهذه التسمية تشير إلى بداية توجه القاعدة نحو تطبيق النموذج الإسلامي للدولة، من خلال تبنى فكرة تأسيس إمارة في أبين وشبوة.

وحدث ذلك في مارس من عام 2011 أي بعد مرور فترة بسيطة على اندلاع ثورة الحادي عشر من فبراير/ شباط من العام نفسه عندما توفرت للتنظيم أهم فرصة لتجريب مشروعه السياسي عبر قيام إمارة، وهي مرحلة تسبق الإعلان عن الخلافة، الذي بلغه داعش ورفضت القاعدة التعامل معه رغم التشابه الكبير في المنطلقات بين التنظيمين الإرهابيين.

وعاد وكرر التجربة نفسها في إبريل من عام 2015 أي بعيد فترة قليلة من بدء تدخل التحالف العربي على خط الأزمة في اليمن. وفي الحالتين شكل ذلك أحد المظاهر الصارخة للتوظيف السياسي للقاعدة وللتنظيمات المتشددة، والتوظيف حدث في حالتي إمارة أبين وإمارة المكلا.

لم يكن ليتسنى لتنظيم القاعدة بلوغ هذه المرحلة لولا أنه استغل الثغرة التي وفرها قطبا نظام صنعاء لهذا التنظيم، إلى حد التمكين بالدعم المباشر بالسلاح وبالتواطؤ وبالتضحية أحيانًا بالوحدات العسكرية والأمنية وبالشرف العسكري وبالأمانة، وغيرها من القيم التي يتأسس عليها قوام المجتمع والدولة الصالحة.

ولقد تأثر المشروع السياسي للقاعدة بالمتاح الذي وفرته الانتهازية السياسية الداخلية، والذي تجلى في مسيرة نظام صنعاء حين اعتقد أن بقاء القاعدة يُعدُّ ضروريًا لاستمرار الشراكة مع واشنطن، ولإبقاء ورقته مقبولة لدى القوة العظمى الأولى في العالم.

 وتجلى ذلك من خلال التعاون المشترك بين النظام وقيادات القاعدة في أكثر من موقف نحو إفساح المجال لأخطر (23) قياديًا مطلوبًا على ذمة قضايا إرهابية بالانسحاب من سجن الأمن السياسي الحصين في قلب العاصمة صنعاء ومن بين هؤلاء ناصر الوحيشي الذي تزعم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

هذا يدفعنا إلى تتبع الرابط الوثيق بين الحرب الأمريكية على الإرهاب في اليمن، وبين الانتهازية السياسية التي اتبعها رؤساء وزعماء القوى اليمنية الرئيس السابق صالح ومن ثم الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، وحاليا قيادات الحركة الحوثية، فجميعهم يدعو إلى محاربة الإرهاب، وهذا يعني أن الظاهرة الإرهابية تحركها أجندات سياسية بالأساس، ولم تكن لتزدهر هذه الظاهرة لولا وجود أطراف لديها الاستعداد دائمًا لهذا النوع من التوظيف السياسي لجماعات العنف.

فقد سقطت وسلمت عدد من المعسكرات والمواقع العسكرية المدججة بالسلام الثقيل والمتوسط في كل من أبين ولحج وشبوه والمكلا بيدي تلك التنظيمات الإرهابية، وهذا الدعم مكن القاعدة من تأسيس سلطة ميدانية، معبرًا عنها بنموذج الإمارات الإسلامية التي أقامها التنظيم في عدد من محافظات الجنوب على وجه التحديد، بل إن القاعدة تعاملت مع اليمن بوصفه دولة إسلامية، وتعامل مع محافظاته بوصفها ولايات تابعة له.

لقد ظل الجهاز القضائي اليمني بمختلف هياكله ومستوياته متأثرًا بسيطرة حزب الإصلاح الإخواني – الجناح السياسي للجماعات المتطرفة – وتكرر تماهيه مع العناصر الإرهابية بقرارات سياسية تقف خلفها شخصيات إخوانية نافذة في الدولة منها في الجهاز القضائي كالقاضي حمود الهتار الذي استغل تجربة المملكة العربية السعودية في إجراء برامج حوار وتأهيل مع العناصر المتطرفة وفق استراتيجية حققت نجاحات فعلية، على عكس المناصحة والحوار الذي إدارة الهتار مع العناصر الإرهابية في سجون صنعاء منذ 2006م إذ كان مختلف تمامًا في الأهداف المتوخاة بدليل نتائجه التي كان أبرزها إطلاق وفرار العشرات من أخطر العناصر الإرهابية، نتيجة ذات الحوار الذي تم اتباعه في 2006

قد تولى الهتار إدارة الحوار مع العناصر الإرهابية، وعمل على مساعدتهم في الإفلات من العقاب، حيث أطلق بموجبه أكثر من 314 عنصرًا من المعتقلين على خلفية انتمائهم لتنظيم القاعدة الإرهابي باشروا فور خروجهم من السجون، في استقطاب وتجنيد الشباب إلى تنظيم القاعدة، بدليل أن كل الأعمال الإرهابية في تلك الفترة نفذتها عناصر إرهابية التحقت بالقاعدة عقب عام 2006 وهو العام نفسه الذي تولى فيه الهتار حوار المناصحة مع العناصر الإرهابية، وقعت عملية الهروب الكبير والمرعب ل 23 من أخطر عناصر تنظيم القاعدة، كان من بين هؤلاء السكرتير السابق لأسامة بن لادن، ناصر الوحيشي، الذي أصبح لاحقًا الزعيم المؤسس لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي نشأ رسميًا في يناير/ كانون الثاني 2009

 إن هذا الفرار لم يكن حدثًا مجردًا من استراتيجية جماعة الإخوان في اليمن في أثناء صراعها مع نظام عفاش في الانتخابات، وموقفها من المملكة العربية السعودية، استراتيجية تحريك أجنحتها الإرهابية في المنطقة وتأطيرها في قيادة واحدة وللحيلولة دون اختراقها من قبل الأجهزة الاستخباراتية، وتطلب ذلك ومن خلال مناصحة حمود الهتار وبتسهيل من رئيس جهاز الأمن السياسي الإخواني غالب القمش تمكين فرار ناصر الوحيشي ليقوم بمهمة توحيد فرعي التنظيم في اليمن والسعودية. عقب عملية الفرار لأخطر للعناصر الإرهابية من سجن الأمن السياسي بصنعاء، استؤنفت الهجمات على أهداف أجنبية، بما في ذلك التفجير الانتحاري الذي وقع في مأرب عام 2007 وأسفر عن مقتل ثمانية سياح إسبان، والهجوم الذي وقع على السفارة الأمريكية بصنعاء عام 2008، ولكن الاستهداف الفاشل لرحلة خطوط نورث ويست الجوية رقم (253) عشية عيد ميلاد لعام2009، هو الذي عزز الاهتمام بالقاعدة باليمن في أوساط المخابرات وأجهزة الأمن الغربية بوصفها أخطر فرع من فروع القاعدة.

وعقب انفراد جماعة الإخوان في الحكم، وصعود القاضي حمود الهتار وزيرًا للأوقاف توعد ناصر الوحيشي زعيم تنظيم القاعدة، بتحرير أنصاره من العناصر الإرهابية المعتقلين في سجون صنعاء. وقد فرَّ هو نفسه من سجن في صنعاء في فبراير شباط 2006م مع 22 عضوًا آخر في التنظيم الإرهابي كنتيجة لحوار القاضي الهتار مع تلك العناصر في تلك الفترة.

ولم يمض من الوقت الكثير حتى أعلنت وزارة الداخلية اليمنية في بيان نشرته وكالة الأنباء سبأ، أن 29 سجينًا، من المدانين في قضايا إرهابية وجنائية مختلفة، ومن أخطر العناصر الإرهابية، تمكنوا من الفرار عبر فتحة أحدثها انفجار سيارة مفخخة في سور السجن” وتلى ذلك ذلك تسليم حضرموت الساحل لتنظيم القاعدة.

لم يتوقف الهتار عن تلك التجربة التي أعطته مكانة كبيرة في تنظيم الإخوان أكثر من ذي قبل، بل واصل في المطالبة بحوار ومناصحة عناصر تنظيم القاعدة على طريقته السابقة لتحقيق النتائج ذاتها، ففي برنامج حواري على قناة “آزال ” اليمنية قال: إن لجوء الحكومة إلى استخدام القوة في مواجهة عناصر القاعدة أدَّى إلى استخدام عناصر هذه الجماعة للقوة في المقابل .وتطرق “الهتار” إلى خطاب أخير للرئيس هادي” والذي قال فيه : إن 70% من عناصر التنظيم في اليمن من خارجها داعيا “هادي” إلى محاورة الـ 30 % من أعضاء التنظيم الذين هم “يمنيون” وفي حوار سابق تحدث الهتار فيه حول تجربة ما اسماه بالحوار ومناصحة مع أعضاء من تنظيم القاعدة خلال السنوات الماضية قائلا:  إنه يتوجب على الرئيس “عبدربه منصور هادي” أن يبدأ بالحوار مع أعضاء تنظيم القاعدة مؤكدًا أن محاولات اجتثاث هذا التنظيم عبر القوة المسلحة لا يمكن لها أن تنجح.

ومؤخرًا استغل الهتار تعيينه رئيسًا للجنة القانونية لوضع تشريعًا يشرعن ما دأب عليه في تعزيز أواصر علاقته وعلاقة الإخوان بالعناصر المتطرفة، وقطع الطريق أمام خيار مكافحة الإرهاب بالخيار العسكري الذي اثبتت القوات المسلحة الجنوبية نجاحه.

ففي مسودة القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي تعمد الهتار وضع فقرة تنص على اعتماد الحوار والمناصحة مع العناصر الإرهابية، ولعل تلك الفقرة واحدة من أخطر حشوات التفخيخ لذات المسودة الهتارية الإخوانية.

مما سبق تبين أن القضاء والسلطات اليمنية تساهلت وتماهت كثيرًا مع العناصر الإرهابية، وظهر هذا التساهل والتماهي في الإفراج عن العناصر الإرهابية وإخضاعهم لبرامج المناصحة التي كان يديرها القاضي حمود الهتار وزير الأوقاف في حكومة باسندوة) ورئيس المحكمة العليا في وقتنا الحالي، هذه المناصحة وفقًا لنتائجها كانت تهدف إلى دعم الإرهاب وتمكينه أكثر من ذي قبل، بدلًا من إخضاع المنتمين إليه للعقوبات الجنائية التي ينص عليها القانون.

قيادة الإرهاب في اليمن والمحاكمات الدولية

لم تمض سوى أيام قليلة على لقاء جمع رجل الدين الإخواني المتطرف عبدالمجيد الزنداني، والمفتي العام لتنظيم القاعدة في جزيرة العربي، مع المتحدث باسم الحركة الأفغانية ذبيح الله، حتى أعيد الحديث عن علاقته بتفجير المدمرة الأمريكية يو إس إس كول، والتي تؤكد تحقيقات أن الزنداني يعد المدبر والمنسق، واختار عنصرين من الذين نفذوا العملية في ميناء عدن العام 2000م.

وقالت شبكات إخبارية إقليمية إن الشيخ عبدالمجيد الزنداني، التقى بالمتحدث الرسمي باسم “حركة طالبان” في أفغانستان ذبيح الله مجاهد والوفد المرافق له في تركيا.

وذكر المتحدث الرسمي باسم “حركة طالبان” ذبيح الله مجاهد، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، أنه عقد لقاءً مهمًا مع من أسماه “عالم الإسلام ومقاتله” الشيخ الزنداني، في مقر إقامته بتركيا، للاطلاع على الوضع في أفغانستان.

وقال مجاهد إن الزنداني شدد على أهمية “الالتزام بالشريعة الإسلامية والحفاظ على الوحدة” في أفغانستان، دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل حول اللقاء([23])  

وأكد محمد عبدالمجيد الزنداني، نجل الداعية الإرهابي في تغريدة على حسابه بتويتر، أن الناطق الرسمي لحكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان ذبيح الله مجاهد في زيارة خاصة له اليوم للشيخ عبدالمجيد الزنداني بمقر إقامته في إسطنبول”.

ويعدّ الشيخ الزنداني أحد مؤسسي حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان مسلمون) وسبق له أن لعب دورًا بارزًا في تكوين “حركة الأفغان العرب” خلال فترة الثمانينيات للمشاركة في “الجهاد” ضد الاتحاد السوفيتي([24](

وصنّفت الولايات المتحدة الأمريكية الشيخ اليمني عبدالمجيد الزنداني، في العام 2004، كـ”إرهابي”، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، التي قالت: إن لديها أدلة على تورطه في عملية الهجوم على المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول”، قبالة سواحل عدن، عام 2000م[25]

