المقدمة:
تقوم الحياة على سطح هذه الأرض بالاعتماد على عناصر حيوية يستحيل أن تستمر بدونها، ويأتي المناخ بمفهومه العام ضمن تلك العناصر التي لا غنى للحياة عنه، لكن هذا العنصر وبفعل تدخلات الإنسان بدرجة رئيسة شهد حالات من الاختلال في المستوى الطبيعي الذي ينبغي أن يكون عليه؛ لتستمر الحياة على هذه الأرض، بصورتها الطبيعية، وهذا العنصر(المناخ) بهذا المفهوم العام يشتمل على أنواع تتعرض لتقلبات وتغيرات تطرأ بين حين وآخر، بتعاقب فصول السنة فضلًا عن تدخلات الإنسان، مما يؤدي إلى نتائج ربما تكون سلبية على هذه الحياة، وإن كان فيها شيء إيجابي من ناحية أخرى، وبإيجاز يمكن القول إن ما ينشأ من تلك التقلبات أو التغيرات التي قد تؤثر في هذه الحياة سلبًا وإيجابًا، تتعرض لها الأنواع الآتية:
الحرارة، البرودة، الأمطار، السيول، العواصف، الفيضانات، الرياح، الشمس، الضوء… الرمال المتحركة، الانزلاقات الصخرية، الزلازل، البراكين…
وهذه التقلبات أو التغيرات المناخية التي تؤدي في بعض أوجهها إلى تحركات تضاريسية مزعجة، لا تحترم أحدًا، ولا تقدر ظروف أحد، فتصيب تأثيراتها الفقير والغني، الصغير والكبير، الحي والميت، الإنسان والحيوان، والمتحرك والجامد، وكل ما تمر عليه هذه التغيرات على سطح الأرض، وقد تصل إلى ما يوجد في باطنها، وفي أعماق البحار. ومن هنا فالتغير المناخي هو أحد أبرز التهديدات التي تواجه البشرية. فآثاره عالمية ومتعددة وغير موزعة بالتساوي بين أرجاء الأرض.
ونتيجة عدة تدخلات للإنسان أدت إلى نتائج سلبية في تقلبات المناخ، فصار المناخ من أكثر الموضوعات تهديدًا للبشرية بدرجة رئيسة والحياة بصفة عامة، فإن حدث وارتفعت حرارة الأرض إلى عشر درجات مئوية، فهذا قد يؤدي إلى زوال كثير من الدول الجزرية من على وجه الكرة الأرضية مثل أرخبيل الجزر الصغيرة للمالديف، وستقل المحاصيل الزراعية والموارد المائية، والأكثر من ذلك موت مئات الملايين من البشر الأكثر فقرًا على امتداد القرن الحادي والعشرين. ويزيد تهديد تغير المناخ عن كافة التهديدات التي يواجهها العالم، بما فيها الكوارث النووية، الإرهاب، والحروب والنظم الديكتاتورية، إذ تغير المناخ سيقضي مثلًا على حياة مئات الملايين من سكان إفريقيا وفق ما صرح به السفير/ لومومبا دي آبنج السوداني الأصل وممثل 136 دولة نامية في اللجنة الدولية لتغير المناخ.
وقد أشارت دراسة تحليلية إلى أن الأنشطة البشرية منذ القرن التاسع عشر أسفرت عن حدوث تغير غير مسبوق في درجات الحرارة، مما أدى للتأثير على أنماط الطقس والمناخ، ويعود سبب ذلك في بادئ الأمر إلى حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز)، الذي يتولد عنه انبعاثات الغازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها من الغازات ذات الصلة)، مُسببًا ما يطلق عليه ظاهرة الاحتباس الحراري، التي يترتب عليها ارتفاع درجة حرارة الأرض على نحو غير معتاد، وما يترتب عليها من ظواهر مناخية متطرفة مثل زيادة معدل هطول الأمطار، والفيضانات، وموجات الجفاف الحادة، وظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر، وحرائق الغابات، كما أنه يؤدي إلى تسارع وتيرة الظواهر المناخية الطبيعية مثل الأعاصير والانفجارات البركانية.
وبسبب ذلك أتت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي عام 1994، بما تتضمنه من تدابير وقائية لمحاولة الحد من تفاقم المخاطر، والإبقاء على التهديدات القائمة على أقل تقدير، للمحافظة على البشرية بدرجة رئيسة والحياة بشكل عام.
والعلاقة بين المناخ والزراعة علاقة وثيقة جدًا، فالزراعة من أكثر النشاطات المتأثرة بظروف المناخ، فدرجة الحرارة والضوء والأمطار والرياح والعواصف، كلها عوامل تتحكم بطريقة أو بأخرى في طبيعة النشاطات الزراعية التي يمكن ممارستها، وكذلك في نوع النبات فهو يتأثر بظروف المناخ وتقلباته، ويحتاج هذا النوع أو ذاك إلى مواصفات مناخية معينة حتى ينمو ويعطي الإنتاج المتوقع منه بصورة سليمة وطبيعية، وإذا ما حصل ونشط نوع من تلك الأنواع المناخية المطلوب توافرها بدرجة معينة أو خمل، فإن ذلك سيؤثر على طبيعة نمو ذلك النبات.
سنتوقف في هذه الدارسة المتعلقة بالتغيرات والتقلبات المناخية وتأثيراتها على شجرتي البُن والقطن _ في بلادنا(الجنوب العربي) _ بوصفهما محصولين نقديين مهمين، ويأتيان في صدارة المحاصيل النقدية، وفي مقدمة مكونات حياة هذه الأرض فيما يتعلق بالنباتات بعد الإنسان والحيوان اللذين يأتيان بالصدارة، ممارسة، وتأثيرًا، وتأثرًا، فيقلق عقل الإنسان ويدفعه إلى الدراسة والبحث والتجريب للخروج من هذه المآزق (تقلبات المناخ وتأثيراتها المزعجة والمدمرة للحياة على هذه الأرض)، وسيرافق ذلك تأثيرات الإنسان على تلك الشجرتين، بوصفه(الإنسان) عنصرًا فاعلًا في الزراعة وتتوقف عليه بعد توافر المناخ والتضاريس المناسبين لها.
التمهيد
لقد تميَّزت بلادنا(الجنوب العربي) في يوم ما بزراعة البُن والقُطن، وهما محصولان على النقيض _ مناخًا وطقسًا وتضاريسًا _ تقريبًا على الأقل من خلال ملاحظة أماكن نشاط زراعة هذين المحصولين في بلادنا، إذ لا يُزرَع البُنُ إلا في المرتفعات حيث درجة الحرارة معتدلة، ونلاحظ القُطن يزرع بكثرة في المناطق الساحلية التي تتميز بارتفاع درجة الحرارة مقارنةً بالمرتفعات التي تناسب زراعة البُن،وهما محصولان على النقيض تقريبًا على الأقل من خلال ملاحظة أماكن نشاط زراعة هذين المحصولين، إذ لا يزرع البن إلا في المرتفعات حيث وعُدَّ البُنُ رمز المكان الأبرز في زراعته(يافع)([1])، فتفاخر فيه الإنسان، وتغنى فيه الشعراء، وأصبح مصدر ضرب مَثَل لكل جيد وأصيل في هذا الوجود، ويُعدُّ القُطن الشجرة الأخرى التي اشتهرت بزراعتها بلادنا لاسيما في عهد الاستعمار البريطاني، واستمر إلى قيام الوحدة بين البلدين: اليمن والجنوب العربي التي بها خَفَتَ كل نشاط في هذه البلاد(الجنوب العربي)، وبمراجعة تاريخية يتبيّن أن زراعة هذه الشجرة التي تمت بتوجيه ومساعدة مباشرة من الاستعمار البريطاني كانت سببًا في اشتعال الخلاف بين السلطان محمد عيدروس العفيفي سلطان يافع والاستعمار البريطاني في أبين بمدينتي جعار والحصن، وهو الخلاف الذي تفاقم وأدَّى إلى أن تقوم بريطانيا بقصف مناطق يافع بسلاح الجو الملكي البريطاني منذ عام 1958م حتى عام 1962م، وكذلك الحال كان مع الشيخ البجاحي في الجدحة في أرض شبوة، إذ رفض الشيخ البجاحي محاولة بريطانيا فرض نظام زراعة ربع أرض كل مالك بالقطن بالقوة، فأدَّى ذلك إلى شن سلاح الجو الملكي البريطاني قصف مطارح الشيخ البجاحي([2]). ويتبين من خلال متابعة أسباب الاختلاف بين مشائخ وسلاطين أرض الجنوب العربي مع الاستعمار البريطاني حول زراعة هذا المحصول بأن بريطانيا سعت إلى استثمار الإنسان والأرض لتغذية مصانعها والدول الأوربية بهذا المحصول، نظير أجور زهيدة لا تتناسب مع أسعاره الحقيقية في تلك البلدان، وهو ما اكتشفه الأمير محمد عيدروس عند ذهابه إلى لندن ضمن بعثة في عام 1955م لحضور السوق العالمية للقطن([3])…
وقد ترتب على زراعة القُطن في بلادنا أن أنشئت المحالج القطنية في لحج وأبين، ومصنع الغزل والنسيج في عدن، فكان في زراعة هذا المحصول تأثير إيجابي على الاقتصاد في البلاد، وصار الحديث عن مصانعها(المحالج)، وأنواع محصولها: طويل وقصير التيلة، فكانت مستلهم للشعراء في الإبداع والتغني بها.
وتوجد زراعة البُن في بعض البلدان العربية ففضلًا عن زراعته في بلادنا(الجنوب العربي) لاسيما في يافع، فهو يزرع أيضًا في السعودية واليمن والحبشة، وتمثل شجرة البُن العربي أكثر قليلًا من 60 في المئة من إنتاج البُن في العالم.. وتُعدُّ صادرات البُن حيوية لاقتصادات دول مثل البرازيل والسودان وأثيوبيا.
وإذا كانت شجرة القُطن تنقسم بحسب الثمرة إلى قصير وطويل التيلة، فإن شجرة البُن كذلك ليست نوعًا واحدًا وإنما أنواع عدة تتمايز فيما بينها بحجم الشجرة واختلاف أحجام محصولها، ويوجد في بلادنا العديد من الأنواع، منها: المطري، والبرعي، والخولاني، والآنسي، والحرازي، والإسماعيلي، واليافعي، والعديني، فهذه أصناف عدَّة تجدها تزرع بين موضع وآخر في يافع، وربما في غيرها من المناطق الأخرى في الجنوب العربي التي تزرع فيها شجرة البُن.
وسيتم تناول دراسة شجرة البُن وتأثير التقلبات المناخية عليها في القسم الأول من هذه الدراسة، وفيه سيتضح ما تتعرض له هذه الشجرة من تأثيرات بسبب التقلبات المناخية منذ بداية التفكير في زراعتها حتى وصول ثمرتها إلى المستهلك، ويليه في القسم الثاني شجرة القطن بالطريقة نفسها.
القسم الأول: شجرة البُن:
تحتاج زراعة البُن إلى عناية ورعاية إنسانية خاصة، تبدأ منذ عملية إبذارها حتى تسويق محصولها، فضلًا عن توافر مقومات مناخية وتضاريسية تتطلب زراعتها، وتُعدُّ خارج قدرة الإنسان على توفيرها كتوافر درجة الحرارة المناسبة المعتدلة التي لا تتجاوز 18 درجة مئوية، وتوافر التربة الطينية الخصبة الخالية من الأملاح والنيس والرمل والحصى، التي تكون في مأمن من الانجراف ولو بعض الشيء، إذ يفضل أن تكون بعيدة من مجاري تدفق السيول الكبيرة، وتُعمَل لها المصدات المتينة التي تقاوم أكبر كمية ممكنة من تدفق السيول في تلك الأماكن.
وزراعة شجرة البُن تمثل صراعًا بينها وبين المناخ بشكل عام، يترتب عليه جهد إنساني، وتفكير فيها من قبل عملية زراعتها، ويستمر هذا الجهد بشكل دائم حتى تسويق المحصول، ويكون في مقدور الإنسان تجاوز بعض تأثيرات تقلب المناخ ويقف عاجزًا أمام بعضها الآخر، فيحتاج إلى دعم مؤسسات دولة لتجاوز بعضها، وبعضها لا يستطيع أي منهما لا الإنسان بمفرده ولا الدولة على توفيره وتجاوز صعابه، فيكون مرتبطًا بالمناخ والمكان كارتفاع درجة الحرارة في بعض الأماكن وعدم توافر التربة الخصبة المناسبة لزراعتها أي أنها مرتبطة بمشيئة إلهية أوجدت طقسًا وتضاريسًا غير ملائمة لزراعتها.
وفيما يلي سيتم التعرض للجهد الإنساني مع زراعة هذه الشجرة(شجرة البُن) وصراعها الدائم مع المناخ، منذ بداية بذرها حتى تسويق المحصول، والتوقف أمام التقلبات المناخية التي تواجهها هذه الشجرة فيستطيع الإنسان بمفرده مواجهتها فيتجاوزها، والتقلبات التي يقف أمامها مقهورًا فتكون فوق إمكانياته ولا يستطيع تجاوز بعضها إلا بمساعدة جهات الاختصاص، والتحديات التي تواجه هذه الشجرة بشكل عام فيما يتعلق بالعائد منها ومنافسة أشجار أخرى لها بما تتطلبه من جهد أقل وإمكانيات بسيطة مقارنة بهذه الشجرة، وتكون عوائدها أكثر وأسرع من انتظار عوائد شجرة البُن.
إبذار شجرة البُن حتى تصبح مهيئة للثمرة:
عملية زراعة شجرة البُن ليست بالأمر الهين، فهي تحتاج إلى ظروف مناخية معينة وجهد بشري يمتد إلى ما قبل الإبذار، وتبدأ بالتفكير في مكان زراعتها، فتبدأ بالبحث عن مكان توافر الماء، ثم انتقاء أجود حبات البُن من ثمرة النوع الواحد لتكون بذورًا زراعية، بحيث تكون ذات جودة عالية تقاوم العوامل الطبيعية، ثم اختيار أفضل أنواع التربة للمشتل(مكان غرس هذه الثمرات في الأرض)، وخلطها مع السماد البلدي وريّها بالماء من خمس إلى سبع مرات في اليوم قبل وضع البذرة، ثم تغطية أرض المشتل لحجبها عن أشعة الشمس، ووضع البذرة في داخل الأرض وغمرها بالماء، وتستمر عملية الغمر بالماء كل أسبوع ولمدة طويلة حتى تنمو الشتلة، مع الحفاظ عليها من نزلات البرد طوال تلك المدة…
وقبل عملية نقل الشتلات تبدأ عملية وضع السماد في المزرعة ويكون الحرص على أن يأخذ هذا السماد مسافة داخل هذه التربة قد تمتد إلى متر، ثم تبدأ عملية نقل هذه الشتلات(الغرسات) إلى المزرعة، وغرسها في الطين، على مسافات متباعدة، بحيث تأخذ كل غرسة مسافة مترين مربع على الأقل، ثم وضع الأغطية عليها، وتكون عادة من أعواد الأشجار، أشجار الشهث وهي أشجار تشبه أشجار الهدس والمضاض في نموها بأغصان تنمو من الجذر في حافة الأرض، إلا أنها أكثف من الهدس وأطول بعض الشيء، وأقصر من المضاض وأرق بعض الشيء، وهي أشجار برية خاصة ذات سيقان ووريقات كثيفة تظل متمسكة بهذه السيقان حتى بعد أن تيبس، وهذا يدلُّ على الوقت الذي تغرس فيه الشتلات في المزرعة، فهذا في الصيف والربيع حينما تتساقط الأمطار فتعاود الأشجار البرية اخضرارها ونموها، فتعمل من هذه السيقان أغطية على الغرسات على شكل كوخ، فيعمد إلى ريّها وتعاهدها بشكل متواصل إلى أن تمد جذورها في التربة فتنمو، وتبدأ الغرسة في الارتفاع إلى أن تصل سقف الكوخ المصنوع عليها من أعواد الأشجار، حينها تزاح هذه الأكواخ، وتحرث الأرض تحتها وبجوانبها، وتنقى من كل الحشائش التي تنمو بجانبها، ويتم تسميدها مرة أخرى، ثم يعاد تشكيل الأرض مرة أخرى أيضًا، بوضع أحواض طينية لهذه الغرسات أوسع من ذي قبل، حينما غرست ووضعت عليها الأكواخ من أغصان الأشجار، وتستمر عملية الرعاية والاهتمام المرافقة لحراثة الأرض وريّها، وحماية الشجرة مما قد تتعرض له بسبب تغيّر المناخ من حين إلى آخر، وحينما تبدأ الشجرة بعد ثلاث سنوات في الإزهار والثمر، يعاد تشكيل الأرض مرة ثالثة، ووضعها على شكل أحواض كبيرة تستغرق مساحة الأرض كلها فلا يفصل بين الغرسات إلا الأكوام الطينية التي توضع لتملأ بالماء عند سقي أشجار البُن المثمرة…
تعهد شجرة البُن وإثمارها حتى الحصاد.
عملية تثمير شجرة البُن ليست تلقائيه وإنما تعاملية من قبل الإنسان، أي أن الإنسان هو الذي يعمل على تهيئة تلك الأشجار للثمار، فيجلس يراقب أشجار البُن حتى إذا ما بدأت أغصانها وأوراقها بالذبول وتبيّن احتياجها الشديد للماء، هنا تكون الشجرة مهيأة لحمل أثمارها إذا ما تم إسقائها بالماء، فيقوم الإنسان بريّها فتبدأ في الإزهار، وتكون زهرتها قريبة من زهرة الفل في اللون والحجم إلا أنها تختلف في رائحتها، ورائحتها طيبة هي الأخرى، وعندما تبدأ الزهر تنمو في هذه الأشجار يجب مراقبتها أيضًا حتى لا تتعرض أغصانها وأوراقها للذبول، وإعطائها الماء في أوقات محددة متقاربة قدر الإمكان، وعندما تبدأ أزهارها في التفتح تكون مصدرًا لجلب الحشرات الطائرة لاسيما النحل التي تغدو إليها في الصباح الباكر فتظل تحوم فوق تلك الأشجار متنقلة بين أزهارها فتستمر إلى وقت شروق الشمس فتبدأ في المغادرة عنها، وتنتظر إلى قبيل غروب الشمس لتعاود زيارتها مرة أخرى فتستمر تلك العملية السابقة التي كانت في الصباح الباكر قبل الشروق إلى بعيد المغرب، ثم تغادرها. وخلال هذه المدة من بدأ ظهور الأزهار حتى تفتحها ثم تساقطها يمنع حراثة الأرض تحتها؛ لأن ذلك يؤدي إلى تساقط تلك الأزهار قبل نضوجها لتصبح براعمًا فحبوبًا.
وتستقرق الأزهار بعد تفتحها مدة محددة قصيرة نسبيًا بعدها تبدأ تتساقط، وبتساقطها تبدأ عملية ظهور البراعم الخضراء مكانها، فتستمر علمية التعهد للأرض والشجرة، فتبدأ حراثة الأرض المجاورة للشجرة دون التعرض لحراثة الأرض تحتها، وتعهد الشجرة مما قد يصيب أوراقها أو تلك البراعم من آفات بسبب تلقب المناخ، إذ كثير ما تتعرض الأشجار في هذا الوقت لحشرات تنمو في داخل الأوراق، ويعمل بعضها في زعزعة تلك البراعم فتتساقط، وفي هذه المدة يجب أن يكون الإنسان المزارع المختص بتعهد هذه الأرض في يقظة تامة لأي طارئ مناخي قد يبدأ ظهوره في التأثير على شجرة البُن وهي بهذه الحالة والهيئة، ويجب أن يعمل احترازاته لحماية الأرض والشجرة من أي تلف محتمل، فيبدأ في سماد الأرض، وزراعة بعض المحصولات الزراعية الخفيفة بين تلك الأشجار، ويقوم بتحصين الأشجار أيضًا بسمادها هي الأخرى، ويكون سمادها بما يعرف بعملية التأثيب، وتتمثل هذه العملية بجلب أغصان من أشجار الأثب ووضع كل غصن في منتصف شجرة من شجيرات البُن، ووضع هذه الأغصان داخل أشجار البُن يحميها من بعض الأمراض والآفات التي تصيبها لاسيما في هذا الوقت، إذ تمنع هذه الأغصان من اقتراب بعض الحشرات التي قد تؤذي أشجار البُن، وتتسبب في بعض الأمراض التي تصيب الأوراق أو المحصول أو كليهما.
وتستمر عملية التعهد لأشجار البُن بشكل شبه يومي وفي أوقات مختلفة في اليوم لاسيما مع بداية النهار وآخره، ويفضل أن يكون ريّها مع آخر النهار أو في بداياته الأولى بعد صلاة الفجر؛ لكي تستفيد منه الأرض والأشجار بصورة أكبر وأعمق، إذ عدم وجود أشعة الشمس يؤدي إلى تقليل تبخر الماء فيمكث في الأرض أطول مما لو سقيت في بداية النهار أو في وسطه والشمس في كبد السماء إلى قبيل عصر كل يوم، وتستمر عملية مراقبة الأرض والشجرة وتعهدها إلى موسم الحصاد، إذ تبدأ تلك البراعم في النضوج فتصبح على شكل حبوب، فتنمو تلك الحبوب حتى إذا ما أخذت حجمها المعتاد تبدأ في عملية النضوج، وتكون علامة اكتمال نموها بأن تصير الحبيبات في حجم واحد متراصة ومتزاحمة فوق الأغصان، خضراء مع ميل إلى الأسود، ثم تبدأ في الميل إلى اللون الأصفر، وهنا تصبح في المرحلة الأخيرة قبل النضوج، ويجب إعطائها الماء بشكل أكثف وأكبر من المراحل السابقة فتمتلأ تلك الحبيبات، ثم تبدأ في النضوج وتكون علامة نضوجها بتحولها إلى اللون الأحمر، حينها تبدأ عملية مراقبة الثمرة، ويفضل أن تحصد بداية اكتمال احمرار الحبة؛ لأنها بعد حصدها ستصير شقراء اللون، وهو أفضل الألوان المطلوبة لدى المستهلك المحلي، وقد ينتظر حتى تصير الحبة (الثمرة) ذات اللون الأحمر القاني، إلا أنه يجب الانتباه من عدم تعرضها لما تتعرض له حالات المناخ من تقلبات، إذ في تلك الأثناء عادة قد تبدأ عملية نزول الضباب في الأودية، وهذا يؤدي إلى تعطيل تلك الحبيبات فتصير إلى اللون الأسود الكحلي، فتفسد، أو تكون ذات جودة أقل على أقل تقدير، وقد يكون في هذا الوقت موسم وصول أسراب الطيور إلى تلك المرتفعات، وهي تتخذ من تلك الأشجار مسكنًا لها تأوي إليه في الليل بشكل كثيف، فتعمل حينئذ طوال الليل على العبث في تلك الحبيبات التي صارت في قمة نضوجها، إذ تصير سهلة النقر والحصول على ما يوجد فيها من سائل لزج طعمه لذيذ جدًا، وبهذا العبث لهذا الحبيبات من قبل تلك العصافير التي تبيت فيها، تتعرض إلى التساقط من فوق الأشجار إلى الأرض فتتلوث بالتربة، وتكون مشوهة بتقرحاتها الكبيرة بخلع أغطيتها على أقل تقدير. فضلًا عن ذلك تميل عدة أنواع من الطيور إلى وضع أعشاشها فوق أشجار البُن، ويميل بعض تلك الطيور إلى تصفية المكان الذي يوضع فيه عشه فيعمل على إزاحة تلك الحبيبات والأوراق المحاذية للمكان الذي يقرُّ بأن يوضع فيه العش، وحينها يجب على المزارع مراقبة تلك الطيور وشراحة أشجار البُن وحمايتها من عبثها، بإبعادها عنها، ومنع بداية أي تأسيس لأعشاش فيها.
وعملية الحصاد تبدأ بأخذ كلما نضج من تلك الحبيبات بطريقة انتقائية يتم فيها استثناء ما زال منها لم ينضج، فيترك فوق الشجرة وتتعهد الشجرة بالمراقبة والري حتى تنضج باقي ثمارها، فيحصد، ويحرص في عملية الحصاد بأن تكون يدوية من قبل الأشخاص الذين مهروا حصاد هذه الثمرة، فتأخذ باليد وتوضع في أواني نظيفة، بحيث لا تتعرض لأي ملوثات خارجية من تراب ونحوه..
وبعد جني المحصول تأتي عملية تجفيفه ولها طرق عدة، كل طريقة تعطي البُن لون ونكهة مختلفة، وقبل التجفيف هناك طريقة للمعالجة يستعملها بعضهم، تتمثل في جني محصول البُن(حصاده) الذي تعرض لأكثر مدة يمكن أن يجلس فيها فوق الشجرة، حتى أصبح لونه أحمرًا قانيًا، ثم وضعها في أوعية خاصة لتبيت فيها وتمكث ما يقارب 24 ساعة قبل تضحيتها، أي وضعها على أسطح المنازل أو الأماكن المستوية البعيدة عن التراب وغيره من المتحركات فوق سطح الأرض التي قد تتلف هذه الحبيبات، وهذه الطريقة تؤدي إلى جعل حبات البُن التي أصبحت جاهزة للمستهلك في لون خاصة شهي جدًا، بين الأسود والأحمر، ويسمى هذا بالبُن المربب، وحتى وضعه في القهوة يعطيها نكهة قوية شهية تجعل الشخص يشتهي حسيها بمجرد عرفها حين وضعها في الأكواب.
وهذه المرحلة، عملية تجفيف المحصول، تتطلب هي الأخرى عملًا شاقًا ومضنيًا، إذ يتطلب من المزارع مراقبة هذا المحصول فوق هذا السطح في أثناء تعرضه للتجفيف بأشعة الشمس، فإذا ما بدأ الجزء العلوي المقابل للشمس في الضمور ويبس، يعمل على تقليب هذه الحبيبات لتتعرض الجوانب الأخرى لأشعة الشمس، ويجب عليه أيضًا أن يراقب حالة الليل والنهار مع درجة الحرارة ونزول الأمطار، ففي حالة تساقط الندى يجب عليه أن يقوم بعملية تغطية هذا المحصول فوق هذا السطح بوضع الخيام أو أي أغطية عليها من بعد زوال الشمس، وتبقى فوق هذا المحصول حتى شروقها في اليوم التالي، وكذلك في حالة نزول الأمطار… .
وإذا كان ما سبق هو مرور عملية زراعة شجرة البُن من الإبذار حتى وصول المحصول إلى المستهلك مع ما قد يرافق ذلك من تأثيرات مناخية عامة تُعدُّ طبيعية يمكن مقاومة بعضها بطرق بدائية تقليدية سهلة، فيمكن فيما يلي عرض تأثيرات ناتجة عن تقلبات مناخية بطريقة تفصيلية، وبيان مدى مقاومة الإنسان بعضها، وعجزه عن بعضها الآخر، ويمكن عرض ذلك من خلال الآتي:
أولًا: التأثيرات المناخية التي قهرت قدرة الإنسان
من المعروف أن شجرة البُن من أهم أشجار المحاصيل النقدية التي صارت من الندرة والاستعمال في مختلف أنواع المشروبات والمأكولات بمكان، إلا أن هذه الشجرة لا تنمو بصورة طبيعية وتلقائية من دون عناية واهتمام من قبل الإنسان فضلًا عن مواصفات خاصة في نوعية التربة والمناخ العام لاسيما درجة الحرارة المناسبة المعتدلة بصورة عامة، وتساقط الأمطار سنويًا، وتوافر المياه في تلك المناطق التي ستزرع فيها؛ لهذا لم أر أو أسمع أن هناك شجيرات من هذا النوع مزروعة في مكان ما بصورة تلقائية لا يملكها أحد أو يعتني بها..
وهذه الشجرة لا تنمو إلا في أماكن مرتفعة وباردة أو معتدلة الجو على أقل تقدير، وهذا المناخ الذي تحتاج إليه، لا يوجد إلا في تضاريس غالبًا ما تكون صعبة ومنعدمة أو على الأقل شحيحة توافر متطلبات نمو هذه الشجرة؛ إذ تحتاج إلى العناية والاهتمام الدائم بحراثة الأرض وريّها ومعالجة الشجرة بذاتها منذ ما قبل بذرها حتى حصادها، كما سبق الإشارة، وهي عملية شاقة ومضنية، لكنها تهون إذا ما توافر المناخ المناسب المتعلق بدرجة الحرارة المناسبة والتربة الخصبة وتوافر المياه.
بعد توافر المناخ المعتدل المناسب لزراعة البُن والتربة يجب أن تتوافر المياه، إذ هذه الشجرة لا يمكن أن تثمر من دون مياه، ولا يمكن الحصول على محصول وفير وجيد دون توافر المياه والتحكم فيها من قبل الإنسان سواء من حيث الزمن الذي يجب أن تسقى فيه هذه الشجيرات أو العمل على تهيئة الشجرة للثمرة ومراعاة الثمرة بريّ تلك الأشجار بين وقت وآخر، يتحكم فيها المراحل التي تمرُّ بها الثمار أو حالة الشجرة نفسها، باحتياجها للماء الذي ينعكس تأثيره عليها بضمور أوراقها وانكماشها وتعرضها للاصفرار والتساقط إذا تأخر ريّها، إلا أن هذه المراعاة لا تُعدُّ إشكالًا إذا خبر الإنسان كيفية سقي الأشجار ومتى، إذا ما توافر المطر، والمياه سواء الجوفية أو السطحية في تلك الأرض، والإشكال الحقيقي الذي أدَّى إلى انقراض مساحات كبيرة كانت تزرع بالبُن هو عدم توافر المياه، إذ تتعرض المناطق التي تزرع فيها هذه الأشجار إلى حالات جفاف بين حين وآخر، حالات جفاف تستمر لعدة سنوات، وقف الإنسان عاجزًا أمام هذا التغير المناخي، إذ يلجأ إلى جلب المياه من أماكن بعيدة بتكاليف عالية بوساطة وايتات كبيرة تتسع لما يقارب ثلاثين ألف لتر من الماء، إلا أن تلك العملية مجهدة ومنهكة لإمكانيات الإنسان المادية، إذ في هذه الحالة لا يستطيع إلا أن يقوم بعملية استكمال ريها في الأوقات التي تحتاج إليها؛ لإنضاج ثمرة أو محاولة الإبقاء على الشجرة في وضع الحياة بدون ثمار تذكر، وفي هذه الحالات تكون الخسارة أكثر مما يمكن الحصول عليه من عوائد من ثمرة هذه الشجرة فضلًا عمَّا يبذله من جهود عملية ربما تنهك معظم أفراد الأسرة أو يحتاج إلى عمال لإنجاز المهمة، وهذا أدَّى بالإنسان وفق مبدأ الربح والخسارة إلى التخلي عن هذه الشجرة.
وهنا يمكن استعراض حالة زراعة البُن في بلادي(يافع) فحالات الجفاف أدت إلى فقدان شجرة البُن في أماكن كثيرة، وإن كانت بعض المناطق قد سعت إلى الحصول على اعتمادات حكومية لإقامة حواجز مائية تقوم بحجز مياه الأمطار التي يذهب معظمها هدرًا إن لم يتحول بعضها في بعض المواسم الماطرة إلى إضرار بالأراضي الزراعية، إذ كثير ما عملت تدفقات سيول الأمطار على جرف مساحات واسعة من زراعة هذه الشجرة، ووادي ظبة في منطقة الحنشي في مديرية يافع رصد محافظة أبين خير شاهد على ذلك، إذ ما زالت الآثار والأتربة المحاذية لمجرى السيول التي تصل ارتفاعات بعضها إلى أكثر من خمسة متر شاخصة أمام المارين بذلك الوادي، وتُعدُّ بعض قرى مديرية يافع سباح نموذجًا لهذه المناطق التي أقيمت فيها الحواجز المائية واستفادوا منها، وما زالت زارعة شجرة البُن فيها قائمة حتى يومنا هذا نحو طسة وذي ناخب ومرصع وشيوحة، ويعود الفضل في استمرار زراعة هذه الشجرة(البُن) إلى تلك الحواجز المائية التي شيّدت في تلك القرى إذ أدَّت إلى حجز كميات كبيرة من مياه الأمطار، وتعمل هذه المياه المحتجزة على تغذية الآبار الجوفية التي يُعتمد عليها في ري تلك المزارعلك القرى (البُن) إلى إذا كان هذا المحصول في أيامه الأولى ولم تظهر عليه علامات الضمور، أما المحصول حتى شروقها في ا، وكان الفضل في اعتماد تلك الحواجز المائية في قرى مديرية سباح م/ أبين، بعد الله سبحانه وتعالى، إلى الفقيد عبدالله حسن الناخبي، إذ تم اعتماد تلك الحواجز وتنفيذها في المدة الزمنية التي كان فيها وكيلًا لوزارة الزراعة والموارد المائية…
وكذلك الحال في منطقة يري في مديرية يافع رصد م/ أبين، تلك المنطقة الواقعة في مكتب اليزيدي، إذ حصلت على حاجز مائي في عهد النائب البرلماني محمد علي اليزيدي الذي سعى إلى متابعة اعتماد ذلك الحاجز وتنفيذه في المدة التي كان يشغل فيها نائبًا برلمانيًّا، وتأثير هذا الحاجز ظاهرًا على تلك المنطقة في إعادة زراعة شجرة البُن فيها…
وإذا كانت تلك المناطق بفعل أبنائها الذين وصلوا إلى مواقع قرار بهذا الاتجاه، تيسّر لها أن تقام فيها حواجز مائية فإن هناك مناطق أخرى كانت تزرع فيها هذه الشجرة بشكل كبير فأصبحت عاجزة أمام الجفاف من التقلب عليه ومواجهته بأي وسيلة، فأدى ذلك إلى فقدان تلك الشجرة من مساحات كبيرة، وتُعدُّ منطقة الحنشي في شرق مديرية يافع رصد م/ أبين نموذجًا لهذه المناطق التي كانت تزرع هذه الشجرة في مساحات واسعة بأعداد كبيرة، وكانت تنتج كميات كبيرة من البُن ذات النوعية الجيدة المشهورة على مستوى المديرية، إلا أن الجفاف قد أدَّى إلى إتلاف تلك الشجرة وعدم القدرة أو التفكير في إعادة زراعتها، ورغم المحاولات الكثيرة المتعددة التي سعى فيها أهالي هذه المنطقة التي يوجد فيها أكثر من مكان مهيأ لأن يقام فيه حاجز مائي يعمل على حجز مياه الأمطار إلا أنهم لم يصلوا إلى نتيجة رغم كثرة الوعود وإرسال الفرق الهندسية للمعاينة من قبل جهات عدة، وكثرة ما ينفقونه في سبيل وصول ترك الفرق الهندسية إلى المنطقة إلا أنهم لم يفلحوا في إنجاز حواجز ستعمل على إعادة إحياء زراعة هذه الشجرة في هذه المنطقة، وقد قمتُ برفقة بعض أبناء المنطقة قبل ثلاث سنوات بحملة مبادرة أهلية وجمع مبلغ اثنين مليون ريال، فنسقت مع فريق يرأسه مدير وحدة الزراعة في الصندوق الاجتماعي للتنمية فرع عدن، وذهبت بهم إلى المنطقة في وادي مورق تحديدًا ذلك الوادي الذي كان يزرع أكثر من عشرة ألف شجرة بُن في ثمانينيات القرن الماضي، والذي يوجد فيه أكثر من مكان صالح لعمل حاجز للمياه، فعاينوا أحد الأماكن وأعجبوا بسهولته وتهيئته لإقامة حاجز مائي فيه، وعملوا لنا دراسة متكاملة عنه، قمت بعد ذلك في توزيعها لدى جهات الاختصاص في المحافظة والصندوق الاجتماعي للتنمية فرع عدن، ومكتب الأشغال العامة وزارعة الزراعة والثروة السمكية إلا أنها حتى اليوم ما تزال ملقاة في الأدراج، ورغم مراجعتنا لتلك الجهات بين حين وآخر إلا أننا لم نحصل على تمويل رغم ما نسمعه ونشاهده من اعتمادات في أماكن متعددة بين حين وآخر، ويبدو أن لا أمل في ذلك إلا متى ما وصل أحد أبناء المنطقة إلى موقع قرار، ويجب عليه أن يخلص لها كما حصل لبعض المناطق من قبل بعض أبنائها وما نشاهده من اعتمادات حالية لا تذهب إلا لمناطق يكون فيها بعض أبنائها في مناصب عليا في هذه الدولة، فهو الذي يقوم بعملية التنسيق والتواصل والتوجيه لجهات الاختصاص للاعتماد والتنفيذ لمثل هذه المشاريع التي يقف الإنسان أمامها عاجزًا وتحتاج إلى تمويل دولة لتنفيذها.
ويجب أيضًا توافر مساحات لزراعة البُن إذ توجد مثلًا في منطقة الحنشي كثير من الأماكن التي يمكن استصلاحها وزراعته، لكن قبل العمل في هذا الاتجاه يجب الحفاظ على القائم منها الذي كان في يوم من الأيام تزرع فيه شجرة البُن، إذ تعرضت مساحات زراعية واسعة إلى جرف تربتها نتيجة تدفق السيول الجارفة في بعض السنوات كعام 1982م، و 1998م، و 2002م، وغيرها من السنوات الماضية التي هطلت فيها كميات كبيرة من الأمطار بعد جفاف عانت منه المنطقة قبلها لسنوات عديدة، حيث أدت تلك السيول إلى جرف الأراضي الزراعية وما يوجد فيها من مزروعات وآبار جوفية ما زالت مطمورة تحت الأرض حتى اليوم، وما زالت كثير من تلك الأراضي معرضة لاستكمال ما تبقى منها، ويتعرض كثير منها للانجراف بين حين وآخر، حيث لم يتدخل الصندوق الاجتماعي للتنمية فرع عدن في عمل مصدات للأراضي الزراعية لحماية التربة من الانجراف إلا في أجزاء محددة من وادي مورق وأجزاء محدودة من منتصف وادي شعب، ولم يتم التدخل في أمكان أخرى كالنصف الأعلى من وادي شعب الذي حدثت فيه انجرافات واسعة للتربة وما زالت تلك الأراضي تتعرض لجرف السيول لها حتى الموسم الماضي قبل أشهر، وكذلك الحال في وادي ظبة، وحتى ذلك التدخل المشار إليه من قبل الصندوق الاجتماعي للتنمية كان محدودًا، إذ لم يعمل مصدات إلا للتربة التي لم ينجرف منها إلا أطراف قليلة وما زال أكثرها قائمًا، ولم يعمل لتلك الأراضي التي انجرف معظمها، ولم يعمل على إعادة تأهيل أي بئر من تلك الآبار رغم وجود بعضها داخل تلك الأطيان الزراعية التي عمل لها المصدات، وما زالت مطمورة حتى كتابة هذا البحث والبلاغات والطلبيات وتوجيه جهات الاختصاص في المديرية بخصوص تلك المزارع والآبار المطمورة داخل أدراج جهات الاختصاص تنتظر أمل لا يلوح في الأفق بعد.
وإذا كان ما سبق يختص بالتأثيرات المناخية التي قهرت قدرة الإنسان المزارع بمفرده على مواجهتها، فأدت إلى إتلاف شجرة البُن وفقدانها من مساحات زراعية واسعة، ولم يتقلب على بعضها إلا بالتدخلات الحكومية ذات الإمكانيات الكبيرة التي تتجاوز قدرة الإنسان المزارع بمفرده، ففي القسم الثاني سأخصصه لتناول التأثيرات المناخية التي حاول الإنسان تجاوزها أثناء وجود هذه الشجرة مزروعة قائمة أمامه في مزارعه.
ثانيًا: التأثيرات المناخية التي يحاول الإنسان تجاوزها.
أشجار المحاصيل النقدية مثل شجرة البُن تكون أكثر تعرضًا لتأثيرات المناخ وتقلباته بين حين وآخر، ففي الشتاء مثلًا تتعرض هذه الشجرة إلى صقيع البرد الشديد الذي يؤدي إلى انكماش أوراقها وأزهارها والتلف، وقد قام المزارع بعدة طرق بدائية تقليدية دون دراسات علمية بحثية؛ لمحاولة وقاية هذه الشجرة من موجات البرد الشديدة، واستعمل طرق عدة تتوزع بين الدائمة والآنية، فقام بمحاولة تسوير تلك الأطيان التي تزرع فيها شجرة البُن بأشجار أكبر من هذه الشجرة وأقوى وأبرزها شجرة السدر(العلب)، حيث يعمل على زراعة هذه الشجر بمحاذاة الطين المزروعة بالبُن، خارج أسوامها، فتصير أشجار(السدر) بمثابة السور الذي يقي ما داخل هذه الأطيان من موجات البرد الشديدة، إذ تشعر بالدفيء حينما تلج إلى داخل تلك الأطيان المسورة بهذه الأشجار في مواسم البرد لاسيما الشتاء، إلا أن هذه الأشجار تكون ثابتة في مواقعها تلك، ومع فصل الصيف الذي ترتفع فيه درجة الحرارة قد تتسب في أذى نوعا ما لما يوجد داخل تلك الأطيان إذ تكون درجة الحرارة مرتفعة جدًا مقارنة بها في خارج هذه الأطيان، ومع ذلك يكون لهذه الشجرة المسورة للطين التي يوجد بداخلها شجرة البُن بعض الفوائد في هذا الفصل(الصيف) وغيره من الفصول التي تتساقط فيها الأمطار، إذ يحصل مع تساقط الأمطار أن تهب عواصف قوية يكون تأثيرها على شجرة البُن كبيرًا لاسيما حين تكون محملة بالثمار أو بداية تفتق أزهاره، إذ يحصل أن تتكسر أغصان وأفرع هذه الشجرة إذا كانت محملة بالثمر نتيجة لهبوب هذه العواصف، أو تتساقط أزهارها لاسيما إذا كانت بداية تفتقها، وهو ما يؤدي إلى فقدان المحصول، وهنا تكون هذه الأشجار (السدر) بمثابة مصد يعمل على كبح جماح هذه العواصف وقوتها، وتعمل على صد تدفق السيول فتقي الأرض من الانجراف، فضلًا عن ذلك تكون هذه الشجرة المسورة للطين بمثابة(النازعة) أي الشجرة التي تنازع ما يوجد داخل الطين من أشجار فيما تحصل عليه من مياه، إذ معروف عن شجرة البُن احتياجها الدائم إلى المياه، فتكون جذور هذه الأشجار المسورة للأرض بين أشجار البُن فتنزع الماء منها، وحينما ترتفع هذه الأشجار المسورة لهذه الطين أيضًا تسبب أذى لما يوجد داخل الطين من أشجار البُن، لاسيما القريبة من الأسوام إذ تصير هذه الشجرة المسورة للأرض بمثابة مظلة لما يوجد داخل الطين فتؤدي إلى حجب أشعة الشمس عنها، ومن هنا تتأذى هذه الشجرة المظللة في نموها حيث لا تنمو بشكل سليم، فيلاحظ عليها التغير اللوني فتصير أوراقها مائلة إلى الاصفرار، فيتأثر محصولها إذ قد لا تثمر، وإن أثمرت فبشكل قليل جدًّا وغير جيد، وحينها يكون المزارع بين خيارين أما تشذيب هذه الشجرة التي تستعمل بمثابة سور أو الاستغناء عن شجرة البُن، ومع حالات الجفاف التي تصيب هذه المناطق بين حين وآخر، وتؤدي إلى إتلاف شجرة البُن أصبح المزارع يفضل الإبقاء على هذه الشجرة المسورة(السدر) للاستفادة من شذبها وورقها في إطعام مواشيه أفضل من الاستغناء عنها مقابل الاحتفاظ بشجرة البُن التي هي معرضة للخطر في أي لحظة تجف فيها الآبار الجوفية مع قلة سقوط الأمطار وانعدامها أحيانًا، في ظل عدم توافر حواجز وخزانات أرضية تقوم بحجز مياه الأمطار المهدورة بين حين وآخر في تلك المواسم غير المنتظمة التي تسقط فيها.
مخاطر تواجه شجرة البُن في البلدان العربية:
قال علماء إن ارتفاع حرارة الأرض بسبب التغير المناخي ربما يعني انقراض شجرة البُن العربي خلال 70 عامًا مما يمثل خطورة على الاستمرارية الوراثية لواحدة من أبرز السلع الأساسية في العالم. لندن (رويترز).
ورغم أن مزارعي البُن سيظلون قادرين على إنتاج محاصيل في مزارع مهيئة بالظروف الجوية الملائمة يقول خبراء إن فقد شجرة البُن العربي البرية التي لها تنوع وراثي أكبر ستجعل من الصعب على المزارع مواجهة مخاطر طويلة المدى والتغلب عليها مثل الآفات والأمراض.
وأظهرت دراسة أجراها باحثون في حديقة النباتات الملكية في بريطانيا بالتعاون مع علماء في إثيوبيا أن ما بين 38 و99.7 في المئة من المناطق الصالحة لشجرة البُن العربي البرية ستختفي بحلول عام 2080 إذا ثبتت صحة توقعات ارتفاع درجة حرارة الأرض.
ونظرًا لأن البُن محصول يتأثر بشدة بالمناخ فإن الزيادة ولو محدودة في متوسط درجات الحرارة بمناطق الزراعة يمكن أن تعرض للخطر مستقبل البُن العربي وحياة ملايين من الناس يزرعونه وينتجونه.
وقال أرون ديفيز الذي يشرف على أبحاث البُن في حديقة النباتات الملكية والذي قاد الدراسة “انقراض البُن العربي احتمال مقلق ومزعج بالفعل”، واستخدم باحثون حسابات الكمبيوتر لتحليل أثر ارتفاع الحرارة على التوزيع الجغرافي لشجرة البُن العربي البرية.
لكن ديفيز قال إن التوقعات متحفظة بما أن هذه الحسابات لم تضع في اعتبارها عامل إزالة الغابات الذي يحدث بالفعل في اثيوبيا وجنوب السودان وهي منطقة أخرى بها شجرة البُن العربي.(مواقع نتية).
وإذا كانت تلك المخاطر تتعلق بالمناخ الذي قد تؤدي تقلباته المستدامة إلى أن تصبح المناطق التي يصلح لزراعتها اليوم غير صالحة للزراعة في يوم ما بعد كم سنة، وحينها لن تنفع أي اجتهادات لزراعته فيها، كما هي عاجزة الآن عن زراعته في المناطق الساحلية والتربة ذات الملوحة المرتفعة التي تكون فيها درجة الحرارة مرتفعة إلا أن هناك مخاطر آنية اليوم تنافس زراعة هذه الشجرة، وشكلت وما زالت تشكل خطرًا على زراعة شجرة البُن، وتتمثل هذه المخاطر في منافسة شجرة القات لهذه الشجرة، فهي(شجرة القات) لا تزرع بشكل جيد إلا في تلك المناطق التي تزرع فيها شجرة البُن؛ ونظرًا لما تحتاجه شجرة البُن من مياه وعناية وجهد وإنفاق مادي كبير، فضلًا عما تتعرض لها من عوامل سبق الإشارة إليها فإنها(شجرة البُن) تخسر في عملية حساب الربح والخسارة مع شجرة القات، فالقات لا يحتاج إلى عمليات إنفاق كبيرة مقارنة بما تحتاج إليه شجرة البُن، ومحصوله يكون سريعًا، ومردوده يعود مباشرة على المزارع بعكس شجرة البُن التي يحتاج محصولها إلى عملية تسويق داخلي وخارجي، وتتدخل فيها مؤسسات وشركات قد يكون فيها شيئًا من الاحتكار؛ ولهذه الأسباب مجتمعة أصبح المزارع يفضل ما يعود إليه بمردود أكثر وأسرع، فصارت معظم الأراضي تزرع فيها شجرة القات.
القسم الثاني: شجرة القطن
إذا كانت شجرة البُن كما سبق في القسم الأول، رمز المرتفعات، وتحتاج إلى توافر مناخ معتدل فإن شجرة القُطن(الذهب الأبيض) رمز الأراضي السهلية الواسعة، وتتم زراعتها في مواقع تكون حرارتها مرتفعة بعض الشيء، أو أنها تزرع في ظل مناخ غير مناسب لزراعة البُن فيه، وتُعدُّ شجرة القُطن من أهم المحاصيل النقدية والصناعية التصديرية التي ترفد الاقتصاد الوطني بالعملة الصعبة.
بدايات زراعة القُطن في بلادنا وأهميتها:
اشتهرت بلادنا بزراعة شجرة القُطن في عهد الاستعمار البريطاني الذي فكر في مطلع العام 1946م بزراعة القُطن في أبين ولحج، فقام باستيراد بذور القُطن طويل التيلة من السودان لزراعته في دلتا بنا وأحور ومودية وميفع حجر، وتمت زراعته بكميات تجارية تصدر إلى الخارج مع أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، ورافق ذلك تأسيس لجنة أبين الزراعية من قبل سلطات الاحتلال البريطاني في عام 1948م، ثم استوردت الأقطان متوسطة التيلة في أواخر الخمسينيات من القرن نفسه؛ لغرض زراعته في محافظة لحج، ورافق ذلك تأسيس لجنة الإنعاش الزراعي في لحج عام 1954م من قبل سلطات الاحتلال البريطاني، ووزعت زراعة هذا الصنف على نطاق تجاري في لودر ومودية وأحور وميفع حجر إلَّا أن دلتا تبن بلحج انفردت بزراعته في منتصف الستينيات، وقد كان الغرض من تأسيس تلك اللجنتين الزراعيتين في كل من أبين ولحج تقديم التسهيلات المالية والفنية للمزارعين في هاتين المنطقتين، وشراء القطن الزهر من المزارعين، وتسويق القطن الشعر بعد عملية حلجه إلى الخارج([4]).
ودشن الإنتاج التجاري من محصول شجرة القُطن في الموسم 48/ 49 في منطقة دلتا أبين وفي منطقة دلتا تبن الموسم 54/ 55، وصُدّر القطن المحلوج كله باسم قطن أبين، نظرًا لما حظي به وقتها من سمعة وشهرة عالميتين على نطاق واسع، وذلك لصفاته النوعية من حيث الطول والمتانة والنعومة، وشكلت الظروف الطبيعية الملائمة لزراعة القطن وخصوبة التربة في منطقة المشروع أحد أهم العوامل التي ساعدت في التوسع بزراعة القطن خلال الأعوام الستة عشر الأولى من بداية زراعته في الموسم 48/ 49 الذي تم زراعته في (100) فدان إلى (40000) أربعين ألف فدان في الموسم 62/ 63، وهي أكبر مساحة زُرِعَ بها القُطن طويل التيلة في تاريخ البلاد([5]).
وقد رافق تلك الزراعة نشاط علمي بحثي يتمثل في معهد أبحاث الكود الزراعي الموجود في محافظة أبين، ذلك المعهد الذي حرص “على تنفيذ برامج تربية وتجريب أصناف جديدة لإنتاج سلالات ذات جودة عالية في كميات الإنتاج والنوعية، وتمت أول الأمر عمليات التهجين للصنف المستنبط كود4 مع صنف جيزة 45 المصري، ثم استنبطت ثلاث سلالات من تهجين كود 4 مع جيزة 68 وتم تقييم السلالة الناتجة من عملية التهجين ك. ب 138 و ك. ب 266 في 12 موقعًا بعدها تم اختيار الصنف ك. ب 138 بعد أن أعطى زيادة في الإنتاج ما بين 17 – 52 % عن الصنف الذي كان مزروعا كود4”([6])، وهذا يبين أهمية الدراسات والأبحاث العلمية النشطة التي أدت إلى تحسين زراعة هذا المحصول نوعيةً وكميةً ومساحةً _ بعكس شجرة البُن التي افتقدت إلى ذلك النشاط العلمي الذي كان ممكن أن يعمل على تحسينها _ وزاد من ذلك النشاط تأسيس مصنع الغزل والنسيج في العاصمة عدن في أواخر العام 1975م.
وإذا كانت زراعة هذه الشجرة، كما سبق الإشارة، تحت تأثير رغبة الاستعمار البريطاني في الحصول على ثمارها؛ لتغذية مصانعها إلا أن الإنسان في هذه البلاد(الجنوب العربي) قد استفاد منها، إذ شهدت منطقة مشروع (لجنة أبين) تطورًا اقتصاديًا، فاستفاد المجتمع المحلي الأصلي في البلاد من أهداف سلطة الاستعمار، حيث ساد الاستقرار والسلم الاجتماعي بعد مدة طويلة من الصراع بين السلطنات على موارد الماء والكلأ في تلك الأماكن، واتفقت على تقاسم إدارة مجلس هذه اللجنة التي رأس إدارتها عدد من خبراء الزراعة الإنجليز، ووفرت زراعة القُطن الآلاف من فرص العمل في استصلاح الأراضي والخدمات المختلفة لخدمة زراعة هذه الشجرة في كل مراحلها، وأُنشئت العديد من الإدارات ذات الصلة بخدمة القُطن كإدارة الري وبناء قنوات التصريف التقليدية والجسور التحويلية وإدارة الخدمة الآلية وإدارة الوقاية والإرشاد وغيرها من الإدارات ذات الصلة، وخلال تلك المدة شهدت مدن دلتا أبين تطورًا حضريًا من حيث تخطيط البناء للمساكن، وإدخال الكهرباء، وعمل شبكة المجاري، ونظام البلديات، وأُنشئت عدد من المدارس الابتدائية، وساعدت عملية الاستقرار في تطور المنطقة وتحسن أحوال المزارعين من خلال عائدات القطن المسوق وما رافقه من تطور وتوسع للنشاط التجاري لمختلف السلع والخدمات محل حاجة الناس([7]).
وهكذا مثلت زراعة شجرة القُطن مصدر دخل لمالكها، ومصدر دخل للعامل أيضًا، حيث كان وقت الحصاد يمثل فرصة عمل لأناس كثر يذهبون إلى تلك المزارع للقيام بعملية الحصاد التي يطلقون عليها (التعطيب) مشتقة من العطب (ثمر شجرة القُطن)، فكان موسم الحصاد فرصة عمل لأعداد كثيرة من الناس يشدون الرحال من مناطقهم مسافرين إلى مناطق زراعة القُطن، وأنشئت المحالج القطنية في البلاد فضلًا عن مصنع الغزل والنسيج، وهنا أصبحت الاستفادة من هذه الزراعة أكبر وأفضل من ذي قبل حين كان يصدر المحصول إلى الخارج، إذ وفرت هذه المحالج والمصنع فرص عمل لمئات إن لم يكن آلاف الناس في هذه البلاد، وأصبح المنتوج(الملبوسات والمصنوعات القطنية) موجودًا ومتوافرًا بأسعار مناسبة، فضلًا عن رفد الاقتصاد الوطني بالعملة الصعبة بما يتم تصديره من محصولها إلى الخارج.
وقد شهدت زراعة شجرة القُطن منذ بداياتها الأولى وما تلالها من مواسم زراعية تطورًا ملحوظًا، بفعل الاهتمام بهذا المحصول واستشعار أهميته في الاقتصاد الوطني، وما رافقه من جهد علمي تمثل في تأسيس معهد الأبحاث الزراعية في الكود، فضلًا عن إنشاء عدد من المعاهد الزراعية في أبين ولحج، وكلية ناصر للعلوم الزراعية التابعة لجامعة عدن في محافظة لحج، ويمكن ملاحظة مسار تطور زراعة هذا المحصول من خلال إيراد بيان يوضح الموسم الزراعي، والمساحة المزروعة بشجرة القُطن في دلتا أبين، والمحصول الإنتاجي منها بالرطل في كل موسم، من خلال الجدول الآتي([8]):
العام | المساحة/ فدان | الإنتاج/ رطل | العام | المساحة/ فدان | الإنتاج/ رطل |
50/ 1951م | 15000 | 11376500 | 73/ 1974م | 24000 | 17950743 |
51/ 1952م | 11000 | 8235585 | 74/ 1975م | 21000 | 16033309 |
52/ 1953م | 15000 | 11422922 | 75/ 1976م | 15000 | 11341735 |
53/ 1954م | 33000 | 24770508 | 76/ 1977م | 10000 | 7926879 |
54/ 1955م | 26000 | 19817886 | 77/ 1978م | 17000 | 13248667 |
55/ 1956م | 30000 | 22766402 | 78/ 1979م | 9000 | 6957955 |
56/ 1957م | 28000 | 11522778 | 80/ 1981م | 10000 | 7234571 |
57/ 1958م | 27000 | 20407117 | 81/ 1982م | 10000 | 7611473 |
58/ 1959م | 22000 | 16662310 | 82/ 1983م | 6000 | 4140540 |
59/ 1960م | 31000 | 23357599 | 83/ 1984م | 3500 | 2541047 |
60/ 1961م | 19000 | 14197048 | 84/ 1985م | 3500 | 2548047 |
61/ 1962م | 33000 | 24568841 | 85/ 1986م | 9000 | 6273725 |
62/ 1963م | 40000 | 30167494 | 86/ 1987م | 5000 | 3771817 |
63/ 1964م | 31000 | 23640034 | 87/ 1988م | 3500 | 2606488 |
64/ 1965م | 40000 | 30024062 | 88/ 1989م | 12500 | 9178296 |
65/ 1966م | 19000 | 479740 | 89/ 1990م | 2500 | 2076536 |
66/ 1967م | 25000 | 18858876 | 90/ 1991م | 2300 | 1785078 |
67/ 1968م | 13000 | 9841051 | 91/ 1992م | 77 | 58459 |
68/ 1969 | 39000 | 29224133 | 92/ 1993م | 4600 | 15134 |
69/ 1970 | 28000 | 21100846 | 93/ 1994م | 309 | 232211 |
70/ 1971م | 31000 | 23048462 | 94/ 1995م | 35 | 25481 |
71/ 1972م | 22000 | 16796235 | 95/ 1996م | 2500 | 394194 |
72/ 1973م | 26000 | 19245835 |
ويتضح من الجدول السابق مستوى تطور المساحات والإنتاج لاسيما في الخمسينات والستينات وإلى حدٍ ما السبعينات، وربما يعود ذلك أساسًا إلى تدفق مياه السيول إلى حوض منطقة الدلتا، والأهم هو الاستغلال الأمثل لتلك المياه بتصريفها عبر قنوات الري التقليدية من أعلى الدلتا إلى أسفلها، وصولًا إلى منطقة الكود ومنطقة شقرة الساحلية، وذلك عبر التطبيق الصارم لتوزيع المياه المتدفقة من وادي بنا غربًا ووادي حسان شرقًا، وفق العُرف السائد حينها الذي كانت تؤمنه السلطات الزراعية للجنة أبين عبر مفتشي الري في كل منطقة، فضلًا عن دعم تنفيذه من قبل السلطات الأمنية في المنطقة.
كما يلاحظ انحسار المساحات المزروعة بالقُطن منذ مطلع السبعينات ويرجع ذلك إلى نقص تدفق السيول إضافة إلى ما ارتبط بالسياسات لحل المسألة الزراعية وقوانين الإصلاح الزراعي، وسوء التطبيق وانعدام الحوافز، ونظام خطط الاستزراع المركزي، وعزوف الفلاحين عن زراعة القُطن، وقيام التعاونيات بمنطقة دلتا أبين بتحديد المساحات لزراعة القُطن؛ ولأن القُطن المحصول الوحيد تقريبًا الذي لا يمكن تسويقه إلا عبر القنوات الرسمية اهتمت التعاونيات بزراعته فيما مسائل خدمته لم تكن بالمستوى المطلوب مما أثر على الإنتاج والعوائد المالية من تسويقه عبر هيئة تطوير دلتا أبين التي ورثت لجنة أبين التي تعثرت في إدارتها وتضخم نفقاتها عبر عمالة فائضة عن الحاجه واستهلاك كل رصيدها مما أوصلها لمرحلة العجز عن تمويل شراء القُطن من المزارعين في مطلع الثمانينات تقريبًا وأخذت قرضًا من البنك الأهلي مقابل رهن كل عقاراتها لمبانيها المشيدة فوق جبل خنفر في مدينة جعار بمحافظة أبين([9]).
وإن كان النقص مساحةً وإنتاجًا يتبين في ثمانينيات القرن الماضي إلا أن الثبات التقريبي فيهما واضح، وربما يرجع ذلك إلى أسس النظام المتينة المطبقة على كل الناس بدون تمييز، إلا أن مطلع التسعينات ومع قيام الوحدة يتبين ما حلّ بهذا المحصول من تراجع كبير في المساحة والمحصول، ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة سيتم تناولها لاحقًا.
التحديات والمخاطر التي واجهت زراعة شجرة القُطن
لقد ظلت زراعة القُطن في بلادنا تقليدية، وهذه الزراعة تحتاج إلى كميات كبيرة من المبيدات الكيميائية، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور خصوبة التربة وإصابة الإنسان والحيوان بالأمراض الخطيرة([10])، وإن كان هذا التأثير غير ملحوظ بصورة كبيرة، إلا أن التأثير الأكبر الذي شهدته هذه الزراعة كان مع قيام الوحدة بين البلدين(اليمن والجنوب العربي) في عام 1990م لاسيما بعد انقلاب اليمن على مشروع الوحدة وقيامه باحتلال الجنوب العربي بقوة السلاح في عام 1994م، إذ سعى اليمن بعد ذلك إلى تخريب وتدمير كل جميل ومفيد في بلاد الجنوب العربي، وتأتي زراعة القُطن ضمن ذلك المسلسل التدميري الممنهج الذي تعرضت له البلاد، فعملوا على مضايقة المزارع في أرضه، ونهبها والبسط عليها، رافق ذلك تدمير ونهب مكائن المحالج القطنية ومصنع الغزل والنسيج، وعدم الاهتمام بهذه الزراعة؛ وهنا أصبح لا جدوى من زراعة هذه الشجرة في هذه البلاد، وتصحرت كثير من الأراضي التي كان يزرع فيها القُطن، وتم الاستيلاء على بعضها من قبل قادات الاحتلال اليمني المتنفذة، فحولوها إلى مزارع خاصة لمزروعات لا يفكرون من ورائها باقتصاد وطني، وحولوا بعضها إلى حضائر واسطبلات لحيوانات لا يفكر من ورائها بتوفير متطلبات سوق داخلي أو خارجي، أو رفد اقتصاد وطني، وعلى هذا النحو غدا كل شيء جميل معطلًا لا يستفاد منه، وأصبح مسخرًا لإرضاء نزوات وهوايات شخصية.
وحتى المؤسسات التي كانت قائمة تتولى الاهتمام والمساعدة في زراعة هذا المحصول وتسويقه تم تدميرها، وإنشاء مؤسسة الماز التابعة للمتنفذ يحيى محمد صالح، التي سبق الإشارة إليها؛ لتقوم باحتكار تسويق هذا المحصول بأسعار بخس، أصبح أمامها المزارع يفضل هجر زراعة هذا المحصول الذي أصبح منهكًا له، يخسر عليه أكثر مما يستفيد، وهكذا تعرضت زراعة هذا المحصول كغيرها من خيرات الجنوب الأخرى للاستهداف من قبل ثقافة الفيد التي سيطرت على عقول عصابة 7/ 7/ 1994م، والتي قادت حرب شعواء ضد الجنوب العربي، أدَّت إلى احتلاله والسيطرة عليه، فسعى هذا الاحتلال بكل ما أوتي من قوة وفكرة إلى تدمير الإنسان والأرض في هذه البلاد، فشن حملة شعواء ضد كل مؤسسة أو مصنع قائم وناجح في هذه البلاد، فكان مصنع الغزل والنسيج الموجود في مدينة الشيخ عثمان بالعاصمة عدن من أوائل المصانع المستهدفة بالتدمير، فأدَّى توقفه إلى عدم جدوى بقاء محالج القُطن _ التي تعرضت هي الأخرى إلى النهب والتخريب _ بصفة خاصة وزراعة القُطن بصفة عامة، فأدَّى ذلك التعثر في زراعة هذا المحصول إلى تفكير المزارع بزراعة محاصيل أخرى غير القُطن الذي لم يعد لزراعته أي جدوى، فلا محالج تشتغل ويمكن أن يتم تصديره إلى أي جهة تحتاج إليه خارج البلاد، ولا مصانع قائمة تحتاج إلى هذا المحصول وتستهلكه، فضلًا عن ذلك شهدت كثير من المساحات الزراعية نوعًا من الاستهداف لتحويلها إلى منافع أخرى تفقدها قيمتها بوصفها رافدًا اقتصاديًا للبلاد، فتصحر بعضها وشهد بعضها الآخر زحف المساكن إليها، فتحولت إلى مخططات سكنية، وقد رفد ذلك الاستهداف الممنهج لزراعة هذا المحصول عدم الاعتناء بهذه الزراعة وإهمالها والاحتكار فيها وغياب مصادر التسويق المتنوعة، فكانت شركة الماز للقطن المحدودة التابعة ليحيى محمد عبد الله صالح عفاش تحتكر سوق القطن بأبين وتبيعه في الأسواق الأُورُوبية في سويسرا وبريطانيا بأثمان مرتفعة فيما ينال المزارع الفتات([11]). وكذلك عدم دعم زراعة القُطن أو إجراء الدراسات البحثية العلمية التي يفترض أن تؤدي إلى زراعتها بطريقة آمنة تحمي المزارع مما قد يصاب بها من أمراض نتيجة طرق الزارعة التقليدية، وكذلك فتح مجالات التسوق الواسعة أمام هذا المحصول حتى لا يتم الاحتكار فيه، فضلًا عن ارتفاع أسعار البذور والأسمدة والوقود وكلفة أجور الأيدي العاملة، وما تتعرض له من أمراض تنفسية وجلدية وسرطانات بسبب المبيدات، كل ذلك أدَّى إلى إهمال زراعة شجرة القُطن، وزراعة محاصيل أخرى بدلًا عنها بحيث تعود عليهم بالنفع سريعًا، كالسمسم والبسباس والطماطم والفل والتبغ.
ولم تعرف بلادنا إلا الزراعة التقليدية لهذا المحصول(القُطن)، والقائمة بشكل أساسي على التسميد العضوي، وهو(القُطن) محصول مجهد للتربة؛ لذلك تحتاج التربة إلى عمليات تسميد محكمة ومدروسة توفر لها العناصر كالنتروجين(أهم العناصر الغذائية الأساسية لنمو النبات) والفسفور(مفتاح الحياة) التي تفتقدها التربة التي يزرع فيها القُطن وتحتاج إليها حتى يصير هذا المحصول مثمرًا بشكل جيد وكمية أوفر([12])، ويؤدي إلى عائد نقدي يعوض ما انفق في علمية زراعته مع توفير هامش ربح فيه. فضلًا عن غياب كل الخدمات والإدارات التي كانت في خدمة زراعة هذا المحصول، ولعل خدمة الري أهم العوامل التي حصل فيها إهمال كبير، حيث لم تتم أي صيانة للمنشآت من السدود أو الجسور التحويلية على طول شبكات الري التقليدية، ونتيجة لذلك لم تتم الاستفادة من السيول المتدفقة في العديد من المواسم المنصرمة، حيث لم تقم حكومات الاحتلال اليمني المتعاقبة منذ ما بعد حرب 1994م بأي اهتمامات بمسألة الزراعة وبنيتها التحتية، مما أدى إلى تهالك الشبكات وضعف قدراتها في استيعاب أكبر كمية من المياه وبالتالي تصريفها لأكبر مساحة ممكنه من أراضي المزارعين([13]).
وأمام ذلك الإحباط والاستهداف الممنهج في جميع النواحي أصبح مزارع القُطن لا يعتني بزراعته ولا يهتم بطريقة حصاده، إذ يُعرَف بأن الحصاد تتم على ثلاث مراحل متفاوتة زمنيًا، فأصبح المزارع لا يهتم إلا بآخر محصول، تاركًا أول محصول يتساقط على الأرض..
الخاتمة:
يُعدُّ البُن والقُطن محصولين نقديين يرفدان الاقتصاد الوطني بالعملة الصعبة، ودورهما كان مشهودًا في بعض مراحل تاريخ بلاد الجنوب العربي، وكان يبشر بمستقبل موعود إن تمَّ العناية والاهتمام بهما، دراسةً، وبحثًا، وتجريبًا، وتشجيعًا، ودعمًا، وتأسيس بنية تحتية متينة ومستدامة فيما يتعلق بالمساحات الزراعية، وتوافر المياه، وقنوات الري التحويلية، وغيرها من الجوانب التي تحتاجها زراعة هذين المحصولين، وقد كانت بوادر التأسيس وفق خطط استراتيجية مستدامة موجودة كبناء السدود وإقامة قنوات الري لاسيما فيما يتعلق بزراعة القُطن في دلتا أبين وتبن، وما رافق ذلك من تأسيس مؤسسات إدارية كلجنة أبين الزراعية التي تحولت فيما بعد إلى هيئة تطوير دلتا أبين، ثم كانت النهاية أو ما يمكن وصفه بالشيخوخة المبكرة لهذا المولود مع قيام الوحدة بين الجنوب واليمن، لاسيما بعد احتلال الجنوب العربي من قبل اليمن في حرب 1994م وبدأ الاستهداف الممنهج للتدمير بتحرير أسعار القطن، وحينها تحولت هيئة تطوير دلتا أبين إلى جمعية دلتا أبين، ودخلت شركة الماز التابعة لنجل شقيق الرئيس الأسبق ليكون نهاية هذا المحصول على يديها بما مارسته من احتكار للمزارعين أدَّى بهم إلى إهمال حصاد المحصول بالطرق الصحيحة ثم هجر زراعته بالكامل.
كذلك الحال في زراعة البُن بل أشد من ذلك لم يلاق هذا المحصول أي اهتمام مؤسسي علمي وتسويقي، ولا تشجيع على زراعته، ولا اهتمام من قبل الدولة أيضًا بتأسيس بنى تحتية كإقامة الحواجز بين الجبال والأرضية التي ستعمل على خزن مياه الأمطار في باطن الأرض.
وإذا كان الإنسان بتدخلاته قد أدَّى إلى تلوث المناخ والتبشير بمخاطر مزعجة مهددة للحياة على هذا الكون، فجعلت الأمم المتحدة تستشعر القلق وتعقد القمم العالمية الخاصة بمناقشة قضايا المناخ، وبسبب ذلك أتت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي عام 1994، التي اشتملت على تدابير وقائية للحد من تفاقم التأثير المتزايد في المناخ، والإبقاء على التهديدات القائمة، والعمل الدؤوب على التخفيف منها، للمحافظة على البشرية بدرجة رئيسة والحياة بشكل عام، وإذا كانت تدخلات الإنسان تلك بطريقة غير مباشرة أدّت إلى تهديد الحياة، إذ هدفه مما أدَّى إلى ذلك تطوير الحياة وترفيهها بالصناعات المختلفة وما يستعمله فيها من وقود بدرجة أساسية، فإن الحياة في بلادنا قد عانت من هذا الإنسان الذي استهدف بشكل مباشر هذه الحياة فلم يكن ما يقوم به من صناعات وأبحاث وتجارب هو الذي أدَّى إلى تهديد تلك الحياة للنباتات بطريقة غير مباشرة وإنما ما قام به من تعامل وعقلية الفيد وتدخلات فجة استهدفت هذه المزروعات، فأدَّت إلى الإحجام عنها والبسط على مساحاتها الزراعية وتحويلها إلى عقارات خاصة يستفيد منها المتنفذ بصورة مباشرة دون أي عائد أو استفادة للاقتصاد الوطني منها.
وإذا كان هذا الاستهداف بطريقة مباشرة لزراعة شجرة القُطن واضحًا وجليًّا، فإنه كذلك استهدف شجرة البُن وإن كان بطريقة غير مباشرة ويتمثل في السماح بتعاطي القات في أي مكان وزمان وفتح الأسواق لبيعه في كل سوق وحارة، مقابل عدم الاهتمام بتشجيع زراعة البُن والاهتمام بتأسيس البناء التحتية التي تحتاج إليها زراعته، وتسويق محصوله بما يعود بالمنفعة على المزارع بحيث يحفزه على المحافظة على زراعة هذه الشجرة، فنافست شجرة القات لهذه المعطيات شجرة البُن، فأصبحت وريثتها في المزارع التي كانت مخصصة لزراعتها، وهو ما أدَّى إلى تراجع زراعة شجرة البُن واختفائها من مساحات زراعية واسعة كانت مخصصة لزراعتها.
التوصيات:
1_ زراعة شجرة البُن يجب أن تتوافر لها البُنية التحتية المتمثلة في الطين الآمنة من الانجرافات، وتوافر المياه، وإنشاء المراكز العلمية والتخصصية لإجراء الدراسات البحثية المختبرية والتجريبية؛ لهذا يجب مضاعفة الجهود من قبل جهات الاختصاص لاسيما الصندوق الاجتماعي للتنمية ومكتب الأشغال ووزارة الزراعة والموارد المائية بعمل حماية ومصدات تحافظ على التربة من الانجراف بفعل السيول الكبيرة التي تتدفق في بعض المواسم، ويجب على هذه الجهات أن تقوم بواجبها في عمل حواجز مائية أرضية وجوية بين الجبال، وبها ستنجز مهمتين في آن واحد، تتمثل الأولى بحماية التربة من الانجراف، إذ حجز المياه في أعلى الأودية سيعمل على منع تدفق السيول بقوة، وما سيفيض عن هذه الحواجز سينساب بهدوء في الأودية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى حجز هذه المياه سواء في الأرض أو بين الجبال في أعلى الأودية سيؤدي إلى توافر المياه على طوال العام، وهو ما يعمل على تأمين زراعة شجرة البُن التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وهنا سيتم التقلب على التأثيرات المناخية التي قهرت قدرة الإنسان على تجاوزها، وإعادة تلك الأودية التي كانت تزرع عشرات الآلاف من شجرة البُن كوادي مورق في منطقة الحنشي م/ يافع رصد م/ أبين.
2_ قيام جهات الاختصاص في الصندوق الاجتماعي للتنمية ومكتب الأشغال العامة، ووزارة الزراعة والموارد المائية بعمل مصدات لحماية تربة الأراضي الزراعية من الانجراف وإعادة ما تمَّ انجرافه في فترات سابقة، والمساعدة في استصلاح أراضي زراعية جديدة، إذ هناك مساحات شاسعة يمكن استصلاحها وزراعته بشجرة البُن لتوافر درجة الحرارة المناسبة لزراعته فيها.
3_ أن تهتم الدولة بهذه الزراعة ففضلًا عن تهيئة البُنية التحتية يجب أن تولي عناية لزراعة هذه الشجرة، وذلك من خلال عقد الندوات والورش وتوفير الخبراء بزراعة البُن، وعكس هذه الخبرات إلى المزارع مباشرة، وتوفير الأسمدة المناسبة وجميع المتطلبات التي تحتاج إليها شجرة البُن تعهدًا للنمو والأثمار وحصادًا، وتأسيس شركات أو مؤسسات تحت إشراف جهات الاختصاص في الدولة؛ لتقوم بعملية شراء البُن من المزارع مباشرة بأسعار معقولة ومناسبة بفارق سعر معقول للربح وعمليات النقل، لحماية المزارع من استغلال صغار التجار المحليين في المناطق؛ لأن المزارع يدخل هنا في حسابات الربح والخسارة فيرى أن هناك أشجار أخرى يكون عائدها عليه أفضل من عائدات شجرة البُن، كشجرة القات…
4_ إعادة التفكير بزراعة القُطن بوصفها محصولًا نقديًا وصناعيًا، وتوفير أجود أنواعه الزراعية، مع الاستفادة من الطرق الحديثة في زراعته، والابتعاد أو التقليل على الأقل من زراعته بالطرق التقليدية، وإعادة ترميم وتنشيط محالج القطن التي كانت قائمة في البلاد، والبحث عن أسواق دولية مناسبة يصدر إليها محصول هذه الشجرة بدايةً ثم إنشاء مصانع وطنية تعتمد على محصول هذه الشجرة بوصفه مادة خام، كمصانع للغزل والنسيج وغيرها من المصانع التي قد تحتاج إلى هذه الشجرة ومحصولها لتحويلها إلى مواد نافعة، كالسليط والزيوت، وأعلاف للمواشي. والعمل على توفر كل أوجه الدعم الفني والإداري لزراعته ومزارعيه، والأهم أسعار تحفز المنتجين على زراعته.
5_ تأسيس بنية تحتية متينة تساعد على إعادة زراعة هذا المحصول النقدي والصناعي، وذلك بإقامة سدود جديدة وترميم القائم منها وتنظيفها، وعمل شبكة ري حديثة مرنة تساعد على تنظيم توزيع مياه السيول المتدفقة إلى تلك المساحات الزراعية، بما يعمل على ريها بصورة صحيحة ومنتظمة ومستدامة، وأن تكون عملية الصيانة لتلك البنية بصورة دائمة ومستمرة، وتوفير أحدث الآليات والمعدات المساعدة في ذلك.
6_ دعم كلية الزراعة التابعة لجامعة لحج، وإعادة تفعيل المعاهد الزراعية في المحافظات والمراكز البحثية المتخصصة، وتحديث برامجها التدريسية بما يواكب التطورات الحديثة في مجال الزراعة، وتأهيل مدرسيها وتدريبهم، وتشجيعهم على مواصلة البحث العلمي وإجراء الدراسات في مجالات الزراعة المختلفة وما يرتبط بها كتربية النحل والماشية.
6_ دعوة رجال المال والأعمال إلى الاستثمار في مجال زراعة هذين المحصولين(البُن والقُطن)، وتوفير التسهيلات لهما، وتأمين تسويق المحاصيل، وتشجيع إقامة المصانع التي تستهلك محاصيل هاتين الشجرتين(البُن والقُطن)، وإتاحة الفرصة والتسهيلات لرجال المال والأعمال من أبناء الوطن، وتوجيههم إلى المساهمة في التنمية المستدامة في نطاق استثماراتهم الجغرافية بدرجة أساسية وعلى مستوى الوطن بصفة عامة.
مصادر الدراسة ومراجعها:
_ خبرات الباحث وممارسته حرفة الزراعة لاسيما شجرتي البُن وغيرها من المحاصيل الزراعية الأخرى.
_ تأثير التسميد المعدني(NP) على بعض صفات محصول القطن طويل التيلة، خالد عثمان دولة، ومحمد سالم الخاشعة رويس، مجلد حوليات العلوم الزراعية بمشتهر مجلد 54(1) 2016م، ص283 _ 284.
_ دراسة اقتصادية لمحصول القطن العضوي في مصر، د. خالد السيد عبدالولي محمد، المجلة المصرية للاقتصاد الزراعي، المجلد 28، العدد الثاني، يونيو 2018م.
_ زراعة القُطن.. الذهب الأبيض المنسي في اليمن، إبراهيم العنسي، موقع في النت.
_ زراعة القُطن في دلتا أبين.. الماضي والحاضر وآفاق المستقبل، صالح الجفري، موقع في النت
_ شعراء بيحان والمقاومات الشعبية ضد الاحتلال البريطاني من عام 1904 _ 1967م، د. صالح عبدربه ناصر أبو نهار.
_ يافع في عهد السلطنتين، ج1، السلطنة العفيفية(سلطنة يافع السفلى)، د. محمود علي محسن السالمي، دار الوفاق، الجمهورية اليمنية، عدن، ط1، 1435هـ _ 2014م.
([1]) تقع بلاد يافع شمال شرق العاصمة عدن بين دائرتي عرض 13، 14 درجة شمالًا، وبين دائرتي طول 45، 46 درجة شرقًا. ويحدها من الشمال محافظة البيضاء اليمنية، ومن الجنوب ساحل البحر العربي المعروف بساحل أبين وبلاد أهل فضل في ساحل أبين، وأطراف لحج والحواشب، ومن الشرق مديرية لودر ومكيراس(بلاد العواذل) بمحافظة أبين، ومن الغرب ردفان وحالمين(بلاد الأجعود) والضالع، وبشكل عام تمثل يافع الجهة الشمالية الشرقية لمحافظة لحج، والغربية لمحافظة أبين. وتنقسم إلى قسمين رئيسيين، هما: يافع الساحل ويافع الجبل، وهناك تقسيم آخر، هو: يافع بني مالك(يافع العليا)، وفيها خمسة مكاتب، هي: الموسطة، والضُّبي، والمفلحي، والحضرمي، والبُعْسي. ويافع بني قاصد(يافع السفلى)، وفيها خمسة مكاتب أيضًا، هي: الكلدي، واليهري، والسعدي، واليزيدي، والناخبي. وتشمل يافع حاليًا ثمان مديريات: أربع في محافظة أبين، هي: خنفر، وسرار، ورُصد، وسباح. وأربع في لحج، هي: لبعوس، ويهر، والمفلحي، والحد.
([2]) ينظر: شعراء بيحان والمقاومات الشعبية ضد الاحتلال البريطاني من عام 1904 _ 1967م، د. صالح عبدربه ناصر أبو نهار، ص19.
([3]) ينظر: يافع في عهد السلطنتين، ج1، السلطنة العفيفية(سلطنة يافع السفلى)، د. محمود علي محسن السالمي، دار الوفاق، الجمهورية اليمنية، عدن، ط1، 1435هـ _ 2014م، 246، 247، 248.
([4]) ينظر: زراعة القُطن.. الذهب الأبيض المنسي في اليمن، إبراهيم العنسي، وزراعة القُطن في دلتا أبين.. الماضي والحاضر وآفاق المستقبل، صالح الجفري، موقعان في النت. وإذا كان القُطن قد أدخل إلى بلادنا(الجنوب العربي) في الخمسينيات من القرن الماضي من السودان، فإنه قد أدخل إلى اليمن من عدن عاصمة بلادنا قبل انقلاب 1962م.
([5]) ينظر: زراعة القُطن في دلتا أبين.. الماضي والحاضر وآفاق المستقبل، صالح الجفري، موقع في النت.
([6]) زراعة القُطن.. الذهب الأبيض المنسي في اليمن، إبراهيم العنسي، موقع في النت.
([7]) ينظر: زراعة القُطن في دلتا أبين.. الماضي والحاضر وآفاق المستقبل، صالح الجفري، موقع في النت.
([8]) ينظر: زراعة القُطن في دلتا أبين.. الماضي والحاضر وآفاق المستقبل، صالح الجفري، موقع في النت.
([9]) ينظر: زراعة القُطن في دلتا أبين.. الماضي والحاضر وآفاق المستقبل، صالح الجفري، موقع في النت.
([10]) دراسة اقتصادية لمحصول القطن العضوي في مصر، د. خالد السيد عبدالولي محمد، المجلة المصرية للاقتصاد الزراعي، المجلد 28، العدد الثاني، يونيو 2018م، 648.
([11]) زراعة القُطن.. الذهب الأبيض المنسي في اليمن، إبراهيم العنسي، موقع في النت.
([12]) ينظر: تأثير التسميد المعدني(NP) على بعض صفات محصول القطن طويل التيلة، خالد عثمان دولة، ومحمد سالم الخاشعة رويس، مجلد حوليات العلوم الزراعية بمشتهر مجلد 54(1) 2016م، ص283 _ 284.
([13]) ينظر: زراعة القُطن في دلتا أبين.. الماضي والحاضر وآفاق المستقبل، صالح الجفري، موقع في النت.