ورقة علمية مقدمة للملتقى التربوي الأول بعنوان ” المؤسسات التربوية ودورها في حماية الطلاب من مخاطر الظواهر السلبية والأفكار المتطرفة”. والمنعقدة في شهر مارس 2023م والتي تنظمه دائر الفكر والإرشاد في الأمانة العامة للمجلس الانتقالي الجنوبي
الملخص:هدفت هذه الورقة البحثية إلى معرفة ماهية الأفكار المتطرفة التي تعد المصدر الرئيس لتجلي ظواهر التطرف والإرهاب والعنف في اليمن وأخدت تلك الظاهرة أشكالا شتى وعجز العالم عن الوقوف ضدها. ومن تتبعت الورقة البحثية اتجاهات تلك الأفكار المتطرفة، وفي المطلب الثالث، التعرف على العوامل (الاقتصادية، والاجتماعية، والدينية، والسياسية، وبواعث أخرى) المؤدية لشيوع تلك الظاهرة لإرهاب، واعتمدت على المنهج الوصفي التحليلي، ولتحقيق التعرف على العوامل المؤدية إليه تم استخدام أداة الاستبيان البسيط، ومن ثم تناولت المطب الرابع، المخاطر والتحديات التي تولده تلك الظاهرة على المجتمع وقد توصلت الورقة البحثية إلى عدة نتائج وتوصيات: الكلمات المفتاحية: التطرف الفكري -العنف -التطرف -الإرهاب |
المطلب الأول:
الإطار العام للبحث
المقدمة:
تمثل ظاهرة الأفكار المتطرفة (العنف التطرف الإرهاب) أهم الإشكاليات التي تواجه عالمنا المعاصر، وقد زاد من تأثير تلك الظاهرة السرعة والزخم الذي تتناول به وسائل الإعلام مثل هذه النوعية من الجرائم التي باتت تهدد الإنسانية جمعاء، وعلى الرغم من المآسي التي عانتها البرية من جراء ويلات الحروب التقليدية، باتت الجرائم الإرهابية لها وقع مختلف على النفس البشرية.
إن الغلو الديني والتطرف الفكري يمثلان أحد أكثر القضايا التي تؤرق المجتمعات الدولية، وتشكل تهديدًا خطيرًا لنمائها واستقرارها وتطورها.
فقد ظل المصدر الأساسي لتفكك المجتمعات وتمزيق النسيج الاجتماعي، والمنبع الرئيس للعنف والإرهاب وتكريس آليات التخلف عبر التاريخ؛ ونتيجة لهذا الغلو الديني والتطرف الفكري؛ ظهر ما يسمى بظاهرة الإرهاب الفكري الذي تمارسه الحركات الإرهابية التي تتشح برداء ديني متشدد، وتقترف أبشع الجرائم باسمه؛ حيث شهدت خلال السنوات الأخيرة تحولات نوعية، وأصبحت أكثر موضوعات الساعة خطرًا وأبعدها أثرًا، فقد تحولت من خلايا صغيرة إلى مجموعات تملك أسلحة ثقيلة متطورة من دبابات ومدرعات وصواريخ مضادة للطائرات، وهو لم يكن متاحًا للمنظمات الإرهابية التي برزت في الثلث الأخير من القرن العشرين.
هناك العديد من مظاهر التعصب والنعف والتعصب والإرهاب التي بدأت في الظهور في المجتمع اليمني منذ مطلع التسعينات وبصور مختلفة ومتعاقبة ومعظم المنتمين اليها والمشاركين فيها من الشباب والطلاب ويعتبر التعصب من اهم علامات التطرف حيث التصلب والتشدد لما يعتقده الفرد من أفكار واراء مع الانعزال عن الفكر السائد في المجتمع وغلق باب الحوار والفهم المتبادل وسد الطريق امام فعم ما يستجد من احداث وأفكار ويميل الشخص المتطرف الى تقبل كل ما يزيد قناعته بالأفكار التي تداف عنها وينتمي لها الى الحد ان تصبح هذه الأفكار هدفا في حد ذاتها يكرس جهده وطاقته للدفاع عنها والمحافظة عليها خاصة اذا كانت تحقق له مكانة متميزة وسط الجماعة التي ينتمي اليها.
مشكلة الدراسة:
إن التطور النوعي الذي شهدته المنظمات الإرهابية في عدد من الدول العربية وفي مقدمتها اليمن أدى إلى رفع كفاءتها القتالية، وزاد من قدرتها على الاستقطاب والحشد، واستغلال تطور النزاعات التي قامت في المنطقة وتحويلها إلى صراعات مسلحة شديدة الدموية، ما جعلها تمثل ضغوطًا متزايدة شديدة الخطورة على الأمن القومي في الدول العربية بشكل عام، والمجتمع الجنوبي بشكل خاص وكذلك المستجدات التي طرأت في الجنوب التي يشهد حرب ضروس مع المنظمات الإرهابية (داعش والقاعدة وانصار الشريعة وجماعة الاخوان ) مما جعلها تشكل ثقلًا إضافيًا، تمثل في قدرتها على تمزيق النسيج الاجتماعي الجنوبي.
وفي ضوء ما تم استعراضه يمكن تحديد مشكلة الدراسة في التعرف على الأسباب التي تؤدي الى انتشار ظاهرة العنف والتطرف والإرهاب في مجتمعنا.
ويمكن صياغة أسئلة الدراسة في الاتي:
- ماهي الدلالات التي تحملها الأفكار المتطرفة؟
- ما هو مفهوم التطرف والعنف والإرهاب
- ما هي أسبابها ومظاهرها في المجتمع اليمني
- اين تكمن الدوافع المشرعنة للتطرف والإرهاب؟
- ما هي المخاطر والتحديات التي يترتب عن ظهارة التطرف والتطرف والإرهاب على المجتمع في الجنوب.
أهداف البحث
تهدف الدراسة الى تحديد ما يلي:
- تحديد مفاهيم الأفكار المتطرفة
- معرفة بواعث الأفكار المتطرفة في اليمن
- معرفة المخاطر والتحديات التي تواجه المجتمع الجنوبي من جراء ظاهرة الأفكار المتطرفة
- التوصيات والمعالجات المقترحة لمواجهة الأفكار المتطرفة
هيكل البحث :
اشتمل البحث على ثلاثة مطالب ففي المطلب الأول تناول الإطار العام للبحث وفي المطلب الثاني تناول ماهية الأفكار المتطرفة وفي المطلب الثالث، تناول الدوافع لشيوع الأفكار المتطرفة وفي المبحث الرابع المعالجات والمقترحات
المطلب الثاني:
ماهية الأفكار المتطرفة
تُعد مشكلة الأفكار المتطرفة من القضايا الرئيسية التي يهتم بها الكثير من المجتمعات المعاصرة، فهي قضية يومية حياتية، تمتد جذورها في التكوين الهيكلي للأفكار والمُثل والأيديولوجية التي يرتضيها المجتمع. فالفكر المتطرف شأنه شأن أي نسق معرفي، هو ظاهرة اجتماعية تتأثر وتؤثر في غيرها من ظواهر، مرتبطة إلى حد كبير بالظروف التاريخية والسياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من ظروف يتعرض لها المجتمع.
فالفكر المتطرف من الجانب اللغوي يعني فَكر – التفكر أي التأمل والاسم الفكر والفكرة، والمصدر الفكر بالفتح، وأفكر في الشيء فكر فيه بالتشديد وتفكر فيه، ورجل فكير أي كثير التفكر([1]) الفكر هو أعمال النظر في الشيء، كالفكرة والفكري وبكسرهما أفكار، وفكر فيه وأفكر وفكر وتفكر، ويقال مالي فيه فكر أي حاجة ([2]). والأفكار المتطرفة هي تجاوز مرحلة التطرف إلى مرحلة أخرى تنطوي على فرض الرأي أو المعتقدات بالقوة، أو بمعنى آخر فـإنه إذا كـان التطرف يقوم على العنف الفكري فإن الإرهاب يعتمد على العنف المادي، ومن وجهة نظر جماعات الإرهاب فإن كل شيء في المجتمع باطل ويجب تغييره ، وأنه لا سبيل لهذا التغيير إلا بقوة السلاح وممارسة الإرهاب في المجتمع([3]) أي أنه عدوان بشري مبني على اسس فكرية وذلك باستخدام مختلف وسائل الضغط النفسي والبدني والاجتماعي والاقتصادي من اجل التحكم في ارادة الفرد والمجتمع لتحقيق اهداف فكرية أو دينية أو سياسية أو اجتماعية أو كل ذلك معاً .
وبالتالي فأن التطرف يسبب افكار منحرفة، وأن هذه الافكار المتطرفة هي التي تقود الى القيام بعمليات ارهابية واقتتال وحروب والخ، وبالتالي نلاحظ مدى العلاقة بين الأفكار المتطرفة والإرهاب هو من نتاج الافكار المتطرفة.
ويبدوا أن القول بأن الأفكار المتطرفة هي أحد أوسع الأبواب التي تؤدي إلى الإرهاب يحتمل الكثير من الواقعية، خاصة بعد أن ثبت ان أكثر موجات الارهاب التي اجتاحت جنوبنا الحبيب كانت نتاجاً للتطرف الفكري والسياسي، وذلك لان التطرف الفكري قد يقود الى السلوك الارهابي ويرتبط به، وبالتالي نلاحظ مدى العلاقة بين التطرف والإرهاب الفكري، حيث ان الارهاب الفكري هو من نتاج الافكار المتطرفة.
- مفاهيم ومصطلحات متعددة
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، دخلت مجموعة من المفاهيم المعقدة إلى الخطاب السياسي والمجتمعي حول العنف المدفوع بالأيديولوجية الجهادية. وقد جرى استخدام هذه المفاهيم في الماضي، غير أن معانيها تطورت بعض الشيء، وقد ساهم الإرهاب في اليمن في تعزيز هذا الاتجاه في السنوات الأخيرة، في الوقت الذي حاولت فيه المجتمعات الغربية فهم العوامل والدوافع المؤدية إلى التطرف الجهادي.
. ونظرًا للأغراض المحدودة لهذه الورقة، سيتم تجنب المناقشة الأكاديمية والرسمية حول هذه المصطلحات بشكل كامل، وسيجري توفير استعراض قصير للمصطلحات فقط، من أجل تسليط الضوء على الاختلافات الجوهرية بينها.
- مصطلح الأصولية (Fundamentalism):
تُستخدم هذه الكلمة حاليًا من أجل تصنيف منظومة معتقدات جماعية، تتشكل بموجبها تطورات إقليمية ووطنية وحتى عالمية. تُعتبر المنظمات أصوليةً في العادة عندما تعارض المبادئ العلمية والعلمانية الحديثة، في حين تفضّل رؤية الحياة على أساس الالتزام الحرفي بالنصوص (المقدسة).
في الحقيقة، وُلدت الأصولية الدينية الحديثة -التي غالبًا ما ترتبط اليوم بالإسلام- في الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين، في صفوف البروتستانت الذين عارضوا فكرة تكييف المبادئ الدينية مع العصر الحديث. رأى هؤلاء أن الكتاب المقدس معصوم، وبالتالي يجب اِتّباعه كلمة بكلمة. في الواقع، لدى كل عقيدة دينية أصوليوها – المحافظون الذين يعارضون الفكرة التقدمية للدين وتطبيقاتها التفسيرية على الأحداث الاجتماعية والتاريخية، ويفضلون رؤية غير متغيرة للحياة، استنادًا إلى مبادئ مستقاة حرفيًا من النصوص المقدسة.
في بعض الأحيان، يستخدِم البعض مصطلح الأصولية الإسلامية كمرادف للتطرف العنيف، برغم أن العديد من التعريفات الأكاديمية تقدمه كمجموعة من المعايير والمثل الدينية الصارمة. الأصوليون الإسلاميون يعارضون -ما يرونه- تأثير الثقافة العلمانية الغربية الفاسدة، ويحثون المؤمنين على اتباع الشريعة الإسلامية، ونموذج النبي محمد حرفيًا في جميع تفاعلات الحياة. ومن المهم هنا أن نميز ما بين الأصولية الإسلامية والإسلاموية؛ فالأولى تعبر عن “التوجه الفردي نحو جذور العقيدة الدينية”، والثانية تعبر عن “تبعية الفرد لقرارات سياسية تحت سيادة الدين”.
- مصطلح التشدد “الراديكالية” (Radicalism):
كثيرًا ما يتم استخدام مصطلحي التشدد والتطرف للإشارة إلى الظاهرة نفسها، خصوصًا في العلوم الاجتماعية. في الحقيقة، جرى استخدام مصطلح “متشدد” أو “راديكالي” منذ القرن الثامن عشر، حين ارتبط بالثورتين الفرنسية والأمريكية. وقد أصبح واسع الانتشار في القرن التاسع عشر خلال المناقشات التي جرت حول الناس الذين سعوا لإحداث تغييرات اجتماعية وسياسية ملموسة. ونتيجة لذلك، كان لمفهوم التشدد على مدار التاريخ معانٍ مختلفة، مرتبطة بمظاهر اجتماعية وسياسية متنوعة، كما أكد المؤرخ البريطاني مارك سيدجويك، ويرجع سبب الارتباك حول مفاهيم التشدد والتطرف إلى وجود سياقات مختلفة، تشمل الأمن والتكامل المجتمعي والسياسة الخارجية، ما يؤدي إلى فهم المصطلحات بشكل مختلف، وفقًا لاختلاف أجندة كل سياق.
وعند النظر إلى جدول زمني تاريخي تخيلي، سنجد أن من جرى اعتبارهم “متشددين وراديكاليين” في الماضي، أصبحوا اليوم “مصلحين” بنظر الناس. في العديد من الحالات، كانت أفعالهم غير قانونية، لكنها مشروعة حسب معايير اليوم. كما أصبحت أهدافهم جديرة بالثناء، لدرجة أن العديد من القضايا الراديكالية في القرن التاسع عشر أصبحت اليوم عناصر أساسية للحقوق المدنية. علاوة على ذلك، كان يُنظر للشخص الراديكالي في القرن التاسع عشر على أنه “ليبرالي، مناهض للكتب الدينية، مناصر للديمقراطية والتقدمية”، بينما انعكس الحال اليوم، إذ يشير المصطلح الآن إلى اتجاه معاكس في الدلالات الإسلامية، وبات يُنظر للشخص الراديكالي على أنه “معادٍ لليبرالية، مكافح للديمقراطية، محتضن للمواقف الأصولية”.
على أية حال، الشخص الراديكالي يتحمس بشكل عام لمناقشة معتقداته في تحليل نقدي؛ حتى لو كانت هناك نقاط تقاطع بين الراديكالية والتطرف. ونحن نعلم أن ليس هناك ارتباط حتمي ما بين اقتناء الأفكار الراديكالية والتحول الفعلي للعنف.
وموقف الإسلام من هذا الغلو والتشدد الديني كان واضحا حيث نهى عن الزيادة ومجاوزة الحد الشرعي الواجب.
قال تعالى: } لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ { [4]
وقال سبحانه في آية المائدة: } قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ {[5]
ومما ورد في السنة أيضاً: ما رواه أحمد بإسناده عن عبد الرحمن بن شبل قال سمعت رسول الله r يقول: ((اقرأوا القرآن ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به. ([6])
وفي حديث ابن عباس t قال: قال لي رسول الله r غداة العقبة وهو على ناقته: ((القط لي حصى))، فلقطت له سبع حصيات هن حصى القذف، فجعل ينفضهن في كفه ويقول:
((أمثال هؤلاء فارموا، ثم قال: يأيها الناس إياكم والغلو في الدين؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)). رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وغيرهم ([7]) .
فمما سبق يتبين أن الكتاب والسنة يخصصان عموم اللغة، وأن الغلو هو : (( الإفراط في مجاوزة المقدار المُعتبر شرعاً في أمرٍ من أمور الدين
- مصطلح التطرف (Extremism):
التطّرف هو تفعَّل ـ بتشديد العين ـ من طرف يطرف طَرَفاً بالتحريك، وهو الأخذ بأحد الطرفين والميل لهما: إما الطرف الأدنى أو الأقصى, ومنه أطلقوه على الناحية وطائفة الشيء، ومفهوم التطرف في العرف الدارج ـ في هذا الزمان ـ يُطلق على الغلو في عقيدة أو فكرة أ ومذهب أو غيره , ولهذا لا يختص به دين أو جماعة أو حزب ، التطرف هو: الخروج عن القيم والمعايير والعادات الشائعة في المجتمع، وتبني قيم ومعايير مخالفة لها. ويعتبر اللجوء من قبل الجهة المتطرفة لفرض قيمها ومعاييرها وفرض رأيها بالقوة هو شكل من أشكال الإرهاب، وبمعنى أدق، فالتطرف الفكري والديني هو أحد المنابع التي تؤدي إلى الإرهاب خاصة وأن 95% من حالات الإرهاب التي اجتاحت العالم خلال السنوات الماضية كانت نتاجًا للتطرف.
ويُعد مفهوم التطرف من المفاهيم التي يصعب تحديدها أو إطلاق تعميمات بشأنها، نظراً إلى ما يُشير إليه المعنى اللغوي للتطرف من تجاوز لحد الاعتدال. وحد الاعتدال نسبي، يختلف من مجتمع إلى آخر وفقاً لنسق القيم السائد في كل مجتمع. فما يعتبره مجتمع من المجتمعات سلوكاً متطرفاً من الممكن أن يكون مألوفاً في مجتمع آخر، فالاعتدال والتطرف مرهونان بالمتغيرات البيئية والحضارية والثقافية والدينية والسياسية التي يمر بها المجتمع.
كما يتفاوت حد الاعتدال والتطرف من زمن إلى آخر، فما كان يُعد تطرفاً في الماضي ربما لا يكون كذلك في الوقت الحاضر ومع ذلك حاول بعض الباحثين التوصل إلى تعريفات لمفهوم التطرف، نتناولها فيما يلي:
فُسر التطرف على أنه “اتخاذ الفرد موقفاً متشدداً يتسم بالقطيعة في استجاباته للمواقف الاجتماعية التي تهمه، والموجودة في بيئته التي يعيش فيها هنا والآن؛ وقد يكون التطرف إيجابياً في القبول التام، أو سلبياً في اتجاه الرفض التام، ويقع حد الاعتدال في منتصف المسافة بينهما”.
واستُخدم مفهوم التطرف في الإشارة إلى الخروج عن القواعد الفكرية والقيم والمعايير والأساليب السلوكية الشائعة في المجتمع، مُعبراً عنه بالعزلة أو بالسلبية والانسحاب، أو تبني قِيَم ومعايير مختلفة، قد يصل الدفاع عنها إلى الاتجاه نحو العنف في شكل فردي أو سلوك جماعي منظم، بهدف إحداث التغيير في المجتمع وفرض الرأي بقوة على الآخرين.
ويُعرف التطرف كذلك بأن “قد يتحول من مجرد فكر إلى سلوك ظاهري أو عمل سياسي، يلجأ عادة إلى استخدام العنف Violence وسيلة إلى تحقيق المبادئ التي يؤمن بها الفكر المتطرف، أو اللجوء إلى الإرهاب النفسي أو المادي أو الفكري ضد كل ما يقف عقبة في طريق تحقيق تلك المبادئ والأفكار التي ينادي بها هذا الفكر المتطرف”.
يرتبط التطرف بالعديد من المصطلحات، منها الدوجماطيقية والتعصب. إن التطرف وفقاً للتعريفات العلمية يرتبط بالكلمة الإنجليزية Dogmatism أي الجمود العقائدي والانغلاق العقلي. والتطرف بهذا المعنى هو أسلوب مُغلق للتفكير يتسم بعدم القدرة على تقبل أية معتقدات تختلف عن معتقدات الشخص أو الجماعة أو على التسامح معها. ويتسم هذا الأسلوب بنظرةٍ إلى المُعْتقَد، تقوم على ما يأتي:
1. أن المُعْتقَد صادق صدقاً مطلقاً أو أبدياً.
2. أن المُعْتقَد يصلح لكل زمان ومكان.
3. لا مجال لمناقشته ولا للبحث عن أدلة تؤكده أو تنفيه.
4. المعرفة كلها بمختلف قضايا الكون لا تُستمد إلا من خلال هذا المُعْتقَد دون غيره.
5. إدانة كل ما يخالف هذا المُعْتقَد.
6. الاستعداد لمواجهة الاختلاف في الرأي ـ أو حتى التفسير ـ بالعنف.
7. فرض المُعْتقَد على الآخرين ولو بالقوة.
يعتمد التطرف اتجاهاً عقلياً وحالة نفسية تُسمى بالتعصب Prejudice للجماعة التي ينتمي إليها، والتعصب حالة من الكراهية تستند إلى حكم عام يتسم بالجمود وعدم المرونة، وأنه قد يكون على مستوى الإحساس، وقد يُعبر صاحبه عنه. وقد يوجه إلى جماعة بكمالها أو إلى عضو فرد يمثل هذه الجماعة. ويُلاحظ أن الأكثر ميلاً إلى اعتماد النظرة التعصبية هم المتطرفون. وفي حالة غياب الحوار واللغة المشتركة، يكون الدفاع المتشدد عن المبادئ التي يؤمن بها الفرد المتعصب.
. أشكال التطرف
قد يأخذ التطرف أشكالاً متعددة، أهمها ما يلي:
أ. التطرف الفكري: ويتمثل في الخروج عن القواعد الفكرية أو الثقافية التي يرتضيها المجتمع لأي موقف من المواقف الحياتية.
ب. التطرف المظهري: ويُقصد به إثارة الرأي العام بالخروج عما هو مألوف لدى العامة من حيث المظهر، كارتداء ملابس مخالفة للجمهور، أو التبرج في الملبس، أو الحديث بطريقة تَجذب الانتباه.
ج. التطرف الديني: وهو مجاوزة حد الاعتدال في السلوك الديني فكراً وعملاً، أو الخروج عن مسلك السلف في فهم الدين، وفي العمل به سواء بالتشدد أو بالتسيب والتفريط.
بالإضافة لما سبق ذكره من أشكال للتطرف، فهناك أشكال أخرى أقل شيوعاً، مثل التطرف السياسي، والتطرف في الاتجاهات الوجدانية، والتطرف الأخلاقي، والتطرف في المشاعر، والتطرف الاجتماعي والرفض والاحتجاج على غياب العدالة الاجتماعية بصورها المختلفة في نظام المجتمع.
ولهذا فالتطرف يُوصف به طوائف من اليهود ومن النصارى، فثمة أحزاب يمينية متطرفة أو يسارية متطرفة. فقد وصفت بالتطرف الديني والحركي والسياسي ولكن الوصف الشرعي للتشدد في الدين والغلو فيه يجب أن يكون مرجعه إلى الشرع نفسه لا اصطلاح الناس ومفاهيمهم واطلاقاتهم. فوصف الغلو والغلاة والمغالي هو الوصف الشرعي، كما دل عليه حديث ابن عباس t أن النبي r قال في الحج : (( أمثال هؤلاء فارموا , وإياكم والغلو في الدين , فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين )) رواه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه
وتشترك الراديكالية والتطرف بخصائص مشتركة، فالناس في كلا المعسكرين يبعدون أنفسهم عن المواقف المعتدلة والشائعة والتقليدية. ومع ذلك، يختلف المصطلحان في العديد من الأوجه. المتطرف يحمل آراء ضيقة، ويرفض المناقشة العقلانية، وتكون معتقداته متطرفة للغاية إلى درجة رفض سيادة القانون والتعددية والمبادئ الديمقراطية.
هدف المتطرفين هو خلق مجتمع متجانس مبني على مبادئ أيديولوجية متزمتة وصارمة، تنطوي على تقييد المواطنين من خلال قمع جميع أشكال المعارضة والأقليات الخاضعة، وعلى النقيض من ذلك، يميل الراديكاليون إلى قبول تنوع الأفكار والآراء، ويؤمنون بقوة الإقناع والتنازلات بدلًا من التزمت المجرد.
في الواقع، جرى تقديم هذا المصطلح لأول مرة في مجال دراسات الإرهاب الجهادي من خلال المجموعة الاستشارية التابعة للاتحاد الأوروبي، التي رأت أن الراديكالية -كأيديولوجية- تتحدى شرعية القواعد والسياسات المعمول بها، لكنها لا تؤدي بالضرورة إلى العنف.
هنالك أيضًا اختلافات هامة في مجال التطرف، فعلى الرغم من أن التطرف يقع على حافة الطيف الديمقراطي، إلا أن ليس جميع المتطرفين ينخرطون في العنف (الإرهاب) لفرض أجندتهم، إذ يركز بعضهم على الترويج “للقضية” أكثر من تركيزهم على تدمير أولئك المعارضين لها.
في الحقيقة، من المهم عند تحليل التطرف أن نفهم الاختلافات والعلاقات المحتملة بين المتطرفين العنيفين والمتطرفين غير العنيفين، علمًا بأن الفارق بين الجانبين يمكن أن يتقلص في بعض الأحيان، بل ويتقاطع في أحيان أخرى، إذ ربما يتعاطف المتطرفون غير العنيفين مع أهداف المتطرفين العنيفين، وقد يقدمون الدعم والمساعدة لهم.
عندما يتعلق الأمر بالتطرف الإسلامي اليوم، فإن القراءة الانتقائية لمدرسة القانون الإسلامي الصارم تسمح “لـلمتزمتين” بمعارضة “المعتدلين” في تفسيرهم للتقاليد الإسلامية، بالاعتماد على قانون الله (الشريعة وحدها) لكل جوانب الشؤون الإنسانية. ومع ذلك، هنالك فوارق من جديد؛ فكما يلاحظ أليكس شميد، فإن تصنيف المتطرفين الإسلاميين يتسم بالغموض، إذ إن مصطلح “المتطرفين غير العنيفين” في هذا السياق يشمل الإسلاميين السياسيين والمبشرين، ومن بينهم أفراد يدعمون الوسائل العنيفة لتحقيق أهدافهم.
ومما لا شك فيه أن خطر التطرف يزداد حين ينتقل من طوره الفكري والاعتقادي والنظري إلى طور الممارسة والتطرف السلوكي الذي يعبر عن نفسه بأشكال مادية باستخدام وسائل العنف والقتل والإرهاب لتحقيق أهدافه.
ولقد ارتبط التطرف والإرهاب بالآونة الأخيرة بالإسلام خاصة مع ظهور الجماعات الدينية المتطرفة مثل: تنظيم داعش وغيره من التنظيمات من كافة أشكال التطرف الديني والسياسي، سواء في الفكر أو المعتقد أو السلوك.
بالرجوع إلى المعاجم اللغوية في مادة العنف وُجد أنها مثلثة العين: بالرفع والفتح والكسر وهو ضد الرفق. وهو الشديد في القول والفعل.
وحقيقة العنف أنه نتيجة وثمرة للغلو والتطرف والإرهاب الممنوع، في الشدة في قول أو رأي أو فعل أو حال! وهو ما يُولد ما يسمى بالعنف العقدي، والعنف العلمي والعنف الفكري في الرأي والفهم والتصور؟!
من العوامل الأخرى المعقدة في هذا التعريف هو الإشارة إلى الأيديولوجية الجهادية كشرط مسبق من أجل تصنيف الفرد على أنه متطرف، وفي الحقيقة، هنالك جدل دائر حول تأثير الأيديولوجيات في عملية التطرف، إذ تشير المؤلفات الأكاديمية المكثفة إلى أن العلاقات الاجتماعية وعلاقات الصداقة وروابط المودة تشكّل دوافع رئيسة باتجاه التأثر الأيديولوجي.
المطلب الثالث
مظاهر وآثار التطرف لدى المجتمع
تتمثل أهم مظاهر التطرف فيما يلي:
أ. إن أول مظهر من مظاهر التطرف هو التعصب للرأي تعصباً لا يعترف للآخرين برأي، وهذا يُشير إلى جمود المتعصب مما لا يسمح له برؤية مقاصد الشرع ولا ظروف العصر، ولا يسمح لنفسه بالحوار مع الآخرين. فالمتطرف يرى أنه وحده على الحق، وما عداه على الضلال، كذلك يسمح لنفسه بالاجتهاد في أدق القضايا الفقهية، ولكنه لا يجيز ذلك لعلماء العصر المتخصصين منفردين أو مجتمعين، ما داموا سيصلون إلى ما يخالف ما ذهب هو إليه.
ب. ومن مظاهر التطرف كذلك التشدد والغلو في الرأي، ومحاسبة الناس على الجزئيات والفروع والنوافل، كأنها فرائض، والاهتمام بها والحكم على إهمالها بالكفر والإلحاد.
ج. وهناك مظهر آخر من مظاهر التطرف، وهو العنف في التعامل والخشونة في الأسلوب دون التعامل بالحسنى والحوار والاعتراف بالرأي الآخر.
د. ومن مظاهر التطرف ولوازمه سوء الظن بالآخرين والنظر إليهم نظرة تشاؤمية لا ترى أعمالهم الحسنة، وتضخم من سيئاتهم، فالأصل هو الاتهام والإدانة. قد يكون مصدر ذلك هو الثقة الزائدة بالنفس التي قد تؤدي في مرحلة لاحقة بالمتطرف إلى ازدراء الغير.
هـ. يبلغ هذا التطرف مداه حين يسقط في عصمة الآخرين ويستبيح دمائهم وأموالهم، وهم بالنسبة له متهمون بالخروج عن الدين. وتصل دائرة التطرف مداها في حكم الأقلية على الأكثرية بالكفر والإلحاد. إن هذه الظاهرة متكررة وليست وليدة العصر، بل وقعت في مختلف العصور وفي كل الديانات السماوية.
و. ومن مظاهر التطرف العزلة عن المجتمع، والعزلة تؤدي وظيفتين؛ الأولى تجنب المتطرفون المنكرات التي تملأ جوانب المجتمع وحمايتهم من أن يشاركوا في نهج الجالية؛ والوظيفة الأخرى تكوين مجتمع خاص بهم تُطبق فيه أفكارهم ومعتقداتهم، وتتسع دائرة هذا المجتمع شيئاً فشيئاً حتى تستطيع غزو المجتمع من خارجه. وكما هو واضح فإن الوظيفة الأولى فكرية دينية، بينما الوظيفة الأخرى سياسية حركية[8].
2. آثار التطرف
إن التطرف حالة من الجمود والانغلاق العقلي وتعطيل القدرات الذهنية عن الإبداع والابتكار، وعن إيجاد الحلول في عالم سريع التغير، فإن انتشار هذه الحالة يكون مهدِّداً، ليس لتطور المجتمع فحسب، بل لوجوده واستمراره. والجدير بالذكر هنا أنه لا بد أن نُدرك أن التطرف سبب ونتيجة في آن واحد للتخلف والركود. وتتلخص آثار التطرف الخطيرة فيما يلي:
أ. التدهور في الإنتاج، حيث إن أهم عنصر في قوى الإنتاج هو الإنسان العامل الذي لا بد ـ لكي يطور إنتاجه ـ من أن تتطور قدراته العقلية، بحيث يكون قادراً على الإبداع والابتكار والتجديد. فإذا ما كان أسيراً لأفكار جامدة وعاجزاً عن التفكير وإعمال العقل، فإن ذلك يجعله متمسكاً بالأساليب البالية العتيقة في الإنتاج، بل بتنظيم العمليات الإنتاجية ذاتها كذلك.
ب. يمثل التطرف دائماً حنيناً إلى الماضي والعودة إلى الوراء، أي أنه يكون دائماً ذا منحى رجعي أو محافظ على أحسن الأحوال، وبالتالي فإنه يجر العلاقات الاجتماعية إلى أوضاع بالية لا تلائم تقدم العصر.
ج. يرتبط التطرف بالتعصب الأعمى والعنف، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى صراعات مدمرة داخل المجتمع.
د. يرتبط التطرف بالتدهور الثقافي والفكري والعلمي والفني، إنه قتل للإنسان باعتباره كائناً مبدعاً وخلاقاً.
هـ. يُعطل التطرف الطاقات الإنسانية كافة ويستخدمها في الصراعات والعداءات، ويحول دون تكامل المجتمع.
و. إن الغلو في التطرف يؤدي إلى عجز المجتمع عن التفكير في حلول مبدعة لمشكلاته وعن تطوير ذاته، ويصبح تابعاً ويفقد استقلاليته وتحديد مصيره ومستقبله.
3. الشباب والتطرف
يُعتبر الشباب من أكثر فئات المجتمع عرضة للتطرف في السلوك، نظراً إلى ما تتميز به مرحلة الشباب من خصائص عمرية وسمات نفسية خاصة. يميل الشباب إلى إحلال ثقافات خاصة بهم بخلاف الثقافات التقليدية الخاصة بالكبار، ويحاولون من خلالها تأكيد خصوصيتهم، ورغبتهم في الاستقلال النسبي وعدم امتثالهم القِيَم والمعايير التي تقف أمام رغبتهم المنشودة.
وتظهر بين فئات الشباب مظاهر للاتجاهات المتطرفة، من أوضحها اتجاه بعضهم نحو العزلة والسلبية، واتباع البعض الآخر اتجاهات سلوكية متطرفة تصل إلى حد استخدام العنف والإرهاب، محاولين فرضها على الآخرين رغماً عنهم.
وتعبر هذه الاتجاهات عن ثقافة شبابية تتسم بخاصية الرفض للمعايير والقيم والسلطة التي يمارسها الكبار في المجتمع، حتى أصبحت (خاصية الرفض) تمثل موقفاً عاماً موحداً يظهر بصورة سافرة في مواقف عديدة ومجتمعات مختلفة. لذا فإن بعض الكتابات الغربية فسرت ثقافة الشباب بصفة عامة بأنها أسلوب حياة مستقل عن عالم الكبار، سواء معهم أو بعيداً عنهم، لا يخضع لمعايير الكبار وقيمهم، ومعتقداتهم وأساليب سلوكهم؛ بل هو أسلوب يقوم على نسق من القيم والمعايير والأفكار وأساليب السلوك غير الملتزمة. فثقافة الشباب نوع من اللغة والقيم الخاصة والتصرفات المتميزة التي يغلب عليها روح التمرد والعناد تجاه الكبار. وبذلك تتحول هذه الثقافة إلى ثقافة وظيفية، ربما لا تخدم عمليات البناء التي ينشدها المجتمع، وتتجه نحو اعتماد أفكار مضادة تعبر عن تحدٍ سافر للقيم والمعايير التي يرتضيها المجتمع لنفسه.
كما يغلب على ثقافة الشباب الطابع الراديكالي الذي يرفض القديم وينزع إلى التجديد وعدم الأخذ بالنظم التقليدية، فضلاً عن انفتاحهم على الأيديولوجيات الحديثة ورغبتهم في خلق مجتمع أفضل ملاءمة لهم. إن انتقال بعض الأيديولوجيات الحديثة إلى مجتمع يعجز عن مسايرتها واستيعابها قد يُعرض البعض لمزيد من التوترات النفسية، والتي قد تؤول بهم إلى مشاعر الاغتراب.
وإن ميل الشباب المتزايد نحو استقلاليتهم، ومحاولات اعتمادهم على خبراتهم الشخصية، ورفضهم لسلطة الكبار التي تُفرض عليهم بسياسة تنزع نحو استهجان سلوك الشباب ومحاولات قمعهم ـ قد يترتب على كل ذلك أن يشعروا بالتقليل من شأنهم وبدورهم في المجتمع، ما يعرضهم لمشاعر الفشل والإحباط التي تنعكس في مظاهر سلوكية تُعبر عن الاستياء أو قد تأخذ صوراً غير وظيفية كالتمرد والعدوان أو التطرف في السلبية والانسحاب، أو اعتماد قيم تبعد عن القيم التي تحدد أهداف المجتمع.
وتختلف اتجاهات الشباب وأساليبهم السلوكية في التعبير عن الاحتجاج والاستياء باختلاف طبيعة مجتمعاتهم، كذلك تتأثر بطبيعة النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي القائم في المجتمع. إلا أن غالبية هذه الاتجاهات تكون في صورة خروج عن القواعد الفكرية والقيم والمعايير والأساليب السلوكية السائدة في المجتمع. ويعبرون عن ذلك إما بالعزلة والسلبية، أو اعتماد معايير مختلفة قد يصل الدفاع عنها إلى حد الاصطدام بالمجتمع واستخدام العنف.
وتُعد حركة التمرد العالمية التي اجتاحت دول العالم سنة 1968، دليلاً واضحاً على احتجاج هؤلاء الشباب على الأنظمة القائمة، وعلى قصور هذه الأنظمة عن استيعاب حركتهم ومواجهة احتياجاتهم وطموحاتهم، وخاصة في الدول النامية التي غالباً ما يعاني فيها الشباب ضيقهم بالواقع الذي لا يحقق الآمال المستقبلية التي يطمحون إلى تحقيقها.
هذا وقد كان لسرعة الاتصالات بين الدول في عصر تلاشت فيه المسافات، أثرها في انتقال بعض الأفكار والاتجاهات المتطرفة للشباب بصفة خاصة، بصفتهم شريحة لها وزنها في المجتمع.
وقد حاولت العديد من التوجهات النظرية معالجة وتفسير الاتجاهات المتطرفة وتحديد أبعادها ومسبباتها وخصائصها لدى الشباب. هذه التوجهات النظرية المتعددة لم تكن متضاربة في تحليلها، ولكن يرجع هذا التعدد والتنوع إلى تباين وجهات النظر في معالجة الجوانب المختلفة لتلك الاتجاهات في علاقتها بالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمع. كذلك يرجع هذا التنوع في المنطلقات النظرية التي تعالج تلك الاتجاهات المتطرفة فيما يتعلق بأوضاع الشباب واتجاهاتهم وقيمهم السلوكية وحركاتهم السياسية إلى نماذج الامتثال والمسايرة والرفض والمغايرة مع النسق القيمي السائد في المجتمع[9].
من الباحثين من يرى أن ما يعتمده الشباب من اتجاهات متطرفة ما هو إلا استجابة أو رد فعل لأحوالهم وأوضاعهم المعيشية. فالفكر المتطرف نتاج وحصيلة لما هو قائم بالفعل في المجتمع.
ويعتبر بعض الباحثين أن اعتماد الشباب الاتجاهات المتطرفة والفكر المتطرف مرده أو يرجع إلى المرحلة النمائية التي يعيشها الشباب، وما تتميز به من خصائص تضعهم في مرحلة انتقالية بين الطفولة والرشد.
وهناك من يفسر تطرف الشباب بالصراع الثقافي الذي يعيشونه بين ثقافتين، هما ثقافة الطفولة وثقافة الرشد، والصراع بين القيم المعاصرة والقيم التقليدية. إن هذا من شأنه أن يُوجِد تباعداً بين الشباب نفسياً وفكرياً عن عالم الكبار، مما يُوجِد ما يُعرف بالفجوة بين الأجيال. إن هذا يدفع بعض الشباب إلى التجمع معاً في شكل يُسمى “الثقافة المضادة”. ذلك النمط أو التضامن الثقافي يتميز بابتعاده المتعمد والمقصود ثقافياً عن النظام الاجتماعي القائم، وأحياناً الهجوم عليه بصور وأشكال متعددة، كالعزلة والسلبية واستخدام العنف.
إن الشخصية المتطرفة ما هي إلا إفراز طبيعي للتناقضات الاجتماعية والسياسية للمجتمع، تظهر في أشكال وصور مختلفة، منها انتهاك القواعد التي أرساها المجتمع كقيم اجتماعية تميزه، وإظهار العداء المقصود تجاه ما اعتمده المجتمع لنفسه وأفراده من أيديولوجيات وعادات وتقاليد، ويتجسد هذا الرفض المقصود والعداء السافر في أعمال التخريب، والخروج عن المشاركة الاجتماعية، والابتعاد عن الجماعة ومخالفتها، بصورة فردية أو جماعية أو تنظيمات متطرفة.
- مصطلح الإرهاب (Terrorism)
أشارت الأمم المتحدة في العديد من المناسبات إلى أن التعريف المشترك للإرهاب سيوفر مساعدة قيمة من أجل معالجة هذه الظاهرة ومكافحتها، إلا أن عدم وجود إجماع في المجتمع الدولي، وحتى بين الأكاديميين، يسلط الضوء على مدى تعقيد هذه القضية، وما يضيف مزيدًا من التعقيد هو أن هذه القضية تتشابك في اعتبارات وطنية وسياسية وأيديولوجية واجتماعية متعددة.
تتفق معظم تعريفات الإرهاب على بعض النقاط الأساسية، بدءًا من التهديد باستخدام العنف، أو الاستخدام الفعلي للعنف. وفي هذا السياق، تثير هويات الضحايا مسائل أكثر إشكالية: هل هم مدنيون؟ أفراد في القوات المسلحة؟ شخصيات عامة؟ هنالك تفسيرات مختلفة، وبالتالي تختلف التعريفات باختلاف الأطراف الحكومية والأكاديمية.
إن لفظة إرهاب” كان يقصد بها في بدايات القرن الثامن عشر، الأعمال والسياسات الحكومية، التي تستهدف زرع الرعب بين المواطنين، وصولا إلى تأمين خضوعهم لرغبات الحكومة، ليصل اليوم إلى أن يتعدى هذا التحديد السياسي للمصطلح، لأن يكون ذاك الوصف للأعمال التي يقوم بها الأفراد والمجموعات وحتى الدول لأجل أسباب وغايات متعددة بعضها إيديولوجي فكري، وبعضها الآخر عقائدي ديني وبعضها ذا أبعاد جرمية بحتة ([10]).
إن كلمة أو لفظة: ” إرهاب” أو“إرهابي“ أو “ إرهابية “ عموما مصطلح حديث الاستعمال في اللغات الحية في عالم اليوم لا يتعدى تاريخ بدء استعماله القرن الثامن عشر. وتدور معاني كلمة “إرهاب” في القواميس العربية، والعالمية حول معاني الخوف، أو الرهبة، أو الفزع الشديد. وقد بات هذا المصطلح الأكثر شيوعا في الخطاب الرسمي والإعلامي الدوليين والمحليين على السواء. وتحقق ذلك كنتيجة لطبيعية الأحداث الإجرامية المتصاعدة، بما تشكله من خطورة، هذا بالإضافة للممارسات السياسية للدول- وخصوصا الكبرى منها – والتي تملك الوسائل الإعلامية التي تتحكم في توجيه الخطاب الإعلامي بتكويناته وتحيين مفرداته”.([11])
ومما لا شك فيه أن الإحاطة بمفهوم الأعمال الإرهابية يبدأ بمعرفة الحقيقة اللغوية لكلمة “إرهاب”، ومعرفة مدى التباين أو الاتفاق لمعناها بين اللغات الحية ولعله من أهم الأهداف الأساسية لهذه الدراسة، هو الوصول إلى مقاربة معرفية، تعرف بها الأعمال الإرهابية تعريفا موضوعيا وقانونيا مبرّأة من الاعتبارات السياسية والشخصية، ويمكن الوصول إلى هذا الهدف كلما تطابق المعنى اللغوي لكلمة “إرهاب” في اللغات المعاصرة.
لذلك سيتناول هذا المطلب التعريف اللغوي والاصطلاحي للأعمال الإرهابية، وعليه سنحاول من خلال هذه الجزئية استجلاء مدى التقارب والاختلاف بين المفهومين اللغوي والاصطلاحي للأعمال الإرهابية في اللغات الحية.
معنى كلمة “إرهاب ” في اللغة العربية
إذا بدأنا بالتعريف اللغوي لكلمة (إرهاب) في اللغة العربية نجد أن المعاجم العربية القديمة لم تذكر كلمة (إرهاب) أو (إرهابي)، ويرجع البعض ذلك إلى أنها كلمات حديثة الاستعمال ولم تكن معروفة في الأزمنة القديمة، والأصل اللغوي لكلمة “إرهاب” في اللغة العربية هو الفعل “رهب“ أي خاف، وأرهبه، واسترهبه، أي أخافه، والراهب هو المتعبد، ومصدره “الرهبة” و«الرهبانية» بفتح الراء و”الترهب” هو التعبد([12]) ، ويقول ابن الكثير أن الترهيب معناه التخويف.
ويرى البعض أن الإرهاب هو من الرهبة، أي الخوف، أو هو التخويف، وإشاعة عدم الاطمئنان وبث الرعب والفزع. ورغم ورود كلمة الرهبة في القرآن الكريم في قوله تعالى” يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون”[13]، وكذلك وردت في عديد السور الأخرى من القرآن الكريم.([14])
ورد في لسان العرب في مادة (رهب): رهب بالكسر، يرهب رهبة ورهبا بالضم، ورهبا، أي خاف، ورهب الشيء رهبا ورهبة: خافه([15]).
وقد أقر المجمع اللغوي كلمة الإرهاب ككلمة حديثة في اللغة العربية وأساسها “رهب” أي خاف، وكلمة إرهاب هي مصدر الفعل “أرهب“، وأرهب بمعنى خوف
وقد أطلق مجمع اللغة العربية في معجمه الوسيط على “الإرهابيين“ أنه وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية.([16])
وفي قاموس المنجد ورد أن ” الرهب” و”المرهوب” هو ما يخاف منه، والفعل الثلاثي هو “رهب” أي خاف، وهي مشتقة من المصدر، وهو ” الإرهاب” ويعرف المنجد “الإرهابي “بأنه: ( من يلجأ للإرهاب لإقامة سلطته وقد ورد على لسان الزمخشري أن كلمة “رهيب” في أساس البلاغة تعني الرجل المرهوب الذي عدوة منه مرعوب.
وفي القاموس السياسي، فأن كلمة (إرهاب تعني محاولة نشر الذعر والفزع لتحقيق أغراض سياسة، والإرهاب وسيلة تستخدمها الحكومة الاستبدادية لإرغام الشعب على الخضوع والاستسلام) وفي الموسوعة السياسية يعني الإرهاب استخدام العنف أو التهديد به بكافة أشكاله المختلفة كالاغتيال والتشويه، والتعذيب، والتخريب، والنسف، بغية تحقيق هدف سياسي معين، مثل كسر روح المقاومة، وهدم معنويات الأفراد، والمؤسسات أو كوسيلة للحصول على معلومات أو مكاسب مادية، او لإخضاع طرف مناوئ لمشيئة الجهة الإرهابية
الإرهاب اصطلاحا:
أن فكرة الإرهاب ترتكز على استعمال القوة غير المشروعة، فالإرهاب هو: “كل اعتداء على الأرواح والأموال والممتلكات العامة أو الخاصة بالمخالفة لأحكام القانون الدولي العام بمصادره المختلفة.” وبذلك يمكن النظر إليه على أساس أنه جريمة دولية أساسها مخالفة للقانون الدولي، ومن هنا يقع مرتكبوها تحت طائلة العقاب طبقا لقوانين سائر الدول.
والإرهاب بهذا التحديد هو جريمة دولية سواء قام به فرد أو جماعة أو دولة، كما يشمل أيضا أعمال التفرقة العنصرية التي تباشرها بعض الدول. إلى أن الإرهاب هو “اصطلاح يستخدم في الأزمنة المعاصرة للإشارة إلى الاستخدام المنظم للعنف لتحقيق هدف سياسي، وبصفة خاصة جميع أعمال العنف (حوادث الاعتداء الفردية أو الجماعية أو التخريب) التي تقوم منظمة سياسية بممارستها على المواطنين وخلق جو من عدم الأمن، أكان ذلك في صورة اختطاف للأشخاص أو أخذ للرهائن -وخاصة منهم الممثلين الدبلوماسيين- وقتلهم ووضع متفجرات أو عبوات ناسفة في أماكن تجمع المدنيين أو وسائل النقل العامة، والتخريب وتغيير مسار الطائرات بالقوة.
وقد صدر في تحديده بيان عن مجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي بمكة في دورته السادس عشرة, المنعقدة في شوال من عام 1423هـ بمكة المكرمة , حيث حدَّدوا الإرهاب بتحديد سبقوا به جهات عالمية عديدة غالطت في معناه ودلالاته , وجاء في بيانهم أن :
(( الإرهاب هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان في دينه , ودمه , وعقله , وماله , وعرضه , ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق , وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق , وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أ وجماعي , ويهدف إلى إلغاء الرعب بين الناس , وأو ترويعهم بإيذائهم , أو تعريض حياتهم , أو حريتهم , أو أمنهم, أو أقوالهم للخطر , ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد مرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة , أو تعريض أحد الموارد الوطنية , أو الطبيعية للخطر([17]) .
فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه تعالى المسلمين عنها قال تعالى : } وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [18]{
إن نظرة فاحصة لمجمل التعاريف السابقة للإرهاب تبين أنها جميعها تتقاطع في عناصر ثلاث:
- استخدام غير مشروع للعنف أو التهديد به ضد مدنيين أبرياء يشكلون ضحية واسطية (وسيلة لإيصال الرسالة)
- إشاعة جو من الرعب والخوف العام لدى الجهة المستهدفة.
- استغلال جو الخوف والفزع للضغط على الجهة المستهدفة بقصد الحصول منها على مطالب وأهداف سياسية أو إيديولوجية أو دينية أو أثنية.
مجمل القول:
في تعريف الأعمال الإرهابية في مدلولها العام أنها تشمل كافة النشاطات التي تعتبر تهديدا لأمن وسلامة واستقرار المجتمع الدولي، أو التي تعتبر استفزازا خطرا للمشاعر والقيم الإنسانية، وبذلك يدخل في نطاقها على سبيل المثال، الأفعال التي ترتكب ضد وسائل النقل المدني الدولي بكافة أنواعها، وعملية الاعتداء على السلامة الجسدية للأشخاص، كحوادث الاغتيال، الموجهة ضد رموز السلطة العامة، ورجال الدين، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، أو عمليات الاعتداء على الممتلكات، والأموال عن طريق تدميرها، أو إحراقها، وتفجير السيارات والمؤسسات الاقتصادية وغيرها.([19])
معنى كلمة “إرهاب“ في اللغة الإنجليزية
يرجع مصدر كلمة “إرهاب“ في اللغة الانجليزية إلى الفعل اللاتيني Ters الذي اشتقت منه كلمة (Teroor)، ومعناه الرعب أو الخوف الشديد.
ويعرف قاموس أكسفورد الانجليزي الإرهاب بأنه: “استخدام العنف والتخويف بصفة خاصة لتحقيق أغراض سياسية”. وتتكون كلمة “إرهاب” في اللغة الإنجليزية بإضافة المقطع “ISM” إلى الاسم “Teroor” بمعنى فزع ورعب وهول، ويستخدم منها الفعل “Terrorize” بمعنى يرعب ويفزع.
وفي قاموس السياسة الحديثة “ modern Politics A dictionary of “ فإن كلمة إرهابي تستخدم بوصف الجماعات السياسية التي تستخدم العنف للضغط على الحكومات لإجبارها على تأييد الاتجاهات المنادية أو المطالبة بالتغييرات الاجتماعية الجذرية، وتدور التعريفات الأخرى في القواميس الانجليزية حول المعنى السابق ذكره
الإرهاب في المنظور الغربي
لقد كانت أهم المحاولات الفقهية لتعريف الإرهاب، تلك التي بذلت عام 1930 أثناء المؤتمر الأول لتوحيد القانون الجنائي الذي انعقد في مدينة وارسو في بولندا.
ومن هذه التعاريف الفقهية للإرهاب ما ذكره “سوتيل ” بأنه: ” العمل الإجرامي المصحوب بالرعب أو العنف أو الفزع بقصد تحقيق هدف محدد”.
كما عرف الفقيه ” ليمكين” الإرهـاب بنظرة عامة بأن قال أنه : “يقوم على تخويف الناس بمساهمة أعمال العنف ” كذلك فقد عرفه الفقيه “غيفانوفيتش” بأنه عبارة عن أعمال من طبيعتها أن تثير لدى شخص ما الإحساس بالتهديد مما ينتج عنه الإحساس بالخوف من خطر بأي صورة
كما أشار الفقيه “سالدانا” إلى أن مفهوم العمل الإرهابي أو الإرهاب يتحدد من منظور واسع وآخر ضيق، فبالنسبة للمفهوم الواسع فهو عبارة عن ” كل جناية أو جنحة سياسية أو اجتماعية ينتج عن تنفيذها أو التعبير عنها ما يثير الفزع العام، لما لها من طبيعة ينشأ عنها خطر عام”
أما بالنسبة للمفهوم الضيق فالعمل الإرهابي يعني: الأعمال الإجرامية التي يكون هدفها الأساسي نشر الخوف والرعب – كعنصر شخصي- وذلك باستخدام وسائل تستطيع خلق حالة من الخطر العام- كعنصر مادي.
كذلك يعرف والتر ” Walter ” العمل الإرهابي أو الإرهاب بأنه: ” عملية إرعاب تتألف من ثلاث عناصر: فعل العنف أو التهديد باستخدامه وردة الفعل العاطفية الناجمة عن أقصى درجات خوف الضحايا أو الضحايا لمحتملين، والتأثيرات التي تصيب المجتمع بسبب العنف أو التهديد باستخدامه والخوف الناتج عن ذلك”([20]).
ويعرفه الفقيه (اشميد)بأنه: فقد حاول يضع تعريف جامع للإرهاب وذلك عن طريق جمع (109) تعرفا لعدد من الباحثين والفقهاء في مختلف أبواب المعرفة ثم استخرج أهم العناصر التي تتضمنها تلك التعاريف وصاغها في التعريف الاتي” الارهاب هو أسلوب من أساليب الصراع الذي تقع فيه الضحايا جزافا كهدف عنف فعال وتشترك هذه الضحايا الفعالة مع جماعة أو طبقة في خصائصها مما يشكل أساسا لانتقائها من أجل التضحية بها “.
كما عرف العمل الإرهابي بأنه: عبارة عن عنف مادي، وهو كظاهرة معاصرة، خاصة بالمجتمعات المؤمنة، وطريقة عمله غير مسبوقة، وهو لا يكون فعالا إلا في المجتمعات التي يكون فيها العنف محرما أو منبوذا ([21])
مجمل القول: بخصوص التعريفات اللغوية لكلمة إرهاب ومشتقاتها أنه لا اختلاف كبير في المعنى اللغوي لكلمة إرهاب بين لغة وأخرى فمدلول الكلمة في اللغة العربية هو نفسه تقريبا في اللغات الأجنبية، بحيث تشترك التعاريف في أن الإرهاب يحمل معنى الفزع والرعب وبأنه ذو هدف سياسي وباستخدام العنف أو التهديد به.
بيد أن الحقيقة الماثلة في واقع اليوم تشير إلى أنه ومع تطور ظاهرة الإرهاب، فإن الأعمال الإرهابية تتعدى في مداها الغايات السياسية إلى غايات إيديولوجية وحتى غايات شخصية أو أغراض عقائدية أو عنصرية. وتتعدى فعل الأفراد إلى فعل الجماعات والدول، ولعله وقبل التطرق إلى هذه التطورات يجدر بنا أن نقف عند أهم التعريفات الفقهية لمدلول الأعمال الإرهابية لدى الفقه الغربي والفقه العربي.
العلاقة بين الغلو والتطرف والعنف. والإرهاب
الغلو ـ في الحقيقة ـ أعلى مراتب الإفراط في الجملة. فالغلو في الكفن مثلاً هو المغالاة في ثمنه والإفراط فيه.
والغلو أخصّ من التطرف؛ إذ إن التطرف هو مجاوزة الحدِّ، والبعد عن التوسط والاعتدال إفراطاً أو تفريطاً، أو بعبارة أخرى: سلباً أو إيجاباً، زيادة أو نقصاً، سواء كان غلوا أم لا، إذ العبرة ببلوغ طرفي الأمر، وهو الغلو في قول القائل:
لا تغلُ في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميمُ.
فالغلو أخص من التطرف باعتبار مجاوزة الحد الطبيعي في الزيادة والنقص، في حال النقص يسمى غلواً إذا بالغ في النقص، فيقال: غلا في النقص، كما في قول اليهود جفاءً في حق المسيح ابن مريم عليهما الصلاة والسلام. وكذلك في الزيادة إذا بالغ فيها كقول النصارى في المسيح ابن مريم غلواً
والتطرف: الانحياز إلى طرفي الأمر، فيشمل الغلو، لكن الغلو أخص منه في الزيادة والمجاوزة، ليس فقط بمجرد البعد عن الوسط إلى الأطراف.
أو بمعنى آخر: كل غلو فهو تطرف، وليس كل تطرفٍ غلوا.
ابتداءً لابد من توضيح المقصود بالتطرف، التطرف: هو الوقوف بالطرف أي بعيداً عن الوسط، فأصله في الحسابات كالتطرف في الوقوف أو المشي أو الجلوس، وأنتقل الى المعنويات كالتطرف في الدين أو السلوك أو الفكر، وهي مرادفة لكلمة الغلو وهي تجاوز الحدّ، وهي مضادة لكلمة الوسطية والتي هي من الوسط أي بين الطرفين.
والتطرف يختلف عن التشدد أو المتشدد حيث أن المتشدد هو الذي يتشدد على نفسه في تطبيق الدين فهو يختار جانب الاصوب من العبادات والمعاملات، ولا يأخذ بالرخصة التي أذن بها الله تخفيفاً على عباده وذلك تطوعاً من نفسه وتقرباً الى الله تعالى، بشرط آلا يلزم غيره بالتشدد وإلا دخل في دائرة التطرف.
إن التطرف قد وردت له عدة معاني في قاموس اكسفورد هو (النهاية القصوى في أي خط او سلسلة متدرجة)، أو هو (شدة المغالاة أو العنف في الانفعال أو السلوك)، أو (الغلو في الاعتقاد والسلوك) ، أما قاموس standard dictionary فقد عرّف التطرف على انه (راديكالية الاعتقاد ) [22] .
المطلب الرابع:
البواعث والأسباب للأفكار المتطرفة (التطرف والعنف الإرهاب)
يرجع التطرف في جذوره إلى عدة أسباب أهمها ما يلي:
- الأيديولوجيات المتطرفة: فالإرهاب يعتمد على تجريد الضحايا من إنسانيتهم، والأيديولوجيات المتطرفة المنغلقة التي ترفض الاعتراف بقيمة الآخرين وكرامتهم، هي أدوات أساسية للتعبئة والتجنيد، وهذه الأيديولوجيات تؤجج ثقافة العنف والتعصب، وتزيد من الدعم للجماعات الإرهابية”.[23]
- الصراعات العنيفة: تنشأ كثير من الجماعات الإرهابية في سياق صراعات محلية أو إقليمية عنيفة اعتبرت صيحة استنفار للزعماء الإرهابيين، والصراعات طويلة الأمد غير المحسومة هي التي تخلق الظروف المناسبة للإرهاب.
- الافتقار إلى وجود مرجعيات دينية موثوق بها: فالخطابات الدينية المتعصبة والتي تستند إلى تأويلات وتفسيرات خاطئة، مفارقة لسماحة الإسلام ومجافيه لروح الأديان، التي تنبع من الحفاظ على القيم الروحية النبيلة التي تعتمد على المحبة والرحمة والتسامح ونبذ العنف وقبول الآخر.
- الفراغ الفكري والتوقف عن الإبداع والإنتاج، وهو الذي يسد الحاجات المعاصرة للفكر الإنساني، وعدم الاهتمام بشؤون الثقافة والمعرفة ورصد التيارات الفكرية التي غزت البلدان الإسلامية، وعدم التطوير للدراسات الفقهية والأصولية.
- صعوبة الحياة الاقتصادية التي تعاني منها معظم البلدان النامية، فمعظم هذه البلدان تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية تساعد على مزيد من الإحباط لكافة طبقات المجتمع ولا سيما فئة الشباب، الأمر الذي يؤدي لانجرافهم نحو تيارات سياسية ودينية تستغل هذا الإحباط لصالح تحقيق أهدافها، ومن ثم دمج هؤلاء الشباب في صفوف الجماعات الإرهابية.
ولمعرفة بواعث الأفكار المتطرفة في اليمن قامت مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات بإجراء دراسات استطلاعية لبواعث الأفكار المتطرفة وفق استبيان أجرته مؤسسة اليوم الثامن في مطلع العام الحالي أظهر أن البواعث والأسباب المؤدية إلى الإرهاب، وقد جاءت هذه العوامل مرتبة بحسب الأهمية وعلى النحو الاتي:
م | الباعث | التكرار | النسبة |
1 | بواعث سياسية | 97 | 25% |
2 | بواعث اقتصادية | 70 | 18% |
3 | بواعث اجتماعية | 43 | 11% |
4 | بواعث دينية | 120 | 31% |
5 | بواعث فكرية | 33 | 8% |
6 | بواعث أخرى | 23 | 7% |
المجموع | 380 | 100% |
مما سبق تبين:
أن البواعث السياسية احتلت المرتبة الأول بنسبة (31%) بينما جاء العوامل الدينية في المرتبة الثانية بنسبة (25%) ويمكن تفسير ذلك بأن طبيعة النظام اليمني في صنعاء بجميع قواه السياسية والعسكرية والدينية المتسمة بالتدين القائم على الفهم السطحي لأحكام الدين، وانتشار الأمية بنسبة كبيرة الأمر الذي جعل أعداد كبيرة يتلقون الفتاوي من خطباء المساجد وحلقات الدروس الدينية، أو من القنوات الفضائية ذات التوجهات المتطرفة، وانتشار التعليم الديني، عوامل ساعدت الجماعات الإرهابية في التغلغل في صفوف الشباب وتجنيدهم.
وقد جاءت الضغوط اقتصادية في المرتبة الثالثة بنسبة18%) ) وتلك سياسة انتهجها النظام السياسي في اليمن وشكل الفساد والإرهاب ابرز العوامل التي جعلت الاقتصادي في اليمن في المراتب المتأخرة.
وفي المرتبة الرابعة كانت البواعث الاجتماعية بنسبة (11%) وفي المرتبة قبل الأخيرة جاءت البواعث الفكرية بنسبة (8% ) وتليها بواعث أخر بنسبة (( 7%
المطلب الخامس
الأفكار ، المخاطر والتحديات والحلول المقترحة
أولا: المخاطر:
لقد عانت عدن ومحافظات الجنوب من ظاهرة الإرهاب من طلع التسعينات وعاش شعب الجنوب من السنوات الطويلة تحت وطأة الإرهاب الفكري والمادي، ومورس على شعب الجنوب عنف لم يسبق له مثيل في أي مكان آخر، وذلك باسم إسلام غريب عن تقاليدها وقيمها العريقة، وقد حاول أن يقضي على كل بارقة أمل في الحداثة التي يمكن أن تأتي من خلال الإزدهار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للشعب، وبناء على ذلك سنحاول إبراز أهم النتائج السلبية التي أفرزها الإرهاب على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك فقا لما يلي:
1/ تأثير الإرهاب في المجال الاقتصادي:
يسبب الإرهاب خسائر بشرية و مادية تؤثر سلبا على فرص التنمية، عبر ما خلّفه من خسائر في الأرواح البشرية وتدمير الهياكل الأساسية، وخروج رؤوس الأموال، وخلقه لحالات من عدم اليقين والتشويه في الإمكانيات الاقتصادية، فضلا عن التكاليف المباشرة عبر مختلف الاستثمارات في مجالات الأمن من وسائل مادية وبشرية، سواء كانت إصابات جسدية مادية أو أمراض مزمنة أو عقلية ، مما تثقل كاهل شعبنا ،غير أن هذه الخسائر الاقتصادية الكبيرة ليست سوى واحدة من عواقب الإرهاب ، إذ كانت عرقلة التنمية الاقتصادية أسوء نتيجة شهدها الجنوب.
2/ تأثير الإرهاب في المجال الاجتماعي:
أثر الإرهاب بشكل مباشر على الحقوق الاجتماعية، من خلال الاعتداءات على المنشآت القاعدية والصناعية مما يؤدي إلى نقص الحركية الاقتصادية من جراء عزلة السكان ونقص فرص توظيفهم ومنها انخفاض القدرة الشرائية وانتشار البطالة، كما له الاثر السلبي البالغ في مجال التربية، والتعليم العالي من خلال استفحال ظاهرة التسرب المدرسي، بالإضافة إلى نشر أفكار متطرفة ضد المرأة، مما يؤدي إلى ظهور ممارسات العنف ضد المرأة والتمييز في حقوقها الاجتماعية خصوصا في الوسط الريفي.
كما يستهدف التطرف العنيف ودعاته أيضا طبقات المجتمع التي أنهكتها الأمية وهمشتها. واستغلال قلة علمهم لتغليطهم بالمفاهيم الدينية المتطرفة لا سيما مفهوم الجهاد بوسائل دعائية تجعل، عَرَضا وبشكل مبالغ فيه، تجاهل الجهاد أو التقاعس فيه ذنبا عظيما، فيما قد تؤجج هذه الدعاية لدى بعض الأشخاص شعورا بالذنب للإتحاف بأفكار الأصوليين.
بالإضافة إلى ذلك، القيود التي يفرضها التطرف على مجال الحريات الدينية من خلال سياسة التكفير المنتهجة من طرف الجماعات الإرهابية، مما يؤدي إلى خلق تشنج العلاقات تؤدي في بعض الأحيان للكراهية والعدوان ما بين فئات المجتمع المعتنقة لديانات أخرى و حتى تلك الملحدة، مما يقود لعزلة المجتمع الصادرة منه اشكال هذا التطرف عن المجتمعات الأخرى، بشكل تصبح فيه فرص السفر و التنقل نحو البلدان الأخرى من المسائل العويصة و أحيانا مستحيلة لصعوبة نيل التأشيرات المناسبة مما لا يمكن البعض من زيارة اهاليهم في الخارج و ربما فرص العلاج أو الدراسة بها [24]
3/ تأثير الإرهاب في المجال الثقافي:
الإبداع وحرية التعبير من المجالات التي تستهدفها الجماعات المتطرفة بغرض قمعها ، بحكم تنافي حرية الإبداع و الرأي مع افكار الجماعات الاستئصالية، كما تعاني أيضا نخبة الفنانين من تهديدات هذه الجماعات بالإضافة للخطر على المعالم التاريخية التي لا تتماشى مع مناهج هذه الجماعات الضالة، كل ذلك يجعلنا نؤكد بحكم التجربة التي مرت بها عد أن الإرهاب يقلل من الدوائر الثقافية والعلمية، فقد اغتيل رجال ونساء كانت مهنتهم الإبداع الأدبي والفني وفضل البعض الآخر شد الرحال بعيدا عن الوطن هروبا من العنف، كما تهجم الإرهاب أيضا على التراث المادي والمعنوي وكذلك البنى التحتية الثقافية. لقد ألحق الإرهاب في الميدان الثقافي، خسائر فادحة ظاهرة وخسائر أخرى، لا يمكن تقييمها سوى على المدى الطويل.
ثانيا: التحديات
- غياب الأسس التشريعية والقضائية لمكافحة الأفكار المتطرفة والارهاب
تعد اليمن من الدول الوحيدة في العالم التي لم تصادق على التشريعات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال وكذلك مكافحة الارهاب الفكري واحدة من أهم الامور التي لابد من أن تجد لها أساس دستوري كان أو قانوني، سواء في الدساتير، سواء في قانون العقوبات أو في قانون مكافحة الارهاب أو في قانون المطبوعات، أو في القوانين والاعراف الدولية، وكذلك لابد من البحث في الاساس القضائي لمكافحة هذه الظاهرة، وهذا يتطلب منّا البحث عن اساس مكافحة هذه الظاهرة.
- غياب الرؤية الاستراتيجية لتطوير المناهج التعليمية والدينية
إن دور مناهج التعليم في اعداد الافراد وكي تجعل منهم مواطنين يعيشون في الحاضر ويستعدون للمستقبل في ذات الوقت ، وهكذا فـأن مناهج التعليم في الوطن العربي هي اداة حقيقة في تربية المواطن العربي المؤمن بربه ودينه ووطنه والقادر على المشاركة في صناعة المستقبل، أما على العكس من ذلك أي في حالة اذا كانت مناهج التعليم مناهج قاصرة عن اعداد الافراد اعداد صحيحاً أو أنها لم تتعرض للتجديد حتى تعاصر المجتمع وتكون قادرة على أن تواجهه مشكلاته ، فبالتالي فأن المناهج التعليمية سوف تكون احدى مسببات الكثير من المشاكل التي تواجهه المجتمع ، فقد تؤدي الى خلق افكار متطرفة أو افكار طائفية أو احقاد بين بعض طبقات المجتمع أو بين طائفة وآخري ، وبالتالي مجتمع متخلف تسوده الفوضى والاضطراب وانعدام الامن ، هذا يبين ان المؤسسات التعليمية ومناهجها الدراسية قادرة على ان تجعل من المجتمع مجتمعاً مثقفاً ومتطوراً أو مجتمع مضطرب ، ومن خلال ذلك نكون امام احدى وسائل صناعة الافكار المنحرفة وأنماط وأساليب الارهاب الفكري .
على هذا ومن وجهة نظرنا لابد من وجود سياقات يتم اتباعها في تطوير مناهج التعليم منها وجود متخصصين في تخطيط المناهج وتطويرها بحيث تكون المناهج والكتب قادرة على مواجهة ومواكبة مستجدات العصر، وكذلك وجود مراقبة على المناهج لمعرفة فيما إذا وجدت افكار متطرفة أو طائفية أو غيرها وبالتالي العمل على الغائها، وتدريب من يقومون بالتدريس حتى يتمكنون من زرع الافكار التي تدفعهم الى حب وطنهم ودينهم في نفوس الطلاب وتوصيلها الى اذهانهم بمختلف الوسائل.
- الغلو والتعصب في الخطاب الديني
ولقد أتهم الخطاب الديني في الآونة الأخيرة بأنه يغذي العنف والتطرف وبأنه يميل الى الغلو والمتنطع ويعلم الكراهية وعدم قبول الآخر. وبغض النظر الى هذه الاتهامات وعن الظروف السياسية والدولية الراهنة المعادية للإسلام ، فأن مراجعة الخطاب الديني ونقده تعد عملية حيوية وضرورية لتقويم مسيرته وتطوير أدائه ،لأنه لا يعدو أن يكون جهداً بشرياً واجتهادا لا عصمة له ، ولهذا بات أمر تحديث الخطاب الاسلامي ونقده عملية حيوية وضرورية بهدف تطويره سواء من حيث المحتوى أو من حيث الاساليب واللغة لرفع مستوى فعاليته وتأثيره وكذلك لتلبية حاجات المجتمع والارتقاء به ، وكذلك حاجات الحضارة المعاصرة للمساهمة فيها ولإنقاذها والحفاظ على منجزاتها ، وعلى هذا يتعين أن يكون الخطاب الديني على مستوى المرحلة الراهنة وتحدياتها الخطيرة ، والابتعاد عن الخطاب الذي يطرح موضوعات لا حاجة للمسلمين بها أي من النوع الذي يثير البلبلة ويشتت الفكر ويشكك الناس في تدينهم ويفرق الناس بدلاً من ان يجمعهم .
للخطاب الديني اهمية كبيرة لما له من تأثير في نفوس الافراد، وعليه فأنه يحتاج الى تزويده بكثير من طرائق التدريس ووسائل الاتصال والفنون الاعلامية ونتائج علم النفس والاجتماع، لكي يرتقي بالخطاب الديني ويمنحه قدرات كبيرة على التأثير، ويجب الابتعاد عن الخطابات الدينية التي تزرع الافكار الطائفية وتغرس العداء والحقد بين طوائف وافراد المجتمع، وهذا بدوره سيقضي على الارهاب الفكري، لأنه قد تم القضاء على أحدي مسبباته.
- الحلول التوصيات المقترحة:
بعد التمعن بموضوع (الأفكار المتطرفة في اليمن الدوافع والمخاطر والتحديات)، نقترح عدد من التوصيات التي نعتقد بأهمية مراعاتها والأخذ بها وهي كالآتي:
- السرعة في سن القوانين والتشريعات ووضع قواعد قانونية في الجنوب في سبيل القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، حيث ان قانون نظام الاحتلال اليمني الإرهابي لم يتطرق إلى مكافحة الارهاب الفكري والمادي وكذلك تجفيف منابعه وعناصره الدولية، مع العلم ان الارهاب هو السبب الاساسي في ظهور تدمير دولتي اليمن هذا النوع من الارهاب، وبالتالي نوصي المجلس الانتقالي الجنوبي متمثلا في الجمعية الوطنية لشعب الجنوب بوضع تشريع خاص لمكافحة الارهاب على اختلاف اساليبه وأنماطه ، وأن يكون هذا التشريع جامع ومانع لكل هذه الاساليب والصور لكون شعب الجنوب هو اكثر الشعوب تضرر من تلك الأفكار الإرهابية المتطرفة .
- يجب قيام الجهات المختصة وذات العلاقة بالحث على التوسط في الدين والاعتدال فيه وذلك لان التطرف هو واحد من ابرز انماط الارهاب الفكري، وهنا يبرز دور سلطات الضبط بالتدخل في وضع رقابة على الاوضاع الدينية للأفراد، وذلك لان الاسلام يدعو الى الوسطية، ومن ثم ظهور علامات التطرف لدى الافراد امر يدعو تلك الهيئات بالتدخل والحد من هذا التطرف.
- يجب وضع رقابة علمية على مناهج التعليم، وكذلك مواكبة التطورات السائدة في المجتمع من خلال تجديدها، ووضع كل القيم والمبادئ الدينية والوطنية التي نرغب في زرعها في نفوس ابنائنا، والابتعاد عن زرع الحقد والعنف.
- ندعو رموزنا الدينية والذين هم قادة المجتمع لما لهم من تأثير على نفوسنا، الى ان يجعلوا من خطاباتهم ومنابرهم اداة للقضاء على الارهاب الفكري، وذلك من خلال توعية الافراد بعدم السماح لآخرين بفرض آراءهم عليهم أو التخلي عن حريتهم في التفكير والرأي والتعبير.
- لما كانت وسائل الاعلام هي واحدة من الوسائل التي تدعو الى التحريض على العنف واثارة الفتن، وبالتالي هي من الوسائل المؤججة لظاهرة الارهاب، فلذلك لابد من وضع قيود ورقابة شديدة على هذه الوسائل وفرض جزاءات شديدة عليها والتنسيق عربيا وعالميا لمواجهتا.
10.استحداث دائرة أو لجنة في قوائم هيئات المجلس الانتقالي الجنوبي خاصة بمكافحة الإرهاب الفكري، وتخويلها الصلاحيات اللازمة لاتخاذ الاجراءات والتدابير الوقائية لمنع هذه الظاهرة.
11. صياغة المناهج الدراسية الدينية والتربوية والاجتماعية على أساس سماحة الإسلام واعتداله. وكذلك تطوير المنهاج التعليمي بما يسهم في تنمية طرق التفكير السليم لدى الطلبة القائمة على التحليل والاستنباط، وان تتضمن البرامج التعليمية قيم الحوار واحترم آراء الآخرين وحقوقهم، والتوجه الديمقراطي، وعلى الأسرة، والمؤسسات الدينية، ووسائل الإعلام، أن تؤدي دوراً موازياً في ترسيخ تلك القيم.
12. إجراء إصلاحات سياسية لمواجهة الفساد وتطبيق مبدأ سيادة القانون في الأجهزة الإدارية بما يسهم في الحد من مشاعر السخط التي تُعد أحد مرتكزات بيئة التطرف والإرهاب.
13. استكمال مشروعات البنية الأساسية والتوسع في بناء مشاريع استثمارية وتنموية تستوعب أعداداً كبيرة من الشباب حتى يمكن توفير فرص العمل والقضاء على الفقر والبطالة لاسيما في محافظتي ابين ولحج وشبوة
14. التوعية المستمرة بمخاطر التطرف الفكري والإرهاب من خلال وسائل الإعلام، والمؤسسات الدينية، ومنظمات المجتمع المدني
15. إجراء دراسات مشابهة لهذه الدراسة في بيئات مختلفة، وعلى شرائح مختلفة لمعرفة العلاقة بين الإرهاب والأشكال المختلفة
16.عقد البرامج الإعلامية الحوارية والإرشادية في وسائل الإعلام المتنوعة تحذيرًا وإرشادًا.
المصادر والمراجع
- الارهاب الدولي بين التجريم والمكافحة، حسنين المحمدي بوادي، دار الفكر الجامعي ط 2006،
- الإرهاب الدولي، دراسة ناقدة، محمد عزيز شكري دار العلم للملايين، الطبعة -1-، 1991
- الارهاب اسبابه – اخطاره – علاجه، مطب احمد طه خلف السلام ، القاهرة ، 1995 .
- الإرهاب في القانون الجنائي، مؤنس محب الدين رسالة دكتوراه، كلية الحقوق- جامعة المنصورة، مصر1983،
- التطرف بين الشباب، دراسة ميدانية على عينة من القيادات الطلابية بالجامعة ” أمينة حمزة الجندي ، رسالة دكتوراه غير منشورة كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، 1987
- البيان الصادر من مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة في دورته 16, المنشور في وسائل الأعلام المقروءة والمسموعة والمرئية
- الاتجاهات الحديثة في القانون الدول الجزائي، علي محمد جعفر المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، طبعة-1-2007م
- تعريف الإرهاب الدولي بين الاعتبارات السياسية والاعتبارات الموضوعية، محمد عبد المطلب الخشن، الطبعة -1، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2007
- سوسيولوجيا التطرف الديني عدلي علي ابو طاحون ، المكتب الجامعي الحديث ، الازاريطة – الاسكندرية ، 1999
- “المحددات الاقتصادية والاجتماعية للتطرف الديني”، في كتاب “الدين في المجتمع العربي، سمير نعيم أحمد، مركز دراسات الوحدة العربية الجمعية العربية لعلم الاجتماع، بيروت.1990
- مختار الصحاح ، محمد بن ابي بكر الرازي ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان ، 1994م.
- “العلاقة، بين التطرف والاعتدال في الاتجاهات الدينية وبعض سمات الشخصية” طه أحمد ، رسالة ماجستير، غير منشورة كلية الآداب، جامعة عين شمس، 1982
- القاموس المحيط ، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز ابادي ، ج2 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1980م
- “ لسان العرب أبو الفضل ابن منظور، دار صادر بيروت، ط3 ،1993
- [1] -Stanislav. J. Kirschbaum,”terrorisme et sécurité internationale “, -bruylant – bruxellas F1, 2004, P 03
[1] محمد بن ابي بكر الرازي ، مختار الصحاح ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان ، 1994، ص 509.
[2] مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز ابادي ، القاموس المحيط ، ج2 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1980 ، ص110
[3] احمد طه خلف ، الارهاب اسبابه – اخطاره – علاجه ، مطبعة السلام ، القاهرة ، 1995 ، ص14.
[4] سورة النساء : 171
[5] سورة المائدة : 77
([6]) ” الفتح الرباني ” 18/28.
[8] ) طه أحمد “العلاقة، بين التطرف والاعتدال في الاتجاهات الدينية وبعض سمات الشخصية”، رسالة ماجستير، غير منشورة كلية الآداب، جامعة عين شمس، 1982
([9] ينظر: أمينة حمزة الجندي، “التطرف بين الشباب، دراسة ميدانية على عينة من القيادات الطلابية بالجامعة ” ، رسالة دكتوراه غير منشورة كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، 1987.
([10] – ينظر: الإرهاب الدولي، دراسة ناقدة، محمد عزيز شكري دار العلم للملايين، الطبعة -1-، 1991، ص 26
[11]) – ينظر: تعريف الإرهاب الدولي بين الاعتبارات السياسية والاعتبارات الموضوعية، محمد عبد المطلب الخشن، الطبعة –1، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2007، ص 36.
([12]ينظر: الارهاب الدولي بين التجريم والمكافحة، حسنين المحمدي بوادي، دار الفكر الجامعي ط 2006، ص 24.
[14] ) سورة النحل الآية 51، سورة الأعراف الآية 154، سورة الأنبياء الآية 90، سورة الحشر الآية 13، سورة القصص الآية 32، سورة الأعراف الآية 116…
[15] ) لسان العرب أبو الفضل ابن منظور، دار صادر بيروت، ط3 ،1993، مجلد أول، مادة رهب ص436 437
[16]) الإرهاب الدولي، نبيل أحمد ، ص 19-20.
([17]) ينظر البيان الصادر من مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة في دورته 16, المنشور في وسائل الأعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.
[18] سورة [القصص : 77]
[19] ) الاتجاهات الحديثة في القانون الدول الجزائي، علي محمد جعفر المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، طبعة-1-2007، ص 143.
[20] ) الإرهاب في القانون الجنائي، مؤنس محب الدين رسالة دكتوراه، كلية الحقوق- جامعة المنصورة، مصر1983، ص 73.
( [21] -Stanislav. J. Kirschbaum,”terrorisme et sécurité internationale “, -bruylant – bruxellas F1, 2004, P 03
[22] . عدلي علي ابو طاحون ، سوسيولوجيا التطرف الديني ، المكتب الجامعي الحديث ، الازاريطة – الاسكندرية ، 1999 ، ص459.
[23] ) نحو تعريف للتطرف الجهادي https://eeradicalization.com/ar/%D9%86%D8%AD%D9%88-%
[24] ) ينظر: سمير نعيم أحمد، “المحددات الاقتصادية والاجتماعية للتطرف الديني”، في كتاب “الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية الجمعية العربية لعلم الاجتماع، بيروت
.1990