مما سبق تبين أن

  • رأى حسن البناء في اليمن أرضًا صالحة لأفكاره؛ لجهل وتخلف وفقر شعبه وأن بالإمكان صياغة فكرهم وآرائهم من جديد في سبيل عودة الخلافة الإسلامية من جديد، وأنه من خلال نقطة انطلاق جيدة للفكر الإخواني يستطيع خلق قوة بشرية تكون يده الضاربة لتحقيق أهدافه.
  • أن الإخوان المسلمين قاموا بدور قيادي بارز في اليمن سواء في تنشيط حركة المعارضة، أم في بلورة أفكارها وتحديد أهدافها السياسية، أم في الإعداد وتنفيذ ودعم ثورة 17 شباط 1948م، فهي أول ثورة في العالم الإسلامي كان لإخوان المسلمين دور فيها.
  • أن أهداف صنعاء حشد المجاهدين العرب والتفاعل الكبير سياسيًا بامتياز في سبيل توظيف هؤلاء المقاتلين في حربهم ضد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الجنوبية التي كانت حليفة للاتحاد السوفياتي، وكانت الدولة العربية الوحيدة في شبه الجزيرة العربية تتواجد فيها قواعد عسكرية مشتركة لحماية المياه الإقليمية.
  • أن التحالف الاستراتيجي بين (صالح والشيخ الأحمر والزنداني) كان مبنيًا على إفشال مشروع الوحدة وإعلان دولة إسلامية والقضاء على المد الاشتراكي والشيوعي في جنوب اليمن بحسب زعمهم.
  • مثّل عودة المقاتلين اليمنيين من أفغانستان سببًا رئيسيًا لانتشار ظاهرة التطرف وتمدد وانتشار نشاط الإرهابيين في عدد من المحافظات اليمنية حيث تولّد لديهم شعورًا عند العودة بالقوة والثقة المفرطة بالنفس والقدرة على استئصال عناصر الحزب الاشتراكي في الجنوب بعد أن أخذت فكرة الجهاد وإنشاء فرع لتنظيم القاعدة في اليمن تستحوذ على تفكير أسامه بن لادن بعد أن تم إقناعه من قبل بعض المرجعيات الدينية ومشائخ القبائل المتعاطفة مع التنظيم بأن اليمن أضحت من أكثر المناطق في العالم جاهزية؛ لأن تقوم فيها حركات جهادية تتوافر لها مقومات النجاح.
  • القضاء على معظم القيادات السياسية والعسكرية والقانونية والأكاديمية بغرض تجريف العقل الجنوبي النهضوي في سبيل الخروج من هذه الأزمة التي يعانها شعب الجنوب.
  • أن بنود الوثيقة حددت خطورة تلك التنظيمات الإرهابية التي اتخذت من صنعاء منطلقًا لتهديد الأمن والاستقرار لمشروع الوحدة اليمنية، فقد احتلت الاهتمام الأكبر والمرتبة الأولى في معظم القضايا المطروحة في الوثيقة، فقد كانت بالنسبة لحياة شعب الجنوب وقيادته تمثل وجودهم ومستقبل حياتهم لكونهم أصبحوا في مواجهة مباشرة مع تلك العصابات الإجرامية المدعومة من النظام القبلي والسياسي اليمني.
  • هناك العديد من المصادر المحلية والإقليمية والدولية التي أسهمت في خلق بيئة ملائمة لنمو وانتشار ظاهرة الإرهاب في اليمن أما المصادر المحلية فأهمها انتشار المعاهد الدينية والمراكز التعليمية الخارجة عن إشراف الحكومة التي أسهمت في تغذية عوامل التطرف وإيجاد كيانات خارجة عن القانون تعمل على محو مفاهيم وقيم ثقافية وسطية متوازنة، كما أن قوة النفوذ القبلي وضعف سلطة الحكومة المركزية في بعض المحافظات النائية وانتشار السلاح عوامل أسهمت في تغذية ظاهرة الإرهاب والتطرف في اليمن.
  • كان للصراع الساسي الحاد بين شركاء الوحدة حزبي المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي خلال حقبة التسعينات تأثيرًا كبيرًا في تطور الحركات الإرهابية حيث وظف نظام صنعاء حركة الإخوان المسلمين والأفغان العرب ذا التيار الأصولي المتطرف في صراعه ضد شريك الوحدة وسمح لتلك التنظيمات للتمدد والانتشار وتنفيذ عمليات إرهابية متعددة في الداخل، ويرجع ذلك إلى انشغال الأجهزة الأمنية بتفاصيل الصراع القائم بينهما، وكان من تداعياته السلبية أيضًا إدخال مشروع الوحدة بين البلدين في نفق مظلم تمثل في مزيد من الاحتقان وإضعاف النظام الديمقراطي وإعاقة تطوير النظام السياسي والمؤسسي وفتح المجال للتنظيمات الإرهابية للعمل بحرية داخل اليمن بهدف تصفية حساباتها مع خصومها السياسيين فضلًا عن إشعال فتيل التوتر بين الأحزاب السياسية المتصارعة وتغذية عوامل الصراع بينها وإعاقة مسار الحياة السياسية.
  • أفضت ظاهرة الإرهاب إلى تحفيز القيادة السياسية القادمين من الجنوب إلى صنعاء على تبديل أولوياتها وإلى إدخال هذه التنظيمات في العملية السياسية، وهذا يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل حياتهم الشخصية والسياسية وصلت إلى قناعة راسخة بأن مكافحة الإرهاب لم يُعدُّ اختياريًا ومزاجيًا بل أصبح نشاطًا ملزمًا للجميع ينال العقاب عليه كل من يتراخى أو يتخاذل أو يتراجع عنه.
  • رسمت قيادة تنظيم القاعدة لنفسها استراتيجية بعيدة المدى تقوم على أساس تكثيف العمليات الإرهابية النوعية ضد القيادات الجنوبية وبالذات استهداف القيادات العسكرية التي تحمي النظام السياسي بمستلزمات البقاء بهدف إضعافه وإنهاك الدولة وإرباك الحكومة والأجهزة الأمنية وتشتيت طاقة القوى السياسية في صراعات عبثية بهدف نشر الاضطرابات والفوضى وتهيئة المناخ المناسب لتحويل الجنوب إلى ملجأ آمن للتنظيم لممارسة أنشطته الإرهابية في الجزيرة العربية والخليج.
  • خلال الفترة من1990-1994م أدرك شعب الجنوب مبكرًا مدى وحجم المخاطر والتحديات التي قد تواجهه فضلًا التداعيات السلبية التي تفرضها ظاهرة الإرهاب على أمن الجنوب واستقراره خصوصًا من قبل عناصر التيار الأصولي العائد من أفغانستان.
  •  سعى نظام صنعاء لاحتواء التنظيمات الإرهابية ومحاولة استقطاب عناصرها الخطرة عبر استيعابه ودمجه في إطار مؤسساتها الرسمية بهدف إضعاف الشريك في الوحدة والمتمثل في قيادات شعب الجنوب، كما تم توظفيها والاستناد إليها في الخروج على الحاكم والنظام السياسي وبالتالي نجحت في توظيف جزء كبير من قيادات وعناصر هذا التنظيم.
  • ألقت ظاهرة الإرهاب بضلالها السلبية على النشاط الاقتصادي والاستثماري في الجنوب، وأعاقت النشاط السياحي وخلقت موانع لزيادة النمو والتطوير للقطاعات المنتجة، وإلغاء الكثير من البرامج السياحية، ورفع مبالغ التأمينات على شحن البضائع فضلًا عن تضرر النشاط الملاحي حيث زادت رسوم التأمين على البواخر والبضائع الواصلة إضعاف ما كانت عليه قبل تنفيذ العمليات الإرهابية.
  • نجحت التنظيمات الإرهابية في استغلال عاملي الفقر والبطالة اللذين يشكلان بيئة خصبة لنمو الإرهاب وانتشار الفكر المتطرف لاستقطاب الشباب وتجنيدهم، مستغلين سوء أوضاعهم المعيشية حيث تعدُّ الأوضاع الاقتصادية المتردية هي الدافع الرئيس للشباب والمحرك لهم للانضمام للتنظيمات الإرهابية.

 الهوامش:


[1]) موقـف جماعـة الإخوان المسـلمين مـن التطـورات السياسـية الداخليـة فـي مصـر، أسـراء حميـد حنـون حسـن السـيد نـور 1967-1981(م، رسـالة ماجسـتير غيـر منشـورة، كليـة التربيـة للبنـات، جامعـة البصـرة، ،2017 ص10-30

[2] ) دور الإخوان المسلمين في الثورة اليمنية الدستورية عام  1948)الجزء الاول( بقلم م.م وجدان كارون فريح

[3]) دور الإخوان المسلمين في الثورة اليمنية الدستورية عام  1948)الجزء الثاني( بقلم م.م وجدان كارون فريح قسم الدراسات التاريخية مركز دراسات البصرة والخليج العربي/ جامعة البصرة،  العدد الحادي عشر أيلول 2021 ص 159

[4]) دور الإخوان المسلمين في الثورة اليمنية الدستورية عام  1948)الجزء الثاني( بقلم م.م وجدان كارون فريح ص 161

[5] ) دور الإخوان المسلمين في الثورة اليمنية الدستورية عام  1948)الجزء الثاني( بقلم م.م وجدان كارون فريح ص164

[6] )

javascript:void(0)

[7]ينظر تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” في اليمن الجنوبي: بين الأمس واليوم – بواسطة سمر أحمد معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط

[8] رحلات الأب الروحي لـ”تنظيم القاعدة”.. عبدالمجيد الزنداني.. من ميادين تجنيد الأفغان العرب إلى قصر الرئاسة اليمنية (فصول موجزة) د. صبري عفيف العلوي إصدارات مؤسسة اليوم الثامن للإعلام الدراسات الطبعة الأولى لعام 2022م

[9]  رحلات الأب الروحي لـ”تنظيم القاعدة”.. عبدالمجيد الزنداني.. من ميادين تجنيد الأفغان العرب إلى قصر الرئاسة اليمنية (فصول موجزة) د. صبري عفيف العلوي إصدارات مؤسسة اليوم الثامن للإعلام الدراسات الطبعة الأولى لعام 2022م

[10]   رحلات الأب الروحي لـ”تنظيم القاعدة”.. عبدالمجيد الزنداني.. من ميادين تجنيد الأفغان العرب إلى قصر الرئاسة اليمنية (فصول موجزة) د. صبري عفيف العلوي إصدارات مؤسسة اليوم الثامن للإعلام الدراسات الطبعة الأولى لعام 2022م ص:  23

[11] ( ينظر تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” في اليمن الجنوبي: بين الأمس واليوم – بواسطة سمر أحمد معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط

[12] المجالس الرئاسية في اليمن: استكشاف المحاولات السابقة لتقاسم السلطة والإمكانيات من أجل المستقبل – ميساء شجاع الدين – مركز صنعاء للدراسات

[13] ( ينظر تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” في اليمن الجنوبي: بين الأمس واليوم – بواسطة سمر أحمد معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط

[14] رحلات الأب الروحي لـ”تنظيم القاعدة”.. عبدالمجيد الزنداني.. من ميادين تجنيد الأفغان العرب إلى قصر الرئاسة اليمنية (فصول موجزة) د. صبري عفيف العلوي إصدارات مؤسسة اليوم الثامن للإعلام الدراسات الطبعة الأولى لعام 2022م

[15]

Nohlen, Dieter؛ Grotz, Florian؛ Hartmann, Christof, المحررون (2001)، Elections in Asia:

( [16]  ينظر : نص الفتوى في صحيفة الشورى العدد () الصادرة في عام وعدد من التسجلات الصوتية

صحيفة الأهرام المصرية 18/3/2014م ( [17]

 ( [18] صحيفة الأهرام المصرية 18/3/2014م

( [19]  ينظر : نص الفتوى في صحيفة الشورى العدد () الصادرة في عام وعدد من التسجلات الصوتية

[20] Nohlen, D, Grotz, F & Hartmann, C (2001) Elections in Asia: A data handb7ook, Volume I, p304 ISBN 019924958

[21] “Yemen’s ruling party proclaims victory amid claims of fraud”، اكسبريس الهندية (صحيفة)، 02 مايو 1997، مؤرشف من الأصل في 11 ديسمبر 2019، اطلع عليه بتاريخ 10 يناير 2008. {{استشهاد ويب}}: غير مسموح بالترميز المائل أو الغامق في: |ناشر= (مساعدة)

[22] https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2010/01/100111_zindani_yemen_ 

[23] رجل الدين الإخواني عبدالمجيد الزنداني يلتقي بوفد من حركة طالبان الأفغانية في تركيا – صحيفة 4 مايو المحلية

[24] عبدالمجيد الزنداني متورط في عملية الهجوم على المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” – إرم نيوز

[25]
  Guantánamo Judge Weighing Hearsay Statements in U.S.S. Cole Bombing Case – The New York Times

فريق التحرير

يتألف فريق تحرير مجلة "بريم" من مجموعة من الخبراء والباحثين والصحفيين المتمرسين الذين يلتزمون بتقديم محتوى متميز ومتنوع يغطي القضايا المناخية، التنموية، والاجتماعية في اليمن والمنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى