بحوث ودراسات

التغير الديمغرافي في جنوب اليمن.. أسبابه وتداعياته على الهوية والمجتمع

  • ملخص

يعد الصراع على الديموغرافيا والجغرافيا لبّ الصراع الجنوبي – اليمني. خلال قرن ونيف من الزمن لاسيما عام 1918 عندما اتخذ النظام الإمامي التوسعي اسم اليمن هوية لنظامه الملكي، حدثت تحولات في حال الديموغرافيا الجنوبية؛ ما أحدث تغيرات جيوسياسية وتحولات في علاقات القوة وتوزيع الموارد والسيطرة عليها. وتتناول هذه الدراسة مفهوم الديموغرافوبيا ومركباته وإسقاطاته في واقع حالة الجنوب الهوية والأرض والإنسان، للاستدلال من خلاله على حالة الصراع الجنوبي / اليمني – وتَعرِض الواقع الديموغرافي في مدن الجنوب وتحلله على محاور موجات النزوح والهجرة المنظمة من اليمن إلى الجنوب بغرض الهيمنة والاستيطان وضم الفرع إلى الأصل كما يزعمون.

 وتحاول هذه الورقة مناقشة الآليات والخطط التي تم توظيفها في التخطيط الحيزي والسيطرة على صناعة القرار لتنفيذ سياسية السيطرة على مقدرات الجنوب السياسية والاقتصادية والثقافية. كما تحاول وضع استشراف للمستقبل ومناقشة تبعاته، اعتمادًا على منهجية الرصد والتحليل الناقد للمعطيات التي يجري تجميعها من مصادر إحصائية.

 وقد توصلت الدراسة إلى عدد من الآثار والتحديات الناتجة عن التغير الديمغرافي في الجنوب، وهي:

  • التغير الديموغرافي أدى إلى بعض التحولات في الهوية الثقافية والاجتماعية للمناطق الجنوبية.
  • زيادة السكان في المدن الرئيسة أثرت على البنية التحتية والخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والمياه والكهرباء.
  • أدى في بعض الأحيان إلى توترات اجتماعية وسياسية بين المجتمعات المحلية والجماعات الجديدة.
  •   المقدمة:

إن التحول الديمغرافي هو التغيير الذي يحدث في الهيكل السكاني لدولة ما على مر الزمن. يمكن أن يتضمن هذا الإحصاء ارتفاع معدلات الولادة أو الوفيات، أو تغيير في النسل والهجرة والاستقرار السكاني. يمكن أن يترتب على التحول الديمغرافي العديد من التحديات والمخاطر التي تهدد الهويات السياسية. وبالتالي، فإن التحولات الديمغرافية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على المجتمعات والدول في المستقبل.

لقد حدثت العديد من الهجرات القسرية عبر التاريخ وقد تلازمت مع وجود الإنسان منذ نشأته الأولى واتخذت صورًا وأشكالًا مختلفة، وقد اتسمت في العصور القديمة بالوحشية والقسوة وإهدار آدمية الإنسان، وفي العصر الحديث ومع كثرة النزاعات المسلحة فضلًا عن التطور الرهيب الذي وصلت إليه الأسلحة المستعملة أثناء العمليات العدائية وتطور الأساليب التي يستعملها أطراف النزاع لترحيل المدنيين وإبعادهم من مواطنهم، أدت إلى زيادة استهداف المدنيين وزيادة المخاطر التي تهددهم؛ نتيجة مثل هذه الأعمال. لكن هذا لا يعني انعدام قواعد حماية السكان المدنيين من أعمال الترحيل والإبعاد القسري التي تستهدفهم والتي ظهرت بوادرها في الحضارات القديمة، وتطورت مع ظهور الأديان السماوية، وارتقت في العصر الحديث.

  • مشكلة الدراسة   

تتمثل مشكلة الدراسة في فهم تأثير التغير الديموغرافي في الجنوب العربي على الهوية الثقافية والاجتماعية للسكان، والآثار الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عنه. تعكس هذه التغيرات تحديات متزايدة تتعلق بالتوترات الاجتماعية، وتوزيع الموارد، والاندماج بين السكان المحليين والوافدين الجدد. تهدف الدراسة إلى تحليل العوامل المؤثرة في التغير الديموغرافي، وتقييم السياسات المتبعة لمعالجتها، واستكشاف سبل تحقيق التوازن الديموغرافي والاندماج الاجتماعي في الجنوب.

وسوف تقدم الدراسة مجموعة من الأسئلة التي يمكن استخدامها بوصفها إطارًا لدراسة التغير الديموغرافي في الجنوب العربي:

  1. ما هي العوامل الرئيسة التي أسهمت في التغير الديموغرافي في الجنوب خلال العقود الأخيرة؟
  2. كيف أثرت الهجرة الداخلية والخارجية على التركيبة السكانية في المدن والمناطق الجنوبية؟
  3. ما هو تأثير التغير الديموغرافي على الهوية الثقافية والاجتماعية للسكان في الجنوب العربي؟
  4. ما هي السياسات الحكومية والمجتمعية التي تم اتخاذها للتعامل مع التغير الديموغرافي في الجنوب؟ وهل كانت فعّالة؟
  5. كيف يؤثر التغير الديموغرافي على توزيع الموارد والخدمات العامة في المناطق الجنوبية؟
  6. ما هي التحديات الاجتماعية والسياسية الناتجة عن التغير الديموغرافي في الجنوب؟
  7. كيف يمكن تحقيق توازن ديموغرافي يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في الجنوب؟
  8. ما هي أفضل الاستراتيجيات لتعزيز الاندماج الاجتماعي بين المجتمعات المحلية والجماعات الوافدة في الجنوب؟
  9. ما هو تأثير الصراعات والنزاعات السياسية على التوزيع السكاني والتركيبة الديموغرافية في الجنوب؟
  10. كيف يمكن تعزيز الهوية الثقافية والاجتماعية للسكان الأصليين مع الحفاظ على التنوع السكاني المتزايد في الجنوب؟

هذه الأسئلة تهدف إلى تقديم فهم شامل للمشكلة وتوجيه الدراسة نحو حلول محتملة للتحديات الديموغرافية التي يواجهها الجنوب العربي.

  • أهداف الدراسة:
  • دراسة وتحليل العوامل الرئيسة التي أسهمت في التغير الديموغرافي في الجنوب، بما في ذلك الهجرة الداخلية والخارجية، والسياسات الحكومية، والتغيرات الاقتصادية.
  • تحديد التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للتغير الديموغرافي على المجتمعات في الجنوب، مع التركيز على الهوية الثقافية والتركيب الاجتماعي للسكان.
  • :تحليل التحديات الاجتماعية والسياسية الناتجة عن التغير في التركيبة السكانية، وتأثيرها على الاستقرار الاجتماعي وتوزيع الموارد.
  • تقييم السياسات الحكومية والمجتمعية المتبعة للتعامل مع التغير الديموغرافي، ومعرفة مدى فعاليتها في تحقيق التوازن السكاني والاندماج الاجتماعي.
  • تقديم استراتيجيات فعّالة لتعزيز الاندماج الاجتماعي بين السكان المحليين والجماعات الوافدة، وضمان توزيع عادل للموارد والخدمات.
  • تقديم توصيات لتحقيق توازن ديموغرافي مستدام في الجنوب العربي يعزز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ويحافظ على التنوع الثقافي.
  • :اقتراح طرق للحفاظ على الهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمعات الجنوبية مع تعزيز الانفتاح على التنوع والتغير الديموغرافي المتزايد.

تسعى الدراسة من خلال هذه الأهداف إلى تقديم فهم شامل للتغيرات الديموغرافية في الجنوب ووضع إطار عمل لحلول مستقبلية تسهم في تحقيق التوازن والاستقرار.

المبحث الأول:مفهوم التغير الديمغرافي وعوامله:

  • التغيير الديمغرافي

تشير ظاهرة ونظرية التحول الديمغرافي بالإنجليزية:(Demographic transition)‏ إلى التغيّر التاريخي في التركيبة السكانية، كما يحدث على سبيل المثال عند ارتفاع معدلات الولادة وارتفاع معدلات وفيات الرّضع في المجتمعات محدودة التطوّر، فيما يتعلّق بالتكنولوجيا والتعليم (للنساء خصوصًا) والتنمية الاقتصادية، فضلًا عن انخفاض معدلات الولادة وانخفاض معدلات الوفيات في المجتمعات المتقدّمة في التكنولوجيا والتعليم والتنمية الاقتصادية، فضلًا عن المراحل ما بين هذين السيناريوهين.

غالبًا ما يكون هذا النموذج أو النظرية غير دقيق عند تطبيقه على كل بلد على حدة نظرًا للعديد من العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المؤثرة على فئات معينة من السكان، إلا أن هذا التغيّر قد حدث بالفعل في العديد من البلدان الصناعية.

 أ أبرز الأسباب الرئيسة لحدوث التغيرات الديموغرافية في المجتمعات هو هجرة السكان. يتم تحديد متوسط ​​عمر الأشخاص الذين يشكلون الدولة، جزئيًا، من خلال معدلات الهجرة والنزوح التي تعيشها تلك الدولة.

وتُعدُّ النزاعات الاجتماعية، مثل تلك الناجمة عن الاضطهاد السياسي أو الأزمات الاقتصادية أو المشكلات الإنسانية، من العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على الهجرة التي قد يتعرض لها بلد ما.

في مناسبات عديدة، كان على سكان العالم البحث عن مواقع جديدة للاستقرار، وهم يحاولون الهروب من الأزمات في بلدانهم الأصلية.

جزء من هذا الوضع جعل الشباب هم من يجد إمكانية الهجرة، تاركين وراءهم فئة اجتماعية لا تغادر البلاد بسبب قيود معينة، وبالتالي زيادة متوسط ​​عمر السكان وتسريع شيخوخته.

من ناحية أخرى، فإن تلك الدول التي تستضيف أصغر السكان تشهد انخفاضًا في متوسط ​​العمر. ومع ذلك، يحظى وجود هذا النوع من التحوّل الديمغرافي بقبول واسع النطاق في مجال العلوم الاجتماعية، إذ يعود السبب إلى الارتباط التاريخي الوطيد بين هبوط معدلات الخصوبة والتنمية الاقتصادية. يجادل الباحثون فيما إذا كان التحوّل الصناعي والدخل المرتفع أسبابًا مؤثّرة في انخفاض عدد السكان، وما إذا كان انخفاض عدد السكان يسفر عن تحوّل صناعي وارتفاع في الدخل. ويجادل الباحثون أيضًا في مدى تأثير العوامل المختلفة والمقترحة والمتداخلة أحيانًا، مثل ارتفاع دخل الفرد وانخفاض معدلات الوفيات وتأمين الشيخوخة وارتفاع الطلب على رأس المال البشري.

2– مفاهيم ذات علاقة

مفهوم النزوح:

النزوح لغة:نزح ما ينزح وينزح، نزحًا ونزوحًا فهو نازح، والمفعول منزوح، نزحت الدار، بعدت، نزح عن بلاده، رحل عنها، نزح إلى مكان آخر، انتقل، والنازح المسافر عن بلاده، بعيد عنها، مبعد عنها، استقر النازحون في الخيام.([1])

يعرّف النزوح (بأنه حركة الفرد أو المجموعة من مكان إلى آخر داخل حدود الدولة، ويتم النزوح رغمًا عن إرادة النازح بسبب مؤثر خارجي مهدد للحياة كالمجاعة أو الحرب أو الجفاف والتصحر أو أي كوارث أخرى تدفع النازح إلى مغادرة موقعه والتوجه إلى موقع آخر طمعا في الخلاص من تلك الظروف.([2])

أيضا يمكن تعريف النزوح بأنه ترك الشخص منطقته ليستقر في مكان آخر، وهو ذات الهجرة ولكن من منظور بلد المنشأ. وتسمى حركة الإنسان قبل إقامة الحدود السياسية أو داخل دولة واحدة، “النزوح”.

وهناك العديد من الأسباب التي قد تؤدى للنزوح، بعضها أسباب سياسية أو اقتصادية، أو لأسباب شخصية مثل العثور على زوج أثناء زيارة لبلد آخر، والنزوح للبقاء معهم. كما يفضل كثير من كبار السن الذين يعيشون في الدول الغنية بالمناخ البارد، الانتقال إلى مناخ أكثر دفئا عند التقاعد.

كما يعرف النازحون داخليًا بأنهم أشخاص أجبروا على النزوح عن ديارهم مع بقائهم داخل حدود بلادهم. وتتمثل الخصائص الرئيسة للنزوح الداخلي في طبيعته القسرية وحقيقة أن السكان المتأثرين لا يعبرون الحدود المعترف بها دوليًا.

تتعدد أسباب النزوح بتعدد الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تعاني منها المجتمعات، وتلك الأسباب هي ما يدفع الإنسان إلى ترك منطقته والبحث عن الاستقرار في مكان آخر.

وتتنوع أسباب النزوح من دولة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، إلا أن أبرز ما يدفع الإنسان إلى النزوح داخليا أو خارجيا هي النزاعات المسلحة التي تشكل خطرا على حياة الإنسان في مناطق النزاعات والصراعات المسلحة. ويمكن حصر أهم أسباب النزوح في الآتي:

  1. الصراعات السياسية والنزاعات المسلحة والاقتتال الداخلي.
  2. عدم الالتزام بحماية حقوق الإنسان والانفلات الأمني كالنهب المسلح وعصابات الإجرام فضلًا عن الاضطهاد المؤسسي والتطهير العرقي والإبادة الجماعية والعمليات الإرهابية.
  3. التدهور الاقتصادي وعدم وجود تنمية متوازنة والشعور بالغبن والمنافسة على الثروة والسلطة.

الكوارث الطبيعية والفيضانات والجفاف والتصحر والبراكين والزلازل والمجاعات والأوبئة الفتاكة

  • مفهوم التهجير القسري

يعرّفه القانون الدولي الإنساني بأنه:”الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وإجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة وأحيانًا ضد مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراضٍ معينة لنخبة بديلة أو فئة معينة”، وتُعدُّ المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي أن التهجير القسري جريمة حرب([3])

والإبعاد أو النفي يعنيان النقل إلى خارج حدود الإقليم، بينما يتعلق النقل القسري بالتهجير داخل حدود  الإقليم، وعادة ما يحصل التهجير نتيجة نزاعات داخلية مسلحة أو صراعات ذات طابع ديني أو عرقي أو مذهبي أو عشائري، ويتم بإرادة أحد أطراف النزاع عندما يمتلك القوة اللازمة لإزاحة الأطراف التي تنتمي لمكونات أخرى، وهذا الطرف يرى أن مصلحته الآنية أو المستقبلية تكمن في تهجير الطرف الآخر، ولا يحصل التهجير إلا في حالة وجود طرف يهدد مجموعة سكانية مختلفة بالانتماء الديني أو المذهبي أو العراقي بعدم البقاء في مدينة أو منطقة أو بلد ما، ومقابل ذلك تولد شعور لدى الفريق المستهدف بالتهجير بأن هناك خطرًا جديًا يمكن أن يتعرض له في حالة امتناعه عن الهجرة ويلتقي المهجرون في انتمائهم لمكون ديني أو عرقي أو مذهبي أو سياسي[4].

إلا أن تسييس ملف التهجير القسري أيسر من تسييس ملف النزوح، على الرغم من أن حوادث كثيرة لنزوح جماعي حصلت نتيجة كوارث طبيعية لم تخل من التسيس أيضًا، إذ تلجأ الدول المتضررة أو المانحة لكسر حاجز الجليد بينهما أثناء المداولات الخاصة بتقديم الإعانات الإنسانية، لكل الحكومات والجماعات المسلحة.

المبحث الثاني:

استراتيجيات القوى اليمنية في تنفيذ سياسية التغير الديمغرافي في الجنوب

تستخدم القوى اليمنية المختلفة استراتيجيات متعددة لتنفيذ سياسة التغير الديمغرافي في الجنوب. هذه السياسات تتفاوت في الأساليب والأهداف، وغالبًا ما تتأثر بالسياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة. فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي اتبعتها القوى اليمنية في هذا السياق:

أولا:الهجرة الداخلية وإعادة التوطين

اتبعت القوى اليمنية منذ عهد الأئمة حتى هذه اللحظة سياسات تشجع الهجرة من المناطق الشمالية إلى الجنوبية، بهدف تغيير التركيبة السكانية في المناطق الجنوبية وتعزيز النفوذ السياسي والاجتماعي في هذه المناطق، فاستخدمت استراتيجيات إعادة التوطين للنازحين من مناطق النزاع بوصفها وسيلةً لتغيير التركيبة السكانية، حيث يتم توطين عائلات شمالية في مناطق استراتيجية في الجنوب بهدف التأثير على التوازن الديموغرافي.

لقد كان لظاهرة النزوح والهجرة إلى عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى مخاطر وتحديات أمنية تهدد الأمن القومي الجنوبي؛ لكون شعب الجنوب يحمل قضية سياسية يناضل من أجلها منـــــــذ عقود؛ في سبيل تحرير أرضه واســــتعادة دولته وهويته وكيانه المسلوب.

إن ظاهرة النزوح من المحافظات الشمالية إلى الجنوب ليس وليدة اللحظة وإنما لها جذور عميقة تتجلى بوضوح مند استقلال الجنوب من الاستعمار البريطاني وإعلان دولته الفتية بحدود 67م، فقد عمد نظام صنعاء إلى اتباع سياسة منظمة ذات أهداف سياسية في إحداث حالة النزوح والهجرة إلى الجنوب وتلك الاستراتيجية المتبعة تهدف إلى تحقيق أطماعهم السياسية والعسكرية وتلك الاستراتيجية مازالت تتعمق أكثر وأكثر داخل النسيج الاجتماعي الجنوبي مشكلة خطر قادم يهدد الأمن القومي الجنوبي أن لم يتدارك أبناء الجنوب ذلك.

في حين تشهد مناطق الصراع الحدودية الجنوبية(مكيراس، كرش، بيحان، الحد، الضالع) حرب ضروس يتكبد أبناء الجنوب كل يوم الخسائر في الأموال والأرواح نرى موجات النزوح القادمة من الشمال تجتاح الجنوب وفي جبهات الساحل الغربي يتقدم أبناء الجنوب نحو العدو بينما جيش الشرعية في مأرب يسعى إلى إسقاط عدن وحلفاؤها وأمام تلك المتناقضات نطرح أكثر من سؤال، أين يكمن أمننا القومي الجنوبي؟ وما هي مخططات العدو التي يسعى لتحقيقها؟

ومن خلال تتبع مجريات حركة النزوح ما بعد حرب 2015م ضد الجنوب تبين لنا أن تحركات النازحين تتمركز في مواقع استراتيجية سواء أكانت تلك المواقع في عدن أم باقي المحافظات الجنوبية الأخرى، ففي مدينة عدن تتمركز موجة النزوح بكثافة في مدخل عدن الشرقي(الرباط، تبن، دار سعد، والشيخ عثمان) وكذا مدخل عدن الغربي (البريقة، صلاح الدين، خط الساحل الغربي) وتلك البوابتان لعدن تعدان ذي أهمية استراتيجية؛ لكونهما أكثر الأماكن التي دارت الحرب رحاها ولعامين كاملين بين المقاومة الجنوبية وقوات الاحتلال الحوثي عفاشي وهذا مؤشر يؤكد أن هناك تحركات شبه عسكرية لتلك القوى النازحة.

ومن جهة أخرى نجد أن عواصم محافظات الجنوبية (زنجبار، وعتق، وسيئون، والغيظة) تكاد أن تتيمنن حيث إن الحركة التجارية في تلك العواصم تستحوذ عليها العمالة اليمنية بشكل كبير، وفي مدينة لودر الاستراتيجية الحدودية التي تقع ضمن المناطق الوسطى في محافظة أبين وتحتل أهمية كبرى لكونها تقع في خط النار مع العدو فقد أصبحت منطقة حشد وإيواء للنازحين من المحافظات الشمالية ومن خلال زيارتنا للمديرية استطلعنا آراء أعضاء المجلس الانتقالي والمواطنين في المديرية وأبدوا استيائهم من تلك الموجات البشرية النازحة والتحركات المشبوة التي يقومون بها حين أنهم عبروا عن مطالبهم في تعزيز المديرية بقوات الحزام الأمني الجنوبية؛ ليتحركوا بكل أمان في تلك المديرية التي تكاد أن تسقط بأيدي القوى المعادية لاسيما تنظيم الأخوان الإصلاحي.

ومن المعلوم لدينا أن معظم عناصر العنف والتطرف والإرهاب تكثف وجودها في محافظة أبين متخذة منها ساحة تجول فيها وتصول مستغلة الوضع الأمني والظروف الاقتصادية التي سحقت معظم سكان تلك المناطق وفق استراتيجية تدمير العقل والإنسان ونشر التخلف والتبعية العمياء لكل ناعق دون مراعاة مصالح الوطن الكبرى لذا فالسكوت عن تلك القوى النازحة التي تعمل معظمها في السلك العسكري والأمني يؤدي إلى مخاطر وتحديات صعب علينا تداركها بعد فوات الأوان.

ثانيا:السيطرة على الأراضي والموارد

  • تنفيذ سياسات توزيع الأراضي في المناطق الجنوبية لصالح أفراد من الشمال أو جهات متحالفة مع قوى معينة، مما أثر على ملكية الأراضي واستخداماتها في الجنوب.
  • السيطرة على الموارد الاقتصادية والبنية التحتية في الجنوب، سعت بعض القوى إلى تحقيق سيطرة اقتصادية تؤثر على التركيبة الديموغرافية من خلال تقديم فرص اقتصادية للمهاجرين من الشمال.

ثالثا:إضعاف الهوية الثقافية والاجتماعية للجنوب

  • تشجيع تغيير الهوية الثقافية :بعض القوى اليمنية حاولت تغيير الهوية الثقافية والاجتماعية للسكان الجنوبيين من خلال تعزيز التقاليد والعادات القادمة من الشمال وتقديمها بوصفها بديلًا للثقافة المحلية الجنوبية.
  • التأثير على التعليم والإعلام :تم استخدام المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام بمثابة أدوات لنشر أفكار وسياسات تسعى لتغيير التركيبة الثقافية والاجتماعية في الجنوب.

رابعا:التوظيف والسيطرة على سوق العمل

  • استراتيجية توظيف الأشخاص القادمين من الشمال في المناصب الحكومية والمراكز الاقتصادية في الجنوب، مما أدى إلى تغييرات في القوة العاملة وزيادة النفوذ السكاني القادم من الشمال.
  • توفير فرص عمل مشروطة: بعض القوى قد وفرت فرص عمل في الجنوب للقادمين من الشمال بشروط معينة، مما يعزز من ارتباط هؤلاء القادمين بالقوى الحاكمة ويؤدي إلى تغييرات ديموغرافية ملحوظة.

خامسا: الضغط السياسي والتفاوض

  • التفاوض السياسي حول التوازن الديموغرافي :استُخدمت التفاوضات السياسية بمثابة أداة لتغيير التوازن الديموغرافي في الجنوب، حيث تسعى بعض القوى إلى فرض مطالب تتعلق بتوزيع السكان والمناطق ضمن اتفاقيات سياسية.
  • استخدام الدعم السياسي والمالي لبعض الجماعات السكانية المتحالفة مع القوى اليمنية لتغيير التركيبة الديموغرافية في المناطق الجنوبية، سواء من خلال تمويل مشاريع محلية أو دعم مرشحين سياسيين.

سادسا: الاستغلال الأمني والعسكري

  • الوجود العسكري: القوى اليمنية استخدمت الوجود العسكري في الجنوب وسيلةً للضغط والتحكم في المناطق السكانية. ويسهم ذلك في تسهيل تنفيذ سياسات التغيير الديموغرافي وتثبيت النفوذ في المناطق الجنوبية.
  • إثارة النزاعات الداخلية: أُثيرت بعض النزاعات والصراعات الداخلية بهدف خلق حالة من الفوضى تسهل تنفيذ سياسات التغيير الديموغرافي وتعزيز سيطرة قوى معينة على الأرض والسكان.
  • استراتيجية السيطرة العسكرية والسياسية والدينية؛ بغرض (الاحتلال المباشر)
  • إن المتتبع للأحداث السياسية والعسكرية التي دارت بين نظامي الدولتين يرى أن هناك (10) حروب دموية مصبوغة بصبغة دينية تكفيرية شنتها قوى صنعاء خلال (100) عاما – ابتدأ من 1915 وانتهاء بـ 2015م – بغرض ضم الفرع للأصل كما يزعمون.  فقد حققوا (7) انتصارات دمروا فيها الأرض والإنسان، وكانت تلك الهزائم التي لحقت بشعب الجنوب؛ نتيجة عدم توحدهم تحت راية واحدة وتفرقهم في دويلات صغيرة استطاعت تلك القوى الظلامية أن تنتصر عليهم في أكثر من معركة.

سابعا: تقديم الإغاثة والدعم الإنساني المشروط

  • استغلال الأزمات الإنسانية: استُخدمت الأزمات الإنسانية بوصفها مبررًا لتقديم دعم وإغاثة مشروطة في مناطق الجنوب، مما يعزز النفوذ السكاني للقوى المستفيدة من هذه السياسات.
  • بناء المجتمعات الجديدة :تقديم المساعدات الإنسانية والخدمات الصحية والتعليمية في المجتمعات المستهدفة أسهم في تغيير التركيبة الديموغرافية، خاصةً عند استقرار القادمين الجدد في مناطق معينة.

ثامنا: إدارة الصراع الجنوبي بغرض(شق الصف الجنوبي)

لقد أصبح لتلك القوى أياد في معظم الدوائر الحكومية فتعمل على استجلاب النازحين وتساعدهم وبطرق رسمية مسهلة لهم الامتزاج داخل النسيج الاجتماعي الجنوبي وأصبح لهم موطئ قدم في الجنوب متصدرين معظم المجالات الاقتصادية والإدارية والسياسية والخدمية حتى أنهم أحيانا يتحكمون في القرارات المصيرية لشعب الجنوب ومصادر عيشه.

من هنا فقد عمد نظام صنعاء على استراتيجية إدارة الصراع الجنوبي الجنوبي؛ ليتنسى له اجتياح الجنوب والهيمنة عليه وتقطيع أوصاله والقضاء على مرجعياته السياسية والعسكرية والقبلية والدينية والفكرية، فقد استطاع من خلال هذه الاستراتيجية أن يحقق انتصارات كثيرة معتمدا على تلك العناصر النازحة والمهاجرة إلى الجنوب حيث إن شعب الجنوب يعلي من شأنهم ويمنحهم كل الامتيازات، بل يمنحهم أعلى مراتب في السلطة وتم تمكينهم من صنع القرار الجنوبي، ومن هنا تحققت لهم استراتيجية إدارة الصراع وتنفيذ مخططاتهم.

ومن المعلوم لدينا في مجريات الأحداث السياسية أن معظم الحروب والاغتيالات والقرارات التعسفية بمقدرات شعب الجنوب كانت من صنع أيديهم وكانت النتيجة مدمرة والتي مازلنا نعاني ويلاتها إلى يومنا هذا.

تاسعا: استراتيجية القضاء على المرجعيات الوطنية الجنوبية(السياسية والدينية والقبلية  والفكرية)

في سبيل التحكم والسيطرة على زمام شعب الجنوب الجنوبي، والتفرد في قيادته سعت تلك القوى الاستبدادية للقضاء على المرجعيات السياسية والقبلية والعسكرية والدينية والفكرية والثقافية، والمتتبع للأحداث التاريخية التي شهدها الجنوب خلال (60) عاما المنصرمة يرى أن المرجعيات الجنوبية كانت هي المستهدفة.

ففي الجانب السياسي تم تصفية خيرة رجال الجنوب وأبرز قياداته في سبيل إخلاء الساحة للأطراف الدخيلة على الجنوب، وهذا ما حصل في كافة مراحل الصراع حتى يومنا هذا، ففي الجانب القبلي حُروبت سلاطين الجنوب ومشايخها وشردوا وذبحوا حتى أصبح الجنوب خاليًا من مرجعياته القبيلة بينما القبائل الشمالية تتقوى كل يوم؛ لتكون رديفا للدولة.

وكذلك استمر تدمير كافة المرجعيات الدينية والفكرية والثقافية وفرضت على شعب الجنوب ثقافة دخيلة عن ثقافته مما جعله أكثر بعد عن وطنه وهويته وحين تم القضاء على المرجعيات السياسية والقبلية والدينية والفكرية والثقافية اتجهت تلك القوى إلى تدمير المرجعية العسكرية التي اتخذتها يوما ما سلطة  لتدمير مرجعيات شعب الجنب في حرب 86م، دمرت تلك المرجعية الأخيرة التي كانت قاسمة الظهر للجنوب ومن ثم تم الارتماء في أحضان الوحدة المشؤومة ومن حينها ونحن في حالة ضعف واستكانة وانكسار ولم تمر إلا ثلاثة أعوام حتى أعلنت الحرب على الجنوب واجتياحه بالكامل، وتدمير ما تبقى فيه من مرجعيات وتم حكمه بقوة الحديد والنار.

وبعد ربع قرن من الاحتلال عادت شرايين الحرية تنبض في جسد الجنوب الجريح فبدأ يلملم جروحه لينطلق نحو استعادة دولته وحريته فأعلن صرخته المدوية في الآفاق لتجب نداءه كل المرجعيات معلنة نهوضها من تحت الرماد فها هي اليوم طلائع الجيش الجنوبي يتصدر الجبهات والمرجعيات السياسية برزت في الظهور وتداعى مفكرو ومثقفو الجنوب من كل حدب وصوب للذود عن أرضهم وكرامتهم وعرضهم ودينهم، وهذا ما لا يعجب العدو، فعاد إلينا من جديد يتربص بنا الدوائر ليمكر بنا لكن الله مولى شعبنا وهو خير الماكرين.

مما سبق تبين أن:

تتبع القوى اليمنية استراتيجيات متنوعة في إطار سياسة التغير الديموغرافي في الجنوب، تتراوح بين الإجراءات المباشرة كالسيطرة على الأراضي وتوزيع الموارد، إلى السياسات غير المباشرة التي تشمل التعليم والإعلام والضغط السياسي. وتهدف هذه الاستراتيجيات بشكل أساسي إلى تغيير التوازن الديموغرافي والاجتماعي في الجنوب، بما يخدم مصالح القوى المتصارعة.

المبحث الرابع: تاريخ حركة النزوح والهجرة إلى الجنوب العربي

كانت الجنوب العربية عرضة للغزو والاحتلال منذ القدم بحكم موقعها الاستراتيجي الذي تتمتع به، ولكن مع منتصف القرن العشرين بدأت المنطقة تتعرض لهجوم ممنهج للسيطرة عليها تمثل بالنزوح والهجرة اليمنية بغرض فرض اليمننة على هذه الهوية والأرض لصالح مشروع اليمن الذي أطلقه الإمام أحمد في عام 1918م عندما حول مملكته من المملكة المتوكلية الهاشمية إلى المملكة اليمنية المتوكلية.

  • الموجة الأولى:

مرحلة النزوح لفترة ما قبل الاستقلال من الاحتلال البريطاني

إن المتتبع لحركة النزوح المنظم من المحافظات الشمالية إلى المحافظات الجنوبية يرى أن هناك كثيرًا من عمليات النزوح قد نزحت في مراحل تاريخية متعاقبة، وكانت أكثرها تلك الموجات في العصر الحديث، وذلك من قبل الاحتلال البريطاني للجنوب في عام 1839م، إلا أنه بعد طرد الاحتلال البريطاني تزايدت موجات النزوح، فمنذ إعلان استقلال الجنوب وتحريره من الاحتلال البريطاني في عام 1967م  شهدت المحافظات الجنوبية موجات نزوح امتدت منذ مدة السبعينيات وتزايدت منذ إعلان الوحدة المشؤومة عام 1990م وما زالت مستمرة حتى وقتنا الحالي.

فالمتتبع لموجات النزوح من المحافظات الشمالية إلى المحافظات الجنوبية عمومًا وإلى عدن خصوصًا في مدة ما قبل الاستقلال، سيجد أن تلك الموجات قد خلفت آثارًا سلبية تجرع مراراتها وويلاتها أبناء الجنوب في تلك المدة؛ حيث كانت معظم تلك الموجات البشرية القادمة من الشمال ذات توجهات سياسية وعسكرية، تسعى لتحقيق مآرب وأهداف سياسية لقوى السلطة الحاكمة في الشمال، وذلك من خلال تمكين أبناء الشمال وتوطينهم في الجنوب لتحقيق أهدافهم السياسية والمتمثلة بضم الجنوب إلى الشمال لاعتقادهم أن الجنوب فرع والشمال هو الأصل.

         لذلك كان المنطلق لإعلان الدولة الواحدة، هو تحقيق مصلحة كلا الشعبين في الجمهوريتين، وكان هذا هو مفهوم الجنوب، ولكن اتضح أن الشمال– القبلي العسكري – كان له مفهوم آخر، فقد عدَّ أنه بهذا الاتفاق قد تم عودة الفرع للأصل، كما عبر عن ذلك أحد رموز صنعاء وهو الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ قبيلة حاشد، ورئيس مجلس النواب حينها، فقد ذكر في جلسة لمجلس النواب في 25 أبريل 1994م بأن الوحدة عندما قامت في مايو 1990م أعادت الجنوب الشريد الطريد القاصر إلى أبيه، ففي ذلك يقول:” أعادت الأمور إلى نصابها بعودة الفرع إلى الأصل والجزء إلى الكل والابن الضال إلى أبيه الشرعي … ومنذ قيام الوحدة يحاول إعطاء الفرع الشارد نفس مكانة وحقوق الأصل الثابت، وهو ما لا نرضاه ولن نقبله”، هذه هي العقلية “السبئية” التي دمرت الوحدة ونفرّت الجنوبيين منها منذ اليوم الأول، وللأسف أن هذه النظرة هي السائدة حتى الآن عند كثير من الإخوان في الشمال([5]).

 لهذا فقد شهدت المناطق الشمالية موجات نزوح إلى المحافظات الجنوبية، يمكن بيان ذلك من معرفة عمليات النزوح من المحافظات الشمالية والجنوبية إلى محافظة عدن، وهو ما سيوضحه الجدول الآتي:

الجدول رقم (1)

يوضح التوزيع النسبي لسكان مدينة عدن والهجرات الداخلية والخارجية إليها على وفق تعداد أعوام 1946/1955م([6]):

محل الميلادتعداد عام 1946 (%)
مدينة عدن49.6
العرب اليمنيين42.0
 العرب من محميات الجنوب8,4
المجموع100%
المصدر: ظاهرة الهجرة إلى عدن الدوافع والآثار، صلاح (2001) رسالة ماجستير جامعة عدن

ومن هنا نستطع أن نلحظ كثرة النزوح إلى عدن من المناطق الشمالية؛ حيث فاق نسبة النزوح من المحافظات الشمالية النزوح إلى عدن من المحافظات الجنوبية، بل فاق سكان عدن نفسها.

كما يمكن الجزم بأن حركة نزوح من المحافظات الشمالية إلى المحافظات الجنوبية بعد استقلال الجنوب، قد جاءت امتدادًا  للنزوح السابق لما قبل استقلال الجنوب عام 1967، فعندما ظهرت ملامح الدولة الجنوبية المستقلة بعد تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني أقدم نظام الجمهورية العربية اليمنية وعبر أجهزته الاستخباراتية بالزج بالآلاف من عناصره وقواه الأمنية والعسكرية إلى العاصمة عدن تحت مسمى الجبهة الوطنية لتحرير الشمال، إلا أن باطنها الانقضاض على مشروع دولة الجنوب، ومن ثم تمكنت تلك القوى من تحقيق أبرز أهدافهم السياسية والمتمثل في تغيير الهوية الجنوبية بالهوية اليمنية، وذلك من خلال تغير اسم أول جمهورية بعد الاستقلال (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) باسم (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)([7]).

فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن موجة النزوح والهجرة إلى عدن منذ مطلع السبعينات من الجمهورية العربية اليمنية كانت كبيرة جدًا وفي تلك المرحلة مثلت عدن عاصمة أول جمهورية بعد الاستقلال، فقد بينت الدراسات السابقة أن أكبر نسبة للنازحين الذي نزحوا إلى عدن كانت من المحافظات الشمالية ([8]).

ومن هنا تمكنت تلك القوى النازحة من إيجاد موطئ قدم لهم في جميع مفاصل الدولة النازحين إليها، وأصبحت لهم امتيازات لا يحصل عليها أبناء الجنوب أنفسهم، وتسيدوا سياسة الدولة وأصبح الرفاق بأيديهم صنع القرار السياسي، مما جعلهم يستقدمون أهاليهم؛ ليصبحوا جزءًا من أبناء البلد.

ويوضح جدول(2)

الآتي نسبة التوزيع السكاني في عدن لتعداد عام 1973م ([9])

محل الميلادتعداد 1955 (%)
مدينة عدن26,7
العرب اليمنيين59.6
المحافظات الجنوبية13,7
المجموع100%
المصدر: ظاهرة الهجرة إلى عدن الدوافع والآثار، صلاح (2001) رسالة ماجستير جامعة عدن.

مما سبق تبين:

  • أن تعداد عامي 1946 و1955 أن معظم السكان القاطنين في عدن كانوا من أصول شمالية نزحت أو هاجرت إلى عدن، حيث زادت نسبتهم من 42% عام 1946 إلى 59.6% عام 1955، أي أن ما يزيد عن نصف سكان عدن كانوا من أصول شمالية.

من خلال هذه النسب نلاحظ ارتفاعًا ملحوظًا في سجّل المكونات ويعود ذلك لـجملة من العوامل

  1. انخفاض معدّلات الهجرة للجنوبيين
  2. نشاط حركة العمالة اليمنية ضمن الأوساط العدنية الجنوبية.
  3. بالإضافة لجملة إجراءات وأدوات يتبعها النظام للقيام بعملية التهجير القسري سوف يعرضها الباحث لاحقًا.

إن هذا التغيير السابق الذكر كان هدفًا للنظام اليمني منذ نشوء فكرة مشروع الدولة اليمنية عندما وضع نظام صنعاء هدف التغيير الديمغرافي لسكان الجنوب العربي هدفًا استراتيجيًا طائفيًّا، بمثابة مرحلة أولى وطمس الهوية الجنوبية مرحلة ثانية، إذ تم وضع خطة مدروسة بعيدة المدى للتغيير الديمغرافي في الجنوب، وحددوا مساراتها ووسائل وأدوات متنوعة لتنفيذها، ومن أهم المسارات التي جرى العمل عليها لاحقًا ما يأتي:

  1. زيادة عدد اليمنيين في مدن الجنوب ورفع نسبتهم، حيث كانت نسببهم في عام 46م  42.0 % وفي عام 56م  59.6  من مجموع السكان، وشكل ذلك هاجسًا لدى نظام الاحتلال البريطاني الذي أعطى قيمة للرقم السكاني.
  2. الضغط على أبناء عدن والتضييق عليهم في مجالات الحياة كافة وتهميشهم، بهدف دفعهم نحو خيار الهجرة الخارجية وعدم العودة.

وقد عمل النظام اليمني على المسارات المذكورة من خلال عدة مراحل وبوسائل مختلفة وصولًا إلى تحقيق هدفهم الاستراتيجي في تغيير التركيبة السكانية للجنوب.

الموجة الثانية:

مرحلة النزوح خلال فترة ما بعد الاستقلال عام 1967م – 1990م

يمكن الجزم بأن حركة نزوح من الشمال إلى الجنوب خلال هده الفترة قد جاءت امتدادا لتحقيق أهدافهم السياسية الاستيطانية التي بدأوا بها منذ ما قبل استقلال الجنوب عام 1967. وعندما ظهرت ملامح الدولة الجنوبية المستقلة بعد تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني أقدم نظام الجمهورية العربية وعبر أجهزته الاستخباراتية بالزج بالآلاف من عناصره وقواه الأمنية والعسكرية إلى العاصمة عدن تحت مسمى الجبهة الوطنية لتحرير الشمال، إلا أن باطنها الانقضاض على مشروع دولة الجنوب؛ لأن الجنوب بالنسبة لهم مجرد فرع يجب ضمه للأصل وهي الجمهورية العربية اليمنية، وقد تجلى ذلك عند إشاعة مسمى الجنوب اليمني منذ عام 1956م من القوى التي كانت تطالب بوحدة الجنوب والشمال تمهيدًا لإضافة اسم اليمن للجنوب بعد التحرير وقد نجحوا في ذلك. ([10])

الجدول رقم (1)

يوضح التوزيع النسبي لسكان مدينة عدن والهجرات الداخلية والخارجية إليها وفق تعداد أعوام 1973م:

محل الميلادتعداد 1973 (%)
مدينة عدن57.5
المحافظات الشمالية24,2
المحافظات الجنوبية18.2
المجموع100%
المصدر: ظاهرة الهجرة إلى عدن الدوافع والآثار، صلاح (2001) رسالة ماجستير جامعة عدن.

من خلال الجدول أعلاه يتبين لنا الآتي:

  • يبين تعداد عام 1973 أن نسبة القاطنين في عدن من الأصول الشمالية قد انخفضت مقابل زيادة نسبة أبناء عدن، لكن المتتبع لحقيقة هده المعلومة سيجد أن انخفاض نسبة الساكنين في عدن من الأصول الشمالية وزيادة نسبة أبناء عدن لم تكن نتيجة لعملية خروج لأبناء الشمال من عدن حيث إن انخفاض هذه النسبة قد جاءت نتيجة لتجنيس أبناء الشمال الدين كانوا متواجدين في عدن عقب الاستقلال عام 1967 ودلك بعد تمكنهم من السيطرة السياسية على كثير من مقاليد الحكم في الجنوب حيث تمكن كثيرون منهم من اعتلاء مناصب سياسية وقيادية عليا في الدولة تمكنوا من خلالها من تنفيذ أجنداتهم السياسية التي كانوا يخططون لها من مئات السنين والمتمثلة في استعادة الجنوب لدولتهم في الشمال انطلاقا من اعتقادهم أن الجنوب فرع من الشمال (اليمن).
  • ومن ثم تمكنت تلك القوى من تحقيق أبرز أهدافهم السياسية والمتمثل في تغير الهوية الجنوبية بالهوية اليمنية وذلك من خلال تغير اسم أول جمهورية بعد الاستقلال (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) باسم (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية). 
  • فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن موجة النزوح والهجرة إلى عدن منذ مطلع السبعينات من الجمهورية العربية اليمنية كبيرة جدًا وفي تلك المرحلة مثلت عدن عاصمة أول جمهورية بعد الاستقلال، وبينت الدراسات السابقة أن أكبر نسبة للنازحين الذي نزحوا إلى عدن كانت من المحافظات الشمالية نحو محافظات (تعز والمخا والمنطقة الوسطى إب والحديدة وذمار وبقية المحافظات الشمالية)([11]).

ومن هنا تمكنت تلك القوى النازحة من إيجاد موطئ قدم لهم في كافة مفاصل الدولة النازحين إليها وأصبحت لهم امتيازات لا يحصل عليها أبناء الجنوب أنفسهم وتسيدوا سياسة الدولة وأصبح الرفاق بأيديهم صنع القرار السياسي مما جعلهم يستقدمون أهاليهم؛ ليصبحوا جزءًا من أبناء البلد.

 ومنذ ذلك الحين سعوا إلى زرع الفتن والدمار بين أبناء الجنوب وقياداته من جهة، وكانت كارثة الحرب الأهلية عام 86م بين أبناء الجنوب أكبر أهدافهم التي خططوا لها، والتي مهدت لهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة إذابة دولة الجنوب بوحدة اندماجية غير مدروسة كانت نتائجها حرب دموية واجتياح كامل للجنوب واحتلاله وطمس هويته. 

جدول رقم (2) 

يوضح تعداد سكان محافظات الجنوب لعام 1988

عدد المساكنعدد الأسرعدد السكانالمحافظة
28204108448322919عدن
73197106399458485لحج
4051659573279241أبين
82350 12264537095حضرموت
27038124686698823شبوة
88454583844225المهرة
2601504572082340788المجموع
المصدر: إحصائيات وزارة التخطيط والتنمية، الجهاز المركزي للإحصاء لعام 1988م

الوسائل التي لجأ إليها عناصر النظام اليمني في الجنوب للقيام بعملية التهجير:

استخدمت العناصر اليمنية المنغمسة في دولة الجنوب العربية عدة وسائل في محاولة منها لإخماد الأصوات المعارضة لهم في تولي مناصب إدارية وقيادية في دولة الجنوب، وهذه الوسائل لها محطات كانت كل مرحلة أساس ومرتكز للثانية، وهذه المحطات عندما أدرك النظام خطورتها وأن الأمر بدأ بالخروج عن السيطرة، دفعه إلى تبني خيارات أدت إلى عمليات تغيير ديمغرافي قسري من خلال:

  1. وسائل قهرية (عسكرية- قانونية).
  2.  وسائل ناعمة (سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية).
  3. وسائل قهرية (عسكرية-قانونية)

لقد استخدمت عناصر النظام اليمني في جهاز أمن دولة الجنوب في عملية التهجير القسري أدوات سياسية وعسكرية واستخباراتية واقتصادية وإدارية أدت إلى إجبار السكان الأصليين للجنوب على النزوح واللجوء من خلال عدة وسائل أدت إلى ارتكاب عدد من المجازر منها:

  • التضييق الاستخباراتي

ب _ الحصار الاقتصادي على الجنوب

    ج_ تغيير الملكية لليمنيين الوافدين

الموجة الثالثة:

الهجرة والغزو والاجتياح (من 1990 إلى 2015):

لقد كانت هذه المرحلة نقطة تحول كبرى مكنت أبناء العربية اليمنية من حرية التنقل والسكن في محافظات الجنوب وعمد نظام صنعاء بحشد أكبر عدد من قواته العسكرية والأمنية إلى المدن الجنوبية وتحويلها إلى منطقة صراع واستجلب قوى العنف والتطرف والإرهاب من كل مكان، وشرع في تنفيذ حملة اغتيالات لكبار كوادر ومسؤولي الدولة الجنوبية، وتتوجت تلك بحرب 94م الظالمة حين سقطت عدن تحت مدافعهم العسكرية؛ ليعلنوا نصرهم المجيد في 7/7/1994م؛ لتتحول عدن والجنوب بعد هذا التاريخ إلى أكبر مستعمرة يستوطنها مئات الآلاف من العسكريين والأمنيين اليمنيين.

وفي هذه الدراسة اخترنا العاصمة عدن أنموذجًا لتتبع حركة النزوح القادمة إليها من المحافظات الشمالية، فقد بلغ عدد النازحين إلى مدينة عدن فقط وفقا لتعداد عام 1994م حوالي (115577) نازحًا يمثلون (26%) من أجمالي نسبة السكان الأصليين العام لمدينة عدن الذي يقدر بحوالي (444526) كما هو مبين في الجدول الآتي:

الجدول رقم (3)

يوضح توزيع النازحين والمهاجرين في عدن بحسب محافظة الإرسال والنوع من واقع تعداد 1994م:

محافظة الإرسالالذكورالإناثالإجمالي
العددالنسبةالعددالنسبةالعددالنسبة
الأمانة10831.46091.516921.5
صنعاء6020.78540.16560.05
تعز1838824.3  550414.02389220.8
الحديدة57357.528267,4 8562 7.40
لحج1925825.7273632.43199427.80
إب43855.78862.2 5271 4.60
أبين14407 18.81015225.8 2455921.3
ذمار15101.92160.54 17261.50
شبوة27683.615363.9  43043.7
حجة1290.16560.14 1850.16
 البيضاء17692.511432.9 29122.53
حضرموت57887.529937.6 87817.60
صعدة670.84611.3 5290.45
المحويت2290.32470.1 2760.23
المهرة610.7270.06880.08
مأرب460.623 0.05690.05
الجوف630.8190.04810.07
الإجمالي76.289100.039.288100.0115577100.0
المصدر: وزارة التخطيط والتنمية، الجهاز المركزي للإحصاء 1996م.

يبين الجدول السابق أن عدد النازحين من المناطق الشمالية إلى عدن فقط بلغ حوالي (41151) نازحًا في عام 1994م ويشكلون نسبة 39% من تعداد النازحين وهي نسبة كبيرة جدا. بعد اجتياح القوات الشمالية الجنوب في عام 1994م شهدت عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى تدفق أعداد كبيرة من اليمنيين(الشماليين) وذلك لإحداث تغيير (ديموغرافي) ولطمس الهوية الجنوبية وقد تجلى ذلك في عدة مظاهر لا يتسع لنا أن نذكرها هنا. إلا أنه لم تتوفر لدينا إحصائيات رسمية لحصر عدد الشماليين بعد سقوط دولة الجنوب واندماجها مع الشمال بالقوة.

لقد بلغ عدد سكان محافظة عدن لعام 2004م حوالي (589419) بمعدل نمو 3.77% ويمكن تقدير عدد سكان محافظة عدن للعام 2018م وفقا لمعدل النمو بحوالي (901013) مع أن المؤشرات الحالية تدل على أن سكان عدن قد تجاوز ذلك الرقم بكثير بعد حرب 94م؛ نظرا لاجتياح القوات الشمالية للجنوب ولغياب الإحصائيات السكانية الدقيقة([12]).

لقد مثل سقوط عدن واحتلال الجنوب من قبل قوى تحالف صنعاء العسكري والديني والقبلي كارثة سياسية مازال شعب الجنوب يتجرع مراراتها إلى يومنا هذا فعند اجتياح قوى العدوان اليمني الجنوب بالقوة العسكرية تلتها أكبر موجة نزوح سياسي قادم من اليمن(الشمال) واستباحوا من خلالها كل ما فوق الأرض وتحتها ولم يبقوا شيئا جميلا إلا دمروه واستمروا في طغيانهم خمسة وعشرون عامًا. وحين عصفت بهم ثورة شعب الجنوب ومن خلفهم عاصفة الحزم المجيد تم طرد كل تلك المعسكرات والمليشيات الظلامية من العاصمة عدن.

الوحدات الاستيطانية في الجنوب

لقد ابتليت الجنوب خلال العقود السبعة الماضية بتوليفة من القيادات المأزومة والهشة والضعيفة والسلالية وغير المتزنة التي تحمل في قلوبها ودمائها بذرات العدائية الدونية والحقد على الجنوبيين عمومًا ففي عام1990م أقدم هؤلاء على مشروع تدور حوله الشبهات وهو مشروع الوحدة الاندماجية القاتلة والذي مثّل انقلابًا كامل الشروط على دولة الجنوب وشعبها ومن حينها بدا مشروع الهدم والاستيلاء على مؤسسات الدولة وهياكلها وقاموا بتغيير ديموغرافي يمني والاستحواذ على كل شيء في الجنوب، حتى الحجر والشجر، وتُعدُّ هذه المرحلة أسوأ وأخطر مرحلة في تاريخ الجنوب خاصة لأن الناس شاهدوا بأم أعينهم حجم التدمير الممنهج والاستيلاء المنظم لكل محتويات الدولة وهيكلها، وعاثوا في الأرض فسادًا وأقصوا الناس من أعمالهم وأحالوهم إلى التقاعد القسري المبكر وطردوا الناس من وظائفهم واستولوا في عدن على الأراضي والبيوت، وأسكنوا فيها عددًا كبيرًا من اليمنيين(الشماليين) وكانت الخطة أن ينقلوا إلى الجنوب ثمانية ملايين مواطن من الشمال ليحدثوا بذلك أكبر تغيير ديموغرافي في العصر الحديث، وتُعدُّ هذه المرحلة أسوأ مرحلة في تاريخ الجنوب من الاستيطان والاستعمار.

بعد حرب 1994 التي انتهت بسيطرة قوات الحكومة اليمنية على الجنوب، بدأت سلسلة من الإجراءات تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية في الجنوب وتثبيت السيطرة المركزية، من بينها إنشاء وحدات استيطانية جديدة. وقد اتخذت هذه الوحدات الاستيطانية أشكالًا متعددة، بعضها كان يتضمن نقل مجموعات سكانية من مناطق في الشمال إلى الجنوب، لا سيما في المدن الرئيسة مثل عدن، حضرموت، وأبين.

بعض الجوانب المتعلقة بالوحدات الاستيطانية بعد 1994:

  1. المشاريع السكنية: تم إنشاء مشاريع إسكان حكومية وخاصة في مناطق مثل عدن والمكلا، بعضها استهدف موظفي الدولة العسكريين والمدنيين القادمين من الشمال.
  2. توزيع الأراضي: شهدت المحافظات الجنوبية عمليات توزيع واسعة للأراضي على كبار القادة العسكريين والمدنيين القادمين من الشمال، ما أدى إلى تحكم هؤلاء بالمناطق الاقتصادية والسكنية المهمة.
  3. التمكين الاقتصادي: تم تقديم امتيازات اقتصادية للمستثمرين والمجموعات القادمة من الشمال، مما أثار مخاوف السكان الجنوبيين من التهميش والهيمنة الاقتصادية.
  4. موجة التوطين الرابعة:2011- 2024م

لم تقف قوى العدوان (الحوثية والعفاشية والإخوانية) عند هذا الحد من التآمر والعدوان على سيادة شعب الجنوب فهاهم اليوم يعملون ليل نهار على توطين أقدامهم مرة أخرى عبر موجات نزوح يومية كبيرة مستغلين الوضع الإنساني والانفلات الأمني للمناطق المحررة لكي يتسنى لهم إسقاط عدن والجنوب من جديد والعودة للمربع الأول، وقد بدأت ملامح حملة الاجتياح تظهر هنا وهناك، ليشعلوا من بعدها حربهم وفتنتهم ليتمكنوا من تنفيذ مخططاتهم العدوانية على شعب الجنوب.

فعدن والمحافظات الجنوبية الأخرى تشهد موجة نزوح كبيرة تقدر بمئات الآلاف جميعها قادمة من الشمال إلى الجنوب ومن مناطق مختلفة لا تعاني من نزاع مسلح وتحت ذرائع مختلفة كاستلام الرواتب وتحظى بتسهيلات كبيرة من الحكومة، وهذا الأمر لا بد من الوقوف أمامه بجدية ووقفه بأي طريقة لمنع تكرار التاريخ ومنع سقوط الجنوب مرة أخرى في الفوضى إذا لم يكن الاحتلال.

يمكن الاستنتاج من خلال ما تم مناقشته سابقا أن موجات النزوح أو الهجرة من الشمال إلى الجنوب كانت تتزايد في فترات تسبق نشوب نزاعات مسلحة في الجنوب أي أن كل موجة نزوح قادمة من الشمال إلى الجنوب تلحقها حرب عسكرية كما حدث في عام1971م و 1978م و 1986م و 1994م و2015م.

وكشفت دراسة ميدانية أن حركة النزوح التي تشهدها العاصمة عدن كانت منظمة ومن خلفها أهداف سياسية وعسكرية تجلت آثارها في أكثر من مجال وسيكون لها أثر أكبر في الأيام القادمة أن لم يكن هناك ضوابط وردع لتلك المسرحية الهزيلة التي تسعى لها الأحزاب السياسية اليمنية([13]) 

كل تلك الوقائع التاريخية دعتنا للقيام بهذه المهمة البحثية لظاهرة النزوح ومعرفة أسبابها وآثارها على مستقبل شعب الجنوب لعل وعسى أن يتدارك صانعو سياسات الجنوب مكمن الخطر القادم من اليمن(الشمال).

تحركات حكومية ومنظمات يمنية لتوطين النازحين

وفي وقت سابق، في عدن، قالت مصادر حكومية لصحيفة اليوم الثامن إن معين عبدالملك شكل لجنة إدارة النزوح في عدن وإن هذا الملف يدار من قبله، الأمر الذي دفعه إلى استخدام التمويل في بناء مساكن شعبية للنازحين في الجبال، الأمر الذي وضع المجلس الانتقالي الجنوبي في مشكلة حقيقية”.

وقالت صحيفة الأيام الصادرة في العاصمة عدن إن اتحاد نساء اليمن، أطلق الأربعاء، حوارا محليا فاعلا، خلال مؤتمر (إطلاق حوار النساء والفتيات النازحات)، ضمن مشروع حوار السلام والعمل الإنساني للنساء والفتيات النازحات في اليمن، بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة، لإدماج النازحين في المجتمع الجنوبي”

بحسب مصادر حقوقية فأن المؤتمر المعلن يهدف إلى دعم النازحين اليمنيين ضمن استراتيجية إعادة إدماجهم في المجتمع الجنوبي الذي يعيش فيه نحو مليوني نازح تركوا بلادهم الخاضعة لسيطرة الأذرع الإيرانية وذهبوا نحو المدن المحررة.

وأكد اتحاد نساء اليمن “بأن تأسيس منصة الحوار الميدانية التي تنطلق من عدن هي مبادرة محلية للمجتمع المدني تجمع من وصفهم بـ”أصحاب الحق” في الدمج بالمجتمع ومعالجة أوضاعهم المعيشية والصحية والتعليمية”.

وبرر اتحاد نساء اليمن موجة النزوح صوب الجنوب بأن الحرب الدائرة حصدت آلاف المدنيين وشرَّدت داخليا مئات الآلاف وأدت إلى ارتفاع معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وقال الاتحاد اليمني الذي كثف نشاطه بدعم من حكومة معين عبدالملك “إن فشل الجهود الدولية في تحقيق تقدم ملحوظ في مفاوضات السلام قد يعزى ذلك إلى عدم فهم الوسطاء للأوضاع في المجتمعات المحلية وعلى الرغم من انحسار العنف مؤخرًا إلا أن هذا لم ينعكس على أوضاع وظروف الناس لاسيما النازحات والنازحين في مدن الجنوب”. 

وأوضح الناشط اليمني بسام راوح، بأن إطلاق هذه المنصة الميدانية، جاء بناءً على ما ورد في مذكرة التفاهم وتضم في عضويتها 30 عضوة وعضوًا من القيادات المحلية يشمل ممثلات عن النساء النازحات اليمنيات في عدن وباقي مدن الجنوب المحررة فضلًا عن منظمات المجتمع المدني، تعمل ضمن مشروع إعادة دمج النازحين اليمنيين في مجتمعات الجنوب السكانية”.

وقالت مصادر في مكتب التربية والتعليم في البريقة إن المدارس لم تعد تتسع للمزيد من النازحين حيث وصل عدد الطلاب في الفصل الواحد إلى أكثر من 80 طالبًا، أغلبهم من النازحين اليمنيين”.

ولفت المصدر إلى أن النازحين في مأرب أقيمت لهم مخيمات نزوح ومدارس بعيدا عن السكان، وهو ما لم يحصل في مدن الجنوب التي لا تزال تستقبل المزيد من النازحين في ظل عدم وجود أي معالجات حقيقية لهذه المشكلة التي باتت تهدد التركيبة السكانية لمدن الجنوب المحررة.:[14]

ويشير الوضع في الجنوب إلى تصاعد التوترات حول قضايا النزوح والتغيير الديموغرافي. وتقوم منظمات يمنية، مدعومة بتمويل من الأمم المتحدة وتحت إشراف رئيس حكومة المناصفة معين عبدالملك، بإطلاق مشاريع لدمج النازحين اليمنيين في المجتمعات الجنوبية. يُعدُّ هذا الجهد جزءًا من محاولة إعادة دمج النازحين، لكن الكثير من الجنوبيين يرونه خطوةً تهدف إلى إحداث تغييرات ديموغرافية في الجنوب لصالح قوى سياسية واقتصادية يمنية.

موقف الجنوبيين من عمليات النزوح والهجرة المنظمة

قام ناشطون جنوبيون بإطلاق حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بوقف عمليات النزوح التي تُوصف بأنها “غير مشروعة” إلى الجنوب. يرون أن هذا النزوح يسعى إلى تغيير التركيبة السكانية، وهو ما يُعدُّ تهديدًا لطموحات الجنوبيين في استعادة دولتهم السابقة. تتركز هذه الدعوات على وقف دعم مشاريع دمج النازحين في المناطق الجنوبية، التي يعتقدون أنها تشكل تهديدًا للهوية الثقافية والديموغرافية للمجتمع الجنوبي.

لتسليط الضوء على ظاهرة النزوح الممنهج في الجنوب، أجرينا عدة لقاءات مع أكاديميين، عسكريين، إعلاميين، وسياسيين، وتمكنا من جمع آراء ومعالجات حول هذه القضية التي تمثل إحدى الظواهر المثيرة للقلق، وهي لجوء العديد من النازحين إلى استخراج شهادات الميلاد من محافظات الجنوب بحجة ضياعها أو نسيانها في مناطق سيطرة الحوثيين.

الدكتور فيصل حسين البعسي، الأكاديمي والمحلل السياسي، أشار إلى أن التغيير الديموغرافي هو أحد أساليب الهيمنة التي يسعى المحتل لتنفيذها، وقد أُعلِن عن ذلك بوضوح من قبل نخب سياسية شمالية. ويرى الدكتور فيصل أن هذه الأساليب تتركز بشكل خاص في العاصمة عدن، حيث يزعم بعض اليمنيين(الشماليين) أنهم يشكلون الغالبية فيها. ويوضح أن وجود كثافة من الشماليين في الجنوب يعود إلى التسامح الذي أبداه الجنوب في الماضي، حيث كان بإمكان الشمالي الحصول على حقوق المواطنة الجنوبية بسهولة، بينما كان الجنوبي يُعامَل بشكل تمييزي في الشمال، حتى بعد الوحدة.

وأضاف الدكتور البعسي أن الحكومة الحالية تُستَغل لتمرير مخططات تغيير ديموغرافي مغلفة بأهداف إنسانية. ولهذا السبب، دعا أبناء الجنوب في مصلحتي الهجرة والجوازات والأحوال المدنية إلى اليقظة وعدم التسامح مع هذه الطلبات، مشددًا على أن الموضوع سياسي في جوهره، رغم تغليفه بمظاهر إنسانية.

العميد ركن علي بامعيبد يشير إلى أن الهوية الوطنية هي مجموعة السمات والخصائص التي تميز مجتمعًا معينًا وتشكل جوهر وجوده. ويعتقد أن النزوح المستمر نحو الجنوب يشكل تهديدًا كبيرًا للإرادة والهوية الجنوبية، مما قد يؤدي إلى تآكل الهوية الوطنية بسبب هذا التدفق السكاني المكثف من خارج الجنوب.

الأستاذة أمل المصلي تطرقت إلى مشكلة دمج أبناء الشمال في الجنوب في وقت حرج، وأشارت إلى أهمية حماية حقوق الجنوبيين في الوظائف والانتخابات وغيرها من الحقوق الأساسية، محذرة من العواقب غير المتوقعة إذا استمر هذا الوضع دون تنظيم.

الدكتور فيصل حسين يؤكد أن العملية ممنهجة وتهدف إلى إحداث تغيير ديموغرافي يخدم أجندات سياسية واستيطانية. ويرى أنه لا مانع من إصدار بطاقات أو جوازات، بشرط الإشارة إلى مكان الميلاد والإقامة الأصلي، لتجنب طمس الهوية الجنوبية.

الأستاذة أمل يسلم توضح أن النزوح يضيف عبئًا كبيرًا على الجنوب، بما في ذلك العاصمة عدن، من حيث الضغط على الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والتعليم والصحة. وأشارت إلى أن حصول النازحين على شهادات ميلاد جنوبية يسمح لهم باستخراج بطاقات وجوازات سفر جنوبية، مما يجعلهم محسوبين كالجنوبيين. وهذا قد يؤثر على أي استفتاء مستقبلي لتقرير مصير الجنوب، إذ يمكنهم المشاركة فيه بصفتهم “جنوبيين”، مما يشكل تهديدًا على نتائج التصويت لصالح الجنوب.

العميد ركن علي عبدالله بامعيبد يسلط الضوء على الأساليب الجديدة التي تستخدمها القوى المعادية للجنوب بعد فشل مشاريع الضم والإلحاق التي بدأت بحرب صيف 1994م. هذه الأساليب تشمل استخراج شهادات الميلاد والبطاقات الشخصية في المناطق المحررة في الجنوب، وشراء الأراضي بهدف التأثير على النسيج الاجتماعي الجنوبي وإحداث تغيير ديموغرافي يخدم مصالح الاحتلال اليمني.

إعلامية أمل يسلم مطر ترى أن هذه الممارسات تُعدُّ جزءًا من استراتيجية الغزو الممنهج لتغيير الهوية الجنوبية وطمس معالمها، بينما يشير الإعلامي العسل إلى أن استخراج شهادات الميلاد من المناطق المحررة الجنوبية يُعدُّ وسيلة لتعزيز الكثافة السكانية الشمالية في الجنوب، مما يساعد على تثبيت الوحدة اليمنية، وخاصة في حال حدوث استفتاء مستقبلي.

الأستاذة أمل المصلي تُعدُّ استخراج شهادات الميلاد من الجنوب له أبعاد خطيرة، منها دمج النازحين في المجتمع العدني، مما يسهل على الشماليين الحصول على بطاقات شخصية جنوبية تمكنهم من المشاركة في الاستفتاءات والانتخابات، مما يشكل تهديدًا على تقرير مصير الجنوب.

الدكتور فيصل البعسي يؤكد أن العملية ممنهجة وتستهدف جميع قوى الاحتلال اليمني، رغم أن بعضها قد يبدو عفويًا ودون تخطيط، إلا أنها في النهاية قد تؤدي إلى مشاكل مستقبلية للجنوب.

المشاكل المحتملة، بحسب الإعلامي العسل، تشمل تثبيت الهوية المزيفة في الجنوب عبر شهادات الميلاد والجوازات الصادرة حديثًا، مما يتيح لهم المشاركة في المؤسسات الجنوبية ويعزز وجودهم في الحياة السياسية. ويُعدُّ هذا الوضع تهديدًا للتنوع الثقافي والاجتماعي الجنوبي، حيث يمكن أن يؤدي إلى تحولات في القيم والسلوكيات في الجنوب، ويُسهِّل إدخال عادات غريبة مثل الكذب والخداع والنفاق، ما قد يؤثر على الهوية الجنوبية على المدى الطويل.

تُعدُّ هذه الأساليب جزءًا من سياسة أعمق تهدف إلى السيطرة الديموغرافية والسياسية على الجنوب، مما يستدعي الحذر واتخاذ تدابير صارمة لمنع هذه التغيرات وتأثيرها على الهوية الجنوبية

من خلال هذه الآراء، يتضح أن النزوح المستمر إلى الجنوب يُعدُّ تحديًا كبيرًا للهوية الوطنية والخدمات الأساسية، ويُثير مخاوف من التغيير الديموغرافي الممنهج.

دراسات حول النزوح والتغيير الديموغرافي

تتحدث الأبحاث الجغرافية السكانية عن الزيادة الكبيرة في أعداد النازحين المتجهين نحو الجنوب، خاصة منذ عام 2017. الباحث د. رزق الجابري، المختص في الجغرافيا السكانية، يشير إلى أن هذه العملية تندرج تحت مفهوم “الاستيطان والتغيير الديموغرافي”. وقد أشار إلى أن النازحين أنشأوا مجتمعات جديدة في مناطق مثل وادي حضرموت وصولًا إلى المهرة، مما يعكس مدى تأثير النزوح على التركيبة السكانية في هذه المناطق.

ويرى الباحث د. صلاح سالم أن الهدف الأساسي من عمليات النزوح هو توطين مجموعات يمنية في الجنوب من أجل استمرار القوى النافذة في الاستحواذ على الموارد الطبيعية للمنطقة. ويشدد على ضرورة وضع حد لهذا “النزوح الممنهج”، محذرًا من تأثيراته السلبية على المجتمعات الجنوبية واستقرارها.

ولم يقتصر الأمر على محافظة جنوبية بعينها، بل شمل كل محافظات الجنوب مما يجعل من مشكلة النزوح المستمر من اليمن الشمالي إلى حضرموت ومحافظات الجنوب الأخرى، خطرًا على الهوية الديمغرافية والثقافية للجنوب. وهناك مخاوف من أن هذا النزوح ليس عفويًا، بل يأتي ضمن خطة لتغيير الهوية الجنوبية من خلال استقرار أعداد كبيرة من اليمنيين، خاصة الشباب، في تلك المناطق.

المحافظ مبخوت بن ماضي أشار إلى أن عدد النازحين في حضرموت وصل إلى 1.5 مليون، وهو عدد يفوق سكان المحافظة، مما يثير تساؤلات حول دوافع هذا النزوح وتأثيراته المستقبلية. التزايد المستمر في عدد النازحين يؤثر سلبًا على الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، المياه، التعليم، والصحة، مما يضيف عبئًا إضافيًا على المواطن الحضرمي الذي يشعر بتهميش حقوقه.

هناك أيضًا مخاوف من اندماج هؤلاء النازحين وتشكيل مناطق ذات هوية يمنية، مما يُهدد بطمس الهوية الجنوبية. وفي هذا السياق، تأتي دعوات للمجلس الانتقالي الجنوبي لاتخاذ إجراءات حاسمة، وتنظيم عملية النزوح للحد من التأثيرات السلبية.

القيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي في المهرة تناولت هذه القضية وأشارت إلى أهمية التركيز على تحرير المحافظة ومواجهة مشاريع التغيير الديمغرافي، مع تعزيز العمل الجماهيري والسياسي والاجتماعي.

الملف يُعدُّ من أخطر التحديات التي تواجه الجنوب، ويحتاج إلى استراتيجيات فعالة للحفاظ على الهوية الجنوبية والتصدي لمحاولات التغيير الديمغرافي الممنهج.

توصيات الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي بشأن التغيير الديموغرافي والنزوح:

  1. أكدت الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي على ضرورة ضبط التغيير الديموغرافي في المناطق الجنوبية، وذلك من خلال حصر النازحين من المحافظات الشمالية، والعمل بالتنسيق مع المنظمات الدولية لمعالجة حالات النزوح.
  2. أعربت الجمعية في بيانها عن رغبتها في التعاون والتكامل مع أبناء المحافظات الشمالية، مؤكدة أنها لا تحمل أي عداء تجاههم ما داموا لا يعادون الجنوب ويحترمون خياراته.
  3. أكدت الجمعية الوطنية على استعدادها التام لدعم المساعي الإقليمية والدولية الهادفة إلى إحلال السلام في المنطقة، وأبدت استعدادها للانخراط في العملية السياسية.
  4. شددت الجمعية على ضرورة حل قضية شعب الجنوب ضمن إطار خاص، يهدف إلى استعادة الدولة الجنوبية المستقلة كاملة السيادة بحدود ما قبل 22 مايو 1990م، وذلك تحت رعاية الأمم المتحدة[15].

هذه التوصيات تسلط الضوء على التحديات المرتبطة بالنزوح من الشمال، مع التأكيد على أهمية التعايش السلمي والعمل نحو السلام، مع الحفاظ على الهوية والحقوق الجنوبية.

المبحث الثالث: المخاطر والتحديات

موجات النزوح المستمرة من العربية اليمنية إلى عدن وحضرموت ومحافظات الجنوب تمثل خطرًا ديمغرافيًا واجتماعيًا، وهناك مجموعة من المخاطر والتحديات التي تواجه المنطقة في هذا السياق، ومنها:

أولا: المخاطر السياسية والاجتماعية

هناك مخاوف من أن بعض القوى السياسية في اليمن الشمالي تستغل النزوح كأداة لتنفيذ أجندات خفية، مثل محاولات الهيمنة على الجنوب وإحداث تغيير سياسي وديمغرافي طويل الأمد. وهذا يعزز من حالة عدم الثقة بين الجانبين، ويؤدي إلى تزايد التوترات، لكون ظاهرة النزوح والهجرة إلى الجنوب يترتب عليها مخاطر سياسية كبيرة، تؤثر في سير القضية الجنوبية سواء أكان ذلك على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي؛ حيث إن تلك العناصر النازحة مع الأيام تصبح جزءًا من النسيج الاجتماعي الجنوبي، سواء أكان نزوحها وظيفيًّا أم مكانيًّا أم اجتماعيًّا، فهذه الحركة المنظمة تعمل على التغير الديموغرافي للمنطقة بحيث تصير تلك العناصر جزءًا من النسيج الاجتماعي لهم حق التشريع والتصويت والانتخاب، ويحصلون على الوظائف الإدارية والابتعاث الخارجي للدراسة والدبلوماسية كما حصل في حركة النزوح في مطلع السبعينيات حين تمكن الرفاق من مفاصل الدولة الجنوبية الفتية واحتلوا مكانة عليا، وحصلوا على امتيازات لم يحصل عليها أبناء الجبهة الوطنية الشمالية الذين تم احتضانهم بعد حركة النزوح المنظمة من الجهات الاستخباراتية في الجمهورية العربية اليمنية، وتلك الكارثة التي نتجرع مرارتها إلى اليوم بسبب عاطفتنا الجياشة أمام تلك القوى المعادية للشعب، التي هي في الأصل جزء من النظام النازحة منه وكما تجلى ذلك مع الأيام فقد انكشفت الأقنعة وأصبحت عدن الأم التي احتضنتهم تعاني منهم وإلى يومنا هذا…فما أشبه الليلة بالبارحة.

ثالثا:المخاطر الأمنية

المخاوف من أن النزوح قد يُخفي عناصر غير مرغوب فيها، بما في ذلك خلايا نائمة، مما يُشكّل تهديدًا للأمن والاستقرار في الجنوب. هذه العناصر قد تنتظر لحظة مناسبة لتنفيذ أعمال تهدد أمن المنطقة.

  1. شيوع الجريمة المنظمة:

لم تشهد مدينة عدن عبر تاريخها السياسي جرائم وحشية وقتل وإرهاب وعنف وترويع للسكان مثل ما حصل لها في السنوات الثلاث المنصرمة، فضحايا العنف والإرهاب يفوق ضحايا الحرب، مما يدل على أن هناك قوى تعمل ضد هذا الشعب العظيم.

فمنذ مطلع العام الحالي من 1 يناير إلى 30 يونيو بلغ مستوى الجريمة في العاصمة عدن والمناطق المجاورة لها أعلى مستوياتها؛ وذلك بحسب تصريحات نائب وزير الداخلية؛ حيث صرح أن عدد الجرائم التي ارتكبت في المناطق المحررة خلال الستة الأشهر المنصرمة من العام الحالي بلغت (2217) جريمة، ويعزو تلك الاختلالات الأمنية التي تشهدها تلك المناطق إلى قوى معادية محملًا جماعة الحوثي المسؤولية عن ذلك بقوله إنها تزج بعناصرها (الخلايا النائمة) إلى المحافظات المحررة. وتلك التصريحات تعزز ما ذهبت إليه دراستنا بأن حركة النزوح المنظمة من المحافظات الموالية للحوثي تعد مصدر قلق للأمن والاستقرار فما المانع أن تتحول تلك الكتل البشرية القادمة إلى عدن إلى قنابل موقوتة تقتل أبناء الجنوب كما هو منهجهم المدروس والمخطط له.

إن نسبة الجريمة تزداد كل يوم وبحسب الإحصاءات المتوافرة لدينا وصل معدل الجريمة في عدن إلى (11) جريمة([16]) يوميًّا، وهذا مؤشر خطير قد يؤدي إلى انهيار الوضع الأمني والعودة إلى مربع الصفر، وتفيد معلوماتنا أن كثافة المظاهر المسلحة تتركز في مديرية الشيخ عثمان كبرى مدن العاصمة عدن ولكونها المنطقة التي يتجمع فيها معظم النازحين والوافدين من المناطق الشمالية وفيها توجد أسواق بيع السلاح والمخدرات، ولم تستطع الجهات الأمنية التمركز فيها لكونها الوكر الرئيس للعصابات، ثم تليها دار سعد والمنصورة ومدينتي التقنية وإنماء والحسوة، فتلك المناطق تتكثف فيها موجة النزوح لتنفيذ تلك الأغراض المشبوهة.

ومن خلال رصدنا للوسائل الأكثر استخداما للجريمة كانت الدراجات النارية، هي المتصدرة للقائمة فهي الوسيلة التي يعتمد عليها المجرمون في تنفيذ جرائمهم؛ حيث تشكل نسبة الاغتيالات التي نفذت في عدن باستخدام الدراجات (65%)؛ لكونها الأسرع والأسهل في تنفيذ الجريمة والفرار ثم تلتها السيارات مجهولة الهوية التي تستغلها العناصر الإرهابية الإجرامية لتنفيذ جرائمهم ضد المجتمع وقياداته الأمنية والعسكرية والسياسة ويتم تقييد الجرائم تلك ضد مجهولين.

ومن خلال الإحصائيات التي تحصلنا عليها من مصلحة السجون (سجني بئر أحمد والمنصورة) تبين أن نسبة الجرائم كانت عالية كما هو مبينا في الجدول اللاحق.

جدول رقم (7) يوضح نسبة كل نوع من أنواع الجريمة في محافظة عدن خلال 2018م.

نوع الجريمةالعددالنسبة
الإرهاب389 43%
القتل245 27%
المخدرات  718%
الاغتصاب121،35%
اللواط 101%
الدعارة171،92%
التقطع والنهب1010%
السرقة353%
قضايا أخرى657%
المجموع 885100%

من الجدول السابق تبين أن نسبة جرائم (الإرهاب والقتل) تصدرت القضايا الأمنية الأخرى فقد بلغ عدد السجناء المتهمين بجرائم الإرهاب (389) سجينًا بنسبة (43%)، وتلك النسبة تشكل خطرًا كبيرًا على المجتمع، ثم جاءت جريمة القتل في المرتبة الثانية، حيث بلغ عدد المتهمين بقضايا القتل(245) بنسبة (27%)، مما يدل على أن ثقافة القتل والإرهاب مدعومة من أيدلوجية سياسية ودينية متطرفة تعمل على خلخلة المنظومة الأمنية والاجتماعية في مدينة عدن.

وإذا قارنا نسبة الجرائم في محافظات إرسال النازحين، فقد كانت عالية جدًّا، مقارنة مع نسبة الجرائم في الجنوب كما هي مبينة في الإحصاءات السنوية للأعوام من 2001- 2010م، وهو ما يؤكد بأن ارتفاع نسبة الجريمة في المحافظات الجنوبية ترجع لحركة النزوح المكثفة لأبناء المحافظات الشمالية، فمن حركة النزوح استطاع المجرمون والإرهابيون والمطلوبون أمنيًا وتجار المخدرات دخول عدن والمناطق الجنوبية الأخرى؛ ليمارسوا أعمالهم الإجرامية فيها وبدعم وإسناد من جهات دينية وسياسية مناهضة لمشروع الجنوب التحرري. 

2- انتشار الإتجار بالمخدرات والحشيش:

تعد ظاهرة انتشار المخدات والترويج لها من أخطر الجرائم على المجتمع لكونها المنطلق الرئيس للانحراف، ولقد أصبحت تلك الظاهرة مرافقة للقتل