بحوث ودراسات

التجربة الديمقراطية في “أرض الصومال”.. دراسة تحليلية في البناء السياسي والتحديات – (1991–2025)

الملخص:

تتناول هذه الدراسة التجربة الديمقراطية أرض الصومال (صوماليلاند) منذ إعلان استقلالها عن جمهورية الصومال عام 1991، مركّزة على مسار بناء الدولة الحديثة في ظل غياب الاعتراف الدولي. تستعرض الدراسة الخلفيات التاريخية والسياسية التي مهدت لبروز هذا الكيان، وتسلّط الضوء على تطور النظام السياسي والدستوري، وآليات تداول السلطة، ودور التقاليد القَبَلية في ترسيخ الاستقرار الداخلي. واعتمدت أرض الصومال نموذجًا سياسيًا هجينًا يجمع بين المؤسسات الديمقراطية الحديثة والبنى التقليدية، ما مكّنها من إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية سلمية، وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة.

كما تناولت الدراسة تحديات محورية واجهتها الدولة الناشئة، من أبرزها غياب الاعتراف الدولي، تأجيل الانتخابات، ضعف تمثيل المرأة، وهيمنة الهياكل القَبَلية على النظام السياسي. وتشير الدراسة إلى أن تجربة صوماليلاند تمثل نموذجًا مهمًا في بيئة ما بعد النزاع، يمكن الاستفادة منه في دول ومناطق تمر بظروف مشابهة، كجنوب اليمن (عدن)، لا سيما فيما يتعلق ببناء التوافق الوطني واستقرار المؤسسات عبر آليات محلية مستدامة.

 الكلمات المفتاحية: أرض الصومال- الاعتراف الدولي- بناء الدولة – الديمقراطية- المرأة والسياسة.

  Summary

This study examines the experience of Somaliland since its unilateral declaration of independence from the Republic of Somalia in 1991, with a focus on its state-building process in the absence of international recognition. It explores the historical and political background that led to the emergence of this entity and highlights the development of its political and constitutional system, mechanisms of power transition, and the role of clan-based traditions in maintaining internal stability.

Somaliland adopted a hybrid political model that blends modern democratic institutions with traditional governance structures. This model enabled the conduct of peaceful presidential and parliamentary elections and reinforced the principle of peaceful power transfer. The study also addresses critical challenges faced by the emerging state, most notably the lack of international recognition, repeated election delays, underrepresentation of women, and the dominance of clan structures in political life.

The study concludes that the Somaliland experience presents an important model for post-conflict environments, from which other regions—such as South Yemen (Aden)—can draw lessons, particularly in terms of building national consensus and institutional stability through locally grounded mechanisms.

  Keywords:

Somaliland, international recognition, state-building, democracy, hybrid governance, power transition, women and politics.

مقدمة:

تُعد تجربة أرض الصومال من أبرز النماذج الفريدة في منطقة القرن الإفريقي، حيث أعلنت استقلالها الفعلي عن الصومال المركزي عام 1991 عقب انهيار الدولة المركزية، على الرغم من عدم حصولها على اعتراف دولي رسمي حتى الآن. وقد شكل هذا الاستقلال خطوة تاريخية أدت إلى تحولات كبيرة على المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية في المنطقة.

تميزت أرض الصومال بحالة من الاستقرار النسبي مقارنة بمناطق الصومال الأخرى التي شهدت نزاعات وحروبًا أهلية مستمرة. ويُقصد بـ”الاستقرار النسبي” قدرة النظام المحلي في أرض الصومال على توفير الأمن الأساسي، وضبط السلم الأهلي، وإدارة مؤسسات الدولة بشكل مستمر، بالرغم من وجود تحديات وصعوبات مثل النزاعات الحدودية أو القيود الاقتصادية. ببساطة، يعني هذا الاستقرار أن السكان قادرون على العيش بدون الخوف من العنف المستمر، وأن هناك مؤسسات حكومية تقدم خدمات عامة بشكل منتظم.

وقد استطاعت أرض الصومال عبر العقود الماضية تحقيق إنجازات ملموسة في مجالات الأمن والحكم المدني والتنمية، حيث أشارت تقارير الأمم المتحدة إلى انخفاض معدلات العنف المسلح بنسبة تجاوزت 70% مقارنة بمناطق الصومال الأخرى. كما نجحت في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية دورية، وتعزيز المؤسسات الحكومية، وتشجيع استثمارات محدودة في التعليم والبنية التحتية رغم التحديات الاقتصادية والسياسية.

هذه التجربة المميزة تبرز أهمية دراسة أرض الصومال كحالة دراسية لفهم كيفية إدارة الأزمات وتحقيق الاستقرار في مناطق النزاع، كما تسلط الضوء على تداعيات سياسات فرض الوحدة بالقوة العسكرية على الأمن الإقليمي والدولي. إذ إن نجاح أرض الصومال في إدارة شؤونها المحلية دون الاعتراف الدولي الرسمي يفتح نقاشًا هامًا حول بدائل تحقيق الأمن والاستقرار في سياقات النزاعات الممتدة.

تُعد الديمقراطية من أبرز النظم السياسية التي سعت المجتمعات الحديثة إلى ترسيخها باعتبارها الإطار الأمثل لتداول السلطة، وضمان المشاركة الشعبية، وتحقيق الاستقرار السياسي. غير أن تطبيق هذا النموذج يختلف باختلاف السياقات التاريخية والثقافية والاجتماعية، لا سيما في الدول الخارجة من نزاعات داخلية أو تلك التي تعاني من الهشاشة المؤسسية والانقسامات المجتمعية. وفي هذا السياق، تبرز تجربة “أرض الصومال” (صوماليلاند) بوصفها حالة فريدة من نوعها في منطقة القرن الإفريقي، حيث تمكن هذا الكيان، الذي أعلن انفصاله عن جمهورية الصومال عام 1991، من بناء مؤسسات حكم ذات طابع ديمقراطي نسبي، على الرغم من غياب الاعتراف الدولي وضعف الموارد.

لقد استطاعت أرض الصومال أن ترسي نظامًا سياسيًا يقوم على التعددية الحزبية، وتداول السلطة سلميًا عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية، شارك فيها المواطنون بدرجات متفاوتة من الحرية والنزاهة. وتمكنت كذلك من ترسيخ حد أدنى من الاستقرار الأمني والإداري، رغم التحديات البنيوية المرتبطة بالبنية القبلية، والانقسامات المناطقية، والأزمات الاقتصادية، فضلًا عن الضغوط الإقليمية والدولية التي تعيق الاعتراف الدولي بها.

وتنبع أهمية دراسة تجربة الديمقراطية في أرض الصومال من كونها تقدم نموذجًا بديلًا في بيئة إقليمية تتسم بالعنف والانقلابات وانهيار الدولة. إذ يثير هذا النموذج تساؤلات جوهرية حول إمكانيات بناء الدولة والديمقراطية في سياقات ما بعد الصراع، وعن مدى قدرة الكيانات غير المعترف بها على ترسيخ نظم سياسية مستقرة، وعن دور الهوية المحلية والشرعية المجتمعية في دعم أو إضعاف المسارات الديمقراطية.

من هذا المنطلق، تهدف هذه الدراسة إلى تحليل تجربة أرض الصومال في بناء مؤسسات ديمقراطية، واستعراض مراحل تطور النظام السياسي، واستجلاء التحديات التي واجهت هذا المسار، وصولًا إلى تقييم شامل لنجاحات وإخفاقات التجربة خلال الفترة من 1991 إلى 2025. وتعتمد الدراسة على مقاربة تحليلية ونظرية تستند إلى مفاهيم الانتقال الديمقراطي وبناء الدولة، وتحاول استخلاص الدروس المستفادة من هذه التجربة، وما يمكن أن تقدمه من رؤى لحالات مشابهة في المنطقة العربية والإفريقية.

إشكالية الدراسة وأسئلتها

تمثل تجربة “أرض الصومال” (صوماليلاند) إحدى الظواهر السياسية الجديرة بالاهتمام في السياق الإفريقي والعربي، كونها تُجسد نموذجًا لدولة غير معترف بها دوليًا، استطاعت أن تبني مؤسسات حكم ديمقراطي، وتؤسس لمسار سياسي مستقر نسبيًا، في منطقة تتسم بالاضطراب المزمن، وانهيار أنظمة الحكم، وتفشي الصراعات المسلحة. ورغم شُح الموارد، وانعدام الدعم الدولي، إلا أن هذا الكيان الانفصالي تمكن من تنظيم انتخابات دورية، وتداول السلطة سلميًا، وتطوير منظومة قانونية ودستورية ناظمة للحياة السياسية.

غير أن هذا النجاح الظاهري يخفي خلفه العديد من الإشكاليات المعقدة التي تستدعي التحليل والتفكيك، وفي مقدمتها: إلى أي مدى يمكن اعتبار تجربة أرض الصومال نموذجًا ديمقراطيًا ناجحًا ومستدامًا؟ وما حدود هذه التجربة في ظل غياب الاعتراف الدولي؟ وكيف أثرت الخصوصية القبلية والاجتماعية في صياغة هذا النموذج السياسي؟ وهل يمكن اعتبار “الديمقراطية في أرض الصومال” تجربة انتقال ديمقراطي حقيقية، أم مجرد تكيّف محلي مع ظروف ما بعد الانفصال؟

ومن هنا تنبع إشكالية الدراسة المركزية في:

“مدى قدرة أرض الصومال على بناء تجربة ديمقراطية مستقرة وفاعلة في ظل غياب الاعتراف الدولي، والتحديات البنيوية والسياسية والاجتماعية التي تواجهها منذ إعلان انفصالها عن جمهورية الصومال عام 1991.”

وللإجابة على هذه الإشكالية الرئيسة، تطرح الدراسة مجموعة من الأسئلة الفرعية، على النحو الآتي:

  1. تسعى الدراسة للإجابة على الأسئلة التالية:
  2. ما هي العوامل التاريخية والسياسية التي مهدت الطريق لنشوء تجربة ديمقراطية في أرض الصومال منذ عام 1991؟
  3. ما هي ملامح البناء المؤسسي والدستوري لنظام الحكم، وكيف تم تنظيم العلاقة بين السلطات؟
  4. ما مدى فعالية آليات الانتقال السلمي للسلطة وإجراء الانتخابات خلال الفترة (1991–2025)؟
  5. ما هي أبرز التحديات البنيوية والسياسية التي واجهت التجربة الديمقراطية، وكيف تم التعاطي معها؟
  6. كيف أثّر غياب الاعتراف الدولي الرسمي على استقرار واستدامة التجربة الديمقراطية؟
  7. إلى أي مدى استطاعت أرض الصومال الحفاظ على التماسك الداخلي وإدارة التعدد القبلي والسياسي؟
  8. ما هي آفاق الحقوق السياسية للمرأة في ارض الصومال؟
  9. ما الدروس المستفادة من هذه التجربة، وإمكانية الاستفادة منها في جمهورية اليمن الجنوبية(عدن)؟

أهداف الدراسة

تسعى هذه الدراسة إلى تحليل تجربة أرض الصومال في بناء نظام ديمقراطي خلال الفترة الممتدة من عام 1991 وحتى عام 2025، مع التركيز على البنية السياسية والمؤسسية التي انبثقت بعد الانفصال عن جمهورية الصومال، وعلى التفاعلات الداخلية والخارجية التي أثرت في مسار هذه التجربة. وبناءً على ذلك، تنقسم أهداف الدراسة إلى أهداف عامة وأهداف خاصة على النحو التالي:

أولًا: الهدف العام

  • تحليل تجربة الديمقراطية في أرض الصومال من حيث النشأة، التطور، التحديات، والمآلات، في ظل غياب الاعتراف الدولي والواقع الجيوسياسي الصعب.

ثانيًا: الأهداف الخاصة

  1. تحديد السياق التاريخي والسياسي الذي رافق إعلان استقلال أرض الصومال عن جمهورية الصومال في عام 1991.
  2. تحليل الإطار الدستوري والقانوني الذي ينظم الحياة السياسية ومؤسسات الحكم في أرض الصومال.
  3. رصد وتحليل مسار الانتخابات والتعددية الحزبية وآليات تداول السلطة في أرض الصومال.
  4. تقييم دور العشائر والتكوينات الاجتماعية في دعم أو إعاقة التحول الديمقراطي.
  5. كشف التحديات الداخلية (البنيوية، الاقتصادية، الأمنية) التي تواجه التجربة الديمقراطية.
  6. تحليل أثر غياب الاعتراف الدولي على بناء الدولة وترسيخ الممارسات الديمقراطية.
  7. مقارنة تجربة أرض الصومال مع تجارب مشابهة في بيئات هشة أو غير معترف بها دوليًا.
  8. استخلاص الدروس المستفادة من تجربة أرض الصومال، وتقديم مقترحات لتعزيز مسار التحول الديمقراطي في سياقات مماثلة.

أهمية الدراسة

تنبع أهمية هذه الدراسة من طبيعة الموضوع الذي تتناوله، وهو تجربة نادرة وفريدة من نوعها في السياق الإفريقي والعربي، حيث تسعى “أرض الصومال” إلى ترسيخ نموذج ديمقراطي محلي رغم غياب الاعتراف الدولي ورغم ما تواجهه من تحديات داخلية وخارجية. وتتكامل أهمية الدراسة على مستويين: نظري وتطبيقي:

أولًا: الأهمية النظرية

  1. تساهم الدراسة في إثراء الأدبيات المتعلقة بالتحول الديمقراطي في البيئات الهشة، وخاصة في الكيانات غير المعترف بها دوليًا.
  2. توفر إطارًا تحليليًا لفهم العلاقة بين بناء الدولة والديمقراطية في مجتمعات ما بعد الصراع.
  3. تقدم معالجة علمية معمقة لتجربة سياسية قلما تناولتها الدراسات الأكاديمية باللغة العربية.

ثانيًا: الأهمية التطبيقية

  1. تسلّط الضوء على إمكانية نجاح تجارب ديمقراطية محلية حتى في ظل غياب الدعم الدولي، ما قد يشكل مرجعًا لصناع القرار في الدول الخارجة من النزاع.
  2. تساعد نتائج الدراسة الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية في تقييم جدوى دعم مثل هذه النماذج البديلة في إدارة الحكم.
  3. تستخلص دروسًا يمكن الإفادة منها في حالات أخرى مشابهة مثل جنوب السودان، ليبيا، اليمن، أو حتى كيانات غير معترف بها عالميًا.

وعليه، فإن هذه الدراسة لا تكتفي برصد الوقائع، بل تتجاوزها إلى محاولة تفسير وتحليل ديناميات التحول الديمقراطي في نموذج سياسي غير تقليدي، مما يمنحها أهمية علمية وعملية على حد سواء.

الفرضيات المبدئية للدراسة

  1. إن غياب الاعتراف الدولي لم يمنع أرض الصومال من بناء نظام ديمقراطي محلي فاعل نسبيًا.
  2. تُسهم البُنى العشائرية في دعم الاستقرار، لكنها قد تشكل عائقًا أمام التعددية الحزبية والمؤسسية.
  3. يُعد الأداء المؤسسي المحلي القائم على الشرعية الداخلية هو العامل الأهم في استمرارية النظام الديمقراطي، وليس الدعم الخارجي أو الاعتراف الدولي.

منهجية الدراسة

لتحقيق أهداف الدراسة والإجابة على إشكاليتها وأسئلتها البحثية، تم اعتماد منهجية علمية تستند إلى تعدد المناهج والأدوات التحليلية، بما يتلاءم مع طبيعة الموضوع وتشعباته السياسية والاجتماعية. وتشمل هذه المنهجية العناصر الآتية:

أولًا: المنهج المستخدم

  1. المنهج التحليلي الوصفي: استخدم لتحليل السياق السياسي والاجتماعي والدستوري الذي نشأت فيه تجربة الديمقراطية في أرض الصومال، ووصف تطوراتها ومراحلها.
  2. المنهج التاريخي: اعتمد لتتبع الخلفية التاريخية لتشكل الكيان السياسي لأرض الصومال منذ انفصاله عن جمهورية الصومال عام 1991، وفهم الجذور القبلية والسياسية التي ساهمت في صياغة النموذج الحالي.
  3. المنهج المقارن: استُخدم لمقارنة تجربة أرض الصومال مع تجارب مشابهة في كيانات غير معترف بها أو دول خارجة من صراعات، لاستخلاص أوجه الشبه والاختلاف.
  4. منهج دراسة الحالة (Case Study):نظرًا لأن أرض الصومال تمثل نموذجًا خاصًا، فقد اعتمدت الدراسة هذا المنهج لتعميق الفهم حول خصائصها وتجربتها كمجتمع سياسي محدد ومعزول.

ثانيًا: أدوات جمع البيانات

  • التحليل الوثائقي: من خلال مراجعة وتحليل الدساتير المؤقتة والقوانين الصادرة في أرض الصومال، والبيانات الحكومية، وتقارير المنظمات الدولية.
  • الدراسات السابقة: الاعتماد على البحوث والمقالات الأكاديمية ذات الصلة بالتجربة الديمقراطية في أرض الصومال وفي مناطق مماثلة.
  • التحليل السياسي والإعلامي: عبر رصد مضامين الخطابات الرسمية والتقارير الإعلامية المتعلقة بالانتخابات والتحولات السياسية.

ثالثًا: مجتمع الدراسة وعينتها

  • تركّز الدراسة على الفضاء السياسي والمؤسسي لأرض الصومال خلال الفترة 1991–2025، بما يشمل تطور النظام السياسي، التكوينات الحزبية، الانتخابات، المشاركة الشعبية، وأداء المؤسسات.
  • تشمل العينة التحليلية نماذج من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والوثائق الدستورية، وخطابات النخبة السياسية، والتقارير الصادرة عن مراقبين دوليين ومنظمات حقوقية.

رابعًا: حدود الدراسة

1. الحدود الزمانية:

تركز الدراسة على الفترة الممتدة من عام 1991 – وهو عام إعلان أرض الصومال انفصالها عن جمهورية الصومال – حتى عام 2025، وهو عام الدراسة والتحليل، ما يسمح برصد التطورات على مدى أكثر من ثلاثة عقود.

2. الحدود المكانية:

تنحصر الدراسة في نطاق “أرض الصومال” (Somaliland) باعتبارها الكيان السياسي الذي أعلن استقلاله من طرف واحد، وتمارس فيه سلطة فعلية على الأرض، رغم عدم الاعتراف الدولي.

3. الحدود الموضوعية:

تنصب الدراسة على تحليل البنية الديمقراطية والمؤسسات السياسية، ولا تشمل الجوانب الاقتصادية أو العسكرية إلا من حيث علاقتها المباشرة بالبناء الديمقراطي.

تعريف بالمصطلحات

لضمان وضوح المفاهيم المستخدمة في هذه الدراسة، وتحديد الإطار الدلالي لكل مصطلح، سيتم عرض تعريف موجز للمفاهيم الرئيسية التي تقوم عليها الإشكالية البحثية، وذلك على النحو الآتي:

  1. (أرض الصومال (صوماليلاند (Somaliland):

أرض الصومال كانت محمية بريطانية في الجزء الشمالي من الصومال الحالي وهي منطقة حكم ذاتي تقع في القرن الإفريقي، على شاطئ خليج عدن، وبالتحديد في شمال الصومال، يحدها من الجنوب والغرب دولة إثيوبيا، وتحدها جيبوتي من الشمال الغربي، وخليج عدن في الشمال، وفي الشرق يحدها اقليم بونتلاند التابع للحكومة الفيدرالية في الصومال.

تملك أرض الصومال ساحلا طويلا على خليج عدن يمتد بطول 740 كم (460 ميلا). وتبلغ مساحة أرض الصومال نحو 137600 كم2 (53100 ميلا مربعا). وهناك سلسلة جبال ترتفع إلى سبعة آلاف قدم في وسط وشرق البلاد.

أعلنت أرض الصومال استقلالها من طرف واحد، وتحديدا في 18 من مايو/ آيار 1991. ومنذ ذاك الوقت تمارس مهامها لتطوير نفسها كدولة مستقلة، بالرّغم من غياب الاعتراف القانونيّ لها. ويذهب البعض في تعريف أرض الصومال إلى أنها دولة غير معترف بها رسميًّا، لكنها دولة الأمر الواقع، تمارس سيادة كاملة على الحدود التي ورثتها من الاستعمار البريطاني، ولها علم، ونشيد وطني، وعملة، وجيش، وحكومة، وجواز سفر تتعامل معه بعض الدول الأوروبية والإفريقية.

نالت أرض الصومال استقلالها عام 1960، وبقيت دولة مستقلة معترفًا بها خمسة أيام قبل أن تنضم إلى الجنوب، لتكوين ما سمي بجمهورية الصومال، وهو الأساس القانوني الذي عليه تبنى قضية البحث عن الاعتراف.

وفي هذا البحث : يُقصد بـ”أرض الصومال” الكيان السياسي الذي أعلن انفصاله عام 1991، ويدير نفسه بشكل شبه مستقل ضمن الحدود الجغرافية التي كانت تُعرف سابقًا بـ”محمية الصومال البريطاني”.

  • الديمقراطية (Democracy):

هي نظام حكم يستند إلى سيادة الشعب، ويقوم على مجموعة من المبادئ أبرزها: التعددية السياسية، احترام الحقوق والحريات، الفصل بين السلطات، تداول السلطة سلميًا عبر الانتخابات، ومشاركة المواطنين في صناعة القرار. تختلف أشكال الديمقراطية بحسب السياق التاريخي والاجتماعي والثقافي للدول.

وفي سياق هذا البحث: يُقصد بالديمقراطية “الممارسات والمؤسسات السياسية التي تبنتها أرض الصومال منذ عام 1991 وحتى 2025، والتي تشمل الانتخابات الدورية، التعددية الحزبية، ودرجة المشاركة الشعبية في الحكم”.

  •  الاستقرار السياسي (Political Stability):

هو حالة من التوازن داخل النظام السياسي، يُقاس بمدى استمرار المؤسسات، وقدرتها على إدارة الصراع بشكل سلمي، وضمان الأمن العام، وتحقيق التوافق المجتمعي، دون الوقوع في أزمات مزمنة أو صراعات عنيفة.

وفي هذا البحث : يُقصد بالاستقرار السياسي “القدرة التي أظهرتها أرض الصومال في الحفاظ على نظام سياسي مستقر نسبيًا، في ظل غياب الاعتراف الدولي، وانعدام التدخلات العسكرية أو الانقلابات منذ عام 1991”.

  • البناء السياسي:

 هو العملية التي تُبنى من خلالها مؤسسات الدولة، وصياغة القواعد الدستورية والسياسية التي تنظم العلاقة بين السلطة والمجتمع.

  • التحديات الديمقراطية:

مجموعة العوامل البنيوية أو السياقية التي تعيق تطور النظام الديمقراطي، مثل النزاعات الداخلية، الضعف المؤسسي، غياب الاعتراف الدولي، الانقسامات القبلية، أو التدخلات الخارجية.

  • غياب الاعتراف الدولي:

يشير إلى الوضع القانوني الذي تكون فيه منطقة أو كيان سياسي غير معترف به من قبل الدول الأعضاء في المجتمع الدولي، ما يحد من قدرته على التفاعل الرسمي مع المنظمات والدول الأخرى.

المبحث الأوّل:

الخلفية التاريخية والسياسية لأرض الصومال

يمثل هذا المبحث حجر الأساس لفهم التجربة الديمقراطية لأرض الصومال، بوصفه استعراضًا تحليليًا للتطور التاريخي والسياسي الذي مرت به المنطقة منذ نشأتها ككيان مستقل إبان الحقبة الاستعمارية، وحتى إعلان انفصالها من طرف واحد عقب انهيار الدولة الصومالية عام 1991، مع تحليل العوامل التي أسهمت في تبلور هوية سياسية متميزة ومشروع دولة ديمقراطية رغم غياب الاعتراف الدولي.

أولًا: الجذور التاريخية لأمة أرض الصومال

 في عام 1913، قدّم جوزيف ستالين تعريفًا للأمة في كراسه الشهير “الماركسية والمسألة القومية”، وفقًا لستالين، فإن الأمة هي جماعة إنسانية ثابتة تكونت تاريخيًا، ونشأت على أساس وحدة اللغة، ووحدة الإقليم، ووحدة الحياة الاقتصادية، والتكوين النفسي والعقلي الذي يترجم ويتجسد في الثقافة المشتركة”[1]

ويشدد ستالين على أن هذه العناصر الأربعة—اللغة، والإقليم، والحياة الاقتصادية، والتكوين النفسي الثقافي—هي شروط ضرورية لتشكيل الأمة . ويؤكد أن غياب أيّ من هذه العناصر يعني أن الجماعة لا يمكن اعتبارها أمة بالمعنى الدقيق للكلمة.

هذا التعريف كان له تأثير كبير على السياسات القومية في الاتحاد السوفيتي، حيث تم استخدامه كأساس لتحديد القوميات وتنظيم العلاقات بين مختلف المجموعات الإثنية في الدولة.

وعرّف ستالين الأمة بأنها “مجتمع بشري مستقرّ تاريخيًا، قائم على أساس لغة مشتركة، وإقليم، وحياة اقتصادية، وتركيبة نفسية تتجلى في ثقافة مشتركة” [2] وتعرف بأنها “مجتمع سياسي يتشكل من أصل مشترك، وعلى الأقل من لغة وثقافة وتاريخ مشترك”. وبالتالي، فإن الأمة هي جماعة من الناس منظمون على أساس خصائص مشتركة. وتشير القومية أيضًا إلى “الوعي بالانتماء إلى أمة (محتملة أو فعلية)، إلى جانب الرغبة في تحقيق هوية تلك الأمة وسلامتها وازدهارها والحفاظ عليها وإدامتها”[3]

أمة أرض الصومال” أو “الأمة الصوماليلاندية” هي مفهوم ناشئ ومعقد يجمع بين البعد الهوياتي والتاريخي والسياسي، ويمثل تعبيرًا عن السعي لبناء كيان وطني مستقل ومتمايز عن الصومال. وفي ضوء تعريف ستالين للأمة – باعتبارها “مجتمعًا بشريًا مستقرًا تاريخيًا، قائمًا على أساس لغة مشتركة، وإقليم، وحياة اقتصادية، وتركيبة نفسية تتجلى في ثقافة مشتركة” – يمكن تحليل أرض الصومال (صوماليلاند) وفق العناصر التالية:

تُعدّ “أمة أرض الصومال” كيانًا في طور التشكّل، يجمعه تاريخ سياسي مشترك وهوية متميزة نشأت من تجربة الاستعمار البريطاني، تلتها فترة قصيرة من الاستقلال عام 1960، وعلى ضوء تعريف ستالين للأمة بأنها مجتمع مستقر يقوم على وحدة اللغة والإقليم والاقتصاد والثقافة، فإن أرض الصومال تستوفي معظم هذه الشروط، إذ يشترك سكانها في اللغة الصومالية، ويعيشون ضمن إقليم واضح المعالم، ولديهم حياة اقتصادية متمايزة نسبيًا، إلى جانب شعور نفسي وثقافي جماعي تجلى في تأسيس مؤسسات ديمقراطية ومحاولة نحت هوية وطنية مستقلة. وعلى الرغم من عدم الاعتراف الدولي الرسمي، فإن الوعي القومي المتنامي في صوماليلاند، وسعيها للانفصال السلمي، يعكس ملامح أمة تسعى لإثبات ذاتها ضمن مفهوم حديث للقومية والدولة.

وأرض الصومال كانت محمية بريطانية في الجزء الشمالي من الصومال الحالي وهي منطقة حكم ذاتي تقع في القرن الإفريقي، على شاطئ خليج عدن، وبالتحديد في شمال الصومال، يحدها من الجنوب والغرب دولة إثيوبيا، وتحدها جيبوتي من الشمال الغربي، وخليج عدن في الشمال، وفي الشرق يحدها اقليم بونتلاند التابع للحكومة الفيدرالية في الصومال.

تملك أرض الصومال ساحلا طويلا على خليج عدن يمتد بطول 740 كم (460 ميلا). وتبلغ مساحة أرض الصومال نحو 137600 كم2 (53100 ميلا مربعا). وهناك سلسلة جبال ترتفع إلى سبعة آلاف قدم في وسط وشرق البلاد.

خضعت أرض الصومال لسيطرة الاستعمار البريطاني اعتبارًا من عام 1884، بموجب اتفاقيات وقعتها بريطانيا مع زعماء العشائر الصومالية شمال البلاد. وقد اتسمت إدارة بريطانيا للمحمية بطابع غير مركزي، حيث اعتمدت بشكل كبير على البُنى التقليدية والعشائرية، ما عزز من استقلالية المنطقة وهويتها السياسية والاجتماعية المتميزة عن باقي أجزاء الصومال، لاسيما الصومال الإيطالي في الجنوب.

تقع أرض الصومال في موقع استراتيجي في القرن الأفريقي له أهمية بالغة لشركات النفط العالمية بسبب قربه من منابع بترول الخليج، ولأنه فريب من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر شريان الحياة التجارية، ومن ثم فإن دوله تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى أوربا، والولايات المتحدة. كما أنها تُعد ممرا مهما لأي تحركات عسكرية، قادمة من أوربا، أو الولايات المتحدة، في اتجاه منطقة الخليج العربي، ولا تقتصر أهمية القرن الإفريقي على اعتبارات الموقع فحسب، وإنما تتعدا للموارد الطبيعية، خاصة النفط والأراضي الزراعية الخصبة والثروة الحيوانية الهائلة التي يتمتع بها أهل أرض الصومال.

كما لم تسعَ بريطانيا إلى دمج المنطقة اقتصاديًا أو إداريًا في مشاريع تنموية واسعة، وهو ما ترك فراغًا لاحقًا أسهم في ضعف الدولة بعد الاستقلال، لكنه من ناحية أخرى سمح بتشكّل تقاليد سياسية محلية أكثر مرونة وقدرة على التفاوض والوساطة، انعكست لاحقًا في نموذج الحوكمة التوافقية لأرض الصومال[4].

ثانيًا: تجربة مشروع الوحدة الفاشل مع مقديشو(1960–1991)

في 26 يونيو 1960، نالت أرض الصومال استقلالها من بريطانيا، وتبعتها بعد خمسة أيام (1 يوليو 1960) الصومال الإيطالي. وسرعان ما اندمج الكيانان فيما عرف بـ”جمهورية الصومال الكبرى”، في خطوة وُصفت حينها بأنها تجسيد لحلم القومية الصومالية. غير أن الاندماج تمّ دون اتفاق واضح على تقاسم السلطة والثروة، مما أدى إلى اختلالات بنيوية في إدارة الدولة.

كان سكان محمية أرض الصومال، الذين تضرروا من الاتفاقيات البريطانية التي تنازلت عن أراضي الرعي الصومالية لإثيوبيا، من أشد المؤيدين للاستقلال السريع والاتحاد مع الجنوب الخاضع للسيطرة الإيطالية. وبمجرد أن تحققت هذه الطموحات عام ١٩٦٠، ساد الاعتقاد بأن الصوماليين، إحدى أكبر المجموعات العرقية في أفريقيا، والذين يتشاركون تقاليد لغوية ودينية وثقافية ونسبية، لديهم فرصة أكبر لإنشاء دولة قومية حديثة من معظم الدول الأفريقية حديثة الاستقلال. وبعد ثلاثين عامًا، بدا انهيار هذا المجتمع المتجانس ظاهريًا محيرًا، ظاهريًا على الأقل.

شهدت حقبة ما بعد الاستعمار الثانية (1960-1969) خيبة أمل سريعة في الديمقراطية والحكومة التمثيلية الموحدة. أدى توسع بيروقراطيات الدولة، ومركزية التنمية، وتزايد المساعدات الخارجية (التي كان معظمها عسكريًا بطبيعته ولم يُحقق تنمية بشرية حقيقية) إلى تحول الدولة إلى ساحة صراع، حيث سعت الجماعات العشائرية إلى الحصول على حصص أكبر من الموارد العامة لاستخدامها الخاص.

في عام 1969، استولى الجنرال محمد سياد بري على السلطة بانقلاب عسكري[5]، وأعلن النظام الاشتراكي، وألغى التعددية السياسية. ورغم محاولاته تحديث الدولة، إلا أن حكمه اتسم بالاستبداد، واعتمد على القمع وتهميش الخصوم والعشائر غير الموالية، ما أدى إلى تراكم الغضب الشعبي والعشائري ضده.[6] في 1991، سقط نظام بري بعد تمرد مسلح واسع، لتدخل البلاد في مرحلة انهيار شامل للدولة، وصراع داخلي متعدد الأطراف والعشائر.

وقد شهدت هذه الفترة ظهور “الاشتراكية العلمية” التي استهدفت صراحةً “تحديث” المجتمع الصومالي والقضاء على “العشائرية” من خلال دمج الهياكل العشائرية في الحزب، ومركزية السلطة السياسية، وتأميم الأراضي. ولكن بدلاً من تحقيق هذه النتائج، كانت النتيجة هي زيادة “أمننة” الدولة مع نمو المعارضة، والتي تم توجيهها تحديدًا من خلال الهياكل العشائرية التي يُفترض تفكيكها. وفي محاولة لكبح موجة المعارضة المتصاعدة، حاولت الديكتاتورية تعزيز الشعور القومي من خلال “استعادة” الأراضي الصومالية المتجاورة والمحددة ثقافيًا.

وقد أدت الحرب والهزيمة التي تلت ذلك على يد إثيوبيا للسيطرة على أوغادين (التي يسكنها الصوماليون العرقيون ولكن تحكمها إثيوبيا) إلى التعجيل بنهاية ديكتاتورية بري.

ظهرت حركات المعارضة المتمردة في أعقاب الهزيمة أمام إثيوبيا عام ١٩٧٧، وردًا على فساد النظام واستبداده وانتهاكه لحقوق الإنسان، أدى ذلك إلى حرب أهلية. ومن بين جماعات المعارضة الحركة الوطنية الصومالية (SNM)، التي استمدت الدعم من عشيرة إسحاق التي سيطرت على المحمية البريطانية القديمة. دمرت الحرب الأهلية جزءًا كبيرًا من العاصمة مقديشو، ومدنًا أخرى، بما في ذلك هرجيسا وبرعو، عاصمة أرض الصومال ومدينتها الثانية. وأدت الحرب مباشرة إلى نقص في الغذاء ومجاعة واسعة النطاق، أودت بحياة أكثر من ٢٥٠ ألف صومالي، وأدت إلى لجوء ما بين مليون ومليوني صومالي أو نزوحهم داخليًا. في أرض الصومال، أدت الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وتصور الهيمنة الجنوبية، والتوزيع غير العادل للتنمية والموارد، إلى تدمير الحلم القومي بصومال كبير موحد. أدى هذا التحول الهائل في الرأي العام إلى إعلان استعادة أرض الصومال لسيادتها – نتيجة فورية للضغط الشعبي ضد إرادة معظم قادة أرض الصومال في ذلك الوقت.

تعرض أبناء الشمال لتهميش سياسي، وعُيِّن أبناء الجنوب في مواقع القرار الأساسية في الحكومة والجيش والدبلوماسية. هذا التفاوت تجلى في انعدام العدالة في توزيع الاستثمارات التنموية والخدمات، إضافة إلى القمع الذي واجهه سكان الشمال، خاصة في عهد الرئيس محمد سياد بري (1969–1991)، الذي اتبع سياسات قمعية وصلت ذروتها في قصف مدينتي هرقيسا وبربرة عام 1988، مخلفًا آلاف القتلى والنازحين.

وتشير تقارير أنه لم يتبق على حاله سوى 10% من المباني في هرجيسا، حيث تم تفجير العديد من المباني وقصفها، كما تم نشر الألغام الأرضية في جميع أنحاء البلاد، وتم تدمير المستشفيات والمدارس والعيادات والآبار، وتم تلغيم الجسور والطرق مما جعل الاتصال مستحيلاً[7]

وقد شكلت هذه التجربة المريرة حافزًا قويًا لسكان الشمال لرفض استمرار الوحدة بالقوة، والبحث عن مشروع انفصال يُعيد إليهم كرامتهم وهويتهم السياسية الخاصة. كان على الاتحاد أن يثبت أنه صعب، وقد ناور البلدان لعقود من الزمن في حالة من التوتر السياسي والتفاوت الاقتصادي والحرب عندما انهارت الحكومة الصومالية في عام 1991، حظيت أرض الصومال باللحظة المثالية لإحياء سيادتها.

ثالثًا: إعلان الاستقلال من طرف واحد ومسار بناء الدولة (1991–1997)

كان يوم 18 مايو 1991 هو العام الذي أعلنت فيه منطقة أرض الصومال في القرن الأفريقي استقلالها عن الصومال بعد انهيار الحكومة الصومالية ونهاية الحرب الأهلية الوحشية التي دمرت البلاد بشكل غير متناسب.  بعد الحرب الأهلية، انطلقت أرض الصومال على المسار المتمثل في بناء الدولة: تثبيت استقرار الحكومة، وإنشاء مؤسسات ديمقراطية فعّالة، ومجتمع مدني حيوي. وكانت كل هذه الأمور مبنية على دستور تم التصديق عليه من خلال استفتاء شعبي في عام 2001 لوضع الأساس الذي يقوم عليه الحكم في أرض الصومال، وخاصة على حكم القانون، والفصل بين السلطات، واحترام حقوق الإنسان الأساسية.  كل هذه الإنجازات العظيمة تمنح أرض الصومال “دولة غير معترف بها”، الأمر الذي له العديد من العواقب العميقة على تنميتها الاجتماعية والاقتصادية، وعدم الاستقرار في المنطقة، و”الممارسات الدبلوماسية والتجارية في جميع أنحاء العالم”.  بدون الاعتراف الدولي، تُحرم أرض الصومال من الوصول إلى النظام المالي الدولي، والاستثمار الأجنبي الكبير، والاندماج الكامل في المنتديات الاقتصادية والسياسية العالمية.

 وقد أدى هذا حتماً إلى خلق حدود لفرص التنمية في البلاد، بصرف النظر عن الدور التجاري الاستراتيجي الذي يمكن أن يوفره موقعها على طول خليج عدن.  يضاف إلى ذلك حساسيات القرن الأفريقي فيما يتعلق بالجيوسياسية الإجمالية. وذلك لأن المنطقة برمتها مليئة بالعلاقات السياسية المعقدة، والتحديات الأمنية، والعديد من الدول والجهات غير الحكومية التي تلعب لعبة الشطرنج لمصالحها.

 أدى الموقع الاستراتيجي إلى إضفاء أهمية على أرض الصومال في الأمن والاقتصاد الإقليميين، وقد يبدو أن محاولة الاعتراف بها تمس المصالح الإقليمية والدولية القوية.  على الرغم من أنها كانت متعددة الطبقات: فهي تنطوي على ارتباطات ثنائية ومتعددة الأطراف على مختلف المستويات وحملات دبلوماسية عامة تهدف أيضًا إلى التأكيد على الإنجازات الديمقراطية والاستقرار.

وقد شملت هذه الجهود ممارسة الضغوط على مستوى الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والدول المؤثرة، وخاصة في الغرب. ومع ذلك، فإن المبدأ الكامن وراء الحفاظ على السلامة الإقليمية – وهو مبدأ أساسي في سياسة الاتحاد الأفريقي – كان بمثابة حجر عثرة مهم.  تخشى معظم الدول الأفريقية من إرساء سابقة من خلال الاعتراف الذي قد يثير حركات انفصالية مماثلة في الدول المعنية، وينشر عدم الاستقرار في جميع أنحاء القارة الأفريقية، السبب الأعمق لهذا التردد تجاه الاعتراف من جانب المجتمع الدولي يكمن في التفاعل المعقد بين القانون الدولي وسيادة الدولة. على الرغم من أن معايير الدولة قد تم توضيحها في اتفاقية مونتيفيديو، وبالتالي، هناك قانون يحكم الدولة وممارسات الاعتراف، إلا أن الواقع السياسي للاعتراف غالبًا ما يختلف بشكل كبير عن مبدأ الدولة.  القالب الذي توفره هذه المبادئ القانونية. فهي تلبي مؤهلات وجود سكان دائمين، ومنطقة محددة، وحكومة فعالة، والقدرة على الدخول في علاقات مع الدول الأخرى. ومع ذلك، فإن هذا الأخير هو عمل سياسي بالكامل من جانبهم وقد يكون مشروطًا بالمصالح الاستراتيجية التي يخدمها المدعي وباعتبارات جيوسياسية.  لذلك كانت أرض الصومال بمثابة دراسة حالة قوية في تعقيد القانون الدولي والدبلوماسية وسيادة الدولة في العالم الحديث. فهو يبرز التوتر بين المعايير القانونية الحالية للدولة وعملية الاعتراف السياسية، ومعنى التداعيات السياسية الإقليمية والدولية على تطلعات الكيانات غير المعترف بها، والقضايا الواسعة المتعلقة بالسلام والاستقرار في منطقة السيادات المتنازع عليها.

إن تجربة أرض الصومال، منذ إعلان استقلالها عام 1991، هي قصة قوتها والتزامها بتحقيق سيادتها وضمان الاستقرار في المنطقة. ويشكل الافتقار إلى الاعتراف الدولي ثغرة كبيرة، ولكنه يعني في حد ذاته ضرورة وجود بعض الفروق الدقيقة في التفاعل بين المعيار القانوني والواقع السياسي داخل النظام الدولي. بينما تواصل أرض الصومال سعيها للحصول على الاعتراف، تظل القضية أيضًا ذات صلة بقياس إمكانات وقيود مشاريع بناء الدولة في خلفية الديناميكيات المعقدة للجغرافيا السياسية.[8]

ومنذ تلك اللحظة، بدأ مسار بناء الدولة وفق رؤية محلية تستند إلى:

  • الشرعية العشائرية كمدخل لتحقيق الاستقرار.
  • التوافق السياسي كأداة لإدارة التنوع الداخلي.
  • التحرر من النموذج المركزي الفاشل الذي ساد في مقديشو.

وقد عُقدت عدة مؤتمرات محلية (مثل مؤتمر بُرعو 1993) تم خلالها إرساء أسس النظام السياسي الجديد، بما في ذلك تشكيل مؤسسات مؤقتة وانتقالية، وإقرار دستور مؤقت، وبناء جيش وأجهزة أمن محلية. اعتمد هذا المسار على التفاوض بين شيوخ العشائر والقيادات السياسية بدلاً من القتال، ما شكّل سابقة في بيئة مضطربة وعنيفة.

رابعًا: ترسيخ نموذج سياسي هجين: بين التقليد والحداثة (1997–2025)

منذ سقوط النظام الصومالي الديكتاتوري لسياد بري عام ١٩٩١، نجحت أرض الصومال تدريجيًا في بناء ما يبدو أنه سلامٌ دائم وديمقراطية دولة قومية متطورة قائمة على الدستور. ولا تزال البلاد تُفاوض على العلاقة بين الهوية والأمة والإقليم، حيث يوجد التزامٌ مُتفاوتٌ بالديمقراطية بين النخبة السياسية وعامة الشعب. وقد أتاحت التقاليد الاجتماعية والثقافية المحلية التوفيق بين بنية اجتماعية قائمة على العشائر والديمقراطية التمثيلية. وقد أثبت التدخل الخارجي، وإن كان محدودًا، فعاليته في بعض الأحيان في إيجاد مخرجٍ من الأزمات. وقد نجت هذه المنطقة من العنف والانهيار السياسي الذي شهدته مناطق جنوب الصومال. تُجادل هذه المساهمة بأن المرونة الملحوظة للنظام الاجتماعي والسياسي الحالي في أرض الصومال تواجه تحدياتٍ بسبب المشاكل الحالية والمستقبلية في مجالات التمثيل الديمقراطي (بما في ذلك تمثيل المرأة)، وتوفير المنافع العامة، والسياق شبه الإقليمي الهش، والاستثمار الأجنبي[9].

العقبات والنجاحات في طريق أرض الصومال نحو الديمقراطية

منذ عام ١٩٩١، سعت أرض الصومال، في سياق دولي يشهد دولًا فاشلة وضعيفة وانعدامًا متزايدًا للأمن العالمي، إلى الحصول على اعتراف دولي ككيان ذي سيادة. وقد أتاح إعلان الاستقلال عام ١٩٩١ للدولة الجديدة فرصةً للتخلي عن أشكال الحكم العسكري، مما أدى إلى سعيها لبناء أنظمة حكم شرعية وخاضعة للمساءلة، اعتقادًا منها بأنها ستساعد في سعيها للحصول على الاعتراف. في عام ١٩٩٩، وفي استراتيجيةٍ تُبرر هذا تحديدًا، وافقت إدارة هرجيسا على خططٍ لإدخال نظام سياسي متعدد الأحزاب وغير عشائري، وأُجريت عدة انتخابات لاحقة.

ومع ذلك، يمكن القول إن نجاح أرض الصومال قام على التقاليد العرفية في حل النزاعات، مما أدى إلى السلام والاستقرار المستدامين (على النقيض تماما من الصومال إلى الجنوب)، وأن أرض الصومال تمثل نظاما هجينا يستغل المؤسسات التقليدية (القائمة على العشائر) والمؤسسات السياسية الحزبية.

من الواضح أن أرض الصومال لم تنجح في الحصول على اعتراف رسمي بسيادتها، على الرغم من إحراز بعض التقدم غير الرسمي. ويمكن القول أيضًا إن الارتباط الوثيق بين الديمقراطية والاعتراف الدولي أدى إلى ميل الحكومات المتعاقبة إلى اعتبار التحول الديمقراطي مجرد أداة في السعي للحصول على الاعتراف، بدلًا من اعتباره هدفًا جديرًا بالاهتمام في حد ذاته. ويمكن اعتبار الانتكاسات الأخيرة في المكاسب الديمقراطية دليلًا على ذلك، وهي تُمثل أجندة “أمننة” قصيرة النظر تُقلق سكان أرض الصومال وحلفائها في الخارج.

بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من الأساطير المعاصرة حول أرض الصومال التي لا تُسهم في تعزيز مأسسة الأنظمة الديمقراطية. إحداها تقوم على الاعتماد على الذات: “لم يُساعدنا أحد، لقد فعلنا ذلك بمفردنا”. والثانية هي: “نحن نسير على طريق الديمقراطية لا يُقهر”. والثالثة هي أن هذا الطريق هو أيضًا طريق الانتقال من التقليدي إلى الحديث، وكأنهما نقيضان. والرابعة هي أن وجود قضية قانونية قوية يكفي لنيل الاعتراف الدولي. ومع أن أيًا من هذه الادعاءات ليس خطيرًا بطبيعته، إلا أنه لا يصمد أمام التدقيق الدقيق. يجب أن ندرك أيضًا ميل الحكومات إلى التذرع بالمخاوف الأمنية كذريعة لترسيخ سلطتها، والسعي إلى حلول سريعة، واحتمال أن يؤدي ذلك إلى عزلة سكانية، وما يصاحب ذلك من مخاطر في منطقة غير مستقرة[10].

منذ أواخر التسعينيات، بدأت أرض الصومال بالتحول إلى نظام سياسي يجمع بين المؤسسات الديمقراطية الحديثة والتقاليد السياسية المحلية. فقد تم تبني دستور دائم في عام 2001 بعد استفتاء شعبي، تضمن مبادئ:

  • التعددية الحزبية.
  • الانتخابات الدورية.
  • الفصل بين السلطات.
  • حرية التعبير والتنظيم.

وقد أجريت عدة انتخابات رئاسية وتشريعية (2003، 2010، 2017، 2021)، تميزت بالسلمية والنزاهة النسبية، على الرغم من بعض التأجيلات والمشاكل اللوجستية.

يُعد هذا النموذج الهجين فريدًا، إذ إنه يضمن مشاركة العشائر في صنع القرار عبر “مجلس الشيوخ” التقليدي، مع الحفاظ على مظهر الدولة الحديثة. وقد أظهرت أرض الصومال قدرة استثنائية على الاستمرار والبقاء رغم الفقر، الحصار الدبلوماسي، والصراعات المحيطة بها.

خامسًا: الإشكالية القانونية والسياسية في غياب الاعتراف الدولي

رغم التقدم السياسي والديمقراطي، لا تزال أرض الصومال تعاني من غياب الاعتراف الدولي بها كدولة مستقلة، وهو ما يفرض عليها تحديات كبيرة في مجالات:

  • التمويل الدولي.
  • التعامل الدبلوماسي.
  • الحصول على الاستثمارات.
  • النفاذ إلى المنظمات الدولية.

إن عدم الاعتراف الدولي الرسمي بصوماليلاند بحد ذاته يحمل الدولة تكاليف مباشرة. فالبلاد لا تستوفي شروط بعض أشكال مساعدات المانحين الثنائية أو دعم المؤسسات المالية الدولية في إعادة الإعمار. وقد أدى عدم الاعتراف إلى تثبيط الاستثمارات الأجنبية وتقييد الممارسات التجارية. ومع ذلك، فإن المساعدة الدولية الضئيلة التي تم تلقيها تعني أن إعادة الإعمار اعتمدت على براعة وموارد سكان صوماليلاند، ومعظمها من تحويلات المغتربين. كما يعني عدم الاعتراف أن سكان صوماليلاند تمتعوا بحرية واسعة غير عادية لبناء أنظمتهم السياسية الخاصة. خلال العامين الأولين، كان هذا يعني الحكم من قبل إدارة عسكرية مؤقتة محاصرة بشكل متزايد. ثم، في عام 1993 في بلدة بورما، تفاوض مؤتمر وطني على الانتقال إلى حكومة مدنية قائمة على نظام هجين يجمع بين المؤسسات التقليدية لحكم العشائر (أي الديمقراطية الرعوية الذكورية) والعديد من المؤسسات الحكومية الرسمية لدولة ويبيريا.

ومع ذلك، فقد تمكنت من الحفاظ على حالة من الاستقرار السياسي والأمني، تجعلها استثناءً في منطقة القرن الإفريقي، ما يعزز مشروعية مطالبها بالاعتراف.

إن أرض الصومال توضح مدى فعالية النهج الداخلي، المتجذر ثقافياً، “من القاعدة إلى القمة” في بناء الأمة بعد الحرب […] التوفيق بين الثقافات والتقاليد الأصلية والحداثة.

يُقارن هذا بافتراض ضرورة وجود دولة قوية ومركزية بعد الاستعمار. وبينما نُجادل بأن مرونة النظام الحالي تعتمد تحديدًا على براغماتية التوفيق بين التقليد والحداثة، فإننا نتساءل عما إذا كان هذا التفاعل لا يزال يتمتع بالقدرة الكافية على حل المشكلات الحالية والمستقبلية.

ينطوي هذا التفاعل على عناصر متناقضة واضحة، كما نحدد عددًا من المفارقات الأخرى التي تواجه أرض الصومال. أولها أنه في حين أن الصومال دولة فاشلة تحظى باعتراف دولي، فإن أرض الصومال تمتلك جميع مقومات الدولة الفاعلة، ولكن دون اعتراف. من حيث الشروط المحددة للدولة الفعلية، تستوفي أرض الصومال جميع هذه الشروط.

  1. إنها تتمتع بقيادة سياسية منظمة وتتمتع بنوع من الدعم الشعبي.
    1. إنها تحتوي على عدد معين من السكان.
    1. لديه القدرة على تقديم بعض الخدمات.
    1. إنها تمتلك منطقة إقليمية محددة ولديها سيطرة فعلية على تلك المنطقة “لفترة زمنية ممتدة”
    1. إنها كيان يرى نفسه قادرًا على الدخول في علاقات مع الدول ذات السيادة.
    1. إنها كيان يسعى إلى الاستقلال الدستوري الكامل والاعتراف الدولي بهذه السيادة ولكنه غير قادر على تحقيق ذلك.

وثانياً، حصلت الصومال على كميات هائلة من التمويل الدولي في إطار الجهود الرامية إلى إنشاء دولة فاعلة، ولكنها لم تتمكن إلى حد كبير من تحقيق ذلك، في حين اتبعت أرض الصومال مسارها الخاص وحققت درجة كبيرة من السلام والاستقرار.

ثالثاً، على الرغم من أن أرض الصومال سعت إلى السيادة التقليدية للدولة، فإن دولتها ومواطنيها ــ مثل نظرائهم في الصومال ــ انخرطوا في علاقات مع العالم الخارجي كجزء من التبادل العالمي الجديد خارج حدود نظام الدولة الرسمي.

والمفارقة الرابعة هي أنه عند استقلال الصومال البريطاني والصومالي الإيطالي عام ١٩٦٠، كان يُعتقد أن الصوماليين يتمتعون بفرصة أفضل بكثير من غيرهم في تكوين دولة متماسكة، إذ تشترك الأغلبية في اللغة والدين والعرق وغيرها من الخصائص. إلا أن انهيار الصومال دحض هذا الافتراض، مما أدى إلى ظهور نظرية جديدة مفادها أن الصوماليين فوضويون للغاية بحيث لا يستطيعون تكوين دولة مركزية قوية. وقد دحضت أرض الصومال بدورها هذا الادعاء.

المفارقة الخامسة هي أنه بينما افترض الكثيرون وجود صلة واضحة بين الاعتراف الدولي والديمقراطية، ولاحظوا إرادة الشعب الواضحة في تقرير المصير، فإن هذه الصلة ليست خالية من الإشكاليات. هناك فرق بين ما يبدو أنه سعيٌ نخبويٌّ للحصول على الاعتراف من خلال الاستخدام الأداتي للديمقراطية، وبين رغبة شعبية في الديمقراطية كمنفعة عامة أصيلة. ويتضح هذا الفرق بشكل خاص عندما يكون مفهوم النخبة المفضل للديمقراطية مفهومًا شكليًا، يقتصر على إجراء الانتخابات والالتزام بالعناصر العملية للديمقراطية.

وأخيرا، ورغم أن أرض الصومال لديها قضية قانونية جيدة للغاية للاعتراف بها بموجب قواعد منظمة الوحدة الأفريقية، ومؤخرا، بموجب قواعد الاتحاد الأفريقي، فإن قيادة أرض الصومال لم تظهر دائما فهما لضرورة العمل السياسي الاستراتيجي المنسق لدعم هذا الادعاء، ولا يبدو أنها تتمتع بفهم كامل للحجج والمصالح المتعارضة[11].

***.

مما سبق يتضح أن الخلفية التاريخية والسياسية أن التجربة الديمقراطية لأرض الصومال ليست وليدة لحظة سياسية عابرة، بل هي نتاج تراكمي لتحولات كبرى في الوعي والهياكل السياسية، مدفوعة بتجربة تهميش وقمع أثناء الوحدة، ورغبة في بناء كيان سياسي مستقل قائم على التوافق الداخلي والمؤسسات المستدامة. وقد نجحت في ذلك إلى حد بعيد، ما يجعل تجربتها محل دراسة ومقارنة في سياقات ما بعد الصراع.

المبحث الثاني:

المرتكزات الدستورية والمؤسسية لبناء النظام الديمقراطي في أرض الصومال

دشّنت استعادة السيادة مرحلةً من إعادة الإعمار والمصالحة وإعادة بناء مؤسسات الدولة. خلال السنوات الأولى لاستعادة الاستقلال، واجهت أرض الصومال تحدياتٍ هائلة في بناء مؤسسات دولة حديثة في بيئةٍ سيطر فيها دور العشائر على الساحة السياسية في البلاد. وقد سهّل النهج التقليدي في السياسة، الذي اتسم بالشمولية والمشاركة، دور العشائر.

وهكذا، شملت العملية الأولية لتشكيل الدولة ممثلين عن جميع العشائر، والشيوخ التقليديين، والزعماء الدينيين، ورجال الأعمال، والسياسيين، ومجتمعات الشتات. في الوقت نفسه، ونظرًا للأجواء التي كانت تُثير القلق بشأن احتمال العودة إلى الحرب، كانت مختلف الأطراف مستعدة للتوصل إلى تسويات سياسية.

لقد نجح التداخل بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية بشكل معقول، على الأقل خلال السنوات الأولى من استعادة الاستقلال. وكان التفاعل المنتظم للدولة مع الزعماء التقليديين والدينيين جوهريًا ولا غنى عنه في الحفاظ على القانون والنظام. ومع ذلك، مع مرور الوقت، بدأت تظهر تناقضات كبيرة في وجهات النظر وتشكل تحديات للدولة الجديدة، على الرغم من أن الاستقرار السياسي للبلاد ظل سليمًا إلى حد كبير، وذلك بفضل العلاقة الوثيقة بين قيادة الحركة الوطنية الصومالية وسلطات العشائر، وبفضل نهج بناء التوافق في صنع القرار الذي كان قائمًا. ومع ذلك، فقد أعاق النهج الشامل والقائم على التوافق إدخال الإصلاحات اللازمة لمؤسسات الدولة، وأدى إلى تحديات متزايدة في مواءمة وجهات النظر المختلفة، ولا سيما وجهات نظر الدولة وزعماء العشائر والسلطات الدينية[12].

وقد مثّلت المرحلة ما بعد إعلان الاستقلال من طرف واحد عام 1991 بداية تأسيس بنية دستورية ومؤسسية مغايرة لما كان عليه الحال في جمهورية الصومال الموحدة. وقد سعت أرض الصومال إلى إرساء قواعد لنظام ديمقراطي يعكس التعدد الاجتماعي والقبلي، ويضمن مشاركة أوسع للفئات السياسية والاجتماعية، من خلال المزج بين آليات الحداثة وأدوات الحكم التقليدية.

أقرّ سكان ارض الصومال في 31 أيار/مايو 2001م أول دستور مكتوب للجمهورية المعلنة عنها من طرف واحد عبر استفتاء عام بنسبة 97 بالمئة من المقترعين. وينص الدستور على انتخاب رئيس الجمهورية ونائبه معا في انتخابات عامة على أساس الأكثرية العددية للقواعد الانتخابية لنظام اللائحة الحزبية.

أما السلطة التشريعية فتتألف من مجلسين تشريعيين؛ هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ. وينص الدستور على انتخاب أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 82 عضوا في انتخابات عامة حرة؛ وذلك لولاية مدتها خمس سنوات. ولا يحدد الدستور الطريقة التي ينتخب بها أعضاء مجلس الشيوخ. ومدة ولاية مجلس الشيوخ 6 سنوات. ويعتمد أرض الصومال على نظام التعددية الحزبية، لكنه لا يمكن وجود أكثر من ثلاثة أحزاب سياسية في آن واحد وفقا للدستور.

أولًا: الأسس الدستورية للنظام السياسي

في 31 أيار/مايو 2001م أقرّ أهل أرض الصومال أول دستور مكتوب للجمهورية عبر استفتاء عام بنسبة 97 بالمئة من المقترعين. وينص الدستور على انتخاب رئيس الجمهورية ونائبه معا في انتخابات عامة على أساس الأكثرية العددية للقواعد الانتخابية لنظام اللائحة الحزبية.

تتألف السلطة التشريعية للجمهورية من مجلسين تشريعيين؛ هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ. وينص الدستور على انتخاب أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 82 عضوا في انتخابات عامة حرة؛ وذلك لولاية مدتها خمس سنوات. ولا يحدد الدستور الطريقة التي ينتخب بها أعضاء مجلس الشيوخ. ومدة ولاية مجلس الشيوخ 6 سنوات.

ووفقا للدستور لا يمكن وجود أكثر من ثلاثة أحزاب سياسية في آن واحد. اكتسبت أكبر ثلاث أحزاب هذا الحق في الانتخابات البلدية سنة 2002م. وخاضت ثلاثة أحزاب أخرى الانتخابات البلدية التي عقدت في 22 كانون أول/ديسمبر 2002م. وفاز الحزب الديمقراطي الشعبي المتحد ب41 بالمئة من الأصوات، بينما فاز حزب كولمية وحزب العدالة والرفاه بـ 19 بالمئة و11 بالمئة من الأصوات على التوالي.[13]

  1. إقرار دستور مؤقت (1993–2001)

خلال تسعينيات القرن الماضي، تم العمل بدستور مؤقت نابع من التوافق بين زعماء العشائر وقيادات الحركة الوطنية الصومالية. وقد أسس هذا الدستور لنمط حكم صوماليلاند لديها وثائق دستورية أخرى ذات أهمية تاريخية تتراوح من المعاهدات الدولية التي وقعتها مختلف مجتمعات أرض الصومال مع الحكومة البريطانية، والترتيبات الدستورية المختلفة قبل الاستقلال في عام 1960 إلى إعلان إعادة تأكيد السيادة في عام 1991 (في برعو) في واحدة من أقدم المؤتمرات الكبرى لمجتمعات صوماليلاند. على الرغم من أن جمهورية صوماليلاند كانت مستقلة لفترة قصيرة في يونيو 1960 ، إلا أنها اتحدت لاحقًا مع إقليم الوصاية الصومالي لتشكيل جمهورية الصومال  خلال تلك الفترة القصيرة لم يتم اعتماد دستور شامل. كان لدولة أرض الصومال دستورها الخاص الذي تمت صياغته في أوائل عام 1960، وتم تطبيقه لفترة وجيزة.

مرسوم رئاسي بالمصادقة على دستور أرض الصومال من قبل محمد حاج إبراهيم عقال فكانت أول وثيقة دستورية رئيسية لصوماليلاند المستقلة هي الميثاق الوطني  (Axdi Qaran)، الذي وقع عليه مؤتمر مجتمعات صوماليلاند في عام 1993 في بوراما . تبع ذلك أول دستور لأرض الصومال، والذي تم تبنيه في مؤتمر مجتمعات صوماليلاند في هرجيسا في فبراير 1997. وبموجب المادة 151، يُنفذ الدستور لمدة ثلاث سنوات من الموافقة عليه في فبراير 1997، ويدخل حيز التنفيذ بالكامل بمجرد إجراء الاستفتاء. كان هناك نص على زيادة هذه الفترة المؤقتة من قبل مجلسي البرلمان، وفي أوائل عام 2000، صوت المجلسان على زيادة الفترة بمقدار عام واحد. كان هذا في المقام الأول لإعطاء مزيد من الوقت لاستكمال مراجعة الدستور (قبل تقديمه إلى الأمة في استفتاء) ولإقرار القوانين والآليات لتغيير الديمقراطية «التمثيلية» الحالية في أرض الصومال إلى ديمقراطية شعبية. على أساس الانتخابات المباشرة لرئيس صوماليلاند وبرلمان أرض الصومال.

على الرغم من أن حكومة صوماليلاند اقترحت في البداية تعديلات واسعة النطاق إلى حد ما على الدستور في عام 1999، إلا أن الدستور النهائي المنقح لا يختلف كثيرًا عن الدستور الأخير، وقد تم تخفيض عدد المواد من 156 إلى 130 إلى حد كبير من خلال دمج بعض المواد، بدلاً من الإلغاء الشامل. على عكس مشاريع المقترحات السابقة، تم الإبقاء على جميع أجزاء الدستور المتعلقة بالمبادئ التوجيهية وحقوق الإنسان.

وفي عام 2001، تم إجراء استفتاء شعبي على مسودة الدستور الجديد، الذي نصّ على جملة من المبادئ:

  • استقلال أرض الصومال كجمهورية ذات سيادة.
  • التعددية الحزبية والسياسية.
  • ضمان الحقوق الأساسية (حرية التعبير، الصحافة، المساواة أمام القانون).
  • فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
  • إقامة نظام ديمقراطي نيابي من غرفتين: مجلس النواب (منتخب) ومجلس الشيوخ (تقليدي/قبلي).

يشكل هذا الدستور المرتكز القانوني الأساسي لإدارة الشأن السياسي في البلاد، رغم الحاجة الدائمة إلى التعديلات لمواكبة التطورات[14].

يضمن دستور أرض الصومال “حرية المواطنين في تنظيم أحزاب سياسية […] وفقًا للقانون” (المادة 23(3)، أرض الصومال، 2001).

ثانيًا: البنية المؤسسية للنظام الديمقراطي

  1. السلطة التنفيذية

تتكون من رئيس الجمهورية ونائبه ومجلس الوزراء. يُنتخب الرئيس عبر اقتراع شعبي مباشر كل خمس سنوات، ويملك صلاحيات واسعة، منها تعيين الوزراء والسفراء، وإدارة الشؤون الأمنية والخارجية. ويخضع لمساءلة البرلمان في حال تجاوزه الدستور[15].

  • السلطة التشريعية

تتكون من غرفتين:

الغرفة الأولى: مجلس النواب: يتم انتخاب أعضائه بالاقتراع العام (رغم تأجيلات متكررة).

الغرفة الثانية: مجلس الشيوخ (Guurti): يمثل العشائر ويضطلع بدور المصالحة والتوازن السياسي.

جدول 3 يوضح تطور مجلس الشيوخ (Guurti)

ملاحظاتالسنةطريقة التشكيلعدد الأعضاء
تشكّل المجلس من شيوخ العشائر خلال مؤتمر بورما.1993تعيين تقليدي75
تعديل على العضوية، مع توسع في التمثيل القبلي.1997تجديد التعيين82
لم تجرَ انتخابات لمجلس الشيوخ قط حتى اليوم.2003تمديد بدون انتخابات82
يُنتقد لافتقاده للشرعية الديمقراطية واستمراره الطويل.2024لا تزال التشكيلة بالتعيين82

يُعد الغرفة العليا في البرلمان الصوماليلاندي. له دور محوري في حفظ التوازن القبلي وتثبيت الاستقرار، خاصة في فترات الأزمات. يسمح هذا النظام بازدواجية مرنة بين العقلانية القانونية والعرف القبلي، وهو ما أسهم في استقرار النظام دون الدخول في صراعات حادة.

  • السلطة القضائية

تعد مؤسسة القضاء في أرض الصومال مستقلة نسبيًا، وتعمل وفق مزيج من:

  • الشريعة الإسلامية.
  • القانون المدني.
  • الأعراف القبلية.

يوجد مجلس أعلى للقضاء، ويُعيَّن القضاة من قبل الرئيس بالتشاور مع الهيئات القانونية. ورغم ضعف الموارد، تحافظ المحاكم على حيادية نسبية في البتّ في القضايا المدنية والجنائية.

  • المجالس المحلية (البلدية):
  • تُنتخب المجالس المحلية كل 10 سنوات تقريبًا.
  • تعتبر مؤشراً هاماً على شعبية الأحزاب قبيل الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية.
  • تسهم في إدارة الشؤون الخدمية والتنموية على مستوى المديريات.

ثالثًا: نظام الأحزاب السياسية والتعددية

نصّ الدستور على التعددية الحزبية، مع تحديد سقف بثلاثة أحزاب رئيسية فقط، من أجل تجنب الانقسام الحزبي على أسس عشائرية. يتم تحديد هذه الأحزاب بناءً على نتائج الانتخابات المحلية، وهو نظام فريد يقلل من التشظي السياسي.

بناء على دستور أرض الصومال الذي ينص على ألا يتجاوز عدد الأحزاب المعترف بها شرعيا ثلاثة، يتواجد في أرض الصومال ثلاث أحزاب سياسية في عام 2018، وهي:

  • حزب التضامن (Kulmiye). وهو الحزب الحاكم خلال الفترة من 2010 وحتى 2016. زعيمه خلال نفس الفترة هو السيد موسى بيحي عبده. خاض الحزب منافسة قوية مع الحزب UDUB وUCID، وأعلنت «اللجنة الوطنية للانتخابات» فوزه بحوالي 50% من الأصوات، كما فاز الحزب بانتخابات مجلس النواب عام 2006 بـ28 مقعدا من أصل 82 مقعد.
  • الحزب الديمقراطي الشعبي المتحد (UDUB). وهو أكبر حزب معارض. ويرأسه خلال الفترة الانتخابية من عام 2010 وحتى 2016 الرئيس السابق طاهر ريالي كاهن. وفاز الحزب في الانتخابات الرئاسية في عام 2004، بينما خسر في انتخابات 2010 الرئاسية. كما فاز الحزب بأغلبية نسبية في انتخابات مجلس النواب البرلمانية حيث فاز بـ33 مقعدا من أصل 82.
  • حزب العدالة والتنمية (UCID). ثالث حزب سياسي في الجمهورية، زعيم الحزب هو المهندس فيصل علي ورابي، يغلب عليه طابع التوازن السياسي. فاز الحزب بانتخابات مجلس النواب عام 2006 بـ21 مقعدا من أصل 82 مقعدا.

رابعًا: مؤسسات الرقابة والمساءلة

  1. لجنة الانتخابات الوطنية :

هي هيئة مستقلة تشرف على تنظيم الانتخابات وتحديث السجلات. ونالت الاحترام الواسع من الجميع لكومها؛ أحد عوامل الاستقرار في سير الانتخابات. فقد تأسست اللجنة عام ٢٠٠١، وهي تُمثل مؤسسةً أساسيةً في مسيرة أرض الصومال الديمقراطية. وقد تجلّى تأثيرها من خلال إدارتها الناجحة للاستفتاء الدستوري التاريخي الذي أُجري في ديسمبر ٢٠٠١. لم يقتصر هذا الحدث الفاصل على التصديق على الدستور الوطني لأرض الصومال فحسب، بل ساهم أيضًا في بثّ إشارات إيجابية في الخارج بشأن مناخ جديد للحكم الديمقراطي في منطقة القرن الأفريقي.

  • ديوان المراجعة: مسؤول عن الرقابة على المال العام.
  • المجتمع المدني والإعلام: يلعب دورًا فعالًا في تعزيز الشفافية والمساءلة رغم القيود.

كما توجد آليات غير رسمية للمساءلة عبر المشايخ ومجالس الأعيان، ما يعزز الرقابة المجتمعية على السلطة.

خامسًا: الالتزام بالمواثيق الدولية

في ظل الحكومات المدنية المتعاقبة، وقّعت أرض الصومال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأشرفت على استعادة السلام، وسرّحت المقاتلين السابقين، وأعادت تأهيل البلاد اجتماعيًا واقتصاديًا، وأشرفت على اعتماد دستور قائم على الاقتراع العام واللامركزية والانتخابات متعددة الأحزاب. وتفخر البلاد بالعديد من رموز الدولة، بما في ذلك العلم، وتسجيل المركبات، والعملة، والمطار الدولي. وقد عاد معظم اللاجئين، وازدهرت التجارة، ويجري إعادة بناء البنية التحتية الحضرية، والخدمات البلدية، وأنظمة التعليم والصحة التي دُمرت خلال الحرب. وهناك لجنة لجرائم الحرب تنظر في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت خلال سنوات حكم سياد بري، ويتمتع المواطنون بمستوى عالٍ من الأمن الشخصي.

سادسا: الجالية الصومالية الكبيرة والنشطة

من العناصر الدولية الأخرى في تجربة أرض الصومال، الجالية الصومالية الكبيرة والنشطة. يؤثر المغتربون على الوضع في أرض الصومال بطرق متنوعة، وفي كثير من الأحيان، متباينة بشكل كبير. فمن ناحية، نجحت التحويلات المالية وشبكات الجالية الصومالية في توفير استثمارات منتجة وشبكات تواصل شخصية ممتازة. ويوضح هذا الأمر مثال مؤسسات التعليم العالي في البلاد، بما في ذلك جامعة عمود في بورما، أقدمها، حيث جاء جمع التبرعات والتجنيد والدعم المستمر في معظمه من قاعدة جماهيرية خارجية منخرطة ومستنيرة. ومن ناحية أخرى، يُنظر إلى الجالية الصومالية على أنها توفر قاعدة دعم تتجاوز القنوات الحكومية الداخلية والخارجية، مما قد يُضعفها ويُقلل من مساءلة الدولة أمام مواطنيها. ونتيجة لذلك، يرى العديد من السياسيين أن جزءًا كبيرًا من قاعدتهم الجماهيرية الأكثر نفوذًا موجود خارج أرض الصومال. وكثيرًا ما يقيم الوزراء وقادة المعارضة خارج البلاد، ويقضون في بعض الحالات جزءًا كبيرًا من كل عام في أوروبا أو أمريكا الشمالية أو دول الخليج.

 سابعا: التحديات المؤسسية والهيكلية

رغم التقدم، يواجه النظام المؤسسي عدة تحديات:

  • ضعف البنية التحتية الإدارية والقانونية.
  • بطء تطوير مؤسسات الدولة الحديثة مقابل استمرار تأثير الهياكل التقليدية.
  • تأجيل الانتخابات النيابية والمحلية لأسباب تقنية وسياسية.
  • ضعف تمويل المؤسسات الرقابية، واعتماد كبير على التبرعات الدولية والمحلية.

***

 مما سبق يتبين أن البناء الدستوري والمؤسسي لأرض الصومال يعكس تجربة فريدة في التكيّف مع بيئة ما بعد الصراع، من خلال نموذج هجين يجمع بين الديمقراطية الانتخابية والشرعية التقليدية. وعلى الرغم من التحديات البنيوية، نجحت أرض الصومال في إنشاء مؤسسات تؤدي أدوارها بدرجات متفاوتة من الكفاءة، وتكفل تداول السلطة وضبط السلوك السياسي العام، ما يجعل تجربتها جديرة بالدراسة المقارنة.

المبحث الثالث:

آليات تداول السلطة وبناء التوافق السياسي في أرض الصومال

مثّلت آليات تداول السلطة في أرض الصومال أحد أبرز المؤشرات على نجاح مسارها الديمقراطي النسبي مقارنة ببقية مناطق الصومال. فقد استطاعت هذه المنطقة، رغم التحديات البنيوية والاعتراف الدولي المحدود، أن تبني منظومة سياسية قائمة على التوافق بين القوى الفاعلة، وتكرّس مبدأ التداول السلمي للسلطة، بما يعزز من استقرارها الداخلي ويكسب تجربتها مصداقية سياسية متنامية.

أولًا: تداول السلطة عبر الانتخابات

  1. انتخابات الرئاسة

منذ عام 2003، أُجريت خمس دورات رئاسية، أفرزت انتقالًا سلميًا للسلطة، وشهدت تنافسًا انتخابيًا متعدد الأطراف، أبرزها:

  •  2003: فوز ضئيل للرئيس دااهر ريالي كاهن.
  • 2010:  فوز أحمد سيلانيو عبر صناديق الاقتراع.
  • 2017:  فوز موسى بيحي عبدي من حزب كلمية.
  • 2024 فوز عبد الرحمن محمد عبد الله “عِرّو

جدول رقم 2

يوضح الجدول الزمني للرؤساء المنتخبين

ملاحظات السنةالرئيس الفائزالحزب السياسي
فاز على الرئيس المنتهية ولايته.2003ظاهر ريالي كاهنUDUB
خلف “سيلانيو” من نفس الحزب.2010أحمد محمد محمود “سيلانيو”Kulmiye
أول فوز للمعارضة منذ 14 عامًا.2017موسى بيحي عبديKulmiye
أول رئيس منتخب عبر صناديق الاقتراع.2024عبد الرحمن محمد عبد الله “عِرّو”Waddani

رغم بعض الطعون والتأجيلات، التزمت كل الأطراف بقبول نتائج الانتخابات، مما أسهم في ترسيخ ثقافة تداول السلطة.

  • الانتخابات البرلمانية والمحلية

تمكنت أرض الصومال من إجراء انتخابات محلية ومجالس بلدية وبرلمانية في أعوام 2002، 2005، 2012، و2021.

جدول 3 يوضح

تطور انتخابات مجلس النواب في أرض الصومال

ملاحظاتالسنةنوع الانتخاباتعدد المقاعدالحزب/التحالف الفائز
تشكّل أول مجلس شيوخ ومجلس نواب بالاختيار من شيوخ العشائر.1993تعيين تقليدي (غير انتخابي)75
أول تجربة ديمقراطية حقيقية.2005أول انتخابات برلمانية82UDUB
تأجيلات متكررة بسبب الخلافات السياسية.2010–2021لا توجد انتخابات برلمانية
المعارضة فازت بأغلبية لأول مرة.2021ثاني انتخابات برلمانية82واداني + UCID (تحالف)
يتوقع أن تُجرى في موعدها الدستوري إذا لم تؤجل.2026 (متوقعة)انتخابات برلمانية قادمة82لم تُجر بعد

وأسفرت هذه العمليات عن:

  • تعزيز مشاركة الشباب والنساء.
  • تشكيل توازنات جديدة بين الأحزاب.
  • إعادة تأهيل النخب السياسية عبر صناديق الاقتراع.

وقد سمحت القوانين الانتخابية بتجديد النظام الحزبي على أسس شعبية دورية كل عشر سنوات.

ثانيًا: التوافق السياسي القائم على “النموذج الهجين”

يُعدّ النموذج السياسي في أرض الصومال هجينًا يجمع بين:

  • الديمقراطية التمثيلية الحديثة عبر الانتخابات والأحزاب
  • الحوكمة التقليدية عبر مجالس الشيوخ والقيادات العشائرية

هذا التداخل مكّن من بناء توافق مستمر عبر الآليات التالية:

  • مجلس الشيوخ (Guurti) كوسيط فعال في حل النزاعات السياسية وتسهيل التسويات.
  • لقاءات التشاور القَبَلي التي تُعقد عند الأزمات الدستورية أو الانتخابية.
  • اتفاقات سياسية غير مكتوبة تُبرم عند الضرورة بين الأحزاب الثلاثة.

وقد جنّب هذا النموذج البلاد الدخول في حروب أهلية، وحافظ على وحدة المكونات السياسية رغم تنافسها.

جدول 4

يوضح تطور المجالس المحلية (البلدية)

ملاحظاتالسنةعدد المجالسأبرز الأحزاب الفائزة
أول انتخابات محلية في البلاد.20026UDUB، Kulmiye، UCID
شملت معظم مناطق أرض الصومال.201221Kulmiye، Wadani  حديث
تزامنت مع انتخابات مجلس النواب، وحققت المعارضة نتائج كبيرة.202123واداني، UCID  تحالف معارض

ثالثًا: دور الأحزاب السياسية في الاستقرار والتداول

الأحزاب الثلاثة (كلمية، وُداني، العدالة والتنمية) تمثل القنوات الرسمية لتداول السلطة، وتُجدد اعتمادها كل عقد عبر الانتخابات المحلية، وفقًا للدستور. رغم التنافس الحزبي الحاد، تلتزم الأحزاب بمبدأ “الخاسر يعارض والرابح يحكم”، وهو ما ندر في التجارب السياسية في القرن الإفريقي.

لم آدم موسى جبريل

أصدرت منظمة “فريدوم هاوس” مؤخرًا تقريرها السنوي حول الديمقراطية في العالم، مُرفقًا بخريطة للعالم، يُظهر تمييزًا واضحًا بين الدول الديمقراطية وغيرها. في منطقتنا، القرن الأفريقي والعالم المحيط به، بما في ذلك دول الخليج ومعظم دول الشرق الأوسط (باستثناء إسرائيل)، المكان الوحيد الذي تضاء فيه شمعة الديمقراطية، حيث تُمارس انتخابات شبه حرة ونزيهة، وفقًا لهذا التقرير، هو تلك البقعة الصغيرة، جمهورية أرض الصومال، “التي حُرمت من الترشح كدولة”. لكن، ما الذي يُميزها عن غيرها من الأماكن، ولماذا؟

يتفق المراقبون والباحثون، محليًا ودوليًا، في الغالب على أن مهمة السلام وبناء الدولة في أرض الصومال كانت ممكنة دون مساعدة ودعم من العالم الخارجي، بينما في أجزاء أخرى من الأراضي الصومالية (الصومال الإيطالي)، باءت جميع محاولات المجتمعين الإقليمي والدولي لبدء وتنفيذ مشروع السلام وبناء الدولة، بتدخل مالي وتدخلات عسكرية وهمية، بالفشل حتى الآن، بل وفي بعض الحالات انتهت بنهاية مأساوية. وقد سادت تجارب مماثلة في دول أخرى، حيث تدخلت قوى خارجية، وسيطر النفوذ الخارجي على حساب دور السكان المحليين، وحيثما اكتفى عملاؤها المحليون والشركات الدولية بتجاهل الجهود المحلية.[16]

 وقد ساعدت البيئة السياسية المتسامحة نسبيًا على:

  • تعزيز الحوار بين الفرقاء.
  • منع عسكرة النزاع السياسي.
  • تجنب الانقسام الحاد على أسس قبلية داخل المؤسسات

. رابعًا: التحديات أمام استدامة التداول السلمي للسلطة

رغم النجاحات، هناك عدة معوّقات تهدد الاستمرارية، منها:

  1. تكرار تأجيل الانتخابات بسبب قضايا فنية أو خلافات حزبية (كما حدث بين 2015–2021).
  2. اتهامات بالتضييق على المعارضة، خاصة خلال حكم حزب كلمية.
  3. غياب تمثيل كافٍ للنساء والأقليات في المؤسسات المنتخبة.
  4. ضعف دور القضاء الانتخابي في فض المنازعات بشكل مستقل.
  5. الاعتماد المفرط على التوافق القبلي، ما يضعف من ترسيخ الممارسة الديمقراطية المؤسسية.

خامسًا: الدروس المستفادة وآفاق التطوير

  1. التجربة تُظهر إمكانية التوفيق بين التقاليد والحداثة لبناء منظومة تداول سلمية للسلطة.
  2. الاستثمار في تحديث النظام الانتخابي، وتعزيز استقلال القضاء، من شأنه رفع جودة العملية السياسية.
  3. تشجيع إشراك النساء والشباب والأقليات يُعد خطوة ضرورية نحو ديمقراطية شاملة.
  4. استقرار التداول السلمي يُعزز من مطالب الاعتراف الدولي ويكسب أرض الصومال وزنًا سياسيًا متناميًا.

***

مما سبق تبين أن دولة أرض الصومال رسّخت نموذجًا تداوليًا مستقرًا للسلطة يعتمد على مزيج من الآليات الديمقراطية والتقليدية، ما مكنها من تجاوز الصراعات السياسية الحادة التي مزّقت بقية مناطق الصومال. لكن هذا النموذج بحاجة مستمرة للتطوير المؤسسي والانفتاح الاجتماعي والسياسي، حتى يكتمل بناء الديمقراطية المستدامة.

المبحث الرابع:

التحديات البنيوية والسياسية التي واجهت تجربة أرض الصومال الديمقراطية

على الرغم من النجاح النسبي الذي حققته أرض الصومال في بناء مؤسساتها السياسية وتكريس التداول السلمي للسلطة، إلا أن تجربتها الديمقراطية واجهت منذ انطلاقتها العديد من التحديات البنيوية والسياسية، التي كادت أن تعرقل المسار الديمقراطي في مراحل متعددة. هذه التحديات ليست محصورة في البنية الداخلية فحسب، بل تمتد لتشمل البيئة الإقليمية والدولية المعقدة، التي تُعزز من هشاشة الكيان غير المعترف به رسميًا.

أولًا: غياب الاعتراف الدولي الرسمي

رغم إعلان استقلالها منذ عام 1991، لم تحظَ أرض الصومال باعتراف دولي رسمي حتى اليوم، ما فرض عدة صعوبات، كثيرة فقد صرح سكرتير غرفة تجارة أرض الصومال لصحيفة فاينانشال تايمز بشأن عدم الاعتراف الدولي قائلاً: “نحن لا نستطيع الدخول في اتفاقيات تجارية رسمية؛ ولا نستطيع حتى الاتصال بالخارج من خلال الخدمات البريدية المباشرة، لأننا لسنا أعضاء في الاتحاد البريدي”[17]

أبرزها:

  • حرمانها من التمثيل في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي.
  • صعوبة الوصول إلى التمويل التنموي الدولي، بما في ذلك دعم الديمقراطية وبناء القدرات المؤسسية.
  • الضغط السياسي من الحكومة الفيدرالية في مقديشو لمنع أي تعامل رسمي معها، بما في ذلك في الانتخابات.

وقد أثر ذلك على محدودية الدعم الفني والمالي للعملية الديمقراطية، وأبقى التجربة في دائرة العزلة السياسية.

ثانيًا: تحديات اجتماعية وبنيوية داخلية

  1. الطبيعة القَبَلية للمجتمع

فقد تم الحفاظ على النظام العام وسيادة القانون والأمن الشخصي إلى حد كبير من خلال مزيج من الآليات التقليدية، وفي الجنوب، من خلال المحاكم الشرعية تحت حماية العشائر[18] “رغم الديمقرطة الشكلية، لا تزال البنية القبلية تهيمن على الحياة السياسية، ويتجلّى ذلك في:

  • تقاسم المناصب على أساس محاصصة قَبَلية غير مكتوبة.
  • تحكيم الزعماء التقليديين في النزاعات السياسية بدلًا من القضاء.
  • ضعف استقلالية الناخبين بسبب الولاءات القَبَلية.
  • التفاوت التنموي والمناطقي

تعاني بعض الأقاليم من تهميش اقتصادي وسياسي، مثل:

  • شرق أرض الصومال (سول وسناج) حيث تنشط حركات مناوئة للحكومة المركزية.
  • محدودية التنمية في الريف مقارنة بالحضر، ما يخلق بيئة خصبة للنزاعات.

ثالثًا: أزمات تأجيل الانتخابات

عانت أرض الصومال من أزمات متكررة ناجمة عن تأجيل الانتخابات، لأسباب مختلفة تشمل:

  • خلافات بين الأحزاب حول تشكيل لجنة الانتخابات.
  • ضعف التمويل الفني واللوجستي.
  • تدخل مجلس الشيوخ أحيانًا لتأجيل الانتخابات دون توافق وطني.

أبرز الأمثلة:

  • تأجيل الانتخابات الرئاسية من 2015 إلى 2017.
  • تأجيل الانتخابات البرلمانية لأكثر من عقد حتى أجريت في 2021.

تكرار هذه الأزمات يضعف الثقة الشعبية في المؤسسات، ويفتح الباب للطعن في شرعية الحكومات المتعاقبة.

رابعًا: ضعف إشراك الفئات المهمشة

لا تزال النساء والشباب والمكونات الصغرى مهمشين في النظام السياسي، حيث:

  • لم تتجاوز نسبة تمثيل النساء في البرلمان عتبة 3%.
  • تغيب آليات تمكين الشباب داخل الأحزاب.
  • تُهمّش الأقليات العرقية والدينية (مثل الجبويي والغبرون) سياسيًا.

وتُعد هذه الفجوة الاجتماعية عائقًا أمام بناء ديمقراطية جامعة ومستدامة.

خامسًا: الانقسامات الداخلية والانفصالية

رغم استقرار النواة المركزية (هَرْجَيْسَه وبُرَعُو)، فإن بعض المناطق تشهد توترات، أبرزها:

  • إقليم سول وسناج، حيث يطالب بعض السكان بالانضمام إلى ولاية بونتلاند أو إلى حكومة الصومال الفيدرالية.
  • مناوشات مسلحة في بعض الفترات بين قوات الحكومة المحلية ومليشيات عشائرية.

وهذه الانقسامات تُضعف صورة الوحدة السياسية الداخلية لأرض الصومال وتُقلّل من جاذبية مشروعها السياسي.

سادسًا: البيئة الإقليمية والدولية غير المواتية

تُواجه أرض الصومال عراقيل إقليمية ودولية أهمها:

  • رفض الدول المجاورة دعم الاعتراف بها، خشية خلق نماذج انفصالية مشابهة.
  • التدخلات الخارجية في الانتخابات أو تمويل بعض الأطراف.
  • الصراع مع مقديشو على الموارد والسيادة، الذي يعرقل فرص الحوار أو التسوية.

كما أن التنافس الدولي في القرن الإفريقي (بين قوى مثل تركيا، الإمارات، الصين، أمريكا) يضعف قدرة أرض الصومال على حماية استقلال قرارها.

بعد إجراء أربع انتخابات، لا يُمكن التشكيك في التزام شعب أرض الصومال بنظامٍ سياسيٍّ ديمقراطيٍّ أو تجاهله بسهولة. إن القيام بذلك سيُهزئ بالالتزام الدولي بدعم الديمقراطية. كما أن تجاهل الخطوات المهمة في تعزيز نظام ديمقراطيٍّ هجينٍ يمزج بين الأنظمة العرفية ومبادئ الدولة القومية في سياقٍ إسلاميٍّ سيُرسل رسالةً إلى الصومال ودولٍ أخرى في المنطقة والشرق الأوسط لا تتسق مع الاهتمام المُعلن بتعزيز أشكال الحكم المحلية.

حتى الآن، لم يسهم سوى عدد قليل نسبيًا من الجهات الخارجية الفاعلة بشكل بنّاء في دعم عملية التحول الديمقراطي من خلال تقديم المساعدة العملية والمشاركة المستنيرة في النقاشات حول الدور الفعال للأحزاب السياسية، والتدريب على حقوق الإنسان، وقضايا حرية الإعلام، والمساواة في تمثيل الجنسين، وغيرها. وهناك مجال واسع لتطوير الصلة بين هذه الأنشطة وبرامج الحد من الفقر، مع إمكانية أن يُرسّخ ذلك التحول الديمقراطي في التنمية العملية. ويمكن دعم ذلك من خلال الضغط من أجل الاستثمار المشترك في أرض الصومال، من خلال دعم البنية التحتية للطرق، وتوسيع ميناء بربرة، وتطوير المدارس والمرافق الصحية.

ينبغي للهيئات الخارجية أيضًا أن تلعب دورًا في تعزيز الوعي بنجاحات أرض الصومال. ويمكن طلب مجموعات مثل المجموعة البرلمانية لجميع الأحزاب في المملكة المتحدة من أجل أرض الصومال APPG) ) التواصل مع نظيراتها في دول أفريقية وأوروبية ودول أخرى مختارة لرفع مستوى الوعي بقضية أرض الصومال. وقد نجحت الهيئة البريطانية سابقًا في طرح أسئلة برلمانية، واستضافة جلسات إحاطة، وتعزيز الوعي داخل المؤسسة السياسية البريطانية. ويبدو أنه لا يوجد سبب وجيه يمنع هيئات مماثلة من أن تحذو حذوها في دول أخرى. ويمكن تشجيع أعضاء مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، على وجه الخصوص، على البحث عن سبل لمتابعة توصيات تقرير تقصي الحقائق لعام 2005.

***

مما سبق تبين أن أرض الصومال تمثل تجربة فريدة في بيئة مضطربة، إلا أن تحديات متعددة تعيق تطور تجربتها الديمقراطية بشكل مؤسسي مستدام. ومن دون تجاوز إشكاليات غياب الاعتراف، هيمنة البنية القبلية، هشاشة الانتخابات، وتهميش الفئات الضعيفة، فإن هذه التجربة ستبقى معرضة للارتداد، وستعاني من سقف محدود في تأثيرها الإقليمي والدولي.

المبحث الخامس:

المرأة والسياسة في أرض الصومال في ظل التحول الديمقراطي

شهدت أرض الصومال منذ إعلان انفصالها عن جمهورية الصومال في عام 1991 مسارًا سياسيًا فريدًا في محيطها، تمثل في تبني نموذج ديمقراطي تعددي قائم على التداول السلمي للسلطة، رغم غياب الاعتراف الدولي. غير أن هذا المسار لم يكن شاملاً لجميع فئات المجتمع، حيث ظلت مشاركة المرأة في الحياة السياسية محدودة، نتيجة لتراكمات اجتماعية وثقافية وأطر قبلية تقليدية لا تزال تتحكم بمفاصل الحياة العامة.

وتأتي أهمية هذا المبحث دور المرأة في المشهد السياسي في أرض الصومال من الحاجة إلى فهم التحديات التي تواجهها في سبيل الوصول إلى مواقع صنع القرار، وتحليل الأطر المؤسسية والاجتماعية التي تعيق أو تدعم هذا الدور، وذلك في ظل التحولات التي شهدها الإقليم بين عامي 1991 و2025. وتشير تقارير الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى أن تمكين المرأة سياسياً في المجتمعات التي تعاني من نزاعات طويلة مثل الصومال يمثل ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة (UN Women, 2020؛ African Union, 2018).

كما تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على الجهود المبذولة لتعزيز تمثيل المرأة السياسي، ورصد مستوى تمكينها الحقيقي في ضوء المبادئ الديمقراطية التي تتبناها سلطات أرض الصومال، وهو ما أكدت عليه دراسات أكاديمية حديثة تناولت واقع المرأة السياسية في مناطق النزاعات والصراعات، حيث يعتبر دمج المرأة في مواقع صنع القرار مؤشرًا حيويًا للتقدم الديمقراطي والمجتمعي (Smith & Ahmed, 2021).

وتمثل المرأة حجر الزاوية في عملية التنمية الشاملة، فهي الركيزة الأساسية في بناء المجتمعات، وأحد المؤشرات الدالة على مستوى التقدم الحضاري والسياسي للدول. ومن هذا المنطلق، بات تعزيز حقوق المرأة وتمكينها السياسي والاجتماعي يمثلان قضية مركزية في المجتمعات المعاصرة، خصوصًا في البيئات الخارجة من الصراعات، كما هو الحال في “أرض الصومال – صوماليلاند”.

أولاً: الإطار التاريخي لحقوق المرأة السياسية في صوماليلاند

لعبت المرأة دورًا محوريًا في دعم استقلال صوماليلاند عام 1991، وكانت جزءًا فاعلًا من الضغط الشعبي على قيادة “الحركة الوطنية الصومالية” من أجل الانفصال عن الوحدة مع الجنوب. في العديد من المناطق الريفية والحضرية، شاركت النساء في تنظيم الاجتماعات والاحتجاجات السلمية التي طالبت بالاستقلال، وكانت أصواتهن مصدر دعم معنوي وسياسي قوي.

أسهمت القيادات النسائية بشكل بارز في الحملات الانتخابية، حيث قمن بتعبئة النساء والأسر للمشاركة في التصويت، وتحديد نتائج الانتخابات في المجالس البلدية والتشريعية. على سبيل المثال، لعبت بعض القيادات دورًا في التأثير على القرارات السياسية على المستوى المحلي، رغم أنهن لم يتمكنَّ من إيصال نساء أخريات إلى هذه المواقع السياسية بسبب الحواجز الثقافية والاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، كانت المرأة نشطة في العمل المجتمعي والتنموي، حيث أسست منظمات نسائية تعمل على التوعية بحقوق المرأة وتشجيع المشاركة السياسية. وقد أدت هذه الأنشطة إلى زيادة وعي المجتمع بأهمية تمكين المرأة، رغم استمرار التحديات الثقافية والاجتماعية.

رغم الأدوار المحورية التي أدتها المرأة في المجتمع الصومالي خلال مراحل النضال وبناء الدولة بعد إعلان انفصال صوماليلاند عام 1991، إلا أن مشاركتها السياسية ظلت هامشية ومهمشة بشكل واضح خلال المراحل الأولى من التأسيس السياسي، خصوصًا في مؤتمرات المصالحة الوطنية التي شكلت الأساس لإعادة بناء مؤسسات الحكم.

تُعد المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من القضايا الملحة التي تشكلت لدى المجتمع في صوماليلاند كأولوية قصوى. وعلى الرغم من تهميش المرأة وحرمانها من المشاركة في أول مؤتمر مصالحة على مستوى الدولة في أوائل التسعينيات، إلا أنها سعت فيما بعد إلى تغيير الرأي العام، واتخذت خطوات فعلية للمطالبة بحقوقها في المشاركة الفعالة في صنع القرار في البلاد وتحقيق أهدافها.

وقد تم إنشاء وتأسيس تحالفات وروابط نسائية على جميع المستويات من قبل نخبة من النساء اللاتي شاركن في تأسيس صوماليلاند منذ أوائل التسعينيات.

وحظيت قضايا المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة بدعم كبير من مجموعات المجتمع المدني، بينما غاب الدعم الحكومي بشكل كامل. على الرغم من أن النساء يشكلن غالبية سكان صوماليلاند، فقد استغل القادة السياسيون دعم صوت المرأة كناخبة دون منحها تمثيلًا حقيقيًا في الحكومات السابقة.

ومع ذلك، شاركت المرأة بشكل فعال في القطاعين الخاص والمؤسسات غير الهادفة للربح، لا سيما من خلال الشركات الصغيرة والمتوسطة والمنظمات غير الحكومية المحلية. وقد واجهت حقوق المرأة صراعًا شاقًا نتيجة الممارسات الاجتماعية السلبية السائدة في مجتمع صوماليلاند، والتي تعود إلى الثقافة الأبوية والعشائرية المتجذرة.[19].

مع مرور الوقت، برزت حركات نسوية وتحالفات مدنية قادتها نخب نسائية ناشطة، سعت إلى المطالبة بتمكين المرأة وتعزيز مشاركتها الفاعلة في صنع القرار السياسي والاجتماعي. كانت هذه الحركات مدفوعة برؤية واضحة لإشراك المرأة كركيزة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة والسلام المجتمعي.

وعلى الرغم من محدودية الدعم الرسمي من السلطات الحكومية في صوماليلاند، كان المجتمع المدني يلعب دورًا حيويًا في دعم قضايا المرأة. فقد ساهم في الحفاظ على الزخم المجتمعي لقضايا التمكين والمساواة، وقدم منصات داعمة للنقاش والضغط من أجل تحسين مكانة المرأة في الحياة السياسية.[20]

 وخلال السنوات الأولى من عملية إعادة تأهيل صوماليلاند، اشتركت المنظمات النسائية والقائدات الناشطات في مجال المساواة بين الجنسين والقادة السياسيين والمجتمع المدني على حد سواء بمبادرة توضح أن صوت المرأة أمر حاسم لتنمية البلد، وعلى الرغم من أن جهودهم واجهت عوائق تمثلت بالحرمان في البداية، إلا أنهم واصلو العمل في المبادرة من خلال الدعوة والمناصرة وحملات التوعية العامة، وقد عززت هذه التجربة قدرة تجربة الرابطات والمنظمات النسائية، والطموحات والناشطات السياسية، وأدت في النهاية إلى مؤتمرات مناقشات مباشرة مع القيادة السياسيّة في البلاد، والمطالبة بإدراجها في عمليات صنع القرار في البلاد، وتضمنت بعض الإستراتيجيات لمعالجة القيود التي تهدف إلى الحد من تأثير النظام التقليدي السائد، وجعل إستراتيجية أقرب إلى نظام رسمي أكثر قابلية للتقدم في ممارسة التقدم الإجتماعي الديمقراطي، والسماح وقبول مشاركة المرأة في عملية إرساء الديمقراطية في صوماليلاند على نطاق واسع، والتي كانت على مدى السنوات الماضية عنصرًا هاماً في التغيير الاجتماعي والتنموي في البلاد[21]

ثانيًا: حضور نسوي إيجابي في مواقع غير تقليدية

لم تكن المرأة في صوماليلاند يوماً بعيدة عن المساهمة في تقدم المجتمع، كما مارست أدواراً أقلّ إيجابية كونها جزءاً من مجتمع مثقل بالسلبيات، وتتعرض للكثير من الضغوط والاستغلال على الساحة السياسية في أحيان كثيرة. وألقت الممرضة هدى عثمان عبدي الضوء على ذلك بالقول إن “نساءً صوماليلانديات نجحن في تقديم الكثير والكثير لشعبهنّ، وقائمة الأسماء تطول، فهنالك من بذلن جهوداً مشكورة من خلال تقلدهنّ مناصب سياسية، كـ”أدنا آدن” أول وزير خارجية أنثى في صوماليلاند، والتي لا زالت تمارس دوراً تنموياً عبر مستشفاها لرعاية الأمهات الحوامل والأطفال، وهنالك البروفيسورة “سعدة مري” التي نجحت في وضع صوماليلاند على خريطة الاكتشافات الأثرية الدولية، و”شكري حرير” و”زهرة هلغن” وكثيرات غيرهنّ ممَن حملن السلاح في فترة مقاومة الحكم الدكتاتوري، وأدّينَ أدواراً كبيرة في التعريف بقضية صوماليلاند من خلال نشاطهنّ الإعلامي والثقافي”. كذلك تحدثت عبدي عن “أدوار سلبية لعبتها بعض النسوة ممَن وصلن إلى مواقع حساسة ومؤثرة في صنع القرار”، وقالت “لا شك في أن قلة موارد الدولة وضعف الوعي الشعبي، يخلقان أجواء غير مواتية للكثيرات ممَن كرّسن جهودهنّ لتقديم خدمات قيّمة للوطن، من خلال ابتزازهنّ أو خلق أجواء شديدة السلبية والسمية حولهنّ، من قبل أولئك الذين يرغبون من الرجال في تحقيق مكاسب، عبر عرقلة الأعمال المفيدة للمجتمع مباشرةً، والتي تتم من دون المرور بدهاليز الفساد والمحسوبية، ولا يمكن استثناء بعض النسوة ممَن ألحقنَ، عبر أزواجهنّ أو من خلال المحسوبية، أضراراً كبيرة باقتصاد البلاد ومستوى معيشة المواطنين الفقراء”.[22]

على الرغم من غياب تشريع رسمي يُلزم الأحزاب السياسية أو البرلمان بتطبيق نظام الكوتا النسائية في صوماليلاند، إلا أن النقاشات حول هذا الخيار لا تزال قائمة ضمن الأوساط المدنية والنخبوية. فقد طالبت منظمات نسوية ومبادرات مجتمع مدني مرارًا بتخصيص نسبة محددة من المقاعد للنساء في المجالس المنتخبة، بهدف كسر الحواجز البنيوية والثقافية التي تعيق تمثيلهن السياسي.

 وفي ظل هذا الغياب، ظهرت بعض النماذج النسائية التي نجحت في كسر السقف التقليدي، مثل الناشطة أيدان محمد ديريه، التي لعبت دورًا بارزًا في مجال حقوق المرأة، وكانت من أبرز الأصوات المطالبة بإصلاحات تشريعية لصالح التمثيل النسائي. كذلك، برزت خضرة حسين إسماعيل كإحدى أولى النساء اللاتي شغلن مواقع في مؤسسات الدولة، ما شكل إلهامًا لجيل جديد من النساء السياسيات. رغم أن هذه التجارب لا تزال محدودة من حيث العدد والتأثير المؤسساتي، إلا أنها تُعد خطوات رمزية مهمة، تسهم في ترسيخ حضور المرأة وتعزيز المطالب بتمثيل أكثر عدالة في البنية السياسية لصوماليلاند.

ثالثا: التحولات الديمقراطية ودورها في تحسين موقع المرأة.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن عدد النساء المنتخبات في الانتخابات الوطنية في صوماليلاند كان دائماً أقل من المتوقع، فعلى سبيل المثال، في انتخابات مجلس النواب لعام 2005، تم انتخاب امرأتين فقط من بين 28 مرشحة، أما في مجلس الشيوخ، الذي كان تكوينه أصلاً على أساس اختيارات العشائر، فقد شغل الرجال جميع المقاعد البالغ عددها 82 مقعداً. وفي انتخابات المجالس المحلية لعام 2012، فازت النساء بعشرة مقاعد فقط من أصل 375 مقعداً، وفقاً للجنة الانتخابات الوطنية في صوماليلاند.[23]

في مقابلة مع وكالة فرات للأنباء، سلطت السياسية الصوماليلاندية المستقلة مريم روبلية الضوء على التجربة الديمقراطية الفريدة في صوماليلاند، مشيرة إلى دور النساء والتحديات التي يواجهنها في الوصول إلى المناصب العليا.

أوضحت روبلية أن صوماليلاند، رغم عدم اعتراف المجتمع الدولي بها، تُعد نموذجًا ديمقراطيًا متميزًا في القرن الأفريقي. فقد شهدت البلاد انتقالات سلمية للسلطة بين أحزاب مختلفة، حيث فازت المعارضة بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية بينما ينتمي الرئيس إلى حزب آخر.

وعن مشاركة النساء في السياسة، أشارت روبلية إلى أن العشائر في صوماليلاند بدأت تدرك أهمية تمكين المرأة، حيث قامت بعض العشائر بترشيح نساء للبرلمان. ومع ذلك، لا تزال النساء يواجهن تحديات كبيرة، بما في ذلك ضعف الدعم المجتمعي والقيود الثقافية.

إن اعتماد نسبة 24% للتمثيل النسائي في مناطق صومالي لاند خطوة ضرورية لضمان دمج المرأة في الحياة السياسية، والتصدي للسرديات التقليدية التي تحصر دورها في البيت فقط. هذا الإجراء سيخلق فرصاً أوسع لمشاركة النساء، وبالتالي ينعكس إيجاباً على نوعية القرارات والسياسات المتخذة[24].

تجدر الإشارة إلى أن تمثيل النساء في البرلمان الصوماليلاندي لا يزال محدودًا، حيث لم تضم الدورة البرلمانية الأخيرة أي امرأة، بعد أن كانت الدورة السابقة قد شملت امرأتين فقط. ورغم إعلان الرئيس موسى بيحي دعمه لمبادرة “كوتا نسائية” بمنح 18 مقعدًا من أصل 82 للنساء، إلا أن هذا المقترح لم يُقر برلمانيًا، بحجة تعارضه مع مبادئ المساواة أو اعتباره تمييزًا.

على الرغم من هذه التحديات، برزت تجارب فردية لنساء تحدين القيود المجتمعية، مثل سعاد، التي تمكنت من نيل أعلى الأصوات في إحدى دوائر العاصمة هرجيسا، بدعم غير مسبوق من وجهاء عشيرتها، قبل أن تخسر في جولة الإعادة أمام مرشح إحدى الأقليات، تكريمًا لتلك الفئة.

تؤكد روبلية أن تمكين المرأة في صوماليلاند يتطلب إرادة سياسية حقيقية، بالإضافة إلى جهود مجتمعية لتغيير النظرة التقليدية لدور المرأة، وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة.[25]

رابعًا: معوقات مستمرة وفرص واعدة

  1. القيود الثقافية والعشائرية

تُعد الثقافة الأبوية والعشائرية التي تحكم بنية المجتمع في صوماليلاند من أبرز العوائق التي حدّت من وصول المرأة إلى مواقع صنع القرار. إذ تُستخدم هذه القيم التقليدية كمرجعية اجتماعية لتبرير إقصاء المرأة عن المناصب العليا، سواء في السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية. وتُكرّس الأعراف القبلية مفاهيم تُحجم من دور المرأة وتصورها كعنصر تابع لا يمتلك القدرة الكافية لتحمّل مسؤوليات القيادة العامة، وهو ما يُفضي إلى تغييبها المنهجي عن مراكز النفوذ داخل الدولة.

  • التمثيل السياسي المحدود

رغم المساعي المتكررة لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، إلا أن التمثيل الفعلي لها ظل محدودًا ومخيبًا للآمال. ففي انتخابات عام 2005، لم تتمكن سوى امرأتين من الفوز بمقاعد في البرلمان من أصل 28 مرشحة. أما مجلس الشيوخ، الذي يُشكّل عبر النظام العشائري، فظل مغلقًا تمامًا أمام النساء. وفي انتخابات عام 2012، حصلت النساء على 10 مقاعد فقط من أصل 375 مقعدًا في المجالس المحلية، وهو ما يعكس الهوة الواسعة بين الخطاب السياسي حول التمكين وبين الواقع العملي الذي تُقصى فيه النساء عن مواقع التأثير.

  • التمييز غير المباشر داخل الأحزاب السياسية

تُواجه المرأة أيضًا تحديًا بنيويًا يتمثل في التمييز غير المباشر داخل الأحزاب السياسية، التي لم تُظهر التزامًا حقيقيًا بدمج النساء ضمن قوائمها الانتخابية بصورة فاعلة. فعلى الرغم من اعتماد النساء كقوة تصويتية حاسمة في العملية الانتخابية، لم يُترجم هذا الثقل العددي إلى مكاسب سياسية ملموسة لصالحهن. ويعود ذلك جزئيًا إلى غياب إرادة سياسية حزبية حقيقية، وإلى استمرار الذهنية الذكورية التي تتعامل مع مشاركة المرأة بوصفها ورقة انتخابية مؤقتة وليست شريكًا حقيقيًا في صناعة القرار.

خاتمة واستشراف

تشكل قضية التمكين السياسي للمرأة في صوماليلاند مدخلًا أساسيًا لفهم مسارات التحول الديمقراطي في الإقليم، حيث تسير الجهود نحو دمج المرأة في الحياة العامة بصورة أكثر فعالية. ورغم التحديات البنيوية والثقافية، فإن ما تحقق حتى الآن يمثل قاعدة يمكن البناء عليها، شريطة تفعيل الإصلاحات القانونية، وتعزيز الوعي المجتمعي، وضمان تبني الدولة والأحزاب برامج دعم وتمكين حقيقية، تضمن انتقالًا تدريجيًا من رمزية المشاركة إلى فاعلية التأثير في مراكز اتخاذ القرار.

يمكن لصوماليلاند أن تستفيد من تجارب إثيوبيا وجيبوتي في اعتماد الكوتا النسائية، وتعزيز التشريعات الجندرية. ويمثل دعم المجتمع المدني والمنظمات الدولية فرصة لتعزيز برامج تمكين النساء. التحدي الأبرز يكمن في التوفيق بين منظومة القيم التقليدية والسعي نحو مجتمع أكثر شمولًا ومساواة. الاعتراف الدولي (في حال تحقّق) قد يفتح المجال أمام تبني معايير أممية تحفّز تمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا.

مستقبل الديمقراطية في أرض الصومال

تمثل أرض الصومال نموذجًا فريدًا للديمقراطية في منطقة القرن الإفريقي؛ حيث نجحت في إجراء انتخابات دورية منذ إعلان استقلالها في عام 1991م. على الرغم من عدم الاعتراف الدولي بها، فقد تمكَّنت من ترسيخ أُسُس نظام ديمقراطي يُعدّ استثنائيًّا مقارنةً بمحيطها الإقليمي. ومع ذلك، يُواجه هذا النموذج تحديات وفرصًا تُحدِّد مستقبل الديمقراطية في المنطقة.

  • انتخابات دورية وحرة

 الانتخابات الرئاسية الأخيرة في نوفمبر 2024م، والتي شهدت تنافسًا قويًّا وفوز الحزب المعارض، تُؤكّد على قوة النظام الديمقراطي في أرض الصومال. ويُعدّ هذا التغيير السلمي في السلطة دليلًا على نضوج العملية الديمقراطية.

  • التعددية الحزبية

 وجود أحزاب متعددة مثل “كلمية” و”وداني” يعكس تنوعًا سياسيًّا، مما يُسهم في تعزيز الحوار الوطني، وتقديم خيارات سياسية للمواطنين.

  • التداول السلمي للسلطة

 انتقال السلطة بطريقة سلمية يُعزّز ثقة المواطنين في النظام السياسي، ويثبت استعداد أرض الصومال لمواصلة مسار الديمقراطية.

  • التحديات التي تُواجه الديمقراطية
  • النزاعات الداخلية

 استمرار النزاعات في مناطق مثل “لاس عانود” يُشكِّل تهديدًا لاستقرار العملية الديمقراطية ويعوق التنمية السياسية.

  • الضغوط العشائرية

 يلعب النظام العشائري دورًا مهيمنًا في السياسة، مما قد يَحُدّ من استقلالية الأحزاب السياسية ويؤثر على نزاهة الانتخابات.

  • الاعتراف الدولي

 غياب الاعتراف الدولي يُعيق قدرة أرض الصومال على تعزيز مؤسساتها الديمقراطية من خلال دعم دولي مباشر.

  • تعزيز الهوية الوطنية

 التركيز على بناء هوية وطنية تتجاوز الانقسامات العشائرية أمر ضروري لتحقيق استقرار سياسي وديمقراطي مستدام.

  • إصلاح النظام الانتخابي

 تطوير قوانين الانتخابات لتقليل تأثير العشائرية وزيادة مشاركة الشباب والنساء في العملية السياسية.

  • الاستثمار في التعليم المدني

 نشر الوعي السياسي بين المواطنين يُسهم في تعزيز المشاركة الواعية والمسؤولة في العملية الانتخابية.

  • العمل على الاعتراف الدولي

 الحصول على اعتراف دولي يدعم استقرار الديمقراطية في أرض الصومال من خلال تعزيز الاستثمارات والدعم السياسي.

آفاق مستقبلية للاعتراف الدولي: بين الواقع والطموح

رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على إعلان الاستقلال، لا يزال ملف الاعتراف الدولي بأرض الصومال معقدًا ومفتوحًا على سيناريوهات متعددة، يُحتكم فيها إلى اعتبارات قانونية، جيوسياسية، وأمنية. وفي هذا الإطار، يمكن تصور عدة ملامح للسيناريوهات المستقبلية:

  1.  السيناريو الأول: الاعتراف التدريجي بحكم الأمر الواقع

قد ينجح النموذج الديمقراطي المستقر في أرض الصومال في فرض واقعها سياسيًا عبر توسع العلاقات غير الرسمية مع بعض الدول، خاصة مع تزايد التعاون الأمني والاقتصادي في منطقة القرن الإفريقي. وقد تُفضي هذه الدينامية إلى اعتراف عملي de facto، خاصة إذا تبنته دول وازنة كالمملكة المتحدة، أو إذا تم تطوير العلاقة مع القوى الإقليمية مثل إثيوبيا أو كينيا.

  • السيناريو الثاني: بقاء الوضع الراهن

وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا على المدى القصير والمتوسط، بفعل المخاوف الإفريقية من فتح الباب أمام مطالبات انفصالية مشابهة في دول مثل نيجيريا، الكاميرون، والكونغو. وسيعني هذا استمرار أرض الصومال في أداء دور الدولة دون اعتراف رسمي، مما يتطلب إدارة ذكية لعلاقاتها الثنائية والتجارية لتعويض الفراغ الدبلوماسي.

  • السيناريو الثالث: اعتراف رسمي مشروط

قد يرتبط الاعتراف الدولي المحتمل بأرض الصومال بحدوث تسوية شاملة في الصومال الموحد، أو بإطار تفاوضي مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو، برعاية أطراف إقليمية ودولية. هنا، قد يُطرح خيار “الكونفدرالية” أو “الانفصال المنظم”، شريطة وجود ضمانات داخلية ودولية بعدم زعزعة الاستقرار الإقليمي.

المبحث السادس

الدروس المستفادة من تجربة أرض الصومال، وإمكانية الاستفادة منها في جمهورية اليمن الجنوبية (عدن)؟

في ضوء التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجه دول ما بعد الصراع، تبرز أهمية دراسة التجارب الناجحة في بناء الدولة وتحقيق الاستقرار، خاصة تلك التي انطلقت من بيئات محلية معقدة ومتنوعه. تُعد تجربة أرض الصومال من أبرز النماذج التي أثبتت إمكانية بناء مؤسسات سياسية مستقرة وديمقراطية، رغم غياب الاعتراف الدولي والموارد الاقتصادية المحدودة، وذلك عبر توافق داخلي راسخ ونموذج حكم هجين يُراعي الخصوصيات الاجتماعية والثقافية.

تُطرح هذه الدراسة بهدف استخلاص الدروس المستفادة من تجربة أرض الصومال، وتحليل مدى إمكانية الاستفادة من هذه التجربة في سياق جمهورية اليمن الجنوبية (عدن)، التي تمر بمرحلة انتقالية حساسة تتطلب بناء توافق سياسي واجتماعي شامل. ومن خلال استعراض هذه الدروس، نسعى إلى تقديم رؤى عملية تساهم في تطوير نموذج حكم مستدام يعزز الهوية الوطنية، ويضمن الاستقرار السياسي، ويُمكّن من مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

تأتي هذه الدراسة استجابة للحاجة الملحة لإيجاد حلول وطنية ذاتية، تعزز سيادة الجنوب وتمهد الطريق نحو مستقبل سياسي ديمقراطي يحترم تعددية المكونات ويُشجع المشاركة الفاعلة لكافة شرائح المجتمع.

أولًا: الدروس المستفادة من تجربة أرض الصومال

تُعد تجربة أرض الصومال نموذجًا فريدًا في بناء الدولة بعد سنوات من النزاع والصراع الأهلي، حيث استطاعت تجاوز العديد من التحديات التي تواجهها الدول الناشئة في بيئات متقلبة. إن نجاحها في تأسيس نظام سياسي مستقر نسبيًا، قائم على توافق داخلي ومصالحة شاملة، يقدم العديد من الدروس القيمة التي يمكن الاستفادة منها في سياقات مشابهة، خصوصًا في المناطق التي تسعى لإعادة بناء مؤسساتها السياسية والاجتماعية من جديد. في هذا القسم، سيتم استعراض أهم الدروس والعبر التي شكلت أساسًا لاستقرار وأمن أرض الصومال، مع التركيز على الجوانب السياسية، المؤسسية، والاجتماعية التي أسهمت في ذلك النجاح.

  1. أولوية التوافق المجتمعي والسياسي في بناء الدولة

من أبرز دروس تجربة أرض الصومال أن النجاح في بناء الدولة لا يُفرض من الخارج، بل ينشأ من الداخل، عبر توافق النخب القبلية والمدنية والسياسية. لقد أسست صوماليلاند شرعيتها من خلال مؤتمرات محلية مثل مؤتمري “بُرعو” (1993) و”بورما” (1997)، التي وضعت أسس نظام سياسي توافقي استند إلى المصالحة، لا المغالبة.

  • نجاعة النموذج الهجين في بيئات ما بعد الصراع

لم تعتمد أرض الصومال على النموذج الغربي المحض، بل ابتكرت نظامًا يجمع بين الديمقراطية التمثيلية (برلمان منتخب، رئاسة، أحزاب) والشرعية القَبَلية (مجلس الشيوخ التقليدي)، مما وفر قاعدة اجتماعية واسعة للقبول والاستقرار. هذا المزج قلّل من النزاعات، وضمن شمولًا أكبر للقوى التقليدية.

  • أهمية التدرج المؤسسي بدل القفز نحو الدولة الحديثة

بنت أرض الصومال مؤسساتها السياسية والدستورية بشكل تدريجي. فبدأت بدستور مؤقت، ثم دسترت لاحقًا النظام عبر استفتاء شعبي في 2001. هذا التدرج أتاح ترسيخ المبادئ السياسية دون صدامات حادة أو فرض نموذح غير مقبول اجتماعيًا.

  • الديمقراطية الممكنة رغم الفقر والعزلة الدولية

أثبتت صوماليلاند أن غياب الموارد أو الاعتراف الدولي لا يعني استحالة بناء ديمقراطية. فقد أجرت خمس دورات رئاسية سلمية، ومجالس محلية وتشريعية، رغم الحصار الدبلوماسي، وهو ما يعكس نضجًا سياسيًا ذاتيًا.

  • أهمية المجتمع المدني والرقابة الشعبية

اضطلعت منظمات المجتمع المدني بدور جوهري في بناء الثقافة الديمقراطية، وتنظيم الانتخابات، ومراقبة الأداء الحكومي، كما ساهم الإعلام المحلي في تعزيز الشفافية والمساءلة.

  • الإقرار بالهويات المحلية وعدم قمع التعدد

أرض الصومال لم تسعَ إلى طمس الهويات المحلية أو فرض مركزية صارمة، بل تركت للمناطق هامشًا واسعًا من الإدارة الذاتية، وأقرت بالمكون القَبَلي كجزء من البنية السياسية، مما خفف التوترات المجتمعية.

ثانيًا: إمكانية الاستفادة من تجربة أرض الصومال في جمهورية اليمن الجنوبية (عدن)

تُشكل تجربة أرض الصومال نموذجًا عمليًا وملهمًا لدول ومناطق تمر بمرحلة انتقالية وتسعى إلى بناء دولة مستقرة ومستدامة في ظل ظروف صعبة ومتنوعة. وفي ضوء التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجه جمهورية اليمن الجنوبية (عدن)، تبرز الحاجة إلى الاستفادة من هذه التجربة من أجل تطوير إطار سياسي واجتماعي يتناسب مع خصوصيات الجنوب. يهدف هذا القسم إلى دراسة كيفية توظيف الدروس المستفادة من أرض الصومال في صياغة حلول واقعية ومبتكرة تعزز من وحدة الجنوب، وتبني مؤسسات قائمة على التوافق والشراكة، بما يساهم في تحقيق السلام والتنمية المستدامة.

  • بناء توافق وطني جنوبي يشمل كافة القوى والمكونات

تحتاج عدن ومحيطها إلى إطلاق عملية حوار وطني جنوبي حقيقية، تشمل المكونات القبلية، والنقابية، والشبابية، والمدنية، بهدف الاتفاق على مشروع سياسي جامع يتجاوز الصراع والانقسام. يُمكن محاكاة نموذج مؤتمرات أرض الصومال التي رسّخت التفاهم المجتمعي كأساس للدولة.

  • ابتكار نظام سياسي هجين يناسب البيئة العدنية/الجنوبية

الواقع الاجتماعي والثقافي في الجنوب، خاصة في عدن، يتطلب نموذج حكم يوازن بين الحداثة والدور المجتمعي التقليدي. يمكن استلهام نظام غرفتي البرلمان (النواب والشيوخ) لضمان تمثيل القوى القَبَلية والمناطقية بشكل سلمي ومُنظم.

  •  بناء مؤسسات دستورية متدرجة عبر حوار توافقي

بدلاً من فرض دساتير جاهزة أو نماذج مستوردة، يمكن لجنوب اليمن أن يطور “ميثاق تأسيسي انتقالي” توافقي يتم تطويره لاحقًا إلى دستور دائم بعد استفتاء شعبي، كما فعلت صوماليلاند.

  1. تشجيع إجراء انتخابات محلية تدريجية لكسب الثقة

يمكن البدء بانتخابات بلدية ومجالس مديريات في عدن ومحافظات الجنوب، تحت إشراف لجان مستقلة، لبناء ثقافة ديمقراطية تدريجية، وترسيخ الثقة بين المواطن والمؤسسات.

  1. التمكين السياسي للنساء والشباب والأقليات

على خلاف ما حصل في أرض الصومال، ينبغي لعدن أن تضع منذ البداية نظام كوتا مرحلية لضمان تمثيل النساء والشباب والأقليات، خاصة أن عدن تتمتع بقاعدة مدنية وتاريخ من الانفتاح الاجتماعي.

  1. استثمار الموقع الجغرافي لتعزيز الاستقلال السياسي

مثل أرض الصومال، تملك عدن موقعًا استراتيجيًا هامًا في خليج عدن والبحر العربي. يمكن لهذا الموقع أن يشكل قاعدة لبناء نفوذ سياسي واقتصادي مستقل، يعزز مطالب الاعتراف الدولي والفرص التنموية.

  1.  بناء خطاب سياسي عقلاني يوازن بين الداخل والخارج

تجربة صوماليلاند أكدت أن الخطاب الانفصالي الصدامي لا يخدم القضية. بالمقابل، فإن الخطاب الواقعي، القائم على السلم، الشرعية المحلية، والقدرة على الإدارة الرشيدة، هو ما يكسب الاعتراف والدعم الخارجي.

***

مما سبق تجربة أرض الصومال تبرهن أن بناء الدولة في بيئات ما بعد الصراع لا يحتاج بالضرورة إلى موارد ضخمة أو دعم خارجي، بل إلى توافق داخلي، مؤسسات مرنة، وقيادة تستوعب الواقع وتبني عليه.  وهي دروس حيوية يُمكن لعدن والجنوب الاستفادة منها في بناء مشروع سياسي متماسك ومستدام، يتجاوز الفشل المركزي، ويؤسس لجنوب آمن، ديمقراطي، ومنفتح على العالم.

النتائج والتوصيات

أولا: النتائج:

  1. أرض الصومال ليست دولة تنموية، لكنها وفرت مستوىً كبيرًا من الاستقرار والأمن لمواطنيها. التزام شعب أرض الصومال بالديمقراطية قوي، وينبغي على الجهات الخارجية البحث عن سبل عملية لزيادة الوعي بإنجازات هذه الدولة الأفريقية الصغيرة، التي تفخر بحق.
  2. أظهرت التجربة السياسية في أرض الصومال قدرة ملحوظة على ترسيخ الاستقرار وبناء مؤسسات ديمقراطية فعالة، رغم كونها كيانًا غير معترف به دوليًا. وقد تحقق ذلك من خلال مزيج فريد من الحوكمة التقليدية والمؤسسات الحديثة.
  3. تمكنت أرض الصومال من تأسيس نظام سياسي يجمع بين الانتخابات التعددية والمجالس التقليدية (مثل مجلس الشيوخ القَبَلي)، مما ساعد على احتواء النزاعات وبناء توافق سياسي داخلي مرن.
  4. منذ عام 2003، شهدت أرض الصومال عدة دورات انتخابية سلمية على مستوى الرئاسة والمجالس التشريعية والمحلية، ما عزز من شرعية النظام السياسي ومصداقية العملية الديمقراطية داخليًا وخارجيًا.
  5. تأثير إيجابي محدود للنساء في الحياة السياسية رغم مشاركتهن المجتمعية الفاعلة، بسبب هيمنة الثقافة القَبَلية وغياب التشريعات الداعمة.
  6. غياب الاعتراف الدولي يمثل العائق الأكبر أمام استكمال مسار الدولة فهو يحدّ من قدرتها على الوصول إلى التمويل، والانخراط في النظام الدولي، والاستفادة من برامج الدعم التنموي والمؤسسي.
  7. تعاني أرض الصومال من تحديات داخلية تشمل: هشاشة البنية الإدارية، التفاوت التنموي بين المناطق، تغوّل البنية القبلية على القرار السياسي، والتأجيل المتكرر للانتخابات.
  8. توفر تجربة أرض الصومال نموذجًا قابلًا للدراسة والتطبيق في بيئات ما بعد النزاع
    تقدم التجربة نموذجًا واقعيًا لكيفية بناء الدولة من الداخل بالاعتماد على التوافق المجتمعي والشرعية المحلية، بعيدًا عن الدعم الخارجي، ما يجعلها جديرة بالتأمل من قبل دول ومجتمعات تمر بظروف مشابهة.

ثانيا: التوصيات

  1. ضرورة تكثيف الدبلوماسية متعددة الأطراف لشرح مشروعية القضية، وفتح قنوات مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.
    1. الإسراع في تطوير القوانين المنظمة للانتخابات، وضمان إجرائها في مواعيدها لتعزيز الثقة في العملية الديمقراطية.
    1. ضرورة سن تشريعات واضحة تضمن تمثيلًا عادلاً للنساء في البرلمان والمجالس المحلية، وتعزيز مشاركتهن في الحياة العامة.
    1. دعم استقلال السلطة القضائية، وتوفير الموارد للمؤسسات الرقابية مثل ديوان المراجعة واللجنة الانتخابية.
    1. وضع سياسات شاملة لتمكين الشباب، وتحقيق التوازن التنموي بين المناطق الحضرية والريفية، وتمثيل الأقليات.
    1. العمل على تقليص التأثير الزائد للقبيلة في الحياة السياسية، وتشجيع الانتقال إلى نظام سياسي قائم على المواطنة والمؤسسات.
    1. الاستفادة من التجربة في مناطق النزاع الأخرى (مثل اليمن الجنوبي) توصية لصنّاع القرار والباحثين بدراسة تجربة صوماليلاند كنموذج لبناء الدولة بعد الحرب، مع مراعاة خصوصيات السياق المحلي.

المصادر والمراجع:

  1. أرض الصومال: ١٣ نوفمبرhttps://africacenter.org/ar/spotlight/ar-2024-elections/somaliland/?utm_source=chatg
    1.   أزمة الديمقراطية في منطقة القرن الأفريقي الكبرى نحو بناء الأسس المؤسسية ، ص 206 – 222   https://doi.org/10.1017/9781787
    1. أسباب عدم مساواة بين المرأة والرجل http://www.yoobsannews.com
    1. أمل جديد للصومال؟ نهج بناء الكتل”. مراجعة الاقتصاد السياسي الأفريقي، مات برايدن، المجلد ٢٦، العدد ٧٩، مارس ١٩٩٩
    1. جمهورية أرض الصومال (2001)، دستور جمهورية أرض الصومال ، المرسوم الرئاسي: 129/72001، هرجيسا.https://ar.wikipedia.org/wiki
    1. دور اجتماعي كبير للمرأة في صوماليلاند تقابله مشاركة سياسية ضعيفة https://www.independentarabia.com/node/
    1. شيوخ العشائر رشحت امرأة بالبرلمان وهذا سر تفرد تجربتنا الديمقراطية بالقرن الأفريقي” https://anfarabic.com/
    1. عين على أرض الصومال [supsystic-social-sharing id=”
    1. غياب المرأة في المسرح السياسي في صوماليلاند https://www.geeska.com/ar/ghyab-almrat-fy-almsrh-alsyasy-fy-swmalyland?utm_source=chatgpt.co 
    1. الماركسية والمسألة الوطنية https://www.marxists.org/reference/archive/stalin/works/1913/03a.
    1. ما وراء الاستقطاب: التفاوض على دولة هجينة في أرض الصومال، مايكل وولز وستيف كيبل عرض جميع المؤلفين والانتماءات المجلد 45 ، العدد 1 https://doi.org/10.1177/0002039710045001
    1. مركز أرض الصومال للسلام والتنمية، صورة ذاتية لأرض الصومال: إعادة البناء من بين الأنقاض. (هرجيسا 1999) مسودة. ص 61-81.
    1. مستوى المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في أرض الصومال https://soradi.org/wp-content/uploads
    1.   https://moderndiplomacy.eu/2024/07/04/a-legal-and-diplomatic-analysis-of-somalilands-quest-for-international-recognition
    1. Somaliland: An Overview of the 2021 Parliamentary and LCouncil Elections, ISIR.COM, 10 March 2021, (Visited

[1] الماركسية والمسألة الوطنية https://www.marxists.org/reference/archive/stalin/works/1913/03a.htm

[2] الماركسية والمسألة الوطنية https://www.marxists.org/reference/archive/stalin/works/1913/03a.htm  

[3] الماركسية والمسألة الوطنية https://www.marxists.org/reference/archive/stalin/works/1913/03a.htm

[4] عين على أرض الصومال [supsystic-social-sharing id=”1″]

[5] Mohamed Siad Barre.” Britannica, https://www.britannica.com/biography/Mohamed-Siad-Barre.

[6] “Siad Barre.” Wikipedia, https://en.wikipedia.org/wiki/Siad_Barre.

[7] مركز أرض الصومال للسلام والتنمية، صورة ذاتية لأرض الصومال: إعادة البناء من بين الأنقاض. (هرجيسا 1999) مسودة. ص 61-81.

[8] https://moderndiplomacy.eu/2024/07/04/a-legal-and-diplomatic-analysis-of-somalilands-quest-for-international-recognitio

[9] ما وراء الاستقطاب: التفاوض على دولة هجينة في أرض الصومال، مايكل وولز وستيف كيبل عرض جميع المؤلفين والانتماءات

المجلد 45 ، العدد 1

https://doi.org/10.1177/000203971004500102

[10] ما وراء الاستقطاب: التفاوض على دولة هجينة في أرض الصومال، مايكل وولز وستيف كيبل عرض جميع المؤلفين والانتماءات

المجلد 45 ، العدد 1

https://doi.org/10.1177/000203971004500102

[11] ما وراء الاستقطاب: التفاوض على دولة هجينة في أرض الصومال ،ـ مايكل وولز وستيف كيبل عرض جميع المؤلفين والانتماءات

المجلد 45 ، العدد 1 https://doi.org/10.1177/000203971004500102

[12] أزمة الديمقراطية في منطقة القرن الأفريقي الكبرى نحو بناء الأسس المؤسسية ، ص 206 – 222

https://doi.org/10.1017/9781787449046.009

[13] https://ar.wikipedia.org/wiki/

[14] دستور صوماليلاند https://ar.wikipedia.org/wiki

[15] أرض الصومال: ١٣ نوفمبرhttps://africacenter.org/ar/spotlight/ar-2024-elections/somaliland/?utm_source=chatg

[16]

لماذا استطاعت أرض الصومال أن تنجح حيث فشل الآخرون: نداء إلى العالم الديمقراطي!

[17] صحيفة فاينانشال تايمز (3 يونيو/حزيران 1999).

[18] لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، انظر “أمل جديد للصومال؟ نهج بناء الكتل”. مراجعة الاقتصاد السياسي الأفريقي، مات برايدن، المجلد ٢٦، العدد ٧٩، مارس ١٩٩٩، الصفحات ١٣٤-١٤٠،

 

http://www.yoobsannews.com/sinnaanta-ragga-iyo-dumarka-maxaa-hortaagan أسباب عدم مساواة بين المرأة والرجل  [19]

[20]  daily nation, “Somaliland elections: What’s at stake for shifting power dynamics in the Horn of Africa”, October 29, 2024. available at : https://nation.africa/africa/news/somaliland-elections-what-s-at-stake-for-shifting-power-dynamics-in-the-horn-of-africa-4804604

مستوى المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في أرض الصومال

https://soradi.org/wp-content/uploads/2018/08/Chapter-6-Level-of-Gender-Equity-and-Womens-Empowerment-in-Somaliland.pdf  [21]

دور اجتماعي كبير للمرأة في صوماليلاند تقابله مشاركة سياسية ضعيفة https://www.independentarabia.com/node/ [22]

غياب المرأة في المسرح السياسي في صوماليلاند https://www.geeska.com/ar/ghyab-almrat-fy-almsrh-alsyasy-fy-swmalyland?utm_source=chatgpt.co  [23]

 

   – Somaliland: An Overview of the 2021 Parliamentary and Local Council Elections, ISIR.COM, 10 March 2021, (Visited on: 10 Jun 2021), https://bit.ly/3zsr5C4   [24]

[25] شيوخ العشائر رشحت امرأة بالبرلمان وهذا سر تفرد تجربتنا الديمقراطية بالقرن الأفريقي” https://anfarabic.com/%

د. صبري عفيف

مدير تحرير مجلة بريم الصادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، المدير التنفيذي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى