الافتتاحية

الافتتاحية| الإصدار الخامس عشر – مايو/ آيار 2025

في عالم تتقاطع فيه التحديات السياسية والاجتماعية مع طموحات بناء الدولة، تبرز تجربة أرض الصومال كنموذج استثنائي يستحق التأمل والدراسة. هذا الكيان، الذي أعلن استقلاله من طرف واحد عام 1991، استطاع أن يرسي دعائم نظام ديمقراطي مستقر نسبيًا في منطقة القرن الإفريقي، رغم غياب الاعتراف الدولي وشح الموارد. تجربة أرض الصومال، التي نستعرضها في هذا العدد من مجلة بريم، ليست مجرد قصة نجاح محلية، بل نموذج يقدم دروسًا عميقة للمناطق التي تسعى إلى بناء الاستقرار في سياقات ما بعد الصراع. 

في هذا العدد، نسلط الضوء على دراسة تحليلية شاملة بعنوان “التجربة الديمقراطية في أرض الصومال: دراسة تحليلية في البناء السياسي والتحديات (1991–2025)”، من إعداد الدكتور صبري عفيف العلوي، مدير تحرير المجلة. تستعرض الدراسة مسار بناء الدولة في أرض الصومال، من خلال نموذج سياسي هجين يمزج بين المؤسسات الديمقراطية الحديثة والبنى التقليدية القبلية، مما مكّن هذا الكيان من إجراء انتخابات سلمية وترسيخ تداول السلطة بطريقة نموذجية في محيط إقليمي مضطرب. 

غير أن هذا النجاح لم يخلُ من تحديات. فغياب الاعتراف الدولي، وهيمنة الهياكل القبلية، وضعف تمثيل المرأة، وتأجيل الانتخابات في بعض المراحل، كلها عقبات ألقت بظلالها على هذه التجربة. ومع ذلك، تظل أرض الصومال نموذجًا ملهمًا لمناطق أخرى، مثل جنوب اليمن (عدن)، حيث يمكن استلهام دروسها في بناء توافق وطني، وإدارة التعددية الاجتماعية، وتطوير مؤسسات مرنة تستجيب للواقع المحلي. 

إن ما يميز أرض الصومال هو قدرتها على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني من خلال الاعتماد على شرعية داخلية، دون الحاجة إلى دعم خارجي كبير. هذه القدرة تفتح نقاشًا جوهريًا حول إمكانيات بناء الدولة في سياقات هشة، وتؤكد أن التوافق المجتمعي والمؤسسات المحلية يمكن أن تكون أقوى من أي دعم دولي في تحقيق الاستدامة. 

في هذا العدد، ندعو القارئ إلى التأمل في هذه التجربة، ليس فقط كحالة سياسية فريدة، بل كمصدر إلهام للباحثين وصناع القرار في المنطقة العربية والإفريقية. إن دروس أرض الصومال تؤكد أن الديمقراطية ليست نموذجًا مستوردًا، بل عملية تحتاج إلى إبداع محلي يحترم السياقات الثقافية والاجتماعية. 

نتمنى لكم قراءة ممتعة ومثمرة، ونتطلع إلى مساهماتكم وآرائكم في استكشاف هذه التجربة وغيرها من النماذج التي تشكل رافعة للتغيير والتنمية في عالمنا العربي والإفريقي.

رئيس التحرير

الافتتاحية

نافذة فكرية تلقي الضوء على أبرز القضايا التي يتناولها العدد، مما يمنح القراء رؤية شاملة لما تقدمه المجلة. يُكتب العمود بأسلوب تحليلي يعكس رؤية رئيس التحرير وفريق التحرير تجاه الموضوعات التي يتم تناولها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى