أدبية وثقافية

كتاب (تاريخ السودان) لنعوم شقير (بيروت 1981).. من وثائق المهدية إلى سرديات الفتح المصري

استعرضت مجلة “بريم” الصادرة عن مؤسسة “اليوم الثامن للإعلام والدراسات” في عددها الخامس عشر، كتاب تاريخ السودان للمؤرخ نعوم شقير، بتحقيق وتقديم الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم، والصادر عن دار الجيل – بيروت، في طبعته الجديدة لعام 1981م.

وقد أعيد نشر الكتاب بعد حذف جزأين منه:

 الجزء الأول المتعلق بجغرافيا السودان، إذ اعتُبر متضمنًا معلومات عامة كتبت لفائدة السائحين آنذاك، وقد انتفت الحاجة إليها في الحاضر نظرًا لتوافر معارف أوسع وأكثر دقة.

 وجزء من القسم الثالث الذي تناول بدايات العهد الثنائي، حيث احتوى في معظمه على تعيينات وزيارات وخطب بعض القادة في سنوات الحكم الأولى، وهو ما رأى المحقق أنه لا يحمل قيمة معرفية أو تحليلية حقيقية.

ويشير المحقق في المقدمة إلى أن هذه التعديلات تكشف عن كون الكتاب قد نُشر في الأصل على أجزاء، مما استلزم تغييرًا في منهجيته عند إعادة إصداره.

جاءت هذه الطبعة في (1028) صفحة، وضمّت تسعة أبواب موزعة على تسعة وخمسين فصلًا، تناولت مختلف مراحل التاريخ السوداني، من العصور القديمة حتى نهاية الدولة المهدية واستعادة السيطرة المصرية – البريطانية على السودان.

الباب الأول

في تاريخ إيثيوبيا

منذ عهد الدولة المصرية السادسة سنة 3703 ق.م إلى دخول النصرانية

لبلاد النوبة سنة 545م”.

وقُسِم هذا الباب على أربعة فصول، تناول الفصل الأول تاريخ إثيوبيا قبل انتظام ملكها، منذ الدولة المصرية السادسة حتى الثامنة عشرة (3703–1600 ق.م). وفيه امتدت حدودها من أسوان حتى أعماق الحبشة، وعرفت باسم “كوش” في النصوص القديمة، وكان سكانها من السود، واختلفت الآراء حول أصلهم، وعُرِفت القبائل الإثيوبية بتفرقها وحروبها، وكان للمصريين علاقات تجارية وعسكرية معها، حيث قام عدد من ملوك مصر بحملات وغزوات موثقة ضدها.

ويتناول الفصل الثاني نشوء مملكة نبتة في إيثيوبيا وتطورها تحت تأثير الحضارة المصرية منذ الدولة الثامنة عشرة سنة 1600 ق.م إلى نهاية الدولة الخامسة والعشرين من الدول المصرية سنة 664 ق.م”، ويصف العلاقات المتبادلة بين مصر وإثيوبيا، بدءًا من التعاون إلى فترات الغزو والسيطرة المتبادلة، يبرز دور ملوك مصر كتحوتمس الثالث ورمسيس الثاني في غزو النوبة، وبالمقابل صعود مملكة نبتة بقيادة بعنخي الذي غزا مصر ووحّدها تحت حكمه، ويسرد الفصل وقائع حملة بعنخي العسكرية، واستسلام الأمراء المصريين، ودوره في إعادة تنظيم السلطة، مما يشير إلى بداية الدولة المصرية الخامسة والعشرين ذات الأصول النوبية.

وجعل الفصل الثالث في تاريخ مملكة مروى، “وهو تاريخ إيثيوبيا منذ بدء الدولة المصرية السادسة والعشرين سنة 644 ق. م إلى دخول الديانة المسيحية لبلاد النوبة سنة 540م” وفيه شهدت مملكة مروى نهضة بعد سقوط نبتة، وامتدت من الشلال الأول إلى أعالي النيل الأزرق. اشتهرت بعلاقاتها المتوترة مع الفراعنة والفرس، وواجهت حملات كمبيز الفاشلة، وفي عهد اليونان، توسعت سلطة البطالسة جنوبًا، وبرز ملوك كأرجمينس الذي حدّ من سلطة الكهنة. أما في عهد الرومان، فقد تصدت كنداكة للرومان لكنها هُزِمت، ثم دخلت النصرانية إلى المنطقة تدريجيًا، واندثرت الوثنية بحلول القرن السادس، واستمرت ممالك مثل أكسوم وسوبه، ودخلت النوبة في المسيحية قبيل الفتح الإسلامي لمصر سنة 640م.

وأفرد الفصل الرابع لتناول آثار إیثيوبيا ولغاتها وديانتها وتمدنها وحكومتها وشرائعها وأخلاق أهلها وعاداتهم.

الباب الثاني

في تاريخ النوبة في عهد النصرانية

وقُسِمَ هذا الباب على فصلين، ابتدأهما بتمهيد جغرافي ذكر فيه بأنه في العهد المسيحي، قامت في إثيوبيا النوبية مملكتان قويتان: مملكة المقرة (النوبة السفلى) وعاصمتها دنقلة، ومملكة علوة (النوبة العليا) وعاصمتها سوبة، وكانتا نصرانيتين على المذهب اليعقوبي، وسكن النوبة ضفاف النيل بينما عاش البجة في الصحراء الشرقية وبقوا على الوثنية، تميزت علوة بالثراء وكثرة الجيش، وانتشرت فيها حكايات غريبة عن الزراعة بمساعدة الجن، وكان السكان يعبدون الكواكب أو قوى الطبيعة، رغم اعتراف بعضهم بإله واحد.

وخصص الفصل الأول من هذا الباب في تاريخ النوبة السفلى، منذ دخول النصرانية إليها سنة 545م إلى انقراضها منها سنة 1318م. وأورد فيه بأنه في سنة 545 ميلادية، أرسل بطريرك الإسكندرية مبشّرين إلى بلاد النوبة لنشر الديانة المسيحية، وهؤلاء المرسلون نجحوا في إدخال النصرانية إلى هناك، وبدأ الناس يعتنقونها بشكل تدريجي، وتمكّنت المسيحية من الانتشار في النوبة، لاسيما في الجزء المعروف بـ”النوبة السفلى”، وأصبح لها تأثير كبير على حياة الناس، وثقافتهم، وحكمهم، وصار هناك تواصل ديني وثقافي مستمر بين النوبة ومصر، لاسيما مع الكنيسة القبطية في الإسكندرية، وكان تبنّي النوبة للمسيحية حدثًا مهمًا؛ لأنها صارت جزءًا من العالم المسيحي الذي كان له نفوذ كبير آنذاك.

وجعل الفصل الثاني في تاريخ النوبة العليا(مملكة علوة أو مملكة العنج) منذ دخول النصرانية إليها في القرن السادس للمسيح إلى انقراضها منها وخراب سوبة سنة 910هـ/ 1505م على يد الفونج، وبيَّن بأن المسيحية امتدت إليها من النوبة السفلى، لكن لم تُسجل عنها تفاصيل كثيرة، وبعد الفتح الإسلامي لمصر، بدأ العرب، خاصة من جهينة وبني العباس، بالهجرة إلى النوبة، وتزايد عددهم بعد فتح النوبة السفلى حتى غلب العنصر العربي على السكان مع بقاء حكم العنج، وفي القرن السادس عشر، تحالف العرب مع الفونج وأسقطوا مملكة العنج وخرّبوا سوبة بالكامل، ثم أسسوا مملكة الفونج في سنار، ومشيخة عربية في قري، وأدَّى هذا الغزو إلى اندثار النوبة العليا ولغتها، واعتناق من تبقى من أهلها الإسلام واستخدامهم اللغة العربية، رغم بقائهم مميزين عن العرب في الملامح والعادات، ولم تبقَ من النصرانية سوى آثار بعض الكنائس والأديرة، وبعض النقوش القبطية واليونانية، مما يدل على وجود المسيحية القوي سابقًا، التي كانت على مذهب اليعاقبة، وكانت لغات الكنائس القبطية واليونانية.

الباب الثالث

في تاريخ البجة في صدر الإسلام

يُقسَم هذا الباب إلى فصلين، ويبدأه بتمهيد جغرافي يبين فيه أن البجة قوم يسكنون الصحراء الشرقية بين النيل والبحر الأحمر، عرفوا بقوة بأسهم وبدائيتهم، وكانوا يعبدون الأصنام قبل الإسلام، يعيشون حياة بدوية متنقلة ويعتمدون على الرعي وتربية المواشي، ويشتهرون بامتلاكهم لمناجم الذهب والزمرد، ويتميزون بثقافتهم الخاصة، ومن عاداتهم ختان الإناث، ووراثة النسب من جهة الأم، ويعتزون بالضيافة، ويستخدمون الحراب والأسلحة التقليدية في الحرب، وصناعة السلاح تقوم بها النساء.

الفصل الأول: في تاريخ البجة

ويظهر تاريخهم بأنهم قوم بدو بلا ملك موحد، تعايشوا مع المسلمين تارة وهاجموهم تارة أخرى، وأول من هادنهم عبيدالله بن الحبحاب، ثم عقد معهم عبدالله بن الجهم صلحًا مفصلًا في عهد المأمون، لكنهم نقضوه مرارًا، وأرسل المتوكل حملة بقيادة القمي فهزمهم، وأمن ملكهم علي بابا مقابل دفع الخراج، وتزايد وجود العرب لاسيما ربيعة في أرض البجة، فاختلطوا بهم وتزاوجوا، مما خفف عدوانهم تدريجيًا وانتشر الإسلام فيهم، فأسلم بعضهم، خاصة الحدارب، بينما بقي آخرون على الوثنية، وتحوّل البجة لاحقًا إلى قبائل متعددة تدين بالإسلام وتتكلم لغتها الأصلية “البيجاوية”.

الفصل الثاني: في مدن البجة

ويذكر بأنه اشتهر للبجة في الإسلام مدينتان على ساحل البحر الأحمر، وهما عيذاب وسواكن، أما عيذاب فهي المكان المعروف الآن برأس رواية، وهي بليدة على شاطئ البحر يعدَّي منها الركب المصري المتوجه إلى الحجاز على طريق قوص في ليلة واحدة في أغلب الأوقات فيصل إلى جدة. أما سواكن فهي جزيرة، بقدر ضيعة صغيرة، أقل من ميل في ميل وبينها وبين البحر الحبشي بحر قصير يُخاض إليها من البر، وهي وما حولها للبجا، وأهلها طائفة من البجا تسمى الخاسة، وهم مسلمون ولهم بها ملك، وله ضرائب على التجار، وبين سواكن وعيذاب نحو سبع مراحل.

الباب الرابع

في تاريخ مملكة سنار

منذ خراب سوبة سنة 910هـ/ 1505م

إلى الفتح المصري لسنار سنة 1236هـ/ 1820م

قُسِم هذا الباب إلى أربعة فصول مسبوقة بتمهيد ويتبعها ملحق، على النحو الآتي:

تمهيد: ويذكر فيه أن مملكة سنار تأسست سنة 910هـ/1505م بعد خراب مملكة علوة النصرانية، ونشأت نتيجة تحالف بين الفونج والعرب، واختلف المؤرخون في أصل الفونج، وإن كان الأرجح أنهم خليط من عرب وسود، وامتدت المملكة جغرافيًا بين البحر الأحمر والنيل الأبيض، وخضعت العديد من المشيخات والممالك لحكم الفونج إما مباشرة أو بواسطة مشيخة العابدلاب.

الفصل الأول: في تاريخ ملوك الفونج في سنار

ويذكر بأن عمارة دنقس أسس مملكة الفونج، وتجنب صدامًا مع السلطان سليم بإثبات إسلام المملكة، وتعاقب على الحكم 27-28 ملكًا، وبلغ جيشهم 25 ألف مقاتل، واشتهرت سنار بالثروة والتجارة الدولية، عُرِفَ ملوكها بالكرم وجمع الزكاة، وكانت أختامهم من أكبر أختام الملوك في السودان.

الفصل الثاني: في مشيخة العابدلاب

أسسها عبدالله جماع في قرّي، وتوارثها أبناؤه حتى عزل ناصر ود عجيب عام 1821م، وكان للعابدلاب منزلة مرموقة عند الفونج، وكانوا يؤيدون تعيين الملوك والمشايخ، وعرفوا بالتوقير والاحترام، ولهم طقوس خاصة في تولية الزعماء تعرف بـ”الككر والطاقية”، ولم يكن الوراثة ثابتة بل بحسب رضى السلطان.

الفصل الثالث: في الممالك والمشيخات التي خضعت رأسًا لملوك الفونج

شملت ممالك كـ: خشم البحر، فازوغلي، الحمدة، بني عامر، الحلائقة. تميزت بتنوع إثني وديني وتداخل عربي وإفريقي، تولى بعضها ذرية الفونج وارتبطت بالحبشة تجاريًا، وحافظت على عاداتها المحلية رغم خضوعها لسلطة سنار.

الفصل الرابع: في الممالك والمشيخات التي خضعت للفونج بواسطة العابدلاب

شملت الشنابلة، والجموعية، والجعليين، والميرفاب، والرباطاب، والمناصير، والشايقية، وأخرى. وكان لكل مملكة نظامها وزعامتها الخاصة تحت إشراف العابدلاب، وعُرِفَت بعض هذه الممالك بالشجاعة والكرم مثل الشايقية والميرفاب، وخضعت هذه الممالك تدريجيًا للنفوذ المصري العثماني قبيل القرن 19.

ملحق: في تاريخ الكشاف الأتراك

ويذكر فيه دخول الأتراك النوبة سنة 1520م بقيادة حسن قوسي بطلب من بعض القبائل، وامتداد نفوذهم حتى الشلال الثالث، وتأسيسهم إدارة عسكرية في الدر وعرفوا بالكشاف الغز، واستوطن النوبة قبائل عربية مثل الجوابرة، الكنوز، الأشراف، وحدث تداخل بين العنصر العربي والنوبي.

الباب الخامس

في تاريخ مملكة الفور

منذ أول نشأتها إلى الفتح المصري 848 – 1291هـ / 1445 – 1875م

وجاء في هذا الباب فصلان يسبقهما تمهيد، على النحو الآتي:

تمهيد في أصل سلطنة الفور

ترجع أصول سلطنة الفور حسب التقاليد السودانية إلى العرب، ويُقال إنهم من بني العباس، تأسست في جبل مرة، وتأثرت بهجرات العرب المسلمين من مصر وتونس والحجاز، ويُروى أن تأسيس السلطنة تم بزواج عربي من ابنة السلطان المحلي فولدت سليمان المؤسس، ويُنسَب كثير من أهل دارفور إلى أبي زيد الهلالي.

الفصل الأول: في تاريخ سلاطين الفور

أسس السلطان سليمان الأول السلطنة عام 848هـ، ووحّد القبائل المتفرقة وأدخل الإسلام في بعضها، وخضع له 27 ملكًا، سبعة منهم مجوس والباقون مسلمون، ساعدته القبائل العربية كالهبانية والرزيقات، وجعلت الفاشر عاصمة لها إلى مدة انتهائها، بعد أن كانت في جبل مرة عند التأسيس، ونقلها تيراب(السلطان الثاني والعشرون) إلى بلدة شوبة قرب كبكبية، وانتهت السلطنة بمقتل السلطان إبراهيم على يد الزبير باشا سنة 1291هـ.

الفصل الثاني: في حكومة سلطنة الفور وبعض أخبارها

كانت السلطنة ملكية مطلقة ذات نظام إداري هرمي من النواب والشراتي والدمالج والمشايخ، واستند الحكم إلى الشريعة والعرف (قانون دالي)، وكان الدخل من الزكاة والضرائب والهدايا، واهتمت السلطنة بالتعليم والتجارة، ولها جيش غير نظامي، وطقوس فريدة، وظلت مستقلة حتى دخول الحكم المصري.

الباب السادس

في تاريخ الفتح المصري للسودان

منذ فتح سنار إلى قيام الثورة المهدية

(1236 – 1298هـ / 1821 – 1881م)

وورد في هذا الباب أربعة فصول على النحو الآتي:

الفصل الأول: في حملة إسماعيل باشا على سنار (1820-1823م)

قاد إسماعيل باشا حملة بأمر محمد علي لفتح السودان؛ لأسباب اقتصادية وعلمية وعسكرية، فبدأ بدنقلة وضم الشايقية بعد معركة شرسة، ثم فتح بربر، وشندي، والمتمة، والخرطوم، استسلمت سنار بعد مقتل وزيرها، وواصل إسماعيل حملته حتى فازوغلي دون أن يجد الذهب، ثم عاد لينظم الإدارة ويفرض الضرائب رغم مقاومة السكان.

الفصل الثاني: في حملة الدفتردار على كردوفان وفتح الأبيض سنة 1821م

أرسل محمد علي صهره الدفتردار لفتح كردوفان، فقاتل المقدوم مسلم في معركة ضارية في بارة انتهت بقتله وهزيمة قواته، ودخل الدفتردار الأبيض ثم صدّ هجومًا من دارفور بقيادة أبي اللكليلك، ولم يسمح للأوروبيين بمرافقته وسجل مشاهداته بشكل سطحي في رسائل للقاهرة.

الفصل الثالث: في غدر الملك نمر وقتل إسماعيل باشا سنة 1238هـ / 1823م

غدر الملك نمر بإسماعيل باشا وقتله حرقًا مع جنوده في شندي بعد فرض جزية ثقيلة عليه، وانتقم الدفتردار بوحشية، فقتل وأحرق مدنًا وقرى عديدة مثل شندي والحلفاية والعيلفون، وسبى الأهالي. وفرّ نمر إلى الحبشة حيث أُكرِم من الراس علي ومات هناك، بينما واصل الدفتردار التنكيل بالمتمردين حتى عاد إلى مصر.

الفصل الرابع: الولاة في السودان

تعاقب على حكم السودان ولاة عيّنهم محمد علي بعد الفتح، وتميزت فترتهم بالقسوة في فرض الضرائب والسيطرة بالقوة، ومن أبرزهم إسماعيل باشا، والدفتردار، وعثمان بك جركس المعروف بوحشيته، وعلي خورشيد الذي جعل الخرطوم عاصمة، إلا أن تجاهلهم لرفاه السكان قد أدَّى إلى تزايد الغضب ومهد لاندلاع الثورة المهدية.

الباب السابع

في تاريخ الثورة المهدية

وقد قُسِمَ هذا الباب على ثلاثة وعشرين فصلًا، على النحو الآتي:

يتناول الفصل الأول أسباب الثورة المهدية ونجاحها، موضحًا أن الظلم الإداري، والضرائب الباهظة، وانهيار السلطة التركية المصرية، وانتشار الفساد، كانت عوامل مباشرة في إشعالها، كما أسهمت الخلفية الدينية والاضطرابات في مصر في تعزيز شرعية دعوة المهدي، ويرجع نجاح الثورة إلى بساطة الدعوة، وقوة شخصية المهدي، والتفاف القبائل حوله، وضعف الحاميات العسكرية حينها.

وخصص الفصل الثاني في بدء سيرة محمد أحمد وذكر الأسباب التي حملته على الظهور بدعوى المهدية، ويسلط فيه الضوء على نشأة المهدي، وتكوينه الديني، والأسباب التي دفعته لإعلان المهدية، مما مهد الطريق لثورة كبرى في تاريخ السودان، فيذكر بأنه (محمد أحمد المهدي) ولد في جزيرة ضرار من أعمال دنقلة عام 1843م. ونشأ في بيئة دينية، حيث تلقى تعليمه في خلاوي القرآن وتعلم على يد شيوخ صوفيين، أبرزهم الشيخ محمد شريف حفيد الشيخ الطيب صاحب الطريقة السمانية في سنة 1861م، وتميز بزهده وتقواه، وكان يرفض الممارسات التي تخالف الشريعة، مثل السماح بتقبيل اليد والغناء والرقص في المناسبات، وأمضى سنوات في العبادة والتأمل، ثم انتقل إلى جزيرة أبا في سنة 1871م، حيث أسس مدرسة دينية، وجذب إليه العديد من الطلاب، وكان يجول البلاد شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا للدعوة، فرأى حال الناس وتمنيهم ظهور المهدي لينقذهم من سوء الحال التي وصلوا إليها، فقام في عام 1881م بدعوى المهدية ويخبر بأنه يشعر برؤى دينية، وكان يرى النبي (محمد صلى الله عليه وسلم) في منامه، مما دفعه للاعتقاد بأنه المهدي المنتظر، وأخذ يقرأ عن صفات المهدي وعلاماته وأحواله وأعماله ليتمثلها، وأعلن دعوته في مارس 1881م سرًّا في تلاميذه المقربين، ثم بايعوه على نصرة المهدية، فبدأت دعوته تنتشر بين القبائل، حيث دعاهم للجهاد واتباع سنة النبي، مما شكل بداية الثورة المهدية.

وأفرد الفصل الثالث لوقائع المهدي في جزيرة أبا، حيث أعلن دعوته للمهدية سنة 1881م، فبايعه عدد من تلاميذه ومريديه، ورفض المهدي الانصياع لأوامر الحكومة، بقيادة رؤوف باشا، بالقدوم إلى الخرطوم، وهو ما دفع السلطات إلى إرسال حملة عسكرية بقيادة محمد بك أبي السعود باشا، فهزمها أنصار المهدي في أول انتصار عسكري لحركته، مما أكسبه مكانة كبيرة بين القبائل ومهّد لتوسّع دعوته.

ويتناول الفصل الرابع وقائع المهدي في جبل قدير، حيث لجأ إلى الجبل بعد انتصاره في جزيرة أبا، واتخذه قاعدة لنشر دعوته، وانضمت إليه في هذا الجبل قبائل كثيرة، وازدادت قوته العسكرية والمعنوية، وحاولت الحكومة القضاء عليه بإرسال حملات متتابعة، بقيادة محمد سعيد باشا، ثم راشد بك، وأبرزها حملة يوسف باشا الشلالي، لكنها هُزمت، مما عزز من مكانة المهدي ورسّخ دعوته، وحط من كرامة الحكومة في أعين أهل السودان، فاتفقت الأحزاب على نصره، وكثرة الوفود إليه للمبايعة.

ويتناول الفصل الخامس وقائع الثورة في جزيرة سنار بين عامي 2 _ 1883م، إذ اندلعت انتفاضات واسعة بقيادة أنصار المهدي ضد الحكم التركي المصري، وتمكن المهدويون من السيطرة على أجزاء من الجزيرة، وألحقوا الهزائم بالقوات الحكومية، وهو ما أسهم في توسيع نفوذ المهدي بالوسط السوداني، وأظهر ضعف الإدارة المركزية أمام تنامي الثورة، رغم محاولة عبدالقادر باشا القضاء على أولئك إلا أنه لم يتم الأمر، ورجع إلى مصر واستبدل بغيره.

وخصص الفصل السادس لوقائع الثورة في كردوفان خلال عامي 2 – 1883م، ويذكر بأنه اشتد نفوذ المهدي بعد أن جعل من الأبيض مركزًا له، فاستقطب القبائل ودعمها لدعوته، وحاولت الحكومة قمع التمرد بإرسال حملة هكس باشا، لكنها فشلت أمام التنظيم المحكم للمهدويين، وأسهمت هذه الانتصارات في ترسيخ سلطة المهدي على إقليم كردوفان وجعلها نقطة انطلاق نحو بقية السودان.

وتناول في الفصل السابع وقائع المهدي في كردفان سنة 2 – 1883م، حيث استقر في الأبيض وجعلها قاعدة لحركته بعد أن بايعه أهلها، وبدأ بتنظيم دولته وإدارة شؤون المناطق التي خضعت له، وأرسل الدعوة إلى بقية الأقاليم، وأسس نظامًا إداريًا ودينيًا مستندًا إلى الشريعة، كما استعد لمواجهة الحملات الحكومية القادمة، مما جعل كردوفان مركزًا سياسيًا وعسكريًا للثورة المهدية.

أما الفصل الثامن فتناول فيه حملة هكس باشا على المهدي في كردوفان عام 1883، حيث أُرسلت قوة كبيرة بقيادة الجنرال الإنجليزي هكس لإخماد الثورة، ورغم تفوقها في العدد والعتاد، إلا أن الحملة قد وقعت في كمين محكم نصبه المهدي قرب شيكان، فدُمرت بالكامل وقُتل هكس وجنوده، وشكل هذا النصر الحاسم تحولًا كبيرًا لصالح المهدي، وعزز مكانته بوصفه قائدًا لا يُهزَم.

ويتناول الفصل التاسع وقائع الثورة المهدية في دارفور سنة 2 _ 1884م، ويذكر بأن الثورة المهدية اندلعت في دارفور بقيادة الشيخ مادبو، وواجهها سلاطين باشا بقوات غير كافية فتوالت الهزائم عليه، مما أدى إلى اضطراره لإعلان إسلامه لاستعادة ولاء قواته، وحاول الصمود عبر التحالفات والمراسلات، لكن بعد هزيمة حملة هكس سقطت دارفور تدريجيًا في يد المهدي، وانتهى الأمر بتسليم سلاطين وكبار القادة المدن واحدة تلو الأخرى بين أواخر 1883م وبداية 1884م.

وتناول الفصل العاشر وقائع الثورة في بحر الغزال سنة 2 _ 1884م، ويذكر بأنه قد وصلت الدعوة المهدية إلى الإقليم بقيادة أمراء مهدويين، تمكنوا من كسب تأييد بعض القبائل، وحققوا انتصارات على الحاميات الحكومية، وساعدت الطبيعة الجغرافية وعزلة المنطقة في ترسيخ النفوذ المهدوي، مما وسّع رقعة الثورة جنوبًا وأضعف سيطرة الحكومة التركية المصرية هناك.

وخصص الفصل الحادي عشر لدور عثمان دقنة في الثورة بسواكن سنة 3 _ 1884م، وقد بقي شرق السودان هادئًا حتى سقطت الأبيض بيد الثورة سنة 1883م، فقام عثمان دقنة في سواكن عاملًا من قبل المهدي وقاد قبائل البجا ضد الوجود التركي المصري فيها، وحقق انتصارات بارزة على القوات الحكومية والإنجليزية، وقطع طرق الإمداد بين سواكن والداخل، وأصبح قائدًا بارزًا في الحركة المهدية، وعُرِفَ بشجاعته وحنكته العسكرية في تلك الجبهة الحيوية.

ويتناول الفصل الثاني عشر إرسال الجنرال غوردون إلى الخرطوم، الذي تم تعيينه حاكمًا عامًا للسودان في يناير 1884م، بهدف إخلاء البلاد من القوات المصرية والموظفين، ووصل غوردون إلى الخرطوم في فبراير 1884م، وبدأ في تنفيذ خطة لإعادة النظام، فعزل العديد من المسؤولين، وأعلن عن إصلاحات اقتصادية وتقليل الضرائب، ومع تصاعد الثورة بقيادة المهدي، حاول غوردون تحصين الخرطوم وإرسال قواته إلى مناطق مختلفة، وفي مارس، تصاعدت المعارك مع قوات المهدي، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا وتدهور الوضع العسكري في المدينة.

يتناول الفصل الثالث عشر وقائع الثورة المهدية في بربر سنة 1884م، حيث قاد محمد الخير ثورة بربر بعد إعلان الحكومة نيتها إخلاء السودان، فانضم إلى المهدي وحشد الزعماء المحليين لمناصرته، وحاصر بربر بجيش كبير رغم رفض الحامية التسليم، فاقتحمها بعد قتال عنيف وسقطت المدينة، واستولى الثوار على الخزينة وأسروا حسين باشا وأرسلوه إلى المهدي.

ويتناول الفصل الرابع عشر وقائع الثورة المهدية في دنقلة سنة 1884م، ويذكر بأن الشيخ الطيب والشيخ الهدي قادا ثورات في دنقلة دعمًا للمهدي، فهُزِم الطيب في واقعة الدبة الأولى، ثم انهزم الهدي في الدبة الثانية بعد خسائر كبيرة. فأرسل المهدي محمود ود الحاج لمساندة الهدي، فاشتبكا مع مصطفى باشا في كورتي وقتلا مع تشتت جيشهما، مما أعاد الأمن للمنطقة حتى خروج الإنجليز عام 1885م.

يتناول الفصل الخامس عشر تجدد وقائع الثورة المهدية في سنار سنة 3 _ 1884م، ويذكر بأنه قد شهدت سنار ومناطقها في هذين العامين سلسلة من المواجهات بين قوات الحكومة التركية والمهدية، بدأت بواقعة الشريف انجضو وانتهت بتسليم صالح المك لفداسي، وتصاعدت حركة محمد ود البصير في الحلاويين، وتم حصار فداسي ثم تسليمها لأبي قرجة بأمر المهدي، ودارت معارك أخرى كواقعة أبي الحسنى وواقعة الشيخ غالب، وانتهت بانتصارات مؤقتة للحكومة قبل تفاقم الوضع لصالح المهدية.

ويتناول الفصل السادس عشر تطورات حصار الخرطوم في أواخر سنة 1884م، إذ قاد أبو قرجة والشيخ العبيد حصارًا عنيفًا على الخرطوم بأمر من المهدي، بينما قاوم غوردون بشكل منظم رغم الأزمات الداخلية، وشهدت المعارك انتصارات مثل بري والجريف، إلا أن وقعة أم ضبان كانت هزيمة قاسية، وأرسل غوردون بعثات لدعم الحاميات واستطلاع أخبار الجيش الإنجليزي، لكنها واجهت مقاومة محلية، في الوقت ذاته، شدد المهدي الحصار وزاد التوتر الشعبي في الخرطوم.

ويتناول الفصل السابع عشر تاريخ الحملة الإنكليزية سنة 4 _ 1885م، وكانت الحملة البريطانية بقيادة اللورد ولسلي لإنقاذ الجنرال غوردون المحاصر في الخرطوم، موضحًا الطرق المقترحة، والعقبات اللوجستية، وتفاصيل القتال في الصحراء والنيل، وواجهت الحملة مقاومة عنيفة من قوات المهدي، ووقعت معارك أبرزها معركة أبي طليح، حيث تكبد الطرفان خسائر كبيرة، وتمكنت القوات البريطانية من التقدم إلى المتمة تمهيدًا للوصول إلى الخرطوم، لكن التأخير كان له عواقب وخيمة.

يتناول الفصل الثامن عشر المراحل الأخيرة من حصار الخرطوم سنة 1885م، حيث اشتدت معاناة السكان ونفدت المؤن، في ظل بقاء غوردون متمسكًا بالدفاع رغم اليأس من وصول النجدة، وفي 26 يناير 1885م، اقتحمت قوات المهدي المدينة بعد حصار دام أكثر من عشرة أشهر، وقُتِلَ غوردون في القصر، فشكل سقوط الخرطوم نهاية الحكم التركي المصري في السودان وبداية الدولة المهدية.

ويتناول الفصل التاسع عشر استكمال أحداث الحملة الإنكليزية سنة 1885م، حيث واصلت تقدمها نحو السودان رغم سقوط الخرطوم، وبعد علمها بمقتل غوردون، تراجعت دون قتال كبير، مكتفية بإنقاذ ما تبقى من الجنود والمدنيين، وقد كشف هذا الفصل عن تخبط السياسة البريطانية تجاه السودان، والانتهاء بانسحاب كامل، تاركةً البلاد تحت سيطرة المهدي وقواته.

ويتناول الفصل العشرون تجدد نشاط عثمان دقنة في سواكن سنة 1885م، ويذكر بأنه واصل مقاومته للقوات البريطانية والمصرية بعد سقوط الخرطوم، وقاد هجمات شرسة على مواقع العدو وكبّده خسائر فادحة، مستفيدًا من دعم قبائل البجا ومعرفته بتضاريس المنطقة، ورغم تفوق العدو في العتاد، ظل دقنة شوكة في خاصرة الاحتلال، ممثلًا الجبهة الشرقية للثورة المهدية.

ويتناول الفصل الحادي والعشرون امتداد الثورة المهدية إلى بلاد كسلا، ويبين فيه تمكن أنصار المهدي من كسب ولاء قبائل المنطقة، ودخلوهم في مواجهات مع الحاميات المصرية والإيطالية، وقيادة القادة المهدويين حملات ناجحة أضعفت سيطرة الحكومة على الإقليم، وهو ما أدَّى إلى سقوط كسلا بيد المهدية، وأسهم ذلك في توسيع نفوذ الدولة المهدية شرقًا وتعزيز جبهتها ضد التدخلات الأجنبية.

ويتناول الفصل الثاني والعشرون، في المهدي بعد سقوط الخرطوم سنة 1885م، ويذكر بأنه بعد سقوط الخرطوم، دخل المهدي المدينة وأسس عاصمته في أم درمان، وأخذ ينظم شؤون الدولة الجديدة، وبايعه الناس إمامًا، وشرع في وضع أسس الحكم دينيًا وإداريًا، وبدأ بإرسال السرايا لتأمين بقية السودان، ومطاردة الإنجليز حتى دنقلة، وشرع في التخطيط لغزو مصر والشام، وكتب منشورات يدعو فيها المسلمين لنصرته، كما سك عملة جديدة وجمع الزكاة، لكنه توفي قبل تحقيق مشروعه التوسعي.

ويتناول الفصل الثالث والعشرون في وفاة المهدي وصفاته وتعاليمه، توفي المهدي محمد أحمد في 22 يونيو 1885 بعد إصابته بالحمى، وكان قائدًا دينيًا وسياسيًا في السودان، سعى لإحياء الإسلام الأول وإقامة العدل، ففرض مذهبه الخاص وألغى المذاهب الأربعة، واتبع أسلوبًا صارمًا في الحكم والتشريع، وتميز بصفات خلقية وروحية عالية، لكنه اتخذ موقفًا متشددًا من معارضيه. خُلفه الخليفة عبد الله التعايشي، واستمر تأثير دعوته في السودان رغم رفض علماء العالم الإسلامي لها.

ويذكر في نهاية هذا الباب من أنكر ادعاء المهدية من أهل السودان وخطأوه في وجهه بقصد إراحة ضمائرهم مع الله فسلموا، ويقول بأنهم ثلاثة أشخاص، وهم: الشريف محمد الأمين بن الشريف يوسف أفندي، والشيخ محمد الزاكي، والشيخ محمد نور أحمد، وهناك من أباح بسره بخطأها فقتل، ويشير إلى اهتزاز العالم الإسلامي لهذه الدعوى وهجرة الجماعات إليه من الهند ومصر والحجاز وبلاد المغرب، وموقف الحكومة من دعواه المتمثل في إصدار السلطان عبدالحميد منشورًا رسميًا ببطلان دعوى المهدية وتوزيعه على جميع الأقطار الإسلامية، واستفتاء الحكومة لعلماء الأزهر بدعوى المهدية في شهر محرم سنة 1301هـ، فأفتوا بتكذيبه، ويورد في نهاية هذا الباب رسالتين في بطلان دعوى المهدية، الأولى: رسالة مفتي مجلس استئناف السودان شاكر الغزّي، والأخرى من السيد أحمد الأزهري ابن الشيخ إسماعيل الولي الكردوفاني شيخ الإسلام في عموم غرب السودان، جعلها بعنوان (النصيحة العامة لأهل الإسلام عن مخالفة الحكام والخروج عن طاعة الإمام) كتبها في عشر ليال بقيت من شعبان سنة 1299هـ، ويشير إلى أن تلك الرسائل في بطلان دعوى المهدية كانت بإيعاز من عبدالقادر باشا بعد أن ذهب واليًا على السودان، فضلًا عن رسالة للشيخ الأمين الضرير شيخ الإسلام في عموم شرق السودان سماها(هدي المستهدي إلى بيان المهدي والمتمهدي)، ورائية للأستاذ محمد شريف، أورد بعض أبياتها، ويذكر بأنها قد طبعت تلك الرسائل في مطبعة الحجر بالخرطوم ووزعت في البلاد.

الباب الثامن

في خلافة عبدالله التعايشي

وجاء في عشرة فصول، على النحو الآتي:

الفصل الأول: في مبايعة عبدالله التعايشي

بعد وفاة المهدي، تولى عبدالله التعايشي الخلافة في السودان بعد مبايعته من قبل الخليفة شريف وأمراء آخرين، ورغم الحيرة التي انتابت بعضهم، لاسيما من الأشراف، فإن التعايشي نجح في تثبيت سلطته بمساعدة دهائه وقوة جيشه، وحاول الحفاظ على شعائر المهدية وتوسيع سلطته عبر توزيع المناصب على أفراد عائلته، مراقبة المنكرين والمزاحمين له على السلطة والبطش بهم بالقتل أو النفي، وقام بحملات عسكرية مثل فتح كسلا وسنار، ورغم أن وفاة المهدي أحدثت صدمة كبيرة في السودان، مع بعض الانتقادات لأفعاله، لكن السلطة السياسية تحولت تدريجيًا تحت قيادة التعايشي.

الفصل الثاني: عود إلى حصار حامية كسلا سنة 1885م

اشتد حصار الدراويش على حامية كسلا حتى نفد الطعام، فاضطرت الحامية للتسليم في 29 يوليو بعد وعود بعدم الإيذاء، واستولوا على المدينة وغنائمها، ووقع الأسرى في الاستجواب والتعذيب، ووصل عثمان دقنة وكرّس سلطة الخليفة عبدالله، ثم هزم في معركة كوفيت أمام جيش الرأس الوله، وعاد إلى كسلا وأعدم بعض المسؤولين، ثم هدم معالم الخاتمية وغادر إلى سواكن.

الفصل الثالث: عود إلى حصار حامية سنار 4 _ 1885م

حوصرت سنار بدءًا من نوفمبر 1884م على يد قوات المهدية بقيادة المرضي وأعقبها حصار أشد من محمد عبدالكريم في أبريل 1885م، حيث صمدت الحامية بقيادة النور بك وعثمان بك الدالي وسط معارك دامية ومجاعة قاسية، ورغم تحقيق بعض الانتصارات، انهارت المقاومة بعد موقعة كساب في أغسطس 1885م، مما أدى إلى تسليم المدينة، ودخل الدراويش سنار ونهبوها، ثم أحرقها عبدالكريم بأمر الخليفة عبدالله بعد وصول النجومي، فخربت تمامًا حتى إعادة تعميرها بعد الفتح. فأذاع التعايشي خبر فتح كسلا وسنار وكتب بذلك إلى أمرائه في الجهات.

الفصل الرابع: في وقائع الحدود وأم درمان 5 _ 1886م

دارت واقعة جنس في ديسمبر 1885 بين جيش المهدي بقيادة عبدالماجد محمد خوجلي وجيش الاحتلال بقيادة الجنرال ستفنسن، وانتهت بانتصار القوات المصرية والإنجليزية واستشهاد عبدالماجد وتراجع الأنصار، واستغل الخليفة التعايشي الهزيمة لتجريد الخليفتين شريف وود حلو من القوات والرايات خشية تمردهما، وعيّن عثمان الدكيم على بربر بدلًا من محمد الخير، كما واصل إرسال النجومي نحو دنقلة لحشد الأنصار ومتابعة الجهاد رغم انسحاب القوات البريطانية لاحقًا إلى حلفا.

الفصل الخامس: في كتب التعايشي إلى خارج السودان في الدعوة إلى المهدية سنة 6 _ 1888م

ويذكر جهود الخليفة عبدالله التعايشي في نشر الدعوة المهدية خارج حدود السودان، وقد تمثلت في إرسال الخليفة رسائل إلى حكام وقادة في مناطق مختلفة، مثل السلطان عبد الحميد الثاني في الدولة العثمانية، والخديوي توفيق في مصر، والملكة فيكتوريا في بريطانيا، فضلًا عن دعوته لقبائل نجد والحجاز، ومنليك ملك الحبشة، ومحمد السنوسي في غرب السودان الأقصى، وسلطان واداي ورابح الزبير، ويسعى التعايشي من خلال هذه الرسائل إلى نشر المهدية وتعزيز سلطته الدينية والسياسية،  وقد أظهرت هذه الخطوات طموحه في توسيع نطاق الدولة المهدية وتوحيد الأمة الإسلامية تحت رايته.

الفصل السادس: في وقائع السودان الغربي سنة 5 _ 1891م

يتناول في هذا الفصل وقائع السودان الغربي خلال تلك المدة، مركزًا على الأحداث في جبال النوبة وكردوفان ودارفور، إذ تعرضت جبال النوبة لهجمات من تجار الرقيق، وواجه سكانها هذه الحملات بالمقاومة، وسعت الدولة المهدية في كردوفان إلى فرض سيطرتها على القبائل من خلال إرسال القادة العسكريين، لكن بعض القبائل، لاسيما في جبال الداير، رفضت الخضوع، أما في دارفور فقد ظلت تحت حكم السلطان محمد الفضل الذي قاوم التوسع المهدي، ويظهر في هذا الفصل التحديات التي واجهت المهدية في فرض نفوذها على هذه المناطق الغربية من بلاد السودان.

الفصل السابع: في وقائع السودان الشرقي سنة 5 _ 1891م.

يسلط الضوء فيه على المواجهات بين قوات المهدية والجيش المصري – الإنجليزي، وأورد ذكر عدة مواقع مهمة، منها في سواكن التي كانت قاعدة للعمليات البريطانية، وكسلا التي كانت تحت سيطرة المهدية وشهدت محاولات لاستعادتها، كما تطرّق إلى القلابات التي وقعت فيها معركة حاسمة هُزِم فيها الأمير عثمان دقنة، وأم درمان التي كانت مركزًا لتجميع وإرسال الجيوش. ويبرز الفصل كيف حاولت الدولة المهدية التصدي للهجمات البريطانية في الشرق، رغم تعدد جبهات القتال والتحديات العسكرية.

الفصل الثامن: في وقائع خط الاستواء سنة 79 _ 1889م.

تولى أمين باشا حكم خط الاستواء بعد غوردون، وواجه ثورة المهدية وسط ضعف العساكر وقلة الإمدادات، فحاول التفاوض والمقاومة ثم طلب النجدة من مصر، وقاد ستانلي حملة لإنقاذه عام 1887م، لكنه واجه صعوبات وعصيانًا من العساكر، وغادر أمين مع الحملة إلى زنجبار، ثم انضم للألمان وقُتل في الكونغو، أما خط الاستواء فوقع بين سيطرة الدراويش والبلجيك، ثم سيطر عليه الدراويش، وبعد فتح خط الاستواء أصبح التعايشي سيد السودان المصري كله.

الفصل التاسع: في وقائع الحدود ودنقلة وفيها غزوة النجومي لمصر سنة 6 _ 1889م

بعد وفاة الإمام المهدي، أرسل الخليفة عبدالله التعايشي النجومي سنة 1889م لفتح مصر، فقاد حملة ضخمة عبر الصحراء، ووصل إلى منطقة معتوقة، وقسم جيشه إلى ثلاثة أقسام، وواصل تقدمه حتى بلغ أرجين، حيث دارت معركة عنيفة مع القوات المصرية انتهت بخسائر فادحة في صفوف جيش النجومي، ورغم ذلك أصر النجومي على التقدم شمالًا، حتى وصل إلى تلال توشكي في 1 أغسطس 1889م، وفي 3 أغسطس، دارت معركة حاسمة بين جيش النجومي والقوات المصرية بقيادة الجنرال جرانفيل، انتهت بهزيمة ساحقة لجيش النجومي ومقتل الأمير عبد الرحمن النجومي، وتُعدُّ هذه المعركة نقطة تحول في تاريخ المهدية، حيث بدأت بعدها مرحلة انحسار الدولة المهدية في السودان.

الفصل العاشر: في وقائع أم درمان وسائر السودان سنة 86 _ 1890م

في عام 1886، خرب الدراويش الخرطوم وعمروا أم درمان، فأنشأ الخليفة جامعاً كبيراً وقبة للمهدي لتثبيت دعائم سلطته. استخدم العنف والقمع لإخضاع القبائل، وواجه السودان مجاعة كارثية بين 1888 و1890 بسبب الجفاف والجراد. شهدت الفترة حملات قتل وتعذيب ضد معارضيه، مثل محمد نور وود عدلان، وأجبر البقارة على الهجرة لدعم سلطته المركزية.

الباب التاسع

في استرجاع السودان

وقد جاء هذا الباب في ثمانية فصول يمكن عرضها على النحو الآتي:

الفصل الأول: في استرجاع طوكر في 19 فبراير 1891م

 استغلّت الحكومة المصرية فرصة غياب عثمان دقنة عن طوكر لغزوها واستعادتها بقيادة هولد سمث، بعد معركة شرسة في 19 فبراير 1891م، فانهزم الدراويش وقُتل منهم نحو 700، واستعادت مصر السيطرة على طوكر مرة أخرى بعد أن كانت فيها قبل سبع سنوات، وجاءت الغنائم وفيرة، وعمّ السلام المنطقة مجددًا، وتمّ ذلك في أواخر عهد الخديوي توفيق، قبل ولاية عباس حلمي الثاني.

الفصل الثاني: في استرجاع كسلا عن يد التليان في 17 يوليو 1894م

استولى الإيطاليون على مدينة كسلا بعد انتصارهم على جيش المهدي في واقعة أغوردت سنة 1894م، وقتلوا قائده أحمد علي، وأثار سقوط كسلا غضب الخليفة، لكنه لم يتمكن من الردّ، رغم محاولاته، بقي الإيطاليون في كسلا حتى سلموها لمصر سنة 1897م، وكان هذا سببًا مهمًا لبدء سيطرة مصر على السودان.

الفصل الثالث: في وقائع السودان الغربي في ولاية محمود أحمد سنة 1 _1896م

تولى محمود أحمد قيادة جيوش الغرب في الفاشر عام 1891م، وقاد عدة غزوات ضد الميدوب والرزيقات وتمردات محلية، كما واجه ادعاءات الإصلاح من قبل رجل، في جبال النوبة، يقال إنه سمى نفسه مزيل المحن، وسماه بعضهم أبا نعال؛ للبسه لها، قال إن هدفه رفع الظلم عن الناس، وتعامل بقسوة مع تلك التمردات، وأرسل لاستعادة النظام بعد ظهور دعاة زائفين في تامة، وعاد إلى أم درمان في 1896م بأمر الخليفة استعدادًا لمواجهة الجيش المصري.

الفصل الرابع: في وقائع أم درمان سنة 1 _ 1896م

اندلعت فتنة بين الخليفة عبدالله التعايشي وأشراف المهدي، بسبب الخلاف على السلطة، وشهدت تلك الفترة مؤامرات، واعتقالات، ونفي وقتل للمعارضين، كما زادت حدة القمع والاستبداد، جرى نهايته صلح شكلي وتحالفات سياسية استعداداً للزحف المصري نحو السودان.

الفصل الخامس: في استرجاع دنقلة سنة 1896م

انفذ الجيش المصري والبريطاني حملة لاسترداد دنقلة عام 1896م بقيادة كتشنر باشا، فشن حملة لطرد الدراويش وتأمين الحدود، وبدأت العمليات بتحصين عكاشة ومهاجمة فركة، ثم توالت الانتصارات في سواردة والحفير حتى احتلت دنقلة في سبتمبر من هذا العام، وواجه الجيش تحديات كبرى كالأوبئة والحر الشديد، لكنه نجح في تحقيق أهدافه العسكرية، وانتهت الحملة بتنظيم الإدارة في دنقلة وعودة القوات إلى مصر.

الفصل السادس: في استرجاع بربر سنة 7 _ 1898م

واصلت القوات المصرية خلال، هذين العامين، بقيادة السردار كيتشنر استعادة السودان من الخليفة التعايشي، فمدت السكك الحديدية واحتلت مناطق استراتيجية مثل أبي حمد وبربر بعد معارك دامية، وتصدى الأنصار بشراسة، لكن تفوق السلاح والتنظيم المصري _ الإنجليزي حسم المعارك لصالحهما، لاسيما في وقعة عطبرة الحاسمة التي أُسر فيها الأمير محمود، ومهّد هذا الانتصار الطريق لاستعادة أم درمان وإنهاء دولة المهدية.

الفصل السابع: في صفات الخليفة عبدالله وأخلاقه وحكومته وجيشه وإجماله

كان الخليفة عبدالله التعايشي ذا دهاء واستبداد، وقاسي الطباع، وغيورًا على سلطته وساعيًا لجعلها وراثية في نسله، وقد حكم السودان حكمًا عسكريًا صارمًا، وهمّش فيه القضاء والعلم وأذل خصومه، واعتمد على جيش ضخم متنوع، وأدار البلاد بقسوة تحت ستار الدين، لكنه ساءت إدارته بسبب الاستبداد وسوء المعاملة، مما أدى إلى نقمة الناس وتمهيد الطريق لسقوط دولته.

الفصل الثامن: في استرجاع الخرطوم وسائر السودان

يتناول فيه حملة استرداد السودان من الحكم المهدي بقيادة السردار البريطاني، حيث بدأت باسترجاع طوكر، ثم دنقلة عام 1896م، وتوالت الانتصارات البريطانية _ المصرية على قوات المهدية، وشهدت الحملة معارك فاصلة مثل فركة، وأدى ذلك إلى تراجع نفوذ الخليفة عبدالله، وبسقوط أم درمان عام 1898م واستعادة الخرطوم، عادت السلطة للحكم الثنائي المصري-البريطاني.

هذا وقد ورد في ثنايا الكتاب كثير من الأخبار التي تؤرخ للظواهر الكونية من خسوف وكسوف وظهور نجوم غريبة في النهار أو الليل، وحصول المجاعات في بعض الأماكن في بعض الأوقات وأسبابها، وما تصل إليه حالة الناس فيها، فضلًا عن تفشي الأوبئة وما تحصده من ضحايا بين أهل السودان ومن يعيش معهم في أراضيهم، وكثير من الأمثال ومناسباتها، وذكر مؤلفات وأصحابها…

ويوجد في نهاية الكتاب الإشارة إلى أن الانتهاء من تأليفه كان يوم 27 أكتوبر 1903م، بعد معايشة أهل السودان نحو 20 سنة، وقضاء مدة سبع سنوات في جمع المواد وتمحيص الحقائق، وسنة ونصف في تبييض الكتاب وطبعه. ويلي تلك الإشارة ملحق بعنوان (تعليقات) فيه (37) تعليقًا، يحدد فيه موقع ما يبينه من خلال ذكر رقم الصفحة والسطر الذي ورد فيه الموضع الذي يريد إيضاحه في التعليق إلا أنه في المتن لم يرد أي إحالة أو رمز يدل على أن في تعليق يتعلق به. و(46) صورة معظمها لشخصيات قيادية ورد ذكرها في الكتاب، وقليل منها صور أختام وخرائط. ويعقبه فهرس يذكر فيه الأسماء _ أشخاص وأماكن ومواقع _ التي وردت في الكتاب مرتبة بالترتيب الألف بائي ويذكر رقم الصفحة التي ورد فيها ذلك الاسم، ويليه فهرس الموضوعات.

والمؤلف: نعوم شقير ولد بشويفات لبنان في أواسط عام 1863م، ثم انتقل إلى مصر وعمره دون العشرين، ليعمل كاتبًا في خدمة الحكومة، ثم التحق بالمخابرات الحربية المصرية، وعمل بقسم التاريخ، فأصبح رئيسًا له، وظل في المخابرات حتى وفاته في القاهرة عام 1922م، وقد أتاح له عمله في المخابرات فضلًا عن كونه عضوًا في حملة استرجاع السودان إلى حاضرة الجيش المصري_الإنكليزي، وقد استلم كل ما وجدوه لدى عبدالله التعايشي(خليفة المهدي) في أم درمان من وثائق ومراسلات وهي كثيرة كما يخبر في هذا الكتاب ويورد كثيرًا منها بالنص، وجمع أخبار من الوافدين إلى مصر من السودانيين، ومن الضباط والعساكر والموظفين والتجار والأعيان، ممن اشتركوا في حوادث السودان أو كانوا على علم بها، وقابل كثيرًا من أمراء المهدية وأعيانها وجمع منهم بيانات مستفيضة، فضلًا عن جمعه لبيانات كثيرة عن ممالك السودان من رواة الأخبار وحفظة التاريخ، كل ذلك أتاح له أن يذكر كثيرًا من الأحداث والتفاصيل في مسار تاريخ السودان في تلك المدة التي استهدفها بالتأليف، ووجوده ضمن تلك الحملة جعله يميل إليها ويصفها وبسط سيطرتها السابقة على السودان بالفتح، ويراها الخير لأرض السودان وأهله، ويصف الثورة المهدية بما يدلُّ على بشاعتهم وتعامل أصحابها الهمجي مع الأرض والإنسان.

وهذه الطبعة لهذا الكتاب محققة من قبل د. محمد إبراهيم أبو سليم، وقد وضع مقدمة موجزة للكتاب أورد فيها سيرة موجزة للمؤلف(نعوم شقير)، وبيَّن أسباب تيسر تأليفه لهذا الكتاب، وأشار إلى ما تم حذفه في هذه الطبعة المحققة وسبب ذلك الحذف، كما سبق، والمنهجية التي سار عليها تأليف الكتاب.

د. سالم الحنشي

رئيس تحرير مجلة "بريم"، الصادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، أستاذ مشارك في كلية التربية بجامعة عدن، يتميز برؤية تحليلية واستشرافية تسلط الضوء على التحديات التي تواجه اليمن، مع التركيز على أهمية التنمية المستدامة والعدالة المناخية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى