اقتصادية

السلطان علي عبد الكريم.. قائد النهضة الزراعية والتعليمية في جنوب اليمن

الملخص:

تقدم هذه الوقة استكشافًا عميقًا لحياة السلطان علي عبد الكريم العبدلي ومقاومته للاستعمار البريطاني في جنوب الجزيرة العربية، مع التركيز على قيادته في سلطنة لحج، ومبادرات الإصلاح، ودوره كرمز للمقاومة القومية العربية.

المقدمة:

في خضم الصراعات الاستعمارية التي اجتاحت الوطن العربي في القرن التاسع عشر والعشرين، وبرزت شخصيات وطنية عربية، فكانت رمز للمقاومة الوطنية، في تلك الحقبة الزمنية التي شهدت فيها المنطقة تحولات جذرية مع تمدد النفوذ البريطاني، الأمر الذي أثار حفيظة الشعوب العربية التي كانت تسعى إلى الحفاظ على هويتها واستقلالها. وفي هذا السياق، لعب السلطان عبد الكريم دورًا محوريًا في قيادة المقاومة ضد الاحتلال، مما جعله أيقونة للنضال والكفاح.

على الرغم من أن مقاومة السلطان عبد الكريم لم تكلل بالنجاح في تحقيق الاستقلال التام، إلا أن إرثه لا يزال حاضرًا في ذاكرة الشعب الجنوبي. فقد كان مصدر إلهام للكثير من الحركات الوطنية التي نشأت بعده، وساهم في ترسيخ الوعي الوطني لدى أبناء المنطقة. كما أن سيرته تعد درسًا قيمًا في الصمود والتحدي، وتذكيرًا بأهمية الحفاظ على الهوية والثوابت الوطنية في مواجهة التحديات الخارجية.”

  • أسئلة البحث:

لتوسع أكثر حول شخصية السلطان عبد الكريم العبدلي ودوره في مقاومة الاستعمار البريطاني، يمكنك طرح الأسئلة التالية:

  1. ما هي الظروف التاريخية والاجتماعية التي نشأ فيها السلطان عبد الكريم؟
  2. كيف وصفه معاصروه؟ وما هي أبرز صفاته الشخصية التي ميزته عن غيره من القادة؟
  3. ما هي الإنجازات التنموية التي تحققت في عهده؟
  4. ما هي أهم القرارات السياسية والوطنية التي اتخذها خلال فترة حكمه؟
  5. كيف نظر إلى الاستعمار البريطاني وأهدافه في المنطقة؟

أهداف الدراسة:

تهدف دراسة شخصية السلطان عبد الكريم العبدلي ودوره في مقاومة الاستعمار البريطاني إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، من بينها:

  1. تقديم صورة واضحة وشاملة عن شخصية السلطان، من خلال تحليل سيرته الذاتية، وأفكاره، وقراراته، وإنجازاته، يمكننا فهم أبعاد شخصيته المتعددة ودوره في التاريخ الوطني الجنوبي.
  2. تسعى الدراسة إلى تحديد العوامل التي أدّت إلى اندلاع المقاومة ضد الاستعمار البريطاني في عهد السلطان عبد الكريم، وما هي الدوافع التي حركت هذه المقاومة.
  3. تهدف الدراسة إلى تحليل الاستراتيجيات السياسية والتنموية العسكرية التي اتبعها السلطان عبد الكريم في مقاومته، وكيف تمكن من مواجهة قوة عسكرية أكبر منه.
  4.  تسعى الدراسة إلى تقييم الأثر الذي تركته مقاومة السلطان عبد الكريم على المنطقة، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
  5. يمكن للدراسة أن تساعدنا في استخلاص الدروس والعبر من تجربة السلطان عبد الكريم، وتطبيقها على قضايا معاصرة.
  6. تساهم الدراسة في إعادة كتابة التاريخ الجنوبي، وإبراز دور الشخصيات الوطنية التي ساهمت في صراعات التحرر الوطني.
  7. تهدف الدراسة إلى إحياء الذاكرة الوطنية وتذكير الأجيال الجديدة بتضحيات الأجداد في سبيل الوطن.
  8. تساهم الدراسة في تعميق الوعي الوطني بأهمية الحفاظ على الهوية والاستقلال.

هيكل البحث:

سنستكشف في هذا الورقة البحثية جوانب متعددة من حياة السلطان عبد الكريم، بدءًا من نشأته وصولًا إلى دوره البارز في مقاومة الاستعمار البريطاني، مروراً بإنجازاته السياسية والتنموية والعسكرية. سنحاول فهم شخصية هذا القائد الاستثنائي وكيف استطاع أن يوحد شعبه في وجه الاحتلال، مستعرضين أهم الإنجازات التنموية والسياسية التي حققها خلال فترة حكمه.

المطلب الأول:

مولد ونشأة السلطان علي عبد الكريم العبدلي

ولد الأمير علي بن عبدالكريم فضل عام 1922م في حوطة الجفارية، عاصمة إمارة لحج العبدلي، نشأ الأمير علي في كنف والده السلطان عبدالكريم بن فضل بن علي، محاطًا بالفخامة والتقاليد العريقة لعائلته، كانت حوطة الجفارية مدينة ذات تاريخ عريق، تشتهر بمساجدها الأثرية وقصورها البيضاء، وقد تأثر الأمير علي عبدالكريم بجمال الطبيعة المحيطة بها، حيث كان يقضي ساعات طويلة يتجوّل في الحدائق والبساتين، يستنشق عبير الزهور ويشاهد الطيور تغرد.

تلقى الأمير علي تعليمه الأوّل في قصر والده، وقد حظي باهتمام بالغ من والده الذي حرص على توفير له أفضل المعلمين، وكان الأمير علي شغوفًا بالقراءة، بجانب دراسته، وكان الأمير يتمتع بمواهب فنية عديدة، فقد كان يجيد العزف على العود، وكان يكتب الشعر والأشعار، كما كان ماهرًا في الفروسية والصيد، وكان يشارك في المسابقات الرياضية التي تقام في الإمارة.

 فترة طفولته شهدت صراعات سياسية وتوترات إقليمية، هذه الأجواء ربما تكون قد أثرت على تكوين شخصيته، ودفعته إلى الاهتمام بالشأن العام والسياسة منذ سن مبكرة.

 كان ينتمي إلى أسرة حاكمة، مما يعني أنه تربى في بيئة تحفز على القيادة والمسؤولية.

تلقى تعليمًا دينيًا في صغره، كما كان شائعًا في بيئة الحوطة، وهذا التعليم كان له تأثير كبير على قيمه ومعتقداته، أرسله والده إلى كلية فيكتوريا وهي مدرسة انجليزية عالية في الاسكندرية، وعاد عند اندلاع الحرب العالمية الثانية بطلب من والده الذي خشي أن يصيبه أذى خاصة مع اقتراب القوات النازية من الحدود المصرية.

ولا شك أن الأمير الشاب قد نضج وعيه خلال سنوات دراسته في مصر وكذلك زياراته لبريطانيا وبلدان أخرى وتأثر بما شاهده من تطور وقارن في مخيِّلته أو مرآة عقله بين ما رآه هناك من تطور وازدهار وبين ما هو عليه حال وطنه من تخلف حينها فعاد محملًا بالآمال والطموحات الكبيرة وبالهمة العالية للشروع بالعمل النهضوي بغية اللحاق بركب التطور.

أثناء إقامته في مصر، أتقن السلطان عبد الكريم اللغة الإنجليزية، مما أتاح له الاطلاع على أحدث الأفكار والنظريات السياسية في الغرب، كما التقى بمثقفين وسياسيين مصريين، وتأثر بأفكارهم حول القومية العربية والاستقلال. عاد السلطان عبد الكريم إلى بلاده حاملًا معه أفكارًا جديدة، وتطلعًا إلى المستقبل، حيث بدأ يدعو إلى الإصلاح والتحديث في إمارته، متأثرًا بما شاهده في مصر والدول الغربية.

من الطبيعي أن تكون بريطانيا التي ألحقت الأمير علي بن عبد الكريم في أحد أفضل مدارسها في مصر قد علّقت عليه آمالاً كبيرة، وتوقعت منه أن يساهم في تنفيذ سياساتها وتحقيق مصالحها في المنطقة. ولهذا سعت أيضاً لكسب وده وعاملته بتقدير كبير، فأنعمت عليه عام 1945م بلقب “سير” (K.B.E)، وجرت مراسيم تقليده هذا الوسام الرفيع في لندن، وقد ظنت بريطانيا أنه سيكون بهذا التقدير والتكريم طائعًا لأوامرها، ولن يبدر منه ما يثير حفيظتها أو يتعارض مع سياستها وأجندتها.”

المطلب الثاني:

السلطان الثائر والإنجازات التنموية (  1922 – 1959)

بعد الإطاحة بالسلطان فضل بن عبد الكريم، الذي عانى حكمه من العديد من التجاوزات والفساد، تم انتخاب شقيقه الأصغر علي عبد الكريم سلطانًا بإجماع أعيان القبائل، كان هذا الاختيار مدفوعًا برغبة في تجديد النظام وإصلاح ما أفسده السلف، قد وصفه الوالي البريطاني تريفسكس بأنه “شاب بهي الطلعة، كريم الخلق، فيه جاذبية الأمارة”، مما يعكس التوقعات العالية التي علقها البريطانيون على هذا الشاب المثقف والمتطلع للإصلاح.  ومع ذلك، سرعان ما اكتشف السلطان علي عبد الكريم أن مهمته ليست سهلة، حيث ورث تركة مثقلة بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى التحديات التي فرضها الاستعمار البريطاني الذي سعى إلى فرض سيطرته الكاملة على السلطنة من خلال المعاهدة الاستشارية التي أجبره على توقيعها.”

ولكن سرعان ما تبددت الآمال البريطانية في أن يكون السلطان علي عبد الكريم أداة مطيعة في أيديهم.  فبمجرد أن تولى مقاليد الحكم، بدأ يعبر عن آماله في تحقيق الوحدة العربية وتحرير بلاده من الاستعمار.  وقد ظهر ذلك جليًا في خطابه أمام المجلس التشريعي، حيث أشاد بدور الإمام أحمد في مقاومة الاستعمار، وأكدّ على أهمية التعاون مع مصر. هذه التصريحات أزعجت البريطانيين بشدة، حيث اعتبروها تهديدًا لمصالحهم في المنطقة. فسرعان ما بدأت حملة تشويه سمعة السلطان، وتم تصويره على أنه شخصية طموحة وخطرة تسعى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.

ومن تلك اللحظة بالذات أخذ القلق يشغل بال تريفسكس ويتراكم مخزون الحقد في نفسه ويجيش صدره بالغِلّ على السلطان الشاب فأخذ يتربَّص لأية فرصةَ بغية الإيقاع به لإبعاده عن سدة الحكم في السلطنة.

في فترة حكمه أقام نظام حكم فريد في المنطقة وحقق الفصل بين السلطات من خلال الدستور واستقلال القضاء تماماً وتشهد بذلك سجلات القضاء في محكمة لحج.. وضاعف البعثات التعليمية خارج الجنوب وبالذات إلى مصر ووحد المناهج التعليمية مع مصر.. وشجع الأدب والفن والرياضة.. فكان عهداً زاهراً أثار استغراب بعض الباحثين لإعداد رسالة دكتوراه عن سلطنة لحج، أعدت الرسالة وحصلت على درجة الدكتوراة ، د.  دلال بنت مخلد الحربي في المملكة العربية السعودية التي أدهشها أن تجد نظاماً في كل المنطقة كلحج في تلك الفترة وأجرت مقابلة شخصية تحدث عن فترة حكمه وتاريخه وكنت بالنسبة له كالغيث وتحدثنا عن كل ما مر بهذه المرحلة التاريخية من حكم السلطة وقدم لها عدد من الوثائق والصحف والمقابلات الشخصية مع شخصيات كثيرة من الجنوب العربي، وما اعددته في رسالتي انا فخور بها لكونها تؤرخ مرحلة مهمة من تاريخ منسي في جنوب المنطقة العربية .

أولا: في المجال التحديث الإداري

 إيمانه الواعي بمبدأ المشاركة في اتخاذ القرار، هو الذي أسهم بشكل مباشر في إنجاح تجربة الإصلاح والتحديث في لحج. ويقول في واحد من حواراته القليلة في هذا الشأن: “لم أكن لوحدي القائم والمهتم بالإصلاح في لحج والمنطقة، فقد كنت بطبيعتي أحب التشاور وأخذ المشورة الصالحة وإشراك المخلصين في العمل لاتخاذ القرارات والاستفادة من معرفتهم وتجاربهم. لهذا حين استلمت إدارة الأمور، كرئيس لمجلس المديرين بعد وفاة الوالد، كوّنت مجموعة من المخلصين للعمل في وضع أسلوب للتعامل مع السلطة البريطانية يؤدي بالنتيجة إلى أن يستلم أبناء المنطقة مقدرات أمورهم، وأعني بهذا كامل المنطقة، التي كانت عدن والمحميات، وإقناع حكام تلك المناطق للمشاركة في هذا المشروع. كنت أتطلع إلى الاستفادة من معلومات ومشاركة من أعرف من المثقفين في عدن ممن كانت لي علاقة طيبة معهم، وكنت أتطلع إلى مشاركتهم في تصويب خطواتي وأفكاري لإيماني بالعمل الجماعي، الذي أخذ يتعمق في نفسي يومًا بعد يوم. ونظرًا لما لاحظناه من تغلغل الاستعمار في البلاد وقلة المدركين لخطورته في ذلك الوقت، أو قلة المتجاسرين على إظهار شعورهم الوطني، لهذا فقد تجرأت وكونت لجنة تعمل في سرّية في لحج، لصياغة فكرة مجلس يضم حكام السلطنات والإمارات الجنوبية، كي يكون لهم رأي فيما يجري في بلادهم، بدلًا من أن يكونوا في كل الأمور تبعًا لما يقرره المعتمد البريطاني.”([1])

ثانيا: في المجال الزراعي:

عزز علاقاته مع كثير من الدول العربية وفي مقدمتها مصر عبد الناصر رحمة الله عليه وتأثر بأفكاره ونهجه في عملية البناء واهتم بالزراعة باعتبارها المورد الأساسي في دعم الاقتصاد للسلطنة اللحجية ووسع الرقعة الزراعية من خلال تنظيم قنوات الري واهتم بزراعة القطن وأنشأ محلج للقطن وشكل لجنة سميت لجنة الانعاش الزراعي كما كان لديه تفكير ببناء سد وذلك للاستفادة منه في ري كافة أراضي الدلتا وحجز مياه السيول لتغذية المياه الجوفية.

ففي مقابلة للسلطات الثائر علي عبدالكريم أجراها هشام عطيري ونشرها في صحيفة عدن الغد يتحدث عن الإصلاحات في المجال الزراعي قائلًا:  استمر الإصلاح في لحج بإدخال زراعة القطن والذي سبقتنا إليه منطقة أبين بعدة سنوات ولما كانت الخبرة الزراعية العملية غير متوفرة فقد حاولنا الاستعانة بالإدارة البريطانية للتعاون معنا في ذلك لكن هذه الإدارة حاولت التملص بمعاذير مختلفة إلى أن سقطت لحج تحت احتلال القوات البريطانية وهرب السلطان إلى تعز بعد أحداث دامية يذكرها التاريخ أعطت بريطانيا الذريعة لاحتلال لحج وأحيل القارئ إلى الكتاب السابق الذكر للاطلاع على ما جرى في تلك الفترة القاسية لكننا وحين توليت تحت وطأة تلك الظروف المشؤومة استأنفنا العمل الإصلاحي وكان الانجليز قد اطمأنوا بأننا قد وقعنا في قبضتهم فخففوا من ضغوطهم علينا واستطعنا من الحصول على معونة مالية قدمتها لنا لجنة أبين لشراء محلج وابتداء زراعة القطن في لحج على أن نسدد هذه المعونة المالية في ثلاث سنوات لكننا وبهمة شبابنا وكان من بينهم الأستاذ قحطان الشعبي الذي أدار العمل بكفاءة والأستاذ محمد سعيد سبيت الذي تولّى إدارة المحلج بكل همة ونشاط والأخ عمر درويش العزيبي وآخرين ممن لا تعينني الذاكرة على تذكر أسمائهم وبترفعهم عن النظر إلى المرتبات المرتفعة واعتبار العمل في المشروع عملاً وطنياً يستحق التضحية بالمنفعة المالية استطعنا أن نسدد المبلغ في سنة واحدة وأعدنا المعونة القرض إلى لجنة أبين.

توفر لدينا فائض يزيد عن خمسة عشر في المائة من ثمن القطن بعد تسديد القرض في إنشاء صندوق لجنة الإنعاش الزراعي مما استرعى انتباه المزارعين في أبين وحصل التقارب بيننا وبينهم حتى تمكنا من إنشاء لجنة مشتركة منا ومنهم تذهب إلى بريطانيا للتفاوض على بيع القطن إلى الشركات البريطانية بعد أن كانت الإدارة البريطانية هي التي تتفاوض نيابة عنهم وتضاعفت الفوائد لدى البنك وارتفع رصيد اللجنة الزراعية في البنك حتى استغنت عن أخذ السلفة وتسديدها عند بيع القطن في بريطانيا وعندما استلمنا إعلاماً من البنك أن حساب لجنة الإنعاش الزراعي أصبح ضماناً كافياً لأخذ السلفة وأن لا نحتاج إلى رهينة عندها فقط شعرنا بالارتياح وأننا قد حققنا إنجازاً هاماً يسمح لنا بالتفكير في توسع الرقعة الزراعية والبحث عن موارد مائية تحقق لنا ذلك .

بدأت معركة جديدة مع إدارة المعتمد البريطاني وقد كان ذلك عندما وصل إلى عدن صديق فلسطيني يشتغل مع هيئة الاغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة فاستضفته وللأسف غرب اسمه عن ذهني لكنه أخبرني بأن مهمته تقديم تقارير للهيئة المذكورة عن تطوير الزراعة في البلاد النامية وأنه يصل سنوياً لتقديم تقاريره عن منطقتنا ولم نكن نعرف ذلك ولا الانجليز أخبرونا عن ذلك ولعلهم يحتفظون به سراً حتى لا يكون بيننا وبين الهيئات العالمية أي اتصال وهم يقومون بذلك نيابة عنا فوجدتها فرصة لأخبره عن حاجتنا لزيادة مياه الري ولزيادة الرقعة الزراعية وكان قد ألح علي الشيخ درويش أحمد عمر العزيبي مدير الزراعة عن هذه الحاجة قبل مرضه وعن إذا كان من الممكن البحث عن مصدر ينابيع المياه التي تروي البساتين في الحسيني وغيرها والحفر حولها أو حفر آبار ارتوازية لنفس الغرض ففتحت الموضوع مع الصديق مندوب هيئة الأغذية والزراعة وبدوره فتح الموضوع مع مستشار الزراعة الانجليزي الذي نصح بحفر آبار ارتوازية في مناطق من لحج لكننا وجدنا أن التكلفة كبيرة جداً لنحصل على كمية مياه كما نطلب وتركنا الموضوع معه قيد الدراسة لكن هيئة الاغذية والزراعة قد أخذت علماً بالموضوع لم تترك الأمر فحين وصل أحد رؤساء هيئة الري في الهيئة اتصل بنا صديقنا الفلسطيني فقابلنا المسئول الكبير وباشر بنفسه معاينة الأودية والينابيع الجوفية معاينة دقيقة وأخبرنا بأنه سيرفع تقريراً برأيه في الموضوع وأخبرنا أننا لن نحتاج إلى حفر آبار جوفية وأن لا نمس مواقع الينابيع لأنها قد تغور وتختفي المياه في جوف الأرض ثم لا نجدها لكن مياه السيول إذا قمنا بعمل مجسات لمعرفة كمية المياه التي تنزل في السنة وقوة المياه لعدد من السنين فيمكننا أن نضاعف الأرض المروية إلى ثلاثة أضعاف وأن نجعل لحج خضراء من رأس الوادي إلى دار سعد.

استمر السلطان الثائر يسرد تلك الاحدث، بقوله: صادف هذا الخبر وصول أول متخرجين زراعيين من بعثاتنا في مصر ووظفناهم في مكتب الزراعة للقيام بعمل المجسات والاضطلاع بهذا الأمر وأن يقدروا ماهية إمكانياتنا في ذلك وفي تكلفة المشروع وابتدئنا نفكر ونخطط وعندما حان موعد وصول خبير الأمم المتحدة وقبل موعد وصوله بأشهر صادف أن زار أحد أصدقائنا مدينة روما في إيطاليا مركز هيئة الأغذية والزراعة وكانت لنا سابق معرفة بمسئول مصري كبير في الهيئة في روما وطلبنا من الصديق أن يستكشف رأي المندوب المصري إذا كان في استطاعته دفع الموضوع لتتبناه هيئة الأغذية والزراعة فوعد خيراً وأنه سيتابع الموضوع في اجتماعات الهيئة المذكورة .

كنا نأمل بأن يستطيع أن يمرر الموضوع بعد عدد من السنوات لكن… وبعد شهرين أو ثلاثة جاءني المعتمد البريطاني محتجاً فقد وصلته رسالة من وزارة المستعمرات بأن الخارجية البريطانية قد وافقت على اقتراح من هيئة الأغذية والزراعة بإرسال موظفين زراعيين للعمل في لحج في مشروع المياه ولقد سألني كيف اتصلتم بهذه الهيئة دون علمي قلت لا أعرف لكن ربما مندوبي الهيئة الذين يصلون كل سنة لتقديم تقارير عن حالة الزراعة في البلاد النامية قد قدموا تقريرهم بهذا الشأن وكان الشك والغضب باديان في عينيه إذ قال أنا لا يمكن كنت أوافق على هذه الاتصالات لو علمت بها قلت له بصورة كيدية إذاً اتصل بوزارة المستعمرات لتوقفهم إذا كانت تستطيع وكنت أعرف أن وزارة المستعمرات ليس لديها الحق على نقض قرار وافقت عليه وزارة الخارجية والتي وزارة المستعمرات تابعة لها فقال لي وزارة المستعمرات لا تستطيع رفض أو إيقاف قرار وزارة الخارجية قلت له إذاً هذه هبة إلهية جاءتنا فنظر إلي وعيناه تنطلق بالشك وعدم الاقتناع بأننا أبرياء من هذه التهم وأن ليس لنا في الأمر يد أو مسعى وكأنه يعتقد أننا قد عملنا مؤامرة عليه ليتم هذا الأمر دون علمه وهيأنا سكناً مناسباً للمندوبين حين وصولهم ومكتباً يعملون منه ومعهم أبناؤنا فضل عنبول وناصر عامر عنبول وكان هذا المبنى مسكناً للمستشار البريطاني في لحج فهجره عندما وجد أن وجوده في لحج ليس له معنى خصوصاً وقد أحكمنا أنا وأخواني من الوطنيين وموظفي الحكومة طوقاً حوله لم يستطع من خلال أن يتصرف في شيء فقد كانت تتم الأمور والإجراءات بصورة منظمة لا تعطيه أي مأخذ أو مدخل يدخل علينا منه كما أن المواطنين في لحج قد قاطعوا مكتبه ومنزله فلا أحد يزوره أو يلجأ إليه في حاجة حتى وجد أن خير طريقة هي أن يعود إلى مكتبه في إدارة المعتمد البريطاني .

على كل حال فعند وصول خبراء الأغذية والزراعة أسكناهم في المسكن المهيأ لهم والمكاتب المعدة لعملهم وهي نفس مسكن المستشار البريطاني بعد أن تركه لكن المعتمد البريطاني أراد أن يتدخل ويتصرف في الأمر بطريقة أعتقد أن فيها إغاظة لنا فاشترط أن يكون مكتب المندوبين في إدارته بخور مكسر وأن يكون ممارسة العمل من هناك وطبعاً لم نوافق في لحج على هذا التصرف وتمسكنا بأن هؤلاء المندوبين مرسلين إلى حكومة لحج وأنه يجب الرجوع إلى هيئة التغذية والزراعة للبت في الموضوع وكان أحد المندوبين ايرلندياً وأعتقد أنه ممن لا يحبون الانجليز ووقف موقفاً متعاوناً معنا وبعد أخذ ورد أعتقد أن المعتمد البريطاني وجد أنه سيفتح على نفسه باباً مغلقاً ويضع سلطاته وهيبته على المحك فأبدى بعض التراجع والحلول الوسط ولم نكن نحن في لحج من الجانب الآخر محتاجين إلى تطويل الموضوع وتكبيره حيث أننا في حاجة ماسة لتحسين الوضع الزراعي والمالي للبلاد وأهلها فتوصلنا إلى حل وسط وهو أن يباشر المندوبين العمل نصف الأسبوع في مكتبهم بلحج ونصف الأسبوع في مكتب إدارة المعتمد وانتهت القضية وسارت الأمور وكان الاتفاق على أن نقوم بعمل المجسات أولاً وشراء معدات لتسوية مستويات الأودية وقد نفذناه كما استطعنا أن نصل إلى معرفة كمية المياه التي تمر بالوادي وقوتها تقريباً وتقرر إنشاء سدين للمياه أحدهما في الحدود بين لحج وبلاد الحواشب وهذا يحجز مياه وادي تبن والآخر عند منطقة العند والعرائس وهذا يحجز فائض مياه تبن ومياه ورزان وستكون النتيجة حسب التقديرات ري مستمر لثمانية أشهر في السنة ومن ثم تقوية مياه الينابيع ما يسمى الغيل طوال السنة ناهيك عن خطط أخرى لتنظيم الري على أسس علمية حديثة ولا يتسع المجال لشرحها وهي تحتاج إلى كتيب لشرحها تفصيلاً وقد عملنا اتفاق مبدئي مع شركة فرنسية لعمل مسح جوي لمنطقة لحج حتى يتسنى عمل تخطيطات الأودية والاعبار وما إلى ذلك .

وفي عام 1971 أوصى بأن يتحول قصره إلى كلية للعلوم الزراعية الذي حرص أن ينتقل العمل الزراعي من الطور التقليدي إلى العلمي وفق رؤى وخطط علمية، وقد خصص لها وقفا 40 فدان بمساحة 4000 متر وتعد أول كلية في الجزيرة العربية والخليج وأطلق عليه دولة الرفاق اسم كلية ناصر للعلوم الزراعية وكان الأحرى أن تسمى كلية السلطان الثائر علي عبدالكريم، وهذا جزء من المحاكمة التاريخية التي ندونها في هذا المبحث انصافا للتاريخ الوطني الجنوبي.

في المجال التعليمي :

  1. اهتم الفقيد بتعليم الفتاة وشجع التحاق البنات للتعليم وخصص مدرسة للبنات وخصص معلمات لتدريسهن من مصر ولبنان وفلسطين والسودان وسوريا وعين الاستاذ احمد عبداللطيف البان مديرا للمدرسة.
  2.  جعل التعليم مجانيا في السلطنة العبدلية وصرف المستلزمات المدرسية من كتب ودفاتر وأدوات للطلاب بالمجان وضم الكتاتيب الى ادارة المعارف واعتبرها اساساً للتعليم
  3.  استغلت في عهدة ادارة المعارف عن ادارة المعارف في عدن. وأصبحت ادارة في لحج لا تخضع لتوجيهات وسياسة المعارف في حكومة عدن
  4.  عقد اتفاقيات مع المعارف المصرية في استقدام مدرسين مصريين في مختلف التخصصات للتدريس في مدارس السلطنة المدرسة المحسنية في الحوطة.. والمدرسة الجعفرية في الوهط مما أغاظ السلطات البريطانية وحاولت عرقلة وصول تلك البعثات التعليمية للعمل في مدارس السلطنة .
  5. افتتح عدد من المدارس في قرية الحمراء والمحلة وغيرها ووفر المعلمين والمستلزمات المدرسية لتلك المدارس وتوسع في زيادة الفصول الدراسية الاضافية في المدرسة المحسنية والجعفرية.

في المجال الرياضي والثقافي:

أقدم السلطان الثائر رحمة الله علية على تشجيع وتقديم الدعم السخي للأنشطة الرياضية والفنية والمسرحية واهتم بالأندية الرياضية كما دعم وشجع مشاركة وفود السلطنة الرياضية في الدورات الرياضية التي كانت تنفذها الجامعة العربية في مصر وأرسل عدد من الطلاب لمواصلة دراساتهم الثانوية والجامعية في مصر وغيرها من الدول العربية.

وكان يعد السلطان علي عبد الكريم من كبار الداعمين لنادي الشعب الثقافي والذي كان يضم نخبة من مثقفي لحج ومن شخصياتها الوطنية وكان نادي الشعب مركز اشعاع وطني ليس على مستوي السلطنة بل على مستوي مدن ومناطق الجنوب العربي وكان لهذا النادي التأثير الكبير في الحياة السياسية في سلطنة لحج ولعب دوراً ايجابياً في مجمل الأحداث التي شهدتها سلطنة لحج وكان السلطان الثائر علي عبد الكريم من يقومون بتوجيه انشطة هذا النادي.

في المجال الخدمي والتنموي:

لم يقتصر اهتمام السلطان علي عبد الكريم على قطاع الصحة فحسب، بل شمل أيضًا قطاع التعليم والبنية التحتية. فقد قام بإنشاء مدارس جديدة وتوسيع المدارس القائمة، ووفر الكتب والمدرسين المؤهلين. كما اهتم بتطوير البنية التحتية للسلطنة، حيث شيد الطرق والجسور، ووفر المياه الصالحة للشرب، وقام بتوسعة شبكة الكهرباء. هذه الإصلاحات الشاملة ساهمت في تحسين مستوى المعيشة للمواطنين، ورفعت من مستوى الوعي الصحي والتعليمي، وبالتالي ساهمت في تحقيق التنمية المستدامة للسلطنة.”

في المجال العسكري والأمني :

بعد فترة من الاضطرابات والانهيار الذي شهدته الأجهزة الأمنية والجيش في عهد السلطان السابق، عمل السلطان علي عبد الكريم على إعادة بناء هذه المؤسسات الحيوية. فقام بتعيين قادة أكفاء وفتح باب التجنيد أمام الشباب المؤهل، كما عمل على تطوير البنية التحتية العسكرية وتوفير المعدات اللازمة. هذه الإصلاحات ساهمت في تعزيز الأمن والاستقرار في السلطنة، وحماية حدودها من أي تهديدات خارجية، مما سمح للمواطنين بالتمتع بحياة آمنة ومستقرة.”[2]

المطلب الثالث:

الدور النضالي ومناهضة الاستعمار البريطاني

إن لحجاً عرفت بسلاطينها وشعراءها وأدباءها وأهلها وبما تقدمه من خدمات لأبناء الأمة العربية في وقت مبكر جداً وقد كان لها السبق في التضامن والتعاضد مع الشعب العربي الواقعة تحت الاحتلال، وقد تجلت تلك المواقف في كثير من المشاركات والمساهمات سواء أكانت سياسية أم فنية أم معنوية.

ففي عام 1922م وشاركت لحج من خلال سلطانها وأدباءها في تمثيل لحج آنذاك بإرسال الأديب والشاعر صالح سعيد سالم للمشاركة في الاحتفال بتتويج أمير الشعراء (احمد شوقي)، وكذلك ساهمت السلطنة ممثلة بأدباءها وفنانيها بدعم ثورة الجزائر، من خلال إقامة الحفلات الغنائية في كل مدينة الحوطة، ومدينة دار سعد[3].

وكان لـ( لحج ) المبادرة الأولى في استضافة الزعيم ( سعد زغلول ) قائد ثورة 1919م أثناء نفيه في جزيرة ( سيشل ) من قبل بريطانيا التي كانت تحتل مصر منذ عام 1882 م وكانت هذه الاستضافة من خلال سلطان لحج آنذاك وهذا يدل على رفض الشعب اللحجي الجنوبي وسلطانهم عبد الكريم فضل العبدلي والأمراء لنفي الزعيم، فقد استقبله السلطان عبد الكريم فضل سلطان لحج ومستشاره السيد عبد لله علوي الجفري للشئون الخارجية وجمع غفير من أهالي لحج في قصر ( البراق )[4]، قصر السلطان في عدن ، وقد كان في عام 1938 م[5] .

واستمرت هذه الاحتفالات الفنية الثورية المناهضة للاستعمار في مدينة عدن العاصمة نفسها وذلك في عام 1957 م تحمل تنظيم هذه الحفلات حزب رابطة أبناء الجنوب العربي وأدباء وفناني لحج وعلى رأسهم الأديب الشاعر والفنان / عبد لله هادي سبيت والفنان حفيد القمندان محسن بن أحمد مهدي والفنان فضل محمد اللحجي والمواهب والتي أصبحت فيما بعد نجوم الفن اللحجي , أمثال محمد صالح حمدون والأستاذ حسن محمد عطاء فناني لحج آنذاك وشعرائها.

في ظل هذه الأجواء الثورية العربية التحررية تبلورت ثقافة السلطان الشاب الثائر علي عبد الكريم وبدأت تشتد علاقة التعاون بينه وبين قيادات رابطة أبناء الجنوب في العديد من المبادرات المشتركة، فقد نظم الطرفان مؤتمرات ولقاءات لتنسيق الجهود، كما تبادلوا الدعم المادي والمعنوي.

وتجلى الشعور الوطني المبكر لديه وكان على دراية لخطورة الاستعمار ونزوعه التدميري، جعل السلطان المستنير أكثر قرباً من “رابطة أبناء الجنوب”، في إرهاصات التكوين الأول، لأن الحزب كما قال في تصريحه لأحد الصحف المحلية:

“كان في وقتها المنظمة السياسية الوحيدة التي كانت تنادي بالاتحاد والوحدة العربية، والوثائق التي حُفظت كلها تثبت ذلك. لهذا نشأ عند البعض وهْم أنني كنت أسير الرابطة، وغذَّت بريطانيا هذا الوهم وشجعت على نشره وترويجه، علمًا بأنني لم أشترك كعضو في الرابطة إلاّ بعد النفي وأنا في القاهرة, وذلك في سنة 1959، وبعد أن رأينا إقامة قيادة في المنفى للرابطة، وبعد تأسيس مكتب الرابطة في القاهرة.”[6]

 وقد عملت الرابطة على توعية الرأي العام بقضية الجنوب، بينما قدم السلطان القاعدة الشعبية والموارد اللازمة لدعم هذه الحركة، ومع ذلك، واجه هذا التعاون بعض التحديات، مثل الاختلافات في الرؤى حول شكل الدولة الجنوبية المستقلة، فضلاً عن الضغوط التي تعرض لها الطرفان من قبل الاستعمار البريطاني.

وسرد جملة من الاحداث والحقائق التاريخية بقوله:” بعد اجتماع حاكم عدن (هيكنبوثم) مع حكام المحمية الغربية في 7 يناير/ كانون الأول 1954، الذي عرض فيه مشروع الاتحاد، طلب من السلطان وبقية الحكام رأيهم في المشروع، حتى الأول من أبريل/ نيسان من ذات العام، والذي سيصادف زيارة الملكة اليزابيث، زار تريفا سكس السلطان علي عبدالكريم في 8 يناير لسبر غوره في ما يتعلق بالاتحاد، فتأكد من شكوكه [التي كانت تقول إن السلطان رافض للمشروع] عندما أجابه بغضب وانفعال: [7]“لقد كانت أشبه بشروط الاستسلام المفروضة على العدو المهزوم، هل تعتقدون بأننا نرغب في أن نظل مستعمرة لكم؟”

ورغم هذه التحديات، فإن هذا التعاون ساهم بشكل كبير في تعزيز المقاومة الوطنية وتقويض أركان الاستعمار، ووضع الجنوب على طريق الاستقلال.”

وكان لجهوده ومساعيه وعملة المتواصل اثر كبير في احداث نقلة نوعية في المسارين السياسي والاقتصادي والتعليمي وتأثر بشكل مباشر بتجربة الزعيم عبدالناصر طيب الله ثراه في مصر رغم المشاكل والخلافات والاضطرابات التي حصلت في عهده مع السلطات البريطانية وذلك نتيجة للانفتاح الكبير والتقارب مع الشخصيات الوطنية ومنها دعم حزب رابطة ابناء الجنوب وتقريب زعمائها حوله ومنها مؤسس حزب رابطة ابناء الجنوب العربي وزعيمها الازهري السيد محمد علي الجفري والذي كان مستشارة الخاص ورئيس المجلس التشريعي في السلطنة والسيد عبدالله علي الجفري والذي عينه مديرا للمعارف في سلطنته وكذا الشخصية الوطنية  شيخان الحبشي و بأفقية وآخرين، وكما قام بتقريب عدد من الشخصيات الوطنية ومن أبرزهم الاستاذ والشخصية الوطنية الأديب الشاعر عبدالله هادي سبيت والذي عينة سكرتيرا خاصا له.

قام السلطان الثائر علي عبد الكريم رحمة الله عليه بعدد من الانجازات والتي جعلت سلطنة لحج في مصاف السلطنات المتقدمة وجعل الآخرين من قيادة بعض الدول العربية يتعامل مع سلطنة لحج كدولة ومن أبرز تلك الانجازات التي قام بها السلطان الثائر علي عبد الكريم سعيه لإلغاء المعاهدات والاتفاقيات مع بريطانيا في حالة حصوله على دعم ومساعدة وتأييد من قبل سلاطين ومشائخ وقبائل الجنوب أن يعلن لحج جزء من الدول العربية على أن تتبعه بقية السلطنات إلا ان مشروعه هذا لم يكتب له النجاح.

ويما يتعلق بهذه المرحلة نترك الحديث للسلطان الثائر الذي أوجز بعض الاحداث السياسية لهذه المرحلة في مقابلة أجرتها معه صحيفة عدن الغد قائلا:

“أما عن المشروع السياسي والوطني الذي كنت احمله فباختصار استهواني رأي رابطة أبناء الجنوب لأنه كان يحمل فكرة وحدوية ولأنه كان في وقتها المنظمة السياسية الوحيدة والتي كانت تنادي بالاتحاد والوحدة العربية والوثائق التي حفظت كلها تثبت ذلك لهذا نشأ عند البعض وهم أنني كنت أسير الرابطة وغذت بريطانيا هذا الوهم وشجعت على نشرة وترويجه علماً بأنني لم اشترك كعضو في الرابطة إلاّ بعد النفي وأنا في القاهرة وذلك في سنة 1959م وبعد أن رأينا إقامة قيادة في المنفى للرابطة وبعد تأسيس مكتب الرابطة في القاهرة ولست هنا بسبيل شرح مبادئ الرابطة ولكن لأقول أن الاتهام كان سهلاً وأن النقاش المخلص لمعرفة الحقائق وإثباتها كان دائماً مرتبطاً بهوى المتهمين ولم ينج حزب عربي واحد من الاتهامات حتى أصبح معرفة الحقيقة كالدخول في متاهات لانهاية لها وكما نرى الأحوال العربية لآن .. وهذا لا يعني أنني أنا خارج الرابطة لم أقدم أي خدمة لها بل ساعدتها كثيراً في حركة الإصلاح في لحج وعلى رأسهم الأخ المرحوم السيد محمد على الجفري الذي كان له مجهوداً بارزاً في خدمة لحج وشعبها فهو كاتب الدستور وصاحبه ومؤسس نظام المحاكم في لحج والمعين في تكييف الفكر السياسي فيها رحمه الله ورضي عنه وأرضاه وأما عن موضوع نفيي من لحج فإنها قصة طويلة وأحيل القاري على كتاب علاقة سلطنة لحج ببريطانيا للدكتورة دلال الحربي التي كان لها الفضل في تحري الحقائق عن هذا الموضوع والبحث المستفيض في استخلاص الوثائق مما كتب عن هذه القضية في الكتب الأجنبية والوثائق الحكومية البريطانية وغيرها ولكن ما أريد أن أضيفه هنا أنني كنت اتوقع أن يقوم الاستعمار بهذا الإجراء ضدي واستعديت له وأنا مؤمن بأداء الرسالة وقد سبق أن أشعرت الكثيرين بالاستعداد لهذا الأمر واتخذنا الترتيبات الممكنة للتعامل مع هذه الحالة عند حدوثها بما نستطيع فأن كل حركة وطنية صادقة قد لاقت مثل هذه الإجراءات من المستعمرين ولم نكن نستطيع أن نعمل أكثر مما عملنا وكان همنا الأول هو إيقاظ الشعب وتهيئته ليقوم بواجبة نحو وطنه وقد كان ولا يستطيع إلاّ مكابر أن ينكر هذه الحقيقة فقد تفجرت الحركات الوطنية في الجنوب بعد ذلك وتنادت حتى جاء الاستقلال ولا أريد أن أتفاخر بسرد المواقف التي وقفتها في تأييد الحركة الوطنية ولا ما جرى بينهما وبين الانجليز في السرد ولكن أريد أن أشير هنا إلى أن حزب الرابطة قد استطاع أن يكوّن مجموعة حتى في داخل الإدارة البريطانية واستطاعت أن تعرف ما كان من يخطط له الانجليز نحو لحج ونحو الرابطة ونشعر بأنه قبل حدوثه ولا أنسى هناء دور الأخ ربيع راجح رحمه الله الذي جاءنا ليخبرنا مما خطط له الحاكم البريطاني وتاريخ التحركات وكذلك المرحوم على محمد بن مجور العولقي الذي نبهنا قبل ثلاث أيام بما يخطط ضدنا ولا أنسى الضباط الذين اتصلوا بالسيد رئيس الرابطة قبل الهجوم على لحج بأربعة وعشرين ساعة ولم اعرف منهم حتى كتابة هذا السطور إلاّ مما قاله حاكم عدن السابق كيندي تريفان سكيز بعد ذلك بأعوام كثيرة حين تصادف أن قابلته في بريطانيا سنة 1970م بما رجح عندهم من إن الضابط فضل عبد الله بن فريد هو الذي ابلغنا بما ينوي البريطانيون عمله قبل اربعة وعشرين ساعة هذا موجز مختصر لما أتذكره حول سؤال السائل.

لم أتطرق في حديثي إلى التفاصيل وهي كثيرة تحتاج إلى كتاب كامل فأنا لم اطرق موضوع اتصالنا بمصر ولا اتصالي بالرئيس جمال عبد الناصر في منى سنة 1954م اثناء الحج ولا قصة الاتحاد الذي أراده الانجليز ورفضي لها والعمل على إفشاله ولا عن نفي السيد محمد علي الجفري من قبل الانجليز وعودته إلى لحج رغم الانجليز وعودته إلى عملة كمستشار قضائي للسلطان ثم تجمعات دار سعد تأييداً لثورة الجزائر والمؤامرات التي حاكها الانجليز لإفشالها ولا عدد من الأمور لم نخضع لرأي الاستعمار في تنفيذها كل ذلك حصل في مدة لا تتجاوز الست سنوات حتى ضاق بنا الاستعمار ونفذ صبره ونفذّنا من قبلنا أنا والمخلصين ما كنا نصبو إليه من تحرك شعب الجنوب حتى تفجرت الثورة بما فيها من خلافات وحرب أهلية لكن المهم وهو خروج الاستعمار واستقلال البلاد قد تم وانتصر شعبنا) .[8])

وفي تصريح أدّلى به السيد عبدالرحمن علي بن محمد الجفري رئيس حزب رابطة الجنوب العربي الحر (الرابطة) رئيس الهيئة الوطنية الجنوبية المؤقتة للتحرير والاستقلال (الهيئة) يقول ” لقد كان هذا الرمز العظيم( السلطان علي عبد الكريم العبدلي رحمة الله عليه من الرواد الأوائل للحركة الوطنية الجنوبية وكان داعماً للنضال ضد المستعمر وجعل من سلطنة لحج المأوى والملاذ للمناضلين والرموز السياسية مما أدى إلى قيام المستعمر بحملة عسكرية على لحج في 18 أبريل عام 1958م للقبض على مؤسس الحركة الوطنية للجنوب العربي الفقيد محمد علي الجفري رئيس المجلس التشريعي.

وعبدالله علي الجفري مدير المعارف والصحة الذي اعتقلوه ونقلوه إلى عدن ومنها إلى سقطرة في سفينة عسكرية وعلوي علي الجفري رحمهم الله.

يقول الكاتب والباحث فواد باخرابة إن” السلطان الثائر رحمة الله عليه علي عبد الكريم كان الوحيد من بين السلاطين الذي عارض سياسة بريطانيا في عدن ومحمياتها ومد يد العون لأول حزب قومي نشأ في عدن ولحج وهو حزب رابطة الجنوب العربي وخلال فترة حكمة ازدهرت لحج في مجال التعليم والزراعة والحياة المعيشية والثقافية بصورة عامة.

فيما يسرد الكاتب والباحث في التاريخ اللحجي محسن كرد تفاصيل مهمة عن حياة السلطان الثائر علي عبد الكريم العبدلي رحمة الله علية  ” قامة وطنية كبيرة ومن رواد العمل الوطني ومن المؤسسين الأوائل والداعمين لرابطة أبناء الجنوب العربي سار على خطى أبيه السلطان عبدالكريم فضل رحمة الله عليه في تطوير سلطنة لحج وإحداث النهضة التنموية في مختلف المجالات ومن السياسيين البارزين تميز بالذكاء والدهاء والحنكة السياسية رفض وبقوة المشاريع الاستعمارية ورفض كافة الإغراءات وتمسك بمبادئه الوطنية فنفى وشُرد وابعد بالقوة عن وطنه وسلطنته العبدلية لحج.

ذكر الأستاذ سبيت، طيب الله ثراه، أن السلطان علي عبدالكريم كان شخصية ذواقة للفن والثقافة، إذ اهتم بتوجيه الفنانين والأدباء، وأبدى ملاحظاته الدقيقة حول القصائد الشعرية والألحان والأداء. وكان حضوره في الجلسات الفنية ضمن الندوات الموسيقية في لحج دليلاً على شغفه العميق بالفنون.

وفي مقابلة أجراها سبيت، كشف أن السلطان علي عبد الكريم هو من أضاف التصفيق كعنصر إيقاعي إلى لحن أغنية “سألت العين”، وهي لمسة تحسب له وأسهمت في شهرة الأغنية وانتشارها الواسع. وعلى الرغم من كل ما قدمه السلطان من أجل وطنه، فقد عاش في المنفى، صابراً على ما لحق به من الظلم، إلا أنه بقي مخلداً في قلوب أبناء الجنوب، رمزاً للنضال والشموخ، ومثالاً للقائد الصلب الذي لم تتزعزع مبادئه.

وتصرح السيدة مريم بنت صالح المهدي العبدلي عن السلطان الثائر بقولها ” لتقديم احتجاجاته واعتراضاته على ما قامت به القوات البريطانية من اجتياح لعاصمة السلطنة العبدلية لحج، ولم يُستجب له ولمساعيه التي استمرت ما يقارب الشهرين، وحينما قرر العودة إلى سلطنته لحج، وعند وصوله إلى ميلانو الإيطالية، أبلغه نائب القنصل البريطاني بأن حكومة بريطانيا قررت خلعه وسحب الاعتراف به كسلطان لسلطنة لحج، ومنعه من العودة.

 وبررت السلطات البريطانية عزل السلطان علي عبد الكريم بالأسباب التالية: عدم تعاونه مع حكومة عدن، لم يلتزم بالمعاهدات المبرمة مع الحكومة البريطانية، حيث عمد إلى إقامة علاقات سياسية مع جهات أجنبية (مصر، اليمن)، ومعارضته المستمرة للمشاريع البريطانية ومنها مشروع الاتحاد الفيدرالي، والأهم رفضه الاستجابة لمطالبات حكومة عدن في إبعاد قادة ورموز الحركة الوطنية من زعماء الرابطة والذين استقروا في لحج ووفر لهم السلطان الدعم والمساندة لأنشطتهم”([9])

” لقد خدم كل أبناء الجنوب ودافع عن قضاياهم وظل متمسكاً بمبادئه الوطنية وعمل على تطوير سلطنته من كافة النواحي ودعم القوي الوطنية ووقف إلى جانبها حتى تم اجباره إلى الرحيل منفيا من وطنه إلا أنه. ظل وفيا لشعبة حتى أخر رمق من حياته. ([10])

مؤامرة الاحتلال

لن يرضى عنك المستعمر إلا إذا كنت خادماً طيّعاً لمصالحه، أما إذا عملت لصالح شعبك وأهلك فأنك في نظره قد تجاوزت حدودك ولن يكون مصيرك سوى إبعادك عن الحكم.. هكذا كان الحال مع السلطان الثائر علي عبدالكريم الذي أعطت أفكاره الإصلاحية والتحررية ونجاحاته في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية ثمارها خلال سنوات تسلمه سدّة السلطنة العبدلية فأزعج بذلك المستعمر البريطاني فكان عقابه الإطاحة به من رأس السلطنة حتى لا يكمل مشروعه النهضوي الذي تجاوز به الخطوط الحمراء التي رسمها المستعمر ورأى في كل ما أقدم عليه السلطان الهُمام خطراً محدقاً على سياساته وقد تمتد عدواه إلى بقية السلطنات والمشيخات في الجنوب العربي فيفلت الزمام من يد الاستعمار..

ضاق الانجليز ذَرْعاً وعجزوا عن احتمال تحدياته هذا السلطان المِقدَام الذي عمل بكل ما في وسعه لتقدم وتطور بلده واهتم بدرجة رئيسية بالتعليم كأساس للتطور واستجلب لذلك المدرسين العرب من مصر وغيرها واهتم بإنشاء إدارة حكومية منظمة وقيام مجلس تشريعي هو الأول على مستوى المحميات وإصدار تشريعات ودستور وغير ذلك من الإجراءات التي أثارت قلق الانجليز وأقضَّت مضاجعهم فاتبعوا خطة لمعاقبة السلطان حيث أصدر الوالي البريطاني في ابريل 1958م أمراً بالقبض على السيد محمد علي الجفري بحجة حركاته التحررية الداعية لطرده الانجليز من عدن وبقية مناطق المحميات، لكنه أفلت من الاعتقال، وترافق ذلك مع اشتداد الصراع بين الأمير محمد بن عيدروس الذي كان نائبا لوالده في السلطنة العفيفية في يافع وحاكما لمنطقة أبين الزراعية حيث اعترض على تدخل الانجليز في الإدارة واستئثارهم بالسلطة والحاقهم الحيف والضرر بحقوق المزارعين، ولمواقفه الجريئة تلك ونوازعه التحررية تم عزله وعينوا خلفا له شقيقه الطفل القاصر، رغم اعتراض والده السلطان، بل وقصفوا “القارة” التي لجأ إليها الأمير الثائر بالطيران الحربي.

لقد كان السلطان علي عبد الكريم صاحب مشروع نهضوي واضح وجلي خلال سنوات حكمه وهو ما أثار عليه غضب وغيظ الانجليز وعدم رضاهم عنه فلجأوا إلى إزاحته لخطورة أبعاد مشروعه الوطني الذي يتجاوز حدود سلطنته اللحجية، وكذا كواحد من رموز نضالنا الوطني الذين أيقظوا الوعي الوطني التحرري مبكراً ومهَّدوا للثورة ضد الاستعمار، ومثله أيضاً السلطان الثائر محمد بن عيدروس العفيفي، ولا شك أن الجامع بينهما هو تأثرهما بالفكر العربي التحرري الذي جاءت به رياح الثورة المصرية، وهو ما انعكس في مواقفهما الوطنية التي لم تكن محل رضا المستعمر البريطاني فأبعدهما عن سلطتهما بنفس الأسلوب تقريباً.

ولم يطل صبر السلطات البريطانية أكثر وفي 18 إبريل 1958م أقدمت قواتها على احتلال “الحوطة” عاصمة السلطنة العبدلية بنحو أربعة آلاف جندي تساندهم الدبابات والمصفحات وسلاح الطيران دون علم السلطان الذي احتج على ذلك الاعتداء الغاشم على بلاده والذي يتعارض مع المعاهدة الموقعة بينهما وقوبل برفض شعبي رافقه إضرابات ومظاهرات.

غادر السلطان علي عبدالكريم لحج الى بريطانيا في مطلع يوليو 1958م ترافقه زوجته ليعرض زوجته المريضة على اطباء وليقدم احتجاجاً الى السلطات البريطانية لتقديم اعتراضاته لدى كبار المسئولين البريطانيين ضد تدخل سلطات عدن بشئونه الداخلية والمطالبة بسحب قوات الاحتلال من لحج وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه سابقًا.

وكذلك اعتراضه على الاجراءات التعسفية التي طالت السادة ال الجفري الا ان السيد عمر بن عبدالعزيز شهاب رحمة الله عليه قام بتسريب الخبر الى السلطان علي بان امر سوء سيطاله فغادر سراً الى ميلانو في ايطاليا وفي 10/يوليو/1958 قام مارتن جيل نائب القنصل البريطاني في ميلانو بإبلاغه بقرار الحكومة البريطانية بعزله عن السلطنة  لكن يبدو أن القرار قد اتخذ بعزله وسحب الاعتراف به وتعيين بديل عنه، بل وتم منعه من العودة إلى بلاده، وقام الشعب في لحج بالتعبير عن رفضه لهذا الانقلاب الفاضح بإعلان المقاطعة الإيجابية لسلطات الاحتلال البريطاني من خلال المظاهرات والإضرابات والمطالبة بعودة السلطان الشرعي وجلاء القوات البريطانية عن سلطنة لحج.

استمرار المقاومة من المنفى

وجد السلطان الثائر والمجاهد الشاب نفسه بعيداً عن بلاده التي أخلص لها وعن شعبه الذي أحبه وذلك ثمناً لمواقفه الوطنية ونزوعه العربي التحرري ومعارضته للمشاريع البريطانية واحتضانه لقادة الحركة الوطنية من زعماء الرابطة وغيرهم ممن استقروا في لحج.

واستطاع الآخرون الإفلات وذلك بتعاون الضباط الجنوبيين العرب الذين أشعروا الرموز الوطنية بالحملة في نفس الوقت الذي كان السلطان علي عبدالكريم في موعد لقاء مع حاكم عدن وبعد خروجه من اللقاء علم بهذا الأمر وغادر إلى لندن مقدماً احتجاجاً لوزارة المستعمرات ثم إلى القاهرة للقاء الزعيم عبدالناصر.

وأثناء ذلك تم تنصيب سلطاناً جديداً هو المرحوم فضل بن علي. السلطان الثائر في المنفى مع باقي الرواد يقدمون قضية الجنوب العربي إلى كل المحافل الدولية والعربية والآسيوية – الافريقية وشاركوا في تأسيس الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية ونجحوا في عرض القضية على الأمم المتحدة واستصدروا قرارات الأمم المتحدة باستقلال الجنوب العربي في صيف 1963م.

السلطان الثائر بعد الاستقلال:

منذ ذلك الحين كُتب على السلطان علي بن عبدالكريم العيش بعيداً عن وطنه منفياً بين مصر والسعودية وظل قريبا من هموم وطنه حتى آخر يوم في حياته. ولعل من الواجب الحديث عنه بعد رحيله بإنصاف وذلك أقل واجب إزاء هامة وطنية بحجمه، خاصة وأنه قد أحاق به الظلم مرتين.. مرة من الانجليز الذين عزلوه ونفوه لمواقفه الوطنية وأفكاره التحررية، ومرة أخرى من قبل قيادات سلطات ما بعد الاستقلال ممن جعلوا الوطنية حكرا لهم وأصبغوا على السلاطين والأمراء والمشايخ، بما في ذلك من عارضوا السياسية الاستعمارية بالعملاء، رغم مواقفهم المشهودة ووقوف بريطانيا ضدهم كالسلطان علي بن عبدالكريم الذي كان مصيره النفي والابعاد، رحم الله فقيدنا السلطان علي بن عبدالكريم العبدلي.. الذي حفر اسمه في ذاكرة التاريخ وفي قلوب الناس الذين أحبوه في حياته ويفخرون به بعد مماته وأمثاله لا يمكن نسيانه .

رغم ذلك ظل الحلم يراوده في تنفيذ ما كان يسعى ان يقدمه لشعبه فقد صرح بقوله: لكن احتل الانجليز البلاد قبل أن يتم هذا العمل ولا أعرف بعد أن غادرت البلاد كيف سارت الخطة ولكن وقبل أن أغادر البلاد جاءني الخبير الأيرلندي ليخبرني بأن القوات البريطانية أخرجته من سكنه ومكتبه في لحج وأنه قد احتج على هذا العمل وأخبر أن هذا مقر المستشار البريطاني في لحج وهكذا لم ينسَ المعتمد البريطاني مسألة تعيين مندوبين الأمم المتحدة دون علمه وأراد أن يعاقبنا على ذلك فصب جام حقده على موظف الأمم المتحدة.. وكان بودي أن أسمع أن دولة الاستقلال قد أتمت هذا العمل الذي كنا قد مهدنا له وخططنا حتى تفاصيله لكن كما يظهر قد كان لحكومة الاستقلال رأي آخر في هذا المشروع رغم أن الاستاذ قحطان الشعبي كان أحد المخططين للمشروع ومديراً لزراعة لحج والمختص والمشرف على المشروع هذه قضية الصراع مع إدارة المعتمد البريطاني حول قضية الاتصال بهيئة الأغذية والزراعة و الطرق المختلفة التي كنا نتبعها لإصلاح بلادنا كما نراه صالحاً لها وتجنب التدخل الإنجليزي بقدر المستطاع .

السلطان الثائر في تسعينات القرن الماضي

في التسعينات من القرن الماضي، وتحديداً في 6 أكتوبر عام 1996، عاد السلطان علي عبدالكريم من منفاه إلى وطنه في زيارة لمسقط رأسه في لحج. استقبله أبناء لحج استقبالاً كبيراً يليق بمكانته، فرحين بعودته. ورغم نفيه الإجباري عن وطنه، إلا أن لحج بقيت حاضرة في خلجاته وتفكيره وحبه. اعتبره أبناء لحج أباً لهم جميعاً، على الرغم من سنوات الغربة والإهمال والجحود والنكران من الحكومات المتعاقبة في الجنوب لأدواره النضالية. بقي السلطان الثائر متسامحاً، صابراً، وداعياً إلى الألفة والتلاحم والبناء.

ولحبه لوطنه، تبرع السلطان علي عبدالكريم بجزء كبير من أملاكه لصالح العلم والمعرفة. فقد قدم قصر الروضة ليكون مقرًا لإدارة عمادة كلية ناصر للعلوم الزراعية، كما تبرع بمزرعة تقدر مساحتها بحوالي 70 فدانًا ليستخدمها طلاب الكلية في إجراء تجاربهم الزراعية. كذلك خصص جزءًا من قصره في الرزميت (قصر الشكر) في عدن لاستخدامه من قبل جامعة عدن. وتماشياً مع حسه الاجتماعي، تساهل مع المستأجرين لأراضيه الزراعية ومحلاته التجارية ولم يفرض عليهم أي زيادات في الإيجارات لتخفيف الأعباء عنهم.

دخل السلطان علي عبدالكريم موسوعة جينيس بصفة الرجل الاستثناء ذلك انه قد اصبح المالك الشرعي لقصر الروضة والارض المرفقة بها في الحوطة وقصر الشكر التاريخي في منطقة صيرة ومع ذلك اوصى بذلك بان لا مانع من استمرار توظيف قصر الروضة والارض المرفقة بها من جانب كلية الزراعة واستمرار انتفاع عدة جهات ثقافية بقصر الشكر وفي حالة خروجها من الغرض الموقوف من أجله في العقارين المذكورين يعود العقاران إلى ورثته ويلاحظ أن لا ثوريا ولا اشتراكيا ولا قوميا ولا وحدوياً ولا سلفياً ولا علمانياً سلك هذا السلوك.

توفاه الله في 20نوفمبر 2017م في منفاه الاختياري في المملكة العربية السعودية،

المصادر:

  1. علاقة سلطنة لحج ببريطانيا١٩١٨م–١٩٥٩م..
  2. الامارات اليمنية الجنوبية.١٩٣٧م–١٩٤٧م..
  3. السلطان الثائر كتاب خاص عن أربعينية فقيد الوطن الكبير السلطان علي عبد الكريم فضل العبدلي
  4. كتاب علاقة سلطنة لحج ببريطانيا١٩١٨م–١٩٥٩م.. الطبعة الاولي ١٩٩٧م الرياض للدكتورة دلال بنت مخلد الحربي.. أستاذ مساعد قسم التاريخ والحضارة.. كلية التربية للبنات الرياض..
  5. كتاب الامارات اليمنية الجنوبية.١٩٣٧م–١٩٤٧م.. للكاتب نجيب سعيد ابو عز الدين الطبعة الاولي ١٩٨٩م..بيروت..
  6.   لحج في رحاب التاريخ.. تاريخ وحضارة الجنوب العربيhttps://www.adnlng.info/posts/64229
  7. https://aden-alhadath.info/posts/

[1] (عدن الغد- 30 نوفمبر 2013 . https://aden-alhadath.info/posts/25155

[2] كتاب علاقة سلطنة لحج ببريطانيا١٩١٨م–١٩٥٩م..الطبعة الاولي ١٩٩٧م الرياض للدكتورة دلال بنت مخلد الحربي.. أستاذ مساعد قسم التاريخ والحضارة.. كلية التربية للبنات الرياض..

[3] لحج في رحاب التاريخ.. تاريخ وحضارة الجنوب العربيhttps://www.adnlng.info/posts/64229

[4] قصر الشكر الذي بناه السلطان عبد الكريم فضل بن علي محسن العبدلي عام 1912م واستمر بناءه لما يقارب ست سنوات حتى عام 1918م، وكانت تقام فيه اللقاءات التي كان يعقدها السلطان عبد الكريم فضل ومن بعده ابنه السلطان علي عبدالكريم مع سلاطين وأمراء مشايخ الجنوب. ومع مشايخ واعيان وقبائل لحج وغيرهم. وكما زاره الفنان الكبير فريد الاطرش وسكن فيه وشهد زواج السلطان الثائر علي عبدالكريم العبدلي وفيه استقبل السلطان عبدالكريم الكثير عدد من الشخصيات الهامه منها السياسية والأدبية والاجتماعية العربية والأجنبية وكان مزارًا لكل من قصده من مدن ومناطق الجنوب واليمن وبقيه الأقطار العربية والأجنبية.

[5] لحج في رحاب التاريخ.. تاريخ وحضارة الجنوب العربيhttps://www.adnlng.info/posts/64229 

[6] السلطان الثائر علي عبد الكريم العبدلي : اثبتنا اننا اقدر على ادارة امور بلادنا من المستعمر البريطاني http://adenalghad.net/news/87795/#ixzz2r6XzgKQ

[7] كتاب علاقة سلطنة لحج ببريطانيا١٩١٨م–١٩٥٩م..الطبعة الاولي ١٩٩٧م الرياض للدكتورة دلال بنت مخلد الحربي.. أستاذ مساعد قسم التاريخ والحضارة.. كلية التربية للبنات الرياض..ص460.

[8] السلطان الثائر علي عبد الكريم العبدلي : اثبتنا اننا اقدر على ادارة امور بلادنا من المستعمر البريطاني http://adenalghad.net/news/87795/#ixzz2r6XzgKQ

[9] الأمناء نت 23 نوفمبر 2017.

[10] الأمناء نت 23 نوفمبر 2017.

فريق التحرير

يتألف فريق تحرير مجلة "بريم" من مجموعة من الخبراء والباحثين والصحفيين المتمرسين الذين يلتزمون بتقديم محتوى متميز ومتنوع يغطي القضايا المناخية، التنموية، والاجتماعية في اليمن والمنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى