اقتصادية

اعتداءات الحوثيَّين على الملاحةِ الدولية في البحرِ الأحمرِ وخليج عدن.. الدوافع –  والأهداف –  والتداعيات دراسة تحليلية (2014 – 2024) م


الملخص:

تحاول هذه الورقة البحثية استقراء طبيعة التهديدات والاعتداءات التي تتعرض لها حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن؛ التي تنفذها المليشيات الحوثية المدعومة من إيران، وقد هدفت الدراسة لمعرفة المتغيرات والدوافع والأهداف والتداعيات التي أدت الى تطور الاعتداءات، لاسيما أن هذه التطورات العسكرية في البحر الأحمر جاءت في ظل التغيرات والاضطرابات التي تشهدها دول المنطقة العربية والاقليم والعالم؛ ولتحقيق أهداف الدراسة استخدمت الباحث كل من “المنهج التاريخي”و”المنهج الوصفي التحليلي” ، لبناء الجانب الوصفي للدراسة الحالية .

وقد توصلت لعدد من النتائج والتوصيات:

الكلمات المفتاحية: 

الاعتداءات – الحركة الحوثية- الملاحة الدولية – البحر الأحمر – خليج عدن

Summary:

This research paper attempts to extrapolate the nature of the threats and attacks facing international shipping traffic in the Red Sea and Gulf of Aden. Which are carried out by the Houthi militias supported by Iran. The study aimed to know the variables, motives, goals and repercussions that led to the development of the attacks, especially since these military developments in the Red Sea came in light of the changes and unrest witnessed by the countries of the Arab region, the region and the world. To achieve the objectives of the study, the researcher used both the “historical method” and the “descriptive analytical method” to build the descriptive aspect of the current study.

It reached a number of results and recommendations:

Keywords:

 attacks – Houthi movement – international navigation – Red Sea – Gulf of Aden

المقدمة:

شهد البحر الأحمر وخليج عدن خلال الثلاثة العقود المنصرمة عدد من التهديدات والأعمال العدائية، سواء أكانت عسكرية أم أمنية أم قرصنة بحرية، وقد أشتدّت تلك التهديدات في الفترة ما بعد سقوط واحتلال الجنوب من قبل الاحتلال اليمني في منتصف صيف 94م، وقد رافق تلك التهديدات للمياه الدولية تهديدات أخرى في البر متمثلة في بروز التنظيمات الإرهابية في الدول المطلة على سواحل البحر الأحمر وخليج عدن؛ مما دعا القوى الكبرى لتأسيس تحالفات دوليةلمواجهة تلك الأعمال الإرهابية، وسعت لإقامة قواعد عسكرية؛ لحماية السفن التجارية وناقلات النفط في المياه الإقليمية من أعمال القرصنة، وأضحى خليج عدن والبحر الأحمر ممرًا عسكريًا استراتيجيًا لمحاربة الإرهاب والقرصنة ومراقبة بؤر التوتر في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي الجانب الإقليمي تنشط الدول المهتمة بتثبيت نفوذها في البحر الأحمر، مثل مصر وهي صاحبة السيادة على قناة السويس وتركيا التي دخلت أخيًرا من بوابة الصومال والسودان، وإيران المستغلة لعلاقتها بالمليشيات الحوثية، والسعودية المعنية أكثر بأمن البحر؛ لكونها صاحبة السواحل الأطول عليه بامتداد 1020 كلم، إضافة إلى أهميته التاريخية للمملكة؛ نظرا لوقوع مدينة جدة على سواحله وهي من أهم موانئ السعودية وبوابة الحرمين.

وهناك الدول التي تطل على البحر الأحمر وتتأثر بشكل مباشر بما يحدث حاليا، وهي): المملكة الأردنية الهاشمية، جمهورية جيبوتي، المملكة العربية السعودية، جمهورية السودان، جمهورية الصومال الديمقراطية، جمهورية مصر العربية، والجنوب العربي، والجمهورية العربية اليمنية).

وتؤكد التطورات التي تشهدها المنطقة العربية ضرورة البحث عن مقاربة جديدة للأمن القومي العربي تُعيد تعريف الأخطار الظاهرة الكامنة وتحدد مصادرها الداخلية والخارجية، وتُرتكز في بُعدها العسكري على استراتيجية ردع، وفي بُعدها السياسي على دبلوماسية وقائية ناشطة تؤكد حضور الدول العربية في الإطارين الإقليمي والدولي.

  • إشكالية البحث:

تُعد ظاهرة الاعتداءات الحوثية للملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن من أخطر الظواهر الإجرامية التي تُهدد مصالح المجتمع الدولي بشكل عام ومصالح ودول المنطقة العربية على وجه الخصوص، وتكمن المشكلة في تمدد الحركة الحوثية المصاحب لتوسع وانتشار اعتداءاتها في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن التي شكلت تهديداً صريحاً للسفن التجارية واستمرار الممر الملاحي كممر اَمن لمرور السفن.

وفي إطار الهدف العام لهذا البحث ارتأينا صياغة إشكاليته كالآتي: –  

ماهي المتغيِّرات والدوافع المحيطة بالاعتداءات الحوثية المستمرة على البحر الأحمر وخليج عدن؟

ويتفرع من هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية التالية:

  • ما حقيقة اعتداءات الحوثيين على حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن؟
  • ما المتغيرات والدوافع التي أسهمت في دفع الحوثيين للاعتداء على حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن؟
  • ما التأثيرات المترتبة من الاعتداءات الحوثية على حركة الملاحة الدولية؟
  • ما حقيقة التداعيات الأمنية عن الأعمال العدائية في البحر الأحمر وخليج عدن على المستوى المحلي والإقليمي والدولي؟
  • ما الموقف العربي والإقليمي والدولي من قضية الاعتداءات على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن؟
  • ما هي الحلول والمعالجات المستقبلية لإيقاف هذه الاعتداءات محليا وإقليميا ودوليا؟
  • أهداف البحث:
  • يسعى هذا البحث إلى تقديم إطار تحليلي لظاهرة تطور الاعتداءات الحوثية للملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، وتوضيح خطورة تلك الاعتداءات وتأثيرها على الاستقرار في الممرات الدولية.
  • التعرف على نشوء وتنامي الاعتداءات الحوثية وأسبابها ودوافعها.
  • تبيان حقيقة التداعيات الأمنية التي خلفتها الاعتداءات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن.
  •  تحديد المخاطر والتحديات المؤثرة على أمن البحر الأحمر ودول الخليج عدن والاقليم والعالم.
  • إبراز الموقف العربي والإقليمي والدولي من قضية الاعتداءات على الملاحة الدولية؟
  • تقديم الرؤى والمقترحات التي تسهم في أيقاف هذه الاعتداءات على الملاحة الدولية؟
  • فرضية البحث

الافتراض في ظل غياب الدور العربي لكل من مصر والسعودية والجنوب عن مشهد الصراع في البحر الأحمر وخليج عدن تظل التهديدات والاعتداءات والصراع في البحر الأحمر ومضيق باب المندب بؤرة غير آمنة مسببة تنافس دولي أكثر منه عامل تقارب وتعاون مشترك.

  • أھمیة البحث:

 تتجلى أهمية هذا البحث من الناحية الموضوعية في أنه سيتناول موضوعا هاما من موضوعات ذات التأثير المباشر على الامن القومي العربي وكذلك السلم والأمن الدوليين.

تصهم الدراسة في تقديم دراسة علميةٍ متخصصةٍ قد تفيد ذوي الاختصاص في كيفية مواجهة التهديدات التي تتعرض لها الملاحة الدولية بالطرق العلمية الكفيلة؛ لكون ظاهرة الاعتداء باتت تُهدّد المجالين الإقليمي والدولي، وهي أي جريمة تُهدّد مصالح الدولة والمجتمعات والأفراد.

  • حدود البحث:
  • الحدود الموضوعية: الاعتداءات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن.
  • الحدود المكانية: –  يمتد النطاق المكاني من البحر الأحمر شمالاً حتى السواحل الصومالية، ومن بحر العرب شمالاً حتى خليج عدن ومضيق باب المندب غرباً.
  • الحدود الزمنية: –  تكون بدايتها من (2024 – 2014)م حيث تصاعد خطر الاعتداءات الحوثية على الملاحة الدولية بشكل كبير خلال هذه الفترة المحددة للدراسة.
  • منهج البحث

هذه الورقة البحثية هي عبارة عن دراسة تحليلية وصفية؛ تهدف إلى زيادة التعرف على واقع الاعتداءات الحوثية على حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وسوف تعتمد على المنهج التكاملي المتمثل في الاتي: –

  1. المنهج الوصفي التاريخي: – حيث يُستخدم هذا المنهج لسرد أحداث وأفعال ظاهرة التهديدات والاعتداءات الحوثية للملاحة الدولية.
  2. منهج دراسة الحالة: – يُستخدم للتطبيق على ظاهرة الاعتداءات الحوثية وتأثرها على دول المنطقة العربية، وبفحص الشروط التي تخلق الدافع للانحراف والضغوط الناتجة والتي تجعل الاعتداءات ممكنة.
  3. مباحث الدراسة: 

تناولت هذه الدراسة موضوع وتداعياتها الأمنية على المنطقة العربية، واحتوت على أربعة مباحث، تناول المبحث الأول: واقع التهديدات والاعتداءات الحوثية على الملاحة الدولية ومراحل تطورها، وتناول المبحث الثاني: متغيرات ودوافع الاعتداءات الحوثية على الملاحة الدولية، والمبحث الثالث: التداعيات الناتجة عن الاعتداءات الحوثية على الملاحة الدولية المبحث الرابع: الآثار الأمنية والسياسية الناتجة من أزمة البحر الأحمر وخليج عدن. وخلصت الدراسة الى النتائج والتوصيات: 

المبحث الأول:

واقع التهديدات والاعتداءات الحوثية على الملاحة الدولية ومراحل تطورها 

في خضم توترات وتجاذبات دولية محمومة، أهمها التوجه الأمريكي الجديد تجاه السياسات الإيرانية في المنطقة، وقد تزامنت هذه الحادثة مع تصاعد التهديدات المتبادلة بين الجانبين؛ حيث توعدت طهران على لسان قائد القوات البحرية الإيرانية، الأميرال حسين خانزادي، أن بقاء مضيق هرمز مفتوحاً مرهون بتأمين المصالح الإيرانية، وأن الرد على أي عقوبات أمريكية على صادراتها النفطية سيؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز ومنع نفط الخليج من الوصول إلى الأسواق الدولية.

ومنذ سيطرة المليشيات الحوثية على صنعاء في عام 2014م بدأت المهددات الأمنية للمياه الإقليمية سواء أكانت في البحر الأحمر أم العربي وكذلك الخليج العربي، فقد استهدفت الحركية الحوثية السفن الحربية الأمريكية والسعودية والإماراتية في الفترة 2016-2017، وهذا ما بدأ يتكشف من خلال تلك التهديدات والاعتداءات المثيرة للجدل.

وفي الحقيقة قد لا تكون هناك مصلحة ذاتية لجماعة الحوثي من تلك الاعتداءات، لا من حيث المكان والزمان، ولا حتى من حيث نوعية الهدف (ناقلة نفط تجارية)، سوى الاستجابة لطلب إيران، التي تريد إعطاء إشارة مبكرة لخصومها الدوليين عن قدرتها في خلط الأوراق والإضرار بمصالحهم الاستراتيجية في حال تعرضت مصالحها للخطر.

 . التسلسل الزمني لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن

منذ سيطرة جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة في سبتمبر/أيلول من العام 2014، والانقلاب على شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لم يستقر وضع خطوط الملاحة والممرات التجارية في البحر الأحمر، بل بات الخطر يتصاعد بشكل مطرد مع طول أمد الحرب وتدويل الصراع في اليمن، وأخذ الحوثيون- بمساعدة إيرانية- يطورون منظومة سلاحهم البحري، وقد أعلنوا في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 امتلاكهم منظومة صواريخ بحرية محلية الصنع، يُطلَق عليها (المندب1).

أولا: الاعتداءات منذ مطلع عام 2014م

كشف تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، مطلع عام 2017م، عن امتلاك جماعة الحوثي قدرات تكنولوجية بحرية تمكِّنهم من شنِّ مزيد من الهجمات على السفن، مستدلاً على ذلك بدقة الهجمات التي تعرضت لها بعض سفن التحالف خلال عام 2016م، ومنها الفرقاطة السعودية التي تحمل اسم (المدينة 702)، في حين تشير تقارير أخرى إلى حيازتهم صواريخ إيرانية طراز 102C، استُخدم بعضها في الهجمات على سفن التحالف، وقد بلغ عدد هجمات الحوثيين البحرية خلال الأعوام الثلاثة أكثر من 22 هجوماً، استهدفت 12 سفينة وبارجة حربية، وأكثر من 10 زوارق عسكرية، ومن أهمها:

  1. نشر الألغام البحرية بشكل عشوائي منذ ﻋﺎم  2015. ﻓﻲ أﻣﺎكن ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، أطلق الحوثيون ألغاماً منجرفة في باب المندب، طافت لمسافة وصلت إلى 90 كيلومتراً جنوب غرب عدن بعد عبورها عبر المضيق. ووفقاً لأحدث تقرير سنوي أعده فريق خبراء الأمم المتحدة حول اليمن، صدر في 26 كانون الثاني/يناير 2018، تم العثور على 44 لغماً بحرياً في البحر الأحمر وخليج عدن في عام 2017، من بينها أربعة تم تفجيرها باستهداف سفناً تجارية.
    1. الاستخدام العسكري للرادار ضد سفن مدنية راسية. تُفيد بعض التقارير بأن الحوثيين ينتهكون باستمرار قانون النزاع المسلح من خلال إرغام متعهدي النقل البحري التجاري في المراسي في الحديدة والصليف على السماح لهم باستخدام الرادارات البحرية على متن السفن لمراقبة البحر الأحمر وإصدار بيانات مستهدفة. ويبدو أن هذا الإجراء دخل حيز التنفيذ بعد أن أمرت إدارة أوباما بتوجيه ضربات دمرت أنظمة الرادار الساحلية الحوثية في تشرين الأول/أكتوبر2016 (([1]
    1.  في 16 حزيران/يونيو  2017. نفذ الحوثيون هجوما بواسطة مركب موجه عن بعد على ميناء نفط،تمّ استخدام الزورق الموجه عن بعد المحمل بالمتفجرات والذاتي التوجيه من نوع “شارك-33” الذي يمكن برمجته لتحديد هدف باستخدام أنظمة تلفزيون إلكترونية – بصرية، في هجوم غير ناجح على منشأة تحميل بحرية سعودية في جازان
    1. في أكتوبر/تشرين الأول 2016 م  نفذ الحوثيون هجومًا على سفينة (إتش إس في -2 سويفت) الإماراتية، وهجوم أخر على المدمرة الأمريكية (يو إس إس مايسون).
    1. وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2016م. نفذ الحوثيون هجومًا ثانٍ على المدمرة الأمريكية (يو إس إس مايسون (
    1. في 29 يناير/كانون الثاني  2017تعرض فرطاقة سعودية لهجوم بثلاثة زوارق موجهة تابعة للمتمردين الحوثيين غرب ميناء الحديدة، ما أدّى إلى مقتل اثنين من طاقمها.
    1. وفي 12 تشرين الثاني/نوفمبر، 2017  أعلنت قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين أن “البوارج وناقلات النفط التابعة للعدوان وتحركاته لن تكون في مأمن من نيران القوات البحرية اليمنية [الحوثية] إذا ما أصدرت القيادة العليا التوجيهات [بشن هجوم]”
    1. في 14 يونيو/حزيران 2017. استهداف بارجة حربية إماراتية قبالة سواحل مدينة المخا، هجوم صاروخي فاشل على ناقلة النفط السعودية المزدوجة الهيكل (البقيق).
    1. وفي 10 مايو/أيار 2018 شنّ هجوم صاروخي على سفينة تركية (إنسي إنيبلو) محملة بالمواد الغذائية، في.
    1. وفي 3 نيسان/أبريل 2018، أطلق زورق هجومي حوثي سريع، النيران على السفينة السعودية المزدوجة الهيكل “البقيق” قبالة ساحل الحديدة، إما باستخدام القنابل الصاروخية أو الصواريخ التكتيكية.
    1. وفي 10 أيار/مايو 2018 شنّ هجوم صاروخي على سفينة محملة بالمواد الغذائية السائبة، تم استهداف ناقلة البضائع السائبة التي تحمل العلم التركي، “إنسي إنيبلو” بصاروخ، ووصفت بعثة مكافحة القرصنة الأوروبية “القوة البحرية للاتحاد الأوروبي” ذلك الهجوم بقيام “جهات فاعلة مقرها اليمن بإطلاق صاروخ أرضي أو قذيفة على السفينة”
    1. وفي فبراير عام 2020 تعرضت سفينة عمانية تعرف بـ”الراهية” للاختطاف من قبل الميليشيات طاقمها المؤلف من 20 بحارًا من الجنسية المصرية والهندية لأكثر من عام.
    1. وفي أواخر عام 2021 شنت الميليشيات الانقلابية هجومًا قرب رأس عيسى على سفينة سعودية وسفينتين من كوريا الجنوبية.

ثانيا: الاعتداءات الأخيرة 15 نوفمبر 2023م – 14- فبراير 2024م.

في خضم ما يجري من حشد عسكري وتحركات دولية في البحر الأحمر، لا يمكن القول بأن هذا التطور مستغرب وفريد من نوعه بعد بداية أحداث 7 أكتوبر الماضي، إذ لطالما كانت المضائق البحرية والممرات المائية محلاً للتنافس والنزاع، وخصوصاً في أوقات الصراعات والحروب، فكيف إذا كانت المنطقة المقصودة هي الشرق الأوسط في هذه الحالة!؟ وكيف إذا كان الممر المائي المذكور هو مضيق “باب المندب” الذي يمتاز موقعه بأهمية استراتيجية وجيوسياسية كبيرة ومحورية، والذي تمر من خلاله 40% من التجارة بين آسيا وأوروبا!؟

جدول رقم (1)

يوضح القرصنة والتهديدات البحرية الحوثية للسفن المدنية للفترة من 15 نوفمبر –2023م – 17- فبراير 2024م

الشهرعدد الاعتداءاتالسلاح المستخدمنوع الهدف المستهدفمكان الاستهداف
19 نوفمبر 2023  9احتجاز واجبار على تغيير مسارها واستيلاء على السفينة استهداف بطائرة مسيرة صواريخ باليستيةسفن تجاريةالبحر الأحمر + خليج عدن+ المحيط الهادي
ديسمبر 202343استهداف مباشر بصاروخ بحري وتبادل إطلاق نار وطائرات مسيرةسفن تجارية + شحن بضائعالبحر الأحمر + خليج عدن+ باب المندب
يناير 202449استهداف مباشر بصاروخ بحري وتبادل إطلاق نار وطائرات مسيرةسفن تجارية + شحن بضائع.البحر الأحمر + خليج عدن+ باب المندب
19 فبراير 20246استهداف مباشر بصاروخ بحري وتبادل إطلاق نار وطائرات مسيرةسفن تجارية + شحن بضائعالبحر الأحمر + خليج عدن+ باب المندب
المجموع106   

مما سبق تبين أن عدد الهجمات والاعتداءات التي شنها الحوثيون على حركة الملاحة الدولية خلال الفترة من 19 نوفمبر 2023م الى 19 فبراير 2024م بلغت 106 هجوما بينما بلغ عدد الهجمات المباشرة والتي لحقت اضرارا بالسفن التجارية بلغت (30) سفينة، أي بنسبة (28%) وقد تم افشال بما نسبته (72%) من العمليات.

جدول رقم (2) يوضح عدد العمليات ونسبة نجاحها

عدد العملياتعدد العمليات التي فشلتعدد العمليات الناجحة
1067828
النسبة74%26%

وفيما يلي نحاول إيضاح التسلسل الزمني للهجمات الحوثية على السفن التي تعرضت للأضرار المباشرة.

 28 عملية بحرية، استهدفت خلالها 30 سفينة استهدافا مباشرا

منذ الـ19 من نوفمبر 2023م، حتى 19 فبراير 2024، نفذت 28 عملية بحرية، أدت إلى استهدفت 29 سفينة، على النحو التالي:

في 19 نوفمبر 2023م نفذتِ القواتُ البحريةُ في المليشيات الحوثية عمليةً عسكريةً في البحرِ الأحمرِ كان من نتائجِها الاستيلاءُ على سفينةٍ (جلاكسي ليدر) واقتيادُها، كما عرضت مقطع فيديو يوثق العملية.

في 3 ديسمبر 2023م، نفذتِ المليشيات الحوثية عمليةَ استهدافٍ لسفينتينِ في بابِ المندب وهما سفينة “يونِتي إكسبلورر” وسفينة ” نمبر ناين”، حيثُ تم استهدافُ السفينةِ الأولى بصاروخِ بحري والسفينةِ الثانيةِ بطائرةٍ مسيرةٍ بحرية.

في 12 ديسمبر 2023م نفذتِ المليشيات الحوثية عمليةً ضدَّ سفينةِ “استريندا” تابعةٍ للنرويج، كانت محملةً بالنفطِّ وقد تمَّ استهدافُها بصاروخٍ بحريٍّ.

في 14 ديسمبر 2023م نفذت المليشيات الحوثية عملية ضد سفينة حاويات “ميرسيك جبرلاتر” وقد تم استهدافها بطائرة مسيرة وكانت الإصابة مباشرة.

في 15 ديسمبر 2023م نفذت المليشيات الحوثية عملية ضد سفينتي حاويات ( MSC Alanya إم إس سي ألانيا ) و ( MSC PALATIUM III إم إس سي بالاتيوم وقد تم استهدافهما بصاروخين بحريين.

في 18 ديسمبر 2023م نفذت المليشيات الحوثية عملية نوعية ضد الأولى سفينة “سوان اتلانتك” محملة بالنفط والأخرى سفينة “إم إس سي كلارا” تحمل حاويات وقد تم استهدافهما بطائرتين بحريتين.

في 26 ديسمبر 2023م أعلنت المليشيات الحوثية، تنفيذ عملية مزدوجة تمكنت خلالها من استهداف السفينة (MSC يونايتد) بصاروخ بحري ودك أم الرشراش بطائرات مسيرة.

في 31 ديسمبر 2023 م أعلنت المليشيات الحوثية نجاحها في تنفيذِ عمليةٍ عسكريةٍ استهدفتْ سفينةَ حاوياتٍ “ميرسك هانغزو Maersk Hangzhou” .

في 3 يناير 2024م، أكدت المليشيات الحوثية استهدافٍ السفينةِ ” CMA CGM TAGE سي إم أي سي جي إم تَيج ”

في 10 يناير 2024م، أعلنت المليشيات الحوثية تنفيذ عمليةً عسكريةً مشتركةً بعددٍ كبيرٍ من الصواريخِ البالستيةِ والبحريةِ والطائراتِ المسيرةِ استهدفتْ سفينةً أمريكيةً كانتْ، مشيرة إلى أن هذه العمليةَ جاءتْ كردٍ أوليٍّ على الاعتداءِ الغادرِ الذي تعرضتْ لهُ القوات البحرية اليمنية من قِبلِ قواتِ العدوِّ الأمريكيِّ يومَ الأحدِ الـ 18 من جمادَى الآخرةِ 1445هـ الموافق 31 ديسمبر 2024.

في 15 يناير 2024م، أعلنت المليشيات الحوثية استهداف سفينةً أمريكيةً في خليجِ عدن، وذلك بعددٍ من الصواريخِ البحريةِ، وكانتِ الإصابةُ دقيقةً ومباشرة.

وفي 16 يناير 2024 م أعلنت المليشيات الحوثية استهدافٍ السفينةِ “زوغرافيا” بعددٍ من الصواريخِ البحريةِ المناسبة، وكانتِ الإصابةُ مباشِرة.

في 17 يناير 2024م أعلنت المليشيات الحوثية استهداف السفينة الأمريكية ( جينكو بيكاردي) في خليجِ عدن بعددٍ منَ الصواريخِ البحريةِ المناسبةِ وكانتِ الإصابةُ دقيقةً ومباشرة.

في 19 يناير 2024 م، أعلنت المليشيات الحوثية استهدفت السفينة الأمريكية “كيم رينجر”، في خليجِ عدن بصواريخَ بحريةٍ مناسبةٍ.

في 22 يناير 2024، نفذتِ المليشيات الحوثية عمليةً عسكريةً استهدفتْ سفينةَ شحنٍ عسكريةٍ أمريكيةٍ ( أوشن جاز OCEAN JAZZ ) في خليجِ عدن وذلك بصواريخَ بحريةٍ مناسبة.

في 24 يناير 2024، اشتبكت القواتُ المليشيات الحوثية معَ عددٍ مِنَ المدمراتِ والسفنِ الحربيةِ الأمريكيةِ في خليجِ عدن، وبابِ المندبِ أثناءَ قيامِ تلكَ السُّفُنِ بتقديمِ الحماية لسفينتينِ تجاريتينِ أمريكيتينِ، ما أدى إلى إصابةُ سفينةٍ حربيةٍ أمريكيةٍ إصابةً مباشرة وإجبارُ السفينتينِ التجاريتينِ الأمريكيتينِ على التراجعِ والعودةِ.

في 27 يناير 2024 نفذت المليشيات الحوثية عملية استهداف لسفينة نفطية بريطانية تحمل اسم (مارلين لواندا MARLIN LUANDA) بعدد من الصواريخ البحرية المناسبة، في خليج عدن وكانت الإصابة مباشرة، ما أدى إلى احتراقها.

في 29 يناير 2024 نفذت المليشيات الحوثية هجوما صاروخاً بحرياً مناسباً استهدف سفينة تابعة للبحرية الأمريكية “لويس بي بولير” “lewis B puller” أثناء إبحارها في خليج عدن، ومن ضمن مهام هذه السفينة تقديم الدعم اللوجيستي للقوات الأمريكية التي تشارك في شن العدوان على بلدنا.

في 31 يناير 2024 أطلقت صواريخ بحرية مناسبة على المدمرة الأمريكية “يو إس إس غريفلي” في البحر الأحمر، وأصابتها بشكل مباشر ودقيق.

في 31 يناير 2024 أعلنت المليشيات الحوثية استهداف سفينة تجارية أمريكية “كول” بصواريخ بحرية أصابتها بشكل مباشر.

في 01 فبراير 2024 استهدفت المليشيات الحوثية سفينة تجارية بريطانية في البحر الأحمر بصواريخ بحرية مناسبة.

في 06 فبراير 2024 نفذتِ المليشيات الحوثية عمليتينِ عسكريتينِ في البحرِ الأحمرِ الأولى استهدفت سفينةً أمريكيةً (Star nasia ستار ناسيا) والأخرى استهدفت سفينةً بريطانيةً (Morning Tide مورنينق تايد.

في 12 فبراير 2024 نفذت المليشيات الحوثية عملية عسكرية على سفينةِ “ستار أَيرسStar Iris ” الأمريكيةِ في البحرِ الأحمرِ وذلك بعددٍ من الصواريخِ البحرية المناسبةِ وكانتِ الإصابةُ دقيقةً ومباشرةً.

في 15 فبراير 2024 أعلنت المليشيات الحوثية استهداف سفينة بريطانية تحمل اسم “LYCAVITOS” في خليج عدن بصواريخ بحرية مناسبة، مؤكدةً إصابتها بشكل مباشر.

في 16 فبراير 2014 أعلنت المليشيات الحوثية استهداف سفينة نفطية بريطانية “بولوكس” “POLLUX” في البحر الأحمر بصواريخ بحرية مناسبة، مؤكدا أن الإصابة كانت دقيقة ومباشرة ـ

في 19 فبراير 2014 استهدفت المليشيات الحوثية سفينة بريطانية في خليج عدن “روبيمار” بعدد من الصواريخ البحرية المناسبة محققة إصابة مباشرة ومؤثرة

***

مما سبق تبين أن الاعتداءات الحوثية لحركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن لم تكن مرتبطة بقضية غزة بل انها سبقتها منذ عام 2014م وما احداث غزة الا ذريعة استخدمتها الحركة الحوثية لتوسعة اعتداءاتها على المياه الإقليمية الدولية محققة أغراض سياسية داخلية وخارجية خدمة للاستراتيجية الايرانية.

المبحث الثاني:

متغيرات ودوافع الاعتداءات الحوثية على الملاحة الدولية .

يرجع الخبراء والمحللون السياسيون أن دوافع انتشار التهديدات والاعتداءات على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن الى عدد من العوامل تمثلت في الاتي:

  • متغيرات ودوافع داخلية 
  • متغيرات ودوافع خارجية  

أولًا- الدوافع الداخلية

تُعَد العملية السياسية الحالية، الرامية لإخراج البلاد مِن الحرب الناشبة منذ تسع سنوات، المتغيِّر الدافع الأساسي، الذي يتشابك مع ما يثيره الحوثيون مِن تهديدات على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن؛ حيث يسعى الحوثيون لتعزيز موقفهم التفاوضي بمختلف الوسائل المتاحة، ومِن ذلك تعمُّد خلق ظروف بحرية شديدة التأثير على مصالح وسطاء عملية السلام، والمنتفعين مِنها، وفي المقدِّمة الولايات المتَّحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية.

ويمكن تفسير تحركات الحوثيين الأخيرة بعدد من العوامل وذلك على النحو التالي:

  • الحصول على كسب التأييد داخليًا وخارجيا

وجدت الجماعة الحوثية في حرب غزة فرصة لكسب تأييد شعبي داخلي وخارجي، إضافة إلى فرض نفسها لاعبًا إقليميًا، حيث جاء هذا التدخل بمثابة طوق النجاة للحوثيين وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرتهم خصوصًا مع الإضراب الشامل للمعلمين، ومطالب الناس بالخدمات، بجانب عدم قدرتهم على تشكيل حكومة جديدة بعد إقالة حكومة بن حبتور المتهمة بالفشل والفساد منذ أكثر من شهر.

  •  نجحت جماعة الحوثي لاستغلال أحداث غزة لجمع الأموال من المواطنين باسم دعم القوات الصاروخية، وتوظيف أحداث غزة للتحشيد صوب جبهات القتال بعد إفلاسها في حشد المقاتلين خلال الأشهر الماضية وتحديدًا منذ بدء الهدنة الأممية في مطلع أبريل 2022.
  •  سعت جماعة الحوثي للخروج من عزلتها التي تعاني منها إقليميًا ودوليًا، فقد تأسست الجماعة على أيديولوجية تشجع المقاومة ضد قوى الاستكبار –أمريكا وإسرائيل– وتبنت في خطابها الحثّ على تحرير الأقصى ومقاومة القوى الإمبريالية، ولطالما بررت الجماعة تمردها وانقلابها في اليمن على أنه جزء من مشروع المقاومة. ولذلك عندما بدأ العدوان على غزة، كانت تلك لحظة مناسبة بالنسبة إليهم لحشد قاعدتهم من خلال إعادة تأكيد التزامهم بهذه الأهداف الأيديولوجية.
  •  تقديم أنفسهم لأول مرة كلاعب خارج منطقتهم الجغرافية المباشرة، ورغبتهم في أن يُنظر إليهم، ليس فقط كمتلقين للدعم من أعضاء محور المقاومة الآخرين، بل كداعم نشط لمساعيهم الإقليمية، إضافة لمحاولتهم التأكيد للجمهور المحلي والدولي على حد سواء أن قوتهم العسكرية آخذة في النمو.
  • محاولة تهدئة الجبهة الداخلية ضدهم حيث أسقطت الهدنة ذرائع الحوثيين بشأن سيادة هذه الأوضاع، وأنَّ وراءها استمرار الحرب وضخامة التزاماتها، ممَّا خلق سخطًا شعبيًّا كاد أن يتحوَّل إلى ثورة شعبية، في ظلِّ تجاهل الحوثيين لأبرز مناسبة وطنية في وجدان الشعب اليمني، ولذلك شكَّلت الهجمات الحوثية على مصالح إسرائيل والقوى العظمى في البحر الأحمر وخليج عدن مصدر إلهاء عن المطالب الحقوقية، وباعثًا للفخر بأنَّ الحوثيين وحدهم مَن ساند عسكريًّا فلسطينيي غزَّة، في مواجهة إسرائيل.
  • شكل قرار التعميم الصادر عن المنظَّمة البحرية الدولية إلى ملَّاك السفن ومشغِّليها، ومراكز تبادل المعلومات الإقليمية ذات الصلة، بشأن وقف التعامل مع المركز الإقليمي لتبادل المعلومات، الذي سبق الإشارة إليه، على أن يجري الاعتماد على المركز الذي يحمل الاسم ذاته في مدينة عدن الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية.

ثانيا: الدوافع الداخلية. 

  1. أن الأوضاع السياسية المتدهورة في اليمن والجنوب وانهيار مؤسسات الدولة وعدم وجود قوات نظامية في اليمن قادرة على بسط نفذها وتحرير الأراضي التي سيطرت عليها المليشيات الحوثية.
  2. عدم دعم القوات المسلحة الجنوبية سياسيًا وعسكريًا في سبيل مواصلة انتصاراتها العسكرية والأمنية في حماية السواحل الجنوبية من تهريب السلاح وتدفق العناصر الحوثية.
  3. استحالة مراقبة مياه خليج عدن والبحر العربي والتي تزيد اتساعها على 2.5 مليون كيلو متر مربع وذبك بعدد محدود من السفن الحربية
  4. فتح المجال للمليشيات الحوثية للحصول على أسلحة متطورة ونوعية مما سهل لها تنفيذ عمليات واعتداءات كبيرة ضد المصالح الدولية.
  5. أصبحت المليشيات الحوثية تتلقى الدعم المباشر والمعلن من الداخل والإقليم دون فرض أي عقوبات على الأطراف المتعاونة معها.
  6. حالة اليأس من هزيمة هذه المليشيات من قبل الشرعية اليمنية وجيشها الوطني الذي بات في عزلة تامة مما يجري في اليمن والاقليم.
  7. انعدام التنسيق بين القوى الكبرى المحلية والإقليمية والفاعلة في هذه المنطقة كمصر والسعودية والجنوب حيث يرى كل طرف منهما أم أمن البحر الأحمر وخليج عدن مسؤولية الدول المطلة عليه.
  8. تحرك الدول الكبرى دون تنسيق وتعاون مع الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
  9. ترك الحبل للقوى لدولة إيران في العبث بمستقبل امن البحر الأحمر وخليج عدن تحقيقا لنظريتها التوسعية في البلدان العربية.
  10. اتساع مساحة المياه التب يعمل فيها الحوثيون والتي يستحيل التعامل معها أن لم تكن هناك قوات محلية مدربة وفاعلة تسهم في الحد من تلك الاعتداءات التي يطلقها الحوثيون من مناطق سيطرتهم.
  11. تطور الاعتداءات بشكل خطير حتى كاد أن يوقف حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر ففي الأشهر ديسمبر 2023 بلغت الاعتداءات أكثر من 60 اعتداءا على السفن المارة في البحر الأحمر وخليج عدن.    

ثانيا: المتغيرات والدوافع الخارجية:

أولا: المتغيرات الخارجية

  • تُشكِّل المصالحة السعودية الإيرانية التي أُنجزت برعاية صينية، في مارس 2023م، متغيرا وثيق الصلة بالتهديدات الحوثية في البحر الأحمر، سواء في التوظيف الإيراني لهذه التهديدات، أو في حرص السعودية على كلِّ ما مِن شأنه صمود هذه المصالحة، ودعم عملية السلام في اليمن، وبين هذا وذاك يُناور الحوثيُّون، وفي الحدود المتاحة لهم، تحقيقًا لمصالحهم.
  • محاولة السعودية إعادة تقديم نفسها كدولة مستقرة أمنيًا واقتصاديًا في تمهيد لتقديم رؤيتها 2030 والتسويق لنفسها بصورة مغايرة تمامًا عما حدث أثناء حرب اليمن، وتأثر سمعتها الدولية سلبًا، وهو ما أكدته وكالة رويترز حينما أشارت بأن السعودية طلبت من الولايات المتحدة ضبط النفس في الرد على الهجمات الراهنة للحوثيين.
  • إطلاق جهود على مستوى المنطقة تركز على المفاوضات، وهذا يشمل التواصل بين الرياض وطهران، والذي سيكون مفيدًا وضروريًا للتوصل إلى السلام في اليمن. كذلك، قد يكون هناك تأخير في المفاوضات الإسرائيلية-السعودية بشأن إقامة العلاقات رسميًا، والجدير بالذكر أنه لم يصدر أي إعلان رسمي عن إلغاء التطبيع أو إيقافه رسميًا. وهذا يمكن أن يوفر مساحة لعملية السلام في اليمن، لأنه يقلل من الصدع المحتمل في العلاقات السعودية مع إيران، الدولة الراعية الرئيسية للحوثيين. ومن ثم توفير فرصة للمملكة للاتفاق على حل مع الحوثيين.
  • مشروع الممرِّ الاقتصادي المعلن عنه في قمة العشرين في نيودلهي في سبتمبر الماضي، والذي سيربط بين الهند وأوربَّا، مرورًا بالإمارات والسعودية وإسرائيل، وكذلك قناة بن غوريون المائية التي يخطَّط لِأن تُشقَّ لتربط بين خليج العقبة والبحر الأبيض المتوسط، والتي تمثِّل الحرب الإسرائيلية الأمريكية في غزَّة تمهيدًا لهما، وارتباط كلٍّ مِنهما بحسابات جيوسياسية لأطراف إقليمية ودولية، مِن بينها إيران التي تدعم الحوثيين وتُقايض معهم وبهم، وبحرب غزَّة، تحقيقًا لحصَّتها في هذه الحسابات. وفي شأن الدعم الإيراني لتلك الجماعة أكد وزير الداخلية اليمني السابق رشاد العليمي أن الحركة الحوثية نشأت منذ عام 1982م إبان الحرب العراقية-الإيرانية، وأن خلاياها قد تشكلت بين عامَي 1983م و1984م بدعم إيرانيّ).
  • حرب إسرائيل على غزَّة بوصفها أبرز متغيِّر إقليمي ودولي يحيط بنشاط الحوثيين العِدائي في البحر الأحمر وخليج عدن؛ إذ يربط الحوثيُّون تهديداتهم بحرب غزة، مدعين أن وقف الهجمات على السفن الإسرائيلية مرهون بوقف العدوان على غزَّة، لكنَّ هذا المطلب تراجع إلى السماح بدخول الغذاء إلى غزَّة، وفقًا للموقف الحوثي المعلن عنه في التَّاسع مِن ديسمبر الجاري، والذي اشترط لتوقُّف استهداف أيِّ سفينة ترتاد موانئ إسرائيل عبر البحر الأحمر أن يُسمح بدخول الغذاء إلى غزَّة([2]).

المتغيرات المتعلقة بإيران ومليشياتها في المنطقة العربية

إن المشروع الإيراني المتمثل في رؤيته بأنهم أصحاب حق في رسم الخريطة الأمنية بالمنطقة وتصدير الثورة هو ما حقق لها إنشاء ممر برى من طهران إلى بيروت عبر العراق وسوريا وقد مر المشروع الإيراني بعدد من المتغيرات تتمثل في الاتي:

–      تعزز الوجود الإيراني في منطقة القرن الإفريقي بعد حرب يوليو 2006 في لبنان، احتساباً لردود الفعل الإقليمية والدولية على نتائج هذه الحرب، حيث استقر الأمر في طهران على خروج إيران من دائرتها المعتادة، والعمل على رسم خريطة جديدة لنفوذها البحري، والخروج من الدائرة المحدودة بمياه الخليج العربي والمياه الساحلية للمحيط الهندي.

–      بدأت عناصر “القوات البحرية لفيلق الحرس الثوري الإسلامي” في خليج عدن في العمل منذ نوفمبر2008، عندما أَرسِلَت أول سفينة حربية لتسيير دوريات لمكافحة القرصنة رداً على استيلاء قراصنة صوماليين على سفينة شحن إيرانية.

–      سعت إيران منذ نهاية 2009 الى الخروج من دائرتها المعتادة المرتبطة بمياه الخليج العربي وتعزيز وجودها في البحر الاحمر بحصولها على تسهيلات عسكرية مع انعقاد القمة الإيرانية الجيبوتية، وهي القمة التي انتهت بالتوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون المشترك، تضمنت الإعفاء من تأشيرات الدخول لمواطني البلدين، وبناء مراكز للتدريب فيما عُرِف لاحقاً بالحرس الثوري الإفريقي، بالإضافة إلى منح البنك الإيراني قروضاً للبنك المركزي الجيبوتي، وإنشاء لجنة مشتركة ومساهمة في عملية التنمية في جيبوتي

–      تعظيم دورها في العراق بسبب الغالبية الشيعية والذي اقرته امريكا اثناء حربها على الإرهاب واستخدام إيران ورقه القضية الفلسطينية، وتطوير المشروع النووي والذي نجحت في تأمينه باتفاق) 1+5(عام 2015 والذي تسعى لتدعيم استمراره مع باقي اطرافه بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق ترامب الانسحاب منه عام 2018م والعمل على تصدير الثورة الى لبنان وسوريا والعراق واليمن وتكوين ميلشيات مسلحة يدعمها ويؤهلها الحرس الثوري الإيراني، بحيث صارت جميع دول المنطقة صارت في مرمى الصواريخ الإيرانية.

وتعزز الدور الإيراني في البحر الأحمر مع تزايد علاقاته مع الحوثيين في اليمن، فكان للمجهود الإيراني دور كبير في تحول الحوثيين إلى ميليشيا عسكرية مسلحة، مهددة للأمن القومي اليمني، وهو التداعي الأبرز الذي أسفر عن توجهات التحالف العربي ضد تصاعد الدور الإيراني في اليمن.

  الدوافع الخارجية

  1. تنفيذ (الأجندة الإيرانية

 إن الحوثيين جزء من تحالف إقليمي واسع مع إيران، يمكن النظر إلى الهجمات الأخيرة على أنها تلبية لرغبات إيران التي تقود ما يعرف بـ “محور المقاومة، كما أنها خطوة طبيعية ومتوقعة؛ لأن إيران لا تريد أن تورط نفسها مباشرة في الدخول في عمليات حقيقية لدعم غزة، وبدلًا من ذلك فهي تحرك أذرعها في المنطقة لإسقاط الحجة بأنها تشارك في دعم غزة.

وزعت إيران الأدوار بين مليشياتها للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة حتى لا تتعرض لهجمات مدمرة قد تقضي على برنامجها النووي، كما أنها بتحريكها المتزامن لمليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، تعمل على توظيف العدوان الصهيوني على قطاع غزة لتعزيز موقعها كفاعل إقليمي لتهديد دول الجوار، لكنها حريصة على أن يكون التصعيد ضد الاحتلال الإسرائيلي منضبطًا لتجنب خوض حرب شاملة ستنهكها كثيرًا وتفكك ما يسمى محور المقاومة.

تعُدّ إيرانُ تمكين جماعة الحوثيين ضمن أولوياتها، لأنها نجحت في اختراق الساحة اليمنية من خلال ولاء جماعة الحوثيين لها. وقد تغيرت استراتيجية إيران في منطقة البحر الأحمر وفق المعطيات والظروف المناسبة لها، فعلى سبيل المثال كان لإيران في اليمن استراتيجية ذات بعُدين:

الدافع الأول: غيبيّ.. فالكتب الدينية الاثنا عشرية تؤكد أن اليمن هو من المقدمات المهمّة لعصر الظهور ظهور الإمام الغائب (، والذي قد بدأت معالمه) حسب اعتقادهم تظهر في إيران وفي العراق وفي جنوب لبنان وغيرها من مناطق العالم، وحسب زعمهم سوف يخرج من جبال صعدة شمال اليمن «اليماني» الذي سيقود ثورة إسلامية مؤسسة على أفكار الإمام الغائب، ودور «اليماني» يتمحور في أنه سوف يساعد مؤيدي الإمام في الحجاز، ثم يتجه بعد أن يستتبّ الأمر له في جزيرة العرب نحو العراق لمساعدة أنصار الإمام في مواجهة «السفياني.»

الدافع الثاني: جيو-استراتيجي.. وهو وثيق الصلة بالبعد الغيبي من جانب، وله صلة كذلك بصراع إيران الإقليمي والدولي، إذ من خلال هذا الوجود تمدّ إيران نفوذها وتأثيرها إلى واحدة من المناطق الحيوية التي تجعلها رقمًا مُهِمًّا يصعب تجاوزه، كما أن هذا الوجود يؤمّن لها طرق الاتصال مع أذرعها والقوى المتحالفة معها سواء في اليمن كالحوثيين، أو في شرق إفريقيا كالسودان قبل قطع العَلاقات، أو فصائل المقاومة الفلسطينية، فضلًا عن تأمين مصالحها الاقتصادية والإسهام في نشر آيديولوجيتها وأفكار ثورتها المذهبية)

الدافع التشريعي الدستوري: من أهم الأسس الدستورية المحدّدة لتوجّهات سياسة إيران الخارجية، المادة« 154» التي تؤكد على أن إيران «سوف تدعم النضال العادل للمستضعفين ضد الطواغيت الأقوياء في أنحاء العالم كافة. وتطبيقًا لتلك المادة من الدستور، حدّدت إيران مسرح حركتها وعملياتها تجاه مجموعة منتقاة من دول الشرق الأوسط والعالم النامي([3])

***

مما سبق تبين أن المتغيرات المحلية والعربية والإقليمية والدولية ساهمت في تطور مراحل الاعتداءات الحوثية على حركة الملاحة الدولية مما صاحبها دوافع سياسية وامنية واقتصادية ونتيجة لهذه التغيرات قامت إيران بتسييس وتجييش «جماعة الحوثي» في شمال اليمن، وتبنّت دعمهم لتنفيذ خططها في الجزيرة العربية، وإمدادهم بالمال والسلاح.

المبحث الثالث:

التداعيات الناتجة عن الاعتداءات الحوثية على الملاحة الدولية

البحر الأحمر في السياسة الإيرانية شكّلت القارّة الإفريقية مركزًا هامًّا للسياسات الخارجية الإيرانية الطموحة، فخلال العقد الأخير ازداد نشاط القوّات البحرية الإيرانية في البحر الأحمر وقناة السويس، وكثفت إيران من وجودها في ميناء بور سودان، فضلًا عن تعزيز وجودها العسكري البحري في البحر الأحمر وخليج عدن وقبالة السواحل الصومالية تحت ذريعة مكافحة القرصنة البحرية([4]

نجد إيران تجتهد في تنفيذ مشروعها «العالمي» في جميع الاتجاهات، وفي هذا الصدد تحدّث وارن كريستوفر، وزير الخراجية الأمريكي السابق، عام 1995 عن النشاط الإيراني الرامي إلى تنفيذ مشروعها العالمي، بقوله: «انظر إلى حيث تشاء وستجد يد إيران الشريرة في هذه المنطقة[5]

وتأتي الأهمية الاستراتيجية الرئيسية لإيران في موقعها الجغرافي الذي تتقاطع عنده خطوط المواصلات العالمية بالهند الشرق الأوسط التي تربطها شرقا وجنوبًا بالخليج العربي والجزيرة العربية والمحيط الهندي وإفريقيا، وغربًا بجنوب غرب آسيا والبحر المتوسط وأوروبا، وشمالاً بروسيا ومنطقة بحر قزوين ورشق أوروبا.

وتستند سياسات إيران الإقليمية إلى العمق التاريخي والجغرافيا السياسية التي تقع ضمنها، وعرب التاريخ ّ القديم كان التوسع الإيراني متعدد الاتجاهات، يذهب صوب إقليم الهلال الخصيب، والقوقاز، وإقليم آسيا الوسطى، وجنوب شبه الجزيرة العربية، لكن في المرحلة الراهنة بعد أن اصطدمت خطط التوسع الإيراني بالقوة النووية في الشمال ممثلة في روسيا، والقوى النووية في ّالشرق ممثلة بباكستان والهند، تحولت خطط التوسع الإيرانية غربًا باتجاه الدول العربية المجاورة ([6]).

  • . ويتلخص دور إيراني في الاتي:

  -الهيمنة على اقليم البحر الاحمر

 –  التحكم في ممرات البترول الحيوية 

– تطويق الخليج العربي ودوله من الجنوب

  • التداعيات الأمنية

تشير تقارير استخباراتية غربية إلى أنَّ إیران وضـــعت بالفعل خطة من أجل الاســتیلاء على مضيق هرمز وأغلاقه في أقصـر وقت ممكن إذا ما نشـبت حرب ضدها، معتمدة في ذلك على امتلاك الحرس الثوري الإیراني لعشــرات (إن لم یكن المئات) المواقع التي تتراوح بین موانئ ومراســي وجزر ونقاط مختلفة على طول الضـــــفة الشرقية للخليج لاعتراض الســـــفن الحربیة والتجاریة وناقلات النفط ومنعها من المرور في المضیق.

 وقال الأمیرال حبیب الله سـیاري قائد القوات البحرية الإيرانية ” أنَّ إغلاق إیران مضيق هرمز أمام ناقلات النفط سيكون “أســـهل من شـــربة ماء” إذا رأت الجمهورية الإيرانية ضـــرورة لذلك، لكن في الوقت الحالي لســـنا بحاجة لإغلاقه لأن بحر عُمان تحت سيطرتنا ونستطع أن نسطر على الممر” ([7])

وهذا الأمر ســیولِّد ضــغوطاً هائلة على الاقتصادات العالمية، ناهيك عن أنَّ إغلاق مضيق هرمز واســتمراره لمدة طويلة سـتكون لهما انعكاسـات مباشـرة وخطيرة على الاقتصـادیات الخليجية, فإلى جانب توقف صـادرات النفط فإنَّ الواردات الخلیجیة من الســـلع والبضـــائع ســـوف تتوقف هي الأخرى. وتفادیاً لمثل هذه العواقب الاســـتراتیجیة الوخیمة، ما على الدول الخلیجیة الا البحث عن بدائل أخرى تعوض المرور عبر مضیق هرمز.

التحديات مضـــیق هرمز اليوم محور اهتمام العالم نضـــرا لأهمیته الجیوســـیاســـیة والاستراتيجية والاقتصادية، حیث أصـــبح الشــریان الحیوي الذي یمد العالم بالطاقة ویعود بالازدهار والثراء على كل الدول المطلة علیه والتي لها منافذ علیه كدول الخلیج العربي، والمشـرفة على أكبر مسـاحة من مضـیقه كالجمهوریة الإسـلامیة الإیرانیة التي تسـتخدمه الیوم كورقة ضـــغط على الدول الكبرى في حالت عر ّضـــت لعقوبات اقتصـــادیة ومهدّدة كل دول الخلیج والعالم في حال تعرضـها لأي حرب على منشـآتها النوویة التيتمدّ بلادها بالطاقة، أو فرض مزید من العقوبات الاقتصـادیة الدولیة في حال أقفلت الســـلطات الإیرانیة مضـــیق هرمز، قد لا تفكر إیران في إغلاق مضـــیق هرمز، من منطلق أنها تسـتفید منه بدرجة كبیرة، أو تجنبا للإشـكالیات القانونیة المرتبطة بهذا الإغلاق، ولكنها یمكنها أن تعوق حركة المرور في المضــیق، من خلال المبالغة في الإجراءات الرقابیة والتفتیشــیة للناقلات النفطیة، الأمر الذي من شأنه أن یؤدي إلى اختناق الحركة ویعطل تدفق النفط.

تداعيات محتملة:

أسفرت الهجمات الحوثية الأخيرة عن مجموعة من التداعيات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، على النحو التالي:

  • إغلاق بابي المندب ومضيق هرمز

إن التحدي قائم أمام دول الخلیج العربیة، في حالتي الإغلاق والتعطیل لمضيق هرمز، ومن هنا فالتفكیر الاسترتيجي لإيران يتمثل في زعزعة البدائل الاســتراتیجیة المتمثلة في باب المندب وقناة السويس، مع اهتمامها بدرجة أولویة بالبحر الأحمر في سبيل رفع تكالیف نقل صـادرات هذه الدول، لاسيما النفط؛ لأن النفط وصـادراته هو عصـب الحیاة في هذه الدول، وأي تهدید له هو تهدید لوجودها واستقرارها وفرض حصار مطبق على الدول العربية لاسيما الجنوب والخليج العربي.

فمثلا المملكة العربیة الســــعودیة، لديها خط الأنابیب الســـعودية، والبالغ طوله 1200 كلم، بديلا ممتداً من مدینة أبقیق على الخلیج إلى مدینة ینبع على البحر الأحمر، وتبلغ ســـعة هذا الخط 5 ملایین برمیل یومیا،ً وبذلك یصـــل إجمالي القدرة التصـــدیریة للســـعودیة والإمارات القادرة على تجاوز مضیق هرمز 6.5 ملایین برمیل یومیا قیام الخطوط الملاحیة العالمیة بتفریغ حمولاتها، من السـلع والمنتجات الواردة إلى الدول الخلیجیة، في موانئ المملكة الممتدة على طول البحر الأحمر على أن یتم نقل البضـــائع برا أوجوا إلى دول الخلیج، بالإضـــافة إلى تزوید السفن بالوقود اللازم لإكمال رحلاتها إلى الشرق أو الغرب. ففي حالة تعطيل الملاحة الدولية في البحر الأحمر فان المملكة ستكون في حالة حصار مطبق من كلا المضيقين ( هرمز وباب المندب).

 دول مجلس التعاون الخلیجي عامة، والكویت وقطر خاصـــة، هي الأكثر تضـــررا،ً أما بقیة الدول، فهي أقل تضــررا،ً إذ یمتلك العراق خطوط أنابیب تمكنه من تصــدیر النفط عبر الشــمال، وإیران تمتلك موانئ تصــدیر على المحیط.

لكن من الملاحظ أن قدرة إيران على اعتراض السفن في البحر الأحمر محدودة بسبب ضعف إمكانات أسطولها السطحي المدعوم بعدد صغير من الغواصات والصواريخ التي يمكن أن تنتشر في المجرى المائي. وعلى الرغم من اهتمام إيران المتزايد بتوسيع نفوذها في مضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر كوسيلة لتأمني قوتها الإقليمية، فإن قواتها البحرية الحالية مكلفة في المقام الأول بإغلاق مضيق هرمز.

تداعيات استراتيجية البدائل عبر الجنوب

تقوم البدائل الاستراتيجية لنقل الصادرات النفطیة الخلیجیة عبر اراضي الجنوب على مد خط أنابيب من حقول النفط السعودیة إلى میناء المكلا في محافظة حضرموت، ویمتد الأنبوب مسافة تتراوح بین 350 و 400 كیلومتر من داخل حقول النفط والغاز في منطقة الربع الخالي جنوب السعودیة، إلى الشاطئ الجنوبي في حضرموت، على أن یكون هذا الخط مقدمة لإنشاء مشروع ربط إقلیمي خلیجي داخلي ینتهي بمنافذ استراتیجیة، على سواحل الدول المطلة على خلیج عمان وبحر العرب.

تداعيات الموقف العربي والاقليمي والدولي من قضية الاعتداءات على الملاحة الدولية في البحر الأحمر

أدت الدُّول العربية دورًا رياديًّا في مواجهة الاعتداءات على الملاحة الدولية حيث قامت دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، وقامت دول البحر الأحمر العربية بتحذيراتٍ مُكثفةٍ حيال المصالح الدولية.

  1. قرار عاصفة الحزم» الذي استخدمته السعودية في الفترة الأولى (بين 25 مارس و21 أبريل عام 2015) من التدخل العسكري الذي قادته السعودية لدعم شرعية نظام هادي في اليمن، للإشارة للنشاط العسكري المتمثل أساسا بغارات جوية ضد جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) الموالية لإيران وعلي عبد الله صالح المتحالف معهم والقوات الموالية له.
  2. أعلن قرار مجلس الأمن 2140 لعام 2014، والقرار 2216 لعام 2015، والقرار 2266، لعام 2016م، بشأن الأزمة والحرب في اليمن.
  3. إذ تم في عام 2019 الإعلان عن إنشاء تحالف دولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية، والذي يضم كل من البحرين وألبانيا والكويت وقطر والسعودية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا والإمارات العربية المتحدة.
  4. أن مجلس جامعة الدول العربية أعلن عن إنشائه بالرياض (2020م) محاولة أمنية إقليمية جديدة؛ لخلق تحالف أمني غير تقليدي، حيث لم يتجاوز سنتين من صيغته النظرية، حيث نفذ تمرين مثل (الموج الأحمر) في نهاية مايو (2022م).
  5. مجلس الدول العربية والإفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن: أُعلن في 6يناير 2020م في الرياض عن تكتل حماية التجارة العالمية في البحر الأحمر، ويضم (8) دول؛ بهدف حماية التجارة العالمية وحرية الملاحة الدولية والتصدي للقوى الخارجية التي تحاول زعزعة الأمن الإقليمي، حيث أن هذا المجلس بدأ التحضير لقيامه برعاية سعودية بمدينة جدة (ديسمبر 2018)
  6. في إبريل 2022م، أعلن عن تشكيل قوة المهام المشتركة(CTF153) بوصفها رابع فرقة فيما يعرف بالقوات البحرية المشتركة، التي تضم في جانبها قوة المهام المشتركة (CTF150) وقوة المهام المشتركة (CTF151) و(CTF152)، ووفقاً لما أُعلن، تضطلع الفرقة بحفظ الأمن البحري وبناء قدرات الدول بالتعاون المشترك مع قوات المهام(CTF151)  التي تنتشر قطعاتها في خليج عدن وقِبالة السواحل الصومالية، وقد تولت القيادة الدورية الأولى لهذه الفرقة سفينة القيادة البرمائية في البحرية الأمريكية، ومن الدول المشاركة فيها بريطانيا، فضلاً عن مصر التي تشارك بالفرقاطة F911 (الإسكندرية)، ويأتي ذلك بعد انضمامها إلى القوات البحرية المشتركة CMF)) في إبريل 2021م، محتلة بذلك الترتيب الرابع والثلاثين بين الدول الأعضاء.
  7. وفي يناير/ كانون الثاني 2021، وقبيل مغادرته البيت الأبيض، صنفت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الحوثيين “منظمة إرهابية”، قبل أن تقوم إدارة خلفه الرئيس الحالي جو بايدن، بشطب هذا التصنيف في 16 فبراير/ شباط 2021.
  8.  وفي الـ17 من يناير (كانون الثاني) ا2024م أعلنت الولايات المتحدة إعادة تصنيف جماعة الحوثي المدعومة من إيران منظمة إرهابية عالمية، تزامناً مع تصاعد وتيرة الهجمات التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران على حركة سفن الشحن المارة في البحر الأحمر وتهديدها للملاحة الدولية، وذلك بعد نحو ثلاثة أعوام من قيام إدارة الرئيس جو بايدن بإزالتهم من هذا التصنيف الذي اتخذته إدارة دونالد ترامب في أيامها الأخيرة.
  9. وفي 10 يناير 2024م اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 2722 بتأييد 11 عضوا وامتناع 4 عن التصويت. يدين القرار الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن التجارية وسفن النقل في البحر الأحمر ويطالب بالوقف الفوري لجميع هذه الهجمات([8])

ورغم ما تحقق من نجاحات في تقليم أظافر إيران في الجنوب، فإن إيران ما زالت تمارس نشاطها في منطقة البحر الأحمر، مستفيدة من نفوذها المتنامي في بعض اليمن عبر المليشيات الحوثية، وهو ما يشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي، وحرّية الملاحة في البحر الأحمر، الأمر الذي يستدعي مقاومة المشروع الإيراني في اليمن، بإيجاد آليات تعاون بين الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر، يكون هدفها الرئيسي دعم التعاون من جهة ومواجهة المخاطر والتهديدات من جهة أخرى.

المبحث الرابع:

الآثار الأمنية والسياسية الناتجة من أزمة البحر الأحمر وخليج عدن

تشكل السواحل العربية حوالى %88 من سواحل البحر الأحمر وهو ما يجعله يقع في مركز ثقل الكتلة العربية والذى يمكن إضعافه بتهديد أمن دول البحر الأحمر حال فقدانها منافذها البحرية أو اغلاق المضايق المتحكمة به. – يؤثر التنافس الدولي والإقليمي على التواجد العسكري في البحر الأحمر وامتداده للقرن الأفريقي بشكل كبير على العمق الاستراتيجي المصري والأمن القومي العربي وتهديد المالحة في باب المندب وقناة السويس.

  • الآثار الأمنية على المستوى المحلي (الجنوب واليمن)

تعد بعض الظواهر والمناشط البحرية غير المشروعة، التي تستهدف النظام الأمني في البحار، تهديدات غير تقليدية للأمن القومي للدول، والأمنين الإقليمي والعالمي، مع كونها تحديات مزمنة تواجه الدول والمنظمات الدولية والإقليمية التي تتعاون مع الدول لمواجهتها.

  • في الجنوب شكلت ظاهرة النزوح من المناطق اليمنية الى محافظات الجنوب أزمة سكانية وحضارية وسياسية وكذلك ظاهرة الهجرة من دول القرن الافريقي إلى محافظات الجنوب، كما تشكل زيادة معدلات المواليد في جميع محافظات الجنوب التحدي الأعظم لإحداث الاستقرار الأمني والسياسي فيها، في غياب إحداث التنمية الحقيقة على نحو عام، وفي مجالات التنمية البشرية على نحو خاص، إذا لم تشهد جميع محافظات الجنوب منذ صيف 94 أي تحولاً ونمواً اقتصادياً، وثقافياً، وتكنولوجياً، يواكب ويترافق مع هذا النمو الديموجرافي.
  • تلك كانت أبرز التحديات المحلية الناجمة عن التهديدات الحوثية للملاحة الدولية والتي تؤثر على استقرار الجنوب بشكل خاص واليمن بشكل عام أمنياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً.
  • انتشار الإرهاب والتنظيمات الدولية في مناطق الساحلية الجنوبية وبدعم من القوى اليمنية وفي مقدمتها المليشيات الحوثية الاخوانية، علماً بأن مجابهة الإرهاب لا يمكن أن تنجح سوى من خلال عمل جماعي ومنظومة شاملة تمتد من المجابهة الأمنية إلى المجابهة التنموية والثقافية أيضاً.
  • محاولة المليشيات الحوثية “ارينة” البحر الأحمر وخليج عدن بعد أن كانت عروبة البحر الأحمر هدفاً استراتيجياً للدول المطلة عليه. وفي هذا الإطار، بذلت القيادة السياسية الجنوبية في مراحل متعددة العديد من التحركات السياسية العربية بهدف تنسيق السياسات والأهداف للتوصل إلى استراتيجية عربية موحده تجاه البحر الأحمر، ولكنها لم تلقَ نجاحاً لاعتبارات داخلية وإقليمية، فضلاً عن التواجد الإيراني والتركي والاجنبي.
  • تهريب السلاح للجماعات الحوثية والتنظيمات الإرهابية عبر المياه الإقليمية لعدم وجود رقابة وتفتيش للسفن والممرات الدولية.
  • عدم استقرار الأوضاع السياسية في محافظات الجنوب، ولذلك هذا يؤثر بشكل مباشر على استقرار الأوضاع السياسية الداخلية في الجنوب بشكل عام ومنطقة البحر الأحمر يشكل خاص.
  • إن فكرة تدويل البحر الأحمر ومنافذه ووضعه تحت وصاية الدول الكبرى دون مراعاة لمصالح الدول المُطلة عليه، حيث يُشكل تهديداً على مصالح الجنوب وسيادته في خليج عدن ومضيق باب المندب.

ويمكن إبراز المخاطر الأمنية الأكثر نشاطا ً على المستوى المحلي:-

  • الجريمة المنظمة العابرة للحدودحيث تُعد الجريمة المنظمة في المجال البحري(TOSCتهديداً أمنياً غير تقليدياً متعدد الأوجه، فمنها ما ينتقل عبر البحار، وهناك بعض التفاعلات للجريمة المنظمة غير المشروعة في المجال البحري لغرب المحيط الهندي وخليج عدن.
  • تهريب المخدرات والاتجار بهاحيث تنشط عمليات تهريب المخدرات عبر مسارين هما: – المسار الأول: – يمتد على ساحل بحر العرب وخليج عمان، والمسار الثاني: – ينطلق من ساحل مكران إلى تنزانيا وكينيا، وأحياناً إلى موزامبيق، ويُعد هذا المسار أمناً من الأول مع وجود عناصر حوثية إيرانية وبالتنسيق مع قراصنة صوماليين.
  • الهجرة غير الشرعية.
  • الاتجار بالبشر.
  • الاتجار غير المشروع في الحياة البحرية.
  • جرائم الغذاء والسلع المزيفة.
  • التلوث والإغراق غير القانوني للنفايات في البيئة البحرية.
  • تبيض(غسيل) الأموال.
  • القرصنة والسطو المسلح على السفنتداخل نشاط القرصنة مع أنماط الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية الجنوبية والعربية، وتعزى أسباب ظهور القرصنة الحوثية على السفن إلى انهيار هياكل الدولة اليمنية وكذلك سقوط دولة الجنوب تحت وطأة القوى اليمنية، منذ صيف 94م حتى اللحظة.

الآثار الأمنية على مستوى الإقليم

تعاني بعض الأنظمة السياسية في الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن من بعض الأزمات والتوترات الداخلية التي تؤدي إلى عدم الاستقرار، ولعل أبرزها هي أزمة اليمنية التي نشأة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي والتي أدت الى فقدن الجنوب موقعه السياسي والأمني والعسكري لاسيما في مناطق باب المندب وخليج عدن.

  •   يفتقر الجنوب والدول المطلة على مضيف باب المندب إلى وجود قواعد صناعية ثقيلة، خاصة وأن الناتج الإجمالي المحلي لا يتحمل تأسيس هذه القواعد من ناحية، وغياب التقدم العلمي والتقني من ناحية أخرى. الأمر الذي أدى إلى تعاظم حاجتها إلى الدول الصناعية الكبرى لتلبية احتياجاتها من المعدات والأدوات، بل وأنظمة التسليح المختلفة، فأصبحت عرضة للتبعية السياسية والاقتصادية بل والعسكرية، وبالتالي أصبح استقرارها السياسي والأمني عرضة للخطر، إن لم تلبِّ مطالب هذه القوى.
  • يمثل افتقار دولتي الجنوب والدول المطلة على باب المندب إلى التكنولوجيا المتقدمة تحدياً آخراً يحول دون تقدمها وقد ترتب على ذلك هجرات العقول إلى الخارج سعياً وراء فرصة أفضل، كما أدى أيضاً إلى الهجرات الواسعة غير الشرعية، وهجرات أوسع لسكان الريف إلى الحضر بحثاً عن فرصة عمل، فاضمحلت الثروة الزراعية في بعض المحافظات وبات الريف مستهلكاً، وتقلصت الصناعات الصغيرة التي كانت قائمة على المنتجات الزراعية والحيوانية، وأصبحت المدن الجنوبية واليمنية وكأنها تنمو عشوائياً إلا فيما ندر.
  • انتشار الإرهاب والتنظيمات الدولية في مناطق الساحلية الجنوبية وكذلك بلدان القرن الافريقي.
  • تعاني بعض الأنظمة السياسية في الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن من بعض الأزمات والتوترات الداخلية التي تؤدي إلى عدم الاستقرار، ولعل أبرزها هي أزمة اليمنية التي نشأة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي والتي أدت الى فقدن الجنوب موقعه السياسي والأمني والعسكري لاسيما في مناطق باب المندب وخليج عدن.
  • تتأثر الملاحة في قناة السويس باضطرابات الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، لأنهما يعتبران امتداداً جغرافياً. وبالتالي، يتأثر دخل مصر من قناة السويس بما يحدث في أمن البحر الأحمر، لاسيَّما بعدما كثر الحديث عن احتمال انتقال بعض الخطوط الملاحية إلى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح، خاصة في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار التي تشهدها دول المنطقة وفي مقدمتها اليمن ودول القرن الأفريقي.
  • عدم بلورة استراتيجية مشتركة تبنى على المصالح العربية الأفريقية لاسيما الدول المطلة على البحر الاحمر وخليج عدن بما يستوجب أن ينطلق من رؤية استراتيجية تقضي بأن منطقة البحر الأحمر وخليج عدن هي قلب وواسطة العقد للعالم، والنظر إليه – أي البحر الأحمر – كبحيرة عربية أفريقية، وأنه للوصل وليس للفصل بين المنطقة العربية الممتدة من الساحل العربي حتى دول الخليج العربي.
  • استمرار سعي إيران إلى تحقيق حلمها الدائم لإحياء الامبراطورية الفارسية الساسانية تحت الراية الشيعية، ولذلك تسعى إيران إلى تطويق السعودية بواسطة الحوثيين في اليمن، وقاعدتها البحرية في أرخبيل دهلك، للهيمنة على مضيق باب المندب واستكمال الهلال الشيعي لإحكام حصار السعودية، وتهديد الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.
  • استمرار تمسك إسرائيل بمنظورها الجيوبوليتيكي في فرض الدولة اليهودية في قلب العالم العربي، وتحقيق حلمها لإقامة إسرائيل الكبرى على أرض الميعاد، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة إضعاف القوة الشاملة لمصر، حتى ولو كان ذلك بالإضرار بأمنها المائي من قلب القرن الأفريقي نفسه، أي من إثيوبيا.
  • استمرار تطلع تركيا إلى إحياء الدولة الاسلامية تحت راية العثمانيين الجدد، ولتحقيق ذلك تسعى تركيا إلى الهيمنة على مصر أولاً، حتى ولو كان ذلك بعودة الجماعة الإرهابية إلى سدة الحكم، كما تسعى إلى تهديد مصر من الجنوب بقواعدها في الصومال، وإريتريا، والمزمع إنشاؤها بجزيرة سواكن. مع الوضع في الاعتبار العلاقة التي تربط النظام السوداني والنظام التركي. وترتيباً على ذلك، يمكن أن تنشأ علاقات تصارعيه بين الدول المتضررة والدول المطلة على شواطئ البحر الأحمر وخليج عدن.
  • يقع البحر الأحمر في مركز الكتلة العربية جغرافياً وقومياً، ما يجعل الدول المجاورة شديدة الحساسية لكل ما يؤثر في التوزان البحري؛ إذ يمكن تهديد أمن تلك الدول، خاصة التي ليس لها منافذ بحرية بديلة، سواء باحتلال منافذها إلى هذا البحر أو بإغلاق المضايق المتحكمة فيه. كما يؤدي البحر الأحمر دوراً هاماً في الربط بين شطري الوطن العربي في قارتي آسيا وأفريقيا.
  • الآثار الأمنية والسياسية على المستوى العالمي

يؤثر المحتوى الفكري للمنظور الجيوبوليتيكي للقوى العالمية بصورة كبيرة على استقرار المنطقة، إذ يمكن ملاحظة أن المنظور الأمريكي يهدف إلى الاحتفاظ بمركز الهيمنة في قلب الولايات المتحدة، لضمان استمرار انفرادها بالنفوذ على الساحة العالمية، بينما تسعى روسيا إلى تعظيم مكانتها الدولية، لضمان استعادة نفوذ القوة السوفيتية العظمي، لتلعب دور القطب الموازن في نظام عالمي جديد، أما الصين فتترقب وتتحين الفرصة المناسبة لمشاركتهما النفوذ على ساحة النسق الدولي، خاصة بعدما ارتقت قمة الهرم الاقتصادي العالمي. وتكمن مخاطر هذا المنظور أو ذلك في الآتي:

  • احتمال بروز أزمات سياسية واقتصادية تحمل في طياتها مخاطر داهمة للعالم بأسره، إلا أن هذه المخاطر ستتعاظم في منطقة البحر الأحمر والمنطقة العربية والقرن الافريقي بالتأثير المتبادل، مع تأجج ظاهرة التنافس الدولي للهيمنة على المسطحات المائية التي ترتبط بالمنطقتين وبمحطات العالم (الخليج العربي – خليج عمان – البحر العربي – خليج عدن – باب المندب – البحر الأحمر) سعياً وراء الهيمنة على البحر المتوسط الذي يعتبر قلب الجزيرة المحيطية العظمى (أفريقيا – آسيا – أوروبا).
  • يتعين أن يوضع في الاعتبار أن التواجد السوفيتي في البحر المتوسط، بمياهه الدافئة طوال العام، يشكل الركن الأساسي في العقيدة الاستراتيجية السوفيتية، سواء كان ذلك لروسيا القيصرية، أو لروسيا السوفيتية، أو حتى لروسيا الاتحادية وريثة النفوذ والقوة السوفيتية العظمى.
  • وترتيباً على ذلك، ربما تصبح المنطقة إما منطقة اصطدام عندما تصطدم هذه القوى في حرب لا يعلم أوزارها إلا الله، وتصبح المنطقة بأسرها كرة ملتهبة لا يستطيع مَن بداخلها التعامل معها، ولا يستطيع مَن بخارجها الاقتراب منها، أو أن تكون المنطقة منطقة التحام عندما تتفق هذه القوى على تقسيمها إلى مناطق نفوذ فيما بينها.
  • أما عدم استقرار المنطقة من الزاوية الأمنية الاقتصادية، فيرجع إلى استمرار هيمنة دول المنظومة الرأسمالية، والتكتلات الاقتصادية العملاقة على الاقتصاد العالمي، ذلك أن الأمن الجماعي الأوروبي يرتكز على دول جنوب المتوسط، بينما يرتكز الأمن الجماعي للتكتلات الاقتصادية العملاقة في شرق آسيا على دول القرن الأفريقي، والدول المتشاطئة على البحر الأحمر، لكن الأهم هو عدم قدرة أي دولة من هذه الدول على تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي المنشود في المنطقتين بشكل منفرد، مهما كانت قوتها الشاملة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعاظم التواجد والتدخل الأجنبي، وبالتالي يؤدي إلى ترسيخ ظاهرتي الاستقطاب والتبعية، وهو الانجذاب الحقيقي نحو التخلف.

***

حقائق واستنتاجات

من خلال القراءة السابقة تجلت لنا عدة حقائق واستنتاجات واعتبارات رئيسة مؤثرة إلى حد كبير على استقرار منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، يمكن اعتبارها بمثابة حقائق، كما أنها تشير إلى مدى أهميتها الجيوستراتيجية:

الحقيقة الأولي: تشير إلى أن استعادة دولة الجنوب لمكانتها السياسية والعسكرية على حدودها التاريخية لما قبل عام 22 مايو 1990م يعد أساس رئيس لعلمية الاستقرار الأمني والعسكري في منطقة البحر الأحمر كما كان معهودا في فترة دولة الجنوب. 

الحقيقة الثانية: تشير إلى أن منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمنطقة العربية، خاصة دولها المتشاطئة على البحر الأحمر، بل إن بعض مراكز الدراسات الاستراتيجية تعتبرهما كلاً واحداً لا يتجزأ، بحكم الاعتماد المتبادل بينهما، فالمتغير الذي قد يحدث في أي جزء منهما، يؤثر على جميع الأجزاء الأخرى سلباً أو إيجاباً، وبالرغم من ذلك فقد افتقرت المنطقتان إلى سبل التنسيق، والتعاون، والتكامل، وهي القيم الأساسية اللازمة لدرء المخاطر، والضرورية لإحداث الاستقرار والتقدم في المنطقة لتعود الفائدة للعالم اجمع.

الحقيقة الثالثة: تشير إلى أن منطقة البحر الأحمر وخليج عدن تعد من أكثر المناطق الإقليمية أهمية بحكم موقعها وثرواتها، إذ يزيد من أهميتها أنها تشرف على أكثر المسطحات المائية أهمية بالتكامل مع المنطقة العربية، سواء بالنسبة لاستراتيجيات القوى العالمية التي نشأت على مر التاريخ، أو بالنسبة لحركة التجارة العالمية، حيث أصبحت تحتوي على مصالح متعارضة متشابكة، فغدت وكأنها بؤرة تركيز، ومحط أنظار، بل ومسرح نشاط وتفاعلات هذه القوى وتلك الكيانات الاقتصادية العملاقة، فوجدت نفسها طرفاً في صراع القوى البحرية والقوى البرية في صورته الجديدة، حيث أصبحت في قلب ظاهرة “التنافس الاستراتيجي الدولي”.

الحقيقة الرابعةتشير إلى أنه بالرغم من توفر جميع الاشتراطات التي تجعل من منطقة البحر الأحمر وخليج عدن نسقاً تفاعلياً واحداً، بحكم تواصلها الجغرافي الممتد، وبحكم تكامل وتماثل عناصرها الجغرافية، والاجتماعية، والثقافية، واللغوية، بل وتواجه مستقبلا واحداً، إلا أن دولها قد عجزت حتى الآن عن تأسيس نظام إقليمي يستحق أن يُطلَق عليه “النظام الإقليمي لمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن.

***

التوصيات:

وترتيباً على تلك نتائج الدراسة والحقائق والاستنتاجات، يمكن رصد أبرز التوصيات والمعالجات وهي كالاتي:

على المستوى الوطني في الجنوب  

  1. الاستفادة من الفرص ومواجهة التحديات برؤى وخطط استراتيجية دقيقة مع الاستفادة من الاحداث والصراعات التي تخلق الفرص وفي مقدمتها الصراع الدائر حاليا في البحر الأحمر وخليج عدن فضلا عن ملف مكافحة الإرهاب، علما أن هاتيين الفرصتين إذا حلحلت دون أن نستفد منها فنحن بحاجة لانتظار فترة طويلة وقد لا نجدها.
  2. بسط سلطة نفوذه على كل شبر من الأراضي الجنوبية وشواطئها البحرية، وتدعيم وجودها العسكري وتطوير منظوماتها الدفاعية البحرية والجوية؛ للحد من انتشار الاعتداءات الحوثية وتهريب الأسلحة، والأعمال الإرهابية، وأعمال القرصنة البحرية، وظاهرة تهريب البضائع والأسلحة والمخدرات، وتجارة البشر عبر سواحل البحر الأحمر وخليج عدن وغيرها؛ فهي تمثل تهديداً للأمن القومي في الحاضر والمستقبل.
  3. وضع خطط استراتيجية، واتخاذ إجراءات احترازية تجاه الوجود العسكري الحوثي الايراني في البحر الأحمر، وتقييم مدى تأثير هذا الوجود وتداعياته على الأمن الوطني العربي، والنتائج المترتبة عليه في كافة المجالات السياحية والاقتصادية والاجتماعية في الحاضر والمستقبل.
  4. التنسيق العسكري مع دول المنطقة، ومحاولة إقامة قوات بحرية مشتركة في البحر الأحمر، وزيادة الوجود في البحر الأحمر بشكل مؤثر وفعال؛ لتحقيق الأمن الذي يتطلب القدرة على المواجهة ولابد أن تكون قدرةً شاملةً؛ لأن أية سياسية أمنية يتطلب تحقيقها الاستناد إلى قوة عسكرية كافية وفعالة.
  5. العمل بالشراكة مع الدول العربية وغير العربية لحفظ الأمن والاستقرار في البحر الأحمر؛ باعتبار أن أمن البحر الأحمر ركيزة مهمة للأمن والاستقرار العربي ـ خاصةً في ظل طموح بعض القوى الدولية والإقليمية للتمركز في نقاط الاتصال بين الشرق والغرب.
  6. العمل على وضع خطة شاملة لتغطية المياه الجنوبية الإقليمية بدوريات بحرية من قبل خفر السواحل والقوات البحرية بمشاركة أجهزة الأمن والاستخبارات على طول الشريط الساحلي لخليج عدن والبحر الأحمر، وتوفير الإمكانات اللازمة للإعداد والتدريب والتأهيل للقوات المسلحة بوجه عام والبحرية بشكل خاص ـ وفق الإمكانات المتيسرة ـ حتى تتمكن من أداء واجباتها على الشواطئ محافظات الجنوب وحماية المياه الإقليمية، ومواجهة أعمال التهديد والتسلل غير المشروع لسواحل الجنوب؛ خاصةً من القرن الإفريقي.
  7. تكريس الوجود البشري والسياسي في الجزر الجنوبية الموجودة في البحر الأحمرـ والبحر العربي خاصةً وأن بعض هذه الجزر غير مأهولة بالسكان وأن سكانها يعيشون في مستويات بدائية ومتدنية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية.
  8. أخذ الحيطة والحذر من النازحين اليمنيين واللاجئين من القرن الافريقي إلى محافظات الجنوب؛ لما قد يشكل ذلك من أضرار اجتماعية وفكرية واقتصادية وأمنية.
  9.  اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لتنظيم عمليتي الهجرة والنزوح غير الشرعي من خلال اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية لمواجهة تلك الآثار الأمنية والسياسية الناتجة من جراء الاعتداءات الحوثية على المياه الإقليمية لاسيما فيما يتعلق بالجنوب؛ بما يعزز الأمن والاستقرار في محافظات الجنوب، ويحول دون اختراق النسيج الاجتماعي لها، أو يؤثر في ثقافتها وعاداتها وتقاليدها.

على المستوى العربي

  1. مراجعة استراتيجية التحالف العربي الذي بنيت عليه القرارات الدولية في مطلع عام 2014 فكان قرار عاصفة الحزم موقفاً قوياً ومسنوداً بالقوانين والمواثيق الدولية لمواجهة خطر المتمردين الحوثيين على الملاحة الدولية وخطوط الإمداد البحري، وعليه فإن خيارات تأمين الملاحة البحرية في سواحل البحر الأحمر تتلخص في الآتي:

–   تحرير السواحل اليمنية من سيطرة الحوثيين؛ والتي تمتد من الحديدة جنوباً حتى ميدي شمالاً، لكونها تمثل خطوط إمداد لوجستي، إذ تدعم إيران الحوثيين بالتقنيات والقطع العسكرية البحرية وغيرها مما بات يعرف بالطائرات المسيرة، فضلاً عن القدرات الصاروخية.

–  مراقبة أنشطة السفن الإيرانية القابعة في عمق البحر الأحمر، وبالتحديد في أرخبيل دهلك الإرتيري. إذ يعتقد الباحث في معهد واشنطن، مايكل نايتسو، أن الجيش الإيراني يستخدمها لتزويد الحوثيين ببيانات استهداف؛ من أجل شنّ هجمات ضد سفن الشحن.

– تسريع وتيرة بناء مؤسسات الدولة في الجنوب، لا سيما المؤسسة العسكرية والأمنية؛ استعداداً لأي مواجهات مقبلة مع المليشيات الإيرانية؛ لأنه في حال نشب صراع مباشر بين دول الخليج وإيران، في ظل تمتع الحوثيين بإمكانيات تسليحية قوية، فإن ذلك قد يتسبب في تشتت الإمكانيات الخليجية، وعلى رأسها السعودية.

–  السعي للحصول على قرار من مجلس الأمن يدين العمليات ويدعو إلى إخراج الحوثيين من المعادلات البحرية، بوصفهم تهديداً للأمن الدولي.

  • عمل على تعزيز أمن الدول العربية التي ُتطل على سواحل البحر الأحمر وخليج عدن بالوسائل الكفيلة.
    • يمكن للدول ِ العربية حماية منطقتها عن طريق العمل ُالمشترك القائم على الاتفاقيات الأمنية؛ وذلك لسد الثغرات والذرائع وتفويت الفرص للمؤامرات التي ُتحاك ضد الامن القومي العربي.

على المستوى الإقليمي والدولي:

  1. وضع ُخطط استراتيجية وبرامج سياسية دائمة للإطار العربي؛ بغية التعاون الدولي والتنسيق بني الأساطيل ِالبحرية ِ الحربية ُ المتواجدة في المنطقة.  
    1.  السعي نحو عقد مؤتمر دولي بشأن وضع معاهدة بحرية جديدة تنضّم ِ قواعد القانون الدولي الخاص بالمياه الإقليمي.
    1. توصي الدراسة دول التحالف العربي والاقليم والعالم المساهمة الجادة والفورية بإعادة الاستقرار في الجنوب العربي ودعمه سياسيا وعسكريا حتى يتمكن من إعادة دولته وبناءها على كامل ترابها ومياهها الإقليمية بما يكفل لها تعزيز أمنها القومي وحماية المياه الإقليمية في البحر الأحمر خليج عدن وباب المندب.
  2. الهوامش:

1-      إيران… لماذا؟، القاهرة، مدوح عبد المنعم: مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع، ط1، 2012، ص74صـــــراع القوى في المحیط الهندي والخلیج العربي جذور تاريخية وابعاده، شـــــاكر الفحام، دمشق: دار دمشق للطباعة، 1983

2-      مشــــكلات الملاحة البحریة في المضـــایق العربیة، عبد المنعم محمد داود، الإســــكندریة: منشأة المعارف، 1999م

3-      تداعيات صراع القوى الخارجية والإقليمية على النفوذ بمنطقة البحر الأحمر، مسفر الغامدي، الرياض: دار المفردات للنشر والتوزيع ،2015.

4-      التهديدات الأمنية غير التقليدية غربي المحيط الهندي وخليج عدن (دراسة في تطوير اَليات المواجهة علي الذهب، مركز الجزيرة للدراسات، قطر الدوحة، ديسمبر 2021م)،

5-      العقيدة الأمنية الإقليمية الناشئة لإيران، محمود سريع القلم: أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط1، 2005

6-      النفوذ الإيراني في حوض البحر الأحمر أهداف ومعوقات البقاء في إقليم حيوي، مسفر بن صالح الغامدي، مجلة الدراسات الإيرانية، مركز رصانة، الرياض، ديسمبر ،2017 العدد الخامس

7-      الحد من هجمات الحوثيين على السفن المدنية في باب المندب

https://www.washingtoninstitute

8-      المتغيِّرات والدوافع الإقليمية والدولية

https://www.adengad.net/news/71691

9-      جریدة الحیاة، العدد , 15432 الصادرة بتاریخ 2011/12/28

https://news.un.org/ar/story

[1]) https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/alhd-mn-hjmat     الحد من هجمات الحوثيين على السفن المدنية في باب المندب

[2]) المتغيِّرات والدوافع الإقليمية والدولية
https://www.adengad.net/news/716915

[3] محمود سريع القلم: العقيدة الأمنية الإقليمية الناشئة لإيران، أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط1، 2005 ص190

[4] مسفر الغامدي: تداعيات صراع القوى الخارجية والإقليمية على النفوذ بمنطقة البحر الأحمر، الرياض: دار المفردات للنشر والتوزيع ،2015، ص120.

[5] مدوح عبد المنعم: إيران… لماذا؟، القاهرة: مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع، ط1، 2012، ص74

[6]) النفوذ الإيراني في حوض البحر الأحمر أهداف ومعوقات البقاء في إقليم حيوي، مسفر بن صالح الغامدي، مجلة الدراسات الإيرانية، مركز رصانة، الرياض، ديسمبر ،2017 العدد الخامس.

[7]) جریدة الحیاة، العدد , 15432 الصادرة بتاریخ 2011/12/28

[8] https://news.un.org/ar/story/

فريق التحرير

يتألف فريق تحرير مجلة "بريم" من مجموعة من الخبراء والباحثين والصحفيين المتمرسين الذين يلتزمون بتقديم محتوى متميز ومتنوع يغطي القضايا المناخية، التنموية، والاجتماعية في اليمن والمنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى