الملخص: يسعى هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على المعاناة التي يتعرض لها المهاجرون خلال رحلتهم الشاقة، والتي تتضمن التعذيب والعنف والحرمان من حقوقهم الأساسية. من خلال تحليل تجارب المهاجرين، وكذلك فهم الدوافع الكامنة وراء هذه الهجرة، وتحديد العوامل التي تساهم في تفاقم معاناتهم، واقتراح حلول عملية لحمايتهم وتعزيز حقوقهم.
Summary
This research paper seeks to shed light on the suffering that migrants are subjected to during their arduous journey, which includes torture, violence and deprivation of their basic rights. By analyzing the experiences of migrants, as well as understanding the motivations behind this migration, identifying the factors that contribute to exacerbating their suffering, and proposing practical solutions to protect them and enhance their rights.
مقدمة
تعد الهجرة غير الشرعية من القرن الأفريقي إلى اليمن ظاهرة معقدة، حيث تتضمن أبعاداً إنسانية واقتصادية وسياسية واجتماعية عميقة. وكتابة قصص إنسانية عن هؤلاء المهاجرين تتيح لنا إلقاء الضوء على معاناتهم وتحدياتهم، وكشف النقاب عن الأسباب الدافعة وراء هجرتهم، وتسليط الضوء على الآثار المترتبة على هذه الهجرة على الأفراد والمجتمعات.
وتسعى هذه الورقة البحثية لمعرفة تجارب المهاجرين الأفارقة خلال رحلتهم من بلدانهم الأصلية، مع التركيز على المعاناة التي يتعرضون لها. وتحديد العوامل التي تساهم في تفاقم معاناة المهاجرين خلال رحلتهم، محاولة اقتراح حلول عملية لمواجهة هذه المعاناة وحماية حقوق المهاجرين.
تُظهر روايات المهاجرين أنهم يتعرضون لمعاناة شديدة، بما في ذلك التعذيب والعنف الجسدي والنفسي، خلال رحلتهم. يُعرف التعذيب، وفقًا للتعريف الدولي، بأنه أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول على معلومات أو اعتراف أو معاقبة أو تخويف. هذه الممارسات البشعة تترك آثاراً عميقة على صحة المهاجرين النفسية والجسدية، وتنتهك بشكل صارخ حقوقهم الإنسانية الأساسية.
وفي هذا المجال أجرى الباحثون عدد من المقابلات مع بعض المهاجرين ناقلين ما جراء لهم من تعذيب وحبس وتهديد؛ لإجبارهم على عمل مكالمات هاتفية لأقاربهم أو أصدقائهم لطلب النقود. وقد وثق عدد من الباحثين وسائل التعذيب وأشكالها؛ بحسب روايات المهاجرين غير الشرعيين أنفسهم.
قصص رحلة الموت بلسان المهاجرين غير الشرعيين
المهاجر ” عباس 22عاما”[1]
أجرت الباحث مقابلة مع مهاجر اثيوبي يدعى “عباس” يبلغ من العمر 22 عاما، حيث استعرض معاناة الرحلة التي استمرت 26 يوما منذ خروجه من اديس ابابا العاصمة حتى وصل الى ساحل البحر الأحمر في منطقة طور الباحة، تحدث بحرقة حيث قال”
كنا نخطو على حافة الهاوية في كل لحظة. الصحراء كانت تلهث علينا، والبحر يزفر غضبه. كل يوم كان معركة من أجل البقاء، معركة كنا نخوضها جوعى وخائفين. لم نكن نعرف البحر إلا من القصص، أكثر ما كنا نخافه هو البحر الذي لم نألفه من قبل، معظم الشباب الاثيوبي المهاجر لم يدرك مخاطر البحر، فنحن نعيش في مناطق ريفية في أوروميا وأمهرة وتيغراي الأثيوبية. لا يوجد فيها بحار وعندما نشاهد البحر لأول مرة ننذهل ونخاف ونتردد كثيرا في صعود القوارب المترهلة؛ لكن الأمر لا يتوجب الانتظار مما يجعلنا نصعد البحر بأمواجه القوية ورياحه الهائجة التي تكاد تبتلعنا رويدًا رويدًا، وكنا نشعر بصغرنا وهشاشتنا أمام عظمته المروعة.
كنا نتضور جوعاً وعطشاً، فمنّا من يفقد وعيه من شدة الإرهاق، ومنّا من يتقيأ كل ما بقي في معدته من بقايا بسكويت وماء. فنحن لم نأكل منذ قادرنا منازلنا، والجوع كان يأكلنا من الداخل. وفي أعماق البحر، حيث يلتقي السماء بالأرض، بدأت معاناتنا الحقيقية. اقتربنا من الموت، فالمهربون كانوا يعاملوننا كبضاعة، يطلبون منا المال الذي لا نملكه، ويضربوننا بلا رحمة إن لم نستجب. كانوا يسلبوننا كل ما نملك، ومن يرفض، كان مصيره الغرق في أعماق البحر. أمام هذا الخطر الداهم، كنا نستسلم ونعطيهم كل ما نملك.”
ومجرد أن وطأة أقدامنا اليابسة، كان المهربون ينتظروننا كالصقور، يفتشون جيوبنا بحثًا عن المال، يطالبوننا بمال لا نملكه، كانت أعينهم تلمع بالشر، وأيديهم تحمل أسلحة وعصي وهم معصوبي الوجوه، اقتادونا إلى معسكر مهجور، خالٍ من أدنى مقومات الحياة. بعد يومين من المعاناة والانتظار، بدأ التعذيب. زعم المهربون أن قائدهم، عبد القوي، يطالب بفدية بالدولار. بدأت رحلة جديدة من العذاب، أجبرتنا على التواصل مع عائلاتنا لطلب المساعدة. البعض نجا، والبعض سقط ضحية للتعذيب الوحشي، وقليل منا تمكن من الفرار من هذا الجحيم.
المهاجر “قدير 19 عاما”
من أعماق أثيوبيا، تحديدا مدينة هرر، انطلق “قدير” في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى سواحل البحر الأحمر وخليج عدن. وكان الصراع في بلده والبحث عن فرصة أفضل الدافعين وراء هجرته. بعد رحلة استغرقت شهراً كاملاً، شملت مسيرات شاقة عبر الصحراء وتسللاً عبر الحدود، وصل قدير إلى عدن. كانت رحلته مليئة بالتحديات والمخاطر، لكن الأمل في حياة أفضل دفعه إلى الاستمرار.”
استغرقت رحلته عبر الجبال أسبوعين، بعيداً عن أي طريق أو قرية. يتذكر “قدير” تلك الأيام الصعبة بمرارة، قائلاً: ” كانت معاناة لا توصف. مشينا أياماً وليالٍ دون طعام كافٍ أو ماء، ومات الكثير من رفاقي أمام عيني. كل ما كنا نأكله هو بضع قطع من البسكويت يومياً. وصلنا إلى جيبوتي منهكين، ولكننا قررنا مواصلة الرحلة.”
“صعدنا على ظهر زورق متهالك، مكتظًا بأكثر من ستين روحًا تبحث عن الأمل. كانت الرحلة عبر البحر كابوسًا حقيقياً. الرياح العاتية والأمواج الهائجة هزت بنا بقوة، وتهديد الغرق كان يلاحقنا في كل لحظة. سمعنا صراخًا يقطع هدوء الليل، فإذا بنا نشهد مشهدًا مروعًا: ألقى المهربون بأحد الركاب في البحر؛ لأنه لم يستطع دفع المال. وصلنا إلى الشاطئ منهكين ومصدومين، لكن المعاناة لم تنتهِ. فقد وقعنا في قبضة عصابة تهريب قاسية، عذبونا وهددوا بقتلهم، كل ذلك من أجل المال.”
وعند وصولنا عدن، وجدنا بعض الراحة، فقد وجدنا هناك وجوه مألوفة، حدثتي أصدقائي بذلك أهل عدن يشبونها تماما وكأن هناك حكايات إنسانية مشتركة تجمعنا، وأمل متجدد. انطلقنا معًا بحثًا عن عمل، متكاتفين في مواجهة مصاعب الحياة الجديدة. البعض اختار البقاء في عدن، والبعض الآخر قرر مواصلة الرحلة إلى السعودية. ورغم كل ما حدث، حافظ “قدير” على علاقاته مع أصدقائه، متأكدًا من أن التضامن هو مفتاح النجاة في هذا العالم القاسي.”
قصص رحلة الموت بلسان المرأة المهاجرة من القرن الافريقي
تعتبر ظاهرة هجرة النساء من القرن الأفريقي إلى اليمن، وخاصة بشكل غير شرعي، من أبرز التحديات الإنسانية التي تواجه المنطقة. تدفع هذه الظاهرة عوامل متعددة، منها الفقر، والنزاعات المسلحة، والاضطهاد، والسعي وراء فرص عمل أفضل. تواجه هذه النساء رحلة محفوفة بالمخاطر، وتعرضهن لمجموعة واسعة من الانتهاكات لحقوق الإنسان.
لقد شهد الطريق الشرقي للهجرة من القرن الأفريقي إلى دول الخليج زيادة كبيرة في عدد النساء المهاجرات، إذ تجاوز عددهن 100 ألف امرأة في 2022. وكان أغلب الذين يسلكون الطريق الشرقي للهجرة إلى الخليج من الرجال، كما تشير إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة، لكن في العامين الماضيين ارتفع عدد النساء المهاجرات عبر هذا الطريق من 53 ألفا إلى أكثر من 106 آلاف امرأة، حسب “سبوتنيك”
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فإن النساء الأفريقيات اللاتي يسلكن هذا الطريق عبر اليمن يواجهن صعوبات كثيرة تشمل التحرش وسوء المعاملة والزواج القسري أو حتى الاتجار بالبشر.
- رعب الاغتصاب في مخيلة المرأة المهاجرة
إن المرأة لم تكن بعيدة عن ظاهرة الهجرة بل هي حاضرة مثلها مثل الرجال وتتعرّض النساء والفتيات المهاجرات على وجه الخصوص للعنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي الذي يتراوح بين الاغتصاب والإساءة الجسدية والاستعباد والتهديد على الحياة وسرقة المتعلقات الشخصية والاستغلال الجنسي.
تخيّم ظلام الخوف على قلوب النساء المهاجرات، فمع كل خطوة يقتربنَ بها من حلمهنَ الجديد، تزداد مخاوفهنَ من المجهول. أشد تلك المخاوف هو شبح الاغتصاب الذي يلاحقهنَ طوال رحلة التهريب. وتكشف شهادات العديد منهن عن هذا الكابوس الذي يهدد حياتهن، فقبل أن يغادرن بلادهن، يتسلحن بأقراص منع الحمل، متزوجات كن أم عازبات، تحسبًا لأي خطر قد يواجههنَ. ويعد هذا الإجراء وقائيًا، ولكنه في الوقت ذاته دليلًا قاطعًا على عمق الرعب الذي يسكنهن. ففكرة الحمل نتيجة للاغتصاب، وما قد يترتب عليها من عواقب اجتماعية ونفسية، هي أسوأ أنواع العذيب الذي يمكن أن تتعرض له امرأة هربت من وطنها بحثًا عن الأمان.
المهاجرة بيزا
في قلب مدينة عدن الصاخبة، تعيش “بيزا” ووالدتها حياة هادئة نسبيًا. تحاولان أن تخلقا لنفسيهما مكانًا في هذه المدينة الجديدة، من خلال تقديم نكهة من وطنهما. ولكن، بينما يحلمون بأوروبا، يجدون أنفسهم محاصرين في واقع مختلف تمامًا. فبين فنجان القهوة الإثيوبية وأحلام الهجرة، تتباين آمالهن وأحلامهن.”
رغم مرور سنوات طويلة على وصولها إلى اليمن، ظلت الشابة الإثيوبية تحتفظ بذكريات مؤلمة عن الحرب. فقد أجبرت على ترك منزلها في صنعاء، وشهدت بأعينها مأساة ترحيل اللاجئين الإثيوبيين بعد الحادث المأساوي. بدأت حياة جديدة في مخيم متواضع، حيث عاشت في خوف وقلق. ثم انتقلت مجبرًا إلى أطراف عدن، لتبدأ رحلة جديدة من المعاناة.”
وفي تقرير وثقته منظمة” هيومن رايتس ووتش” أوردت فيه قصة تعذيب تعرض لها أحد الشباب المهاجرين وهو ” أرايا غيبري ميديهين، 16 عامًا، من قرية في منطقة تيغراي بإثيوبيا، حيث وصف قصته قائلا: ” عندما وصلنا [ إلى المعسكر] قال المُعذِب: “مرحبًا بكم في جهنم”. أصابنا الخوف وسألنا: “ما هو قصدك؟ نريد الذهاب للسعودية. ما قصدك بهذا الكلام؟” ثم دخلنا البيت. قام أربعة من الأورومو [الإثيوبيين] بضربنا وقالوا لنا أن نقف في صف. بدأوا في السؤال: “هل معكم أرقام [هاتف]؟” قال أحد الرجال لا، وقال آخر نعم. قالوا لمن رد قائلًا لا: “لا يمكنك قول لا، إذا قلت لا، فسوف تموت… ثم اقتربوا مني وقالوا: “اعطنا رقمًا”.
قلت ليس لي أي أصدقاء في السعودية. قال الرجل: “اتصل بإثيوبيا”. شرحت أن أبي وأمي فقراء. قال: “اتصل!” اتصلت بإثيوبيا، بأمي، وقلت لها إنني عالق في اليمن. [قلت] “إذا عملت فسوف أعيد هذه النقود، لكن إذا مُت فلن أقدر”. أجابت: “ليست عندي أي نقود. عندي بقرة واحدة ولن يشتريها أحد. إذا أذوك فليؤذوك إذن، ليس بوسعي شيء”. سأل الرجل ماذا قالت. كان يتحدث لغة التيغرينيا بدوره، لذا قلت له ماذا قالت. [أمسك بالهاتف وقال]: “لا تحتاجين ابنك، ماذا تقصدين؟ سوف يموت”. قالت له: “اقتلوه. عندما تقتلوه أخبروني وسوف أجلس وأبكيه”. ثم بدأ الرجل في ضربي”([2])
قال محمد إن رجلًا آخر من منطقة تيغراي اتصل بأسرته، يطلب منهم إرسال النقود للمُتجِرين. وذات يوم ضرب الحراس ذلك الرجل بدوره بفأس، حتى مات أمام المهاجرين الآخرين. قال محمد: “لم أعرف السبب”. قال الحراس الإثيوبيين فيما بعد له إن المُتجِرين رتبوا لوسيط محلي في إثيوبيا لأن يذهب لبيت أسرة الرجل في تيغراي لأخذ النقود، على حد قول محمد. عندما وصل الوسيط كانت الشرطة بانتظاره. قبضوا عليه واحتجزوه عدة أيام، لكنه دفع رشوة وخرج، على حد قول محمد. عندما اتصل الوسيط بزملائه في اليمن، ضربوا الرجل حتى مات، على حد قول محمد.([3])
وبعد الوصول إلى إلى الضفة الأخرى من شواطئ البحر الأحمر وخليج عدن، لا يجد المهاجرون ملاذًا آمنًا. فهم يواجهون شبكات تهريب منظمة تحتجزهم في ظروف قاسية، وتعذبهم، وتستغل أجسادهم. يتعرضون للضرب، والحرمان من الطعام والشراب، والاغتصاب. كما يتعرضون للتجنيد القسري في صفوف الجماعات المسلحة، مثل الحوثيين وداعش، الذين يستغلون ضعفهم ويائسهم. وقد وثقت العديد من التقارير حوادث قتل واختفاء قسري للمهاجرين الذين رفضوا الانصياع لأوامر هذه الجماعات.
وتعد الحادثة التي وقعت في صنعاء وصعدة مثالًا صارخًا على الوحشية التي يتعرض لها هؤلاء المهاجرون. فقد تم حرق مئات منهم حرقًا حيًا بسبب رفضهم التجنيد. هذه الجرائم البشعة تظهر حجم المعاناة التي يعيشها المهاجرون الأفارقة في اليمن، وتستدعي تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي لحمايتهم وتقديم الجناة إلى العدالة.”
- الموت والغرق في أعماق البحر (رحلة محفوفة بالمخاطر)
على مدار الأعوام العشرة الأخيرة، عبر ما يزيد عن مليون ونصف ميلون شخص (معظمهم من الأثيوبيين) مياه خليج عدن والبحر الأحمر الخطرة للوصول إلى عدن ومحافظات الجنوب الأخرى. وقد صدرت عدة تقارير حول سوء معاملة هؤلاء المهاجرين، والاعتداء عليهم، والاغتصاب والتعذيب من قبل عصابات التهريب والإتجار بالبشر منذ بداية رحلتهم حتى وصولهم مدينة عدن. وتكتظ القوارب التي تعبر البحر بالركاب، وترد أنباء عن رمي المهربين للركاب في البحر لمنع انقلاب القارب أو تجنب اكتشافه. ويقول المسؤولون عن البحث والإنقاذ في أحد المنظمات الدولية إن هذه الممارسات أسفرت خلال الأعوام الأخيرة عن مئات من الخسائر البشرية غير الموثقة.
وصرحت المفوضية بأن 44 شخصًا في عداد المفقودين وتتصاعد المخاوف من احتمال موتهم غرقًا في أعقاب انقلاب قارب خاص بمهربي البشر قبالة السواحل الجنوبية فيما وصفته المفوضية بأسوأ حادث من نوعه.
وقد صرح أدريان إدواردز، المتحدث باسم المفوضية، قائلًا: إن المفوضية تشعر “بحزن عميق” لوقوع حادث لقارب يحمل لاجئين ومهاجرين في خليج عدن. وقد أوردت التقارير أن القارب كان يحمل 77 من الرجال والنساء والأطفال من الصومال(31 شخصًا) وإثيوبيا (46 شخصًا). وقال إدواردز أن “33 شخصًا قد جرى إنقاذهم، إلا أن 44 شخصًا لا يزالون في عداد المفقودين وتتصاعد المخاوف من موتهم غرقًا”.
لقد وصف بعض المهاجرين إن لدى بلوغهم أوبوك، انتظروا حتى الليل ثم ركبوا قارب لنقلهم إلى ساحل البحر الأحمر. وأفاد بأن في كل قارب نحو سبعة يبحرون به تقريبًا. تقل كل من القوارب 27 إلى 151 مهاجرًا، ووصف رحلته كانت على قارب صيد خشبي صغير فيه محرك، على متنه 63 مهاجرًا. بعض القوارب أقلت الرجال فقط، وبعضها الآخر كان نصف ركابه أو أكثر من السيدات. وقد استغرقت رحلته ست إلى سبع ساعات.
وقد أوردت الأنباء أن القارب غادر مدينة بوساسو في بونتلاند الواقعة على الساحل الشمالي وقد تعرض لرياح عاتية وأمواج عالية قبالة السواحل الجنوبية لمحافظة شبوة اليمنية حسبما ذكر أحد الناجين، وسرعان ما امتلأ بالماء مما أدى إلى انقلابه.
وهناك دراسة صدرت عام 2013 تعقبت كلفة هذه الصناعة في كل من الدول التي تمر بها، وتقدر أن صناعة الإتجار بالمهاجرين في البحر الأحمر، من جيبوتي إلى اليمن وحدها، تقدر بـ 11 إلى 12.5 مليون دولار([4])
وقالت الأمم المتحدة إن مكتب الهجرة الذي يسيطر عليه الحوثيون “يتعاون مع المهربين لتوجيه المهاجرين بشكل منهجي” إلى المملكة العربية السعودية، ويحصل على ما يقدر بـ 50 ألف دولار في الأسبوع.
وتتوقع المنظمة الدولية للهجرة أن ما لا يقل عن 15 ألف مهاجر يحتاجون مساعدة للعودة الطوعية في عام 2024، مشيرة إلى أن النقص الكبير في التمويل يترك كثيرا من المهاجرين الأكثر ضعفا الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم عالقين في اليمن دون طريقة آمنة وكريمة للعودة.
ووفقا لمشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة، فقد توفي ما لا يقل عن 698 شخصا بينهم نساء وأطفال على الطريق الشرقي عبر خليج عدن من جيبوتي إلى اليمن على أمل الوصول إلى المملكة العربية السعودية في عام 2023.
معاناة الاحكام المسبقة ضد المهاجرين الأفارقة
يسود في المجتمع المحلي العربي ثقافة الأحكام المسبقة حول المهاجرين الأفارقة والتي تربطهم بشكل عام بالجريمة والعنف، بما في ذلك القتل والسرقة والاغتصاب وتجارة المخدرات وحمل السلاح. هذه الأحكام الجاهزة، التي غالبًا ما تستند إلى معلومات مغلوطة أو مبالغ فيها، تدفع المهاجرين إلى دفع ثمنها من خلال التعرض للتمييز والاضطهاد، وهو ما يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان الأساسية التي تكفل المساواة وعدم التمييز على أساس العرق أو الأصل القومي.
النتائج:
توصلت هذه الورقة البحثية الى نتيجة عامة مفادها أن قضية انتهاكات حقوق المهاجرين غير الشرعيين من القضايا الإنسانية الملحة على المستوى العالمي. على الرغم من أن هذه الفئة تفتقر إلى الحماية الكاملة للقانون، إلا أنهم لا يفقدون كينونتهم الإنسانية وحقهم في العيش بكرامة. وممكن نجمل أبرز تلك النتائج في الآتي:
- الاعتقال التعسفي والاحتجاز تحت ظروف سيئة، وتعرضهم للضرب والتعذيب النفسي والجسدي.
- استغلال المهاجرين في أعمال شاقة بأجور زهيدة أو بدون أجر، مما يعرضهم للاستعباد الحديث.
- يتعرض المهاجرون للتمييز والعنصرية من قبل المجتمع المحلي، مما يؤثر على صحتهم النفسية واندماجهم الاجتماعي.
- تواجه النساء والفتيات المهاجرات خطرًا متزايدًا للعنف الجنسي والاتجار بالبشر.
- يُحرم المهاجرون غير الشرعيين من الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والمأوى، مما يزيد من معاناتهم.
- ترحيل المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية دون مراعاة ظروفهم الإنسانية أو الأمنية.
- يعاني المهاجرون من انتهاكات جسيمة أثناء رحلتهم، مثل الغرق، والاختطاف، والابتزاز والاغتصاب.
- تنتشر النظرة السلبية للمهاجرين في كثير من المجتمعات، مما يسهل ارتكاب الانتهاكات بحقهم.
التوصيات:
- ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المهاجرين من الانتهاكات التي يتعرضون لها.
- تعزيز التعاون بين الدول المصدرة والمستقبلة للهجرة من أجل وضع حلول مستدامة لمشكلة الهجرة غير الشرعية.
- دعم المنظمات الدولية والمحلية التي تعمل في مجال حماية المهاجرين.
- توعية المجتمع المحلي بأهمية احترام حقوق المهاجرين.
- تطوير سياسات هجرة أكثر إنسانية.
[1] مقابلة اجراها الباحث مع المبحوث في تاريخ 22 مايو 2024م
[2] https://www.hrw.org/ar/report/2014/05/26/256553#:
[3] جلس اللاجئين الدنماركي “خيارات يائسة”، ص ص 19 – 20.
[4] ينظر: Regional Mixed Migration Secretariat, “Migrant Smuggling in the Horn of Africa & Yemen: The Political Economy and Protection Risks,” June 2013, http://www.regionalmms.org/fileadmin/content/gallery/Migrant_Smuggling_in_the_Horn_of_Africa_and_Yemen._report.pdf(تمت الزيارة في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2013). ص 75هذا العدد لا يأخذ في الاعتبار سوى المدفوعات الفعلية التي تقدم للوسطاء من أجل إتمام الرحلة. لا يشتمل على المبالغ التي يتم تحصيلها بالابتزاز والسبل الأخرى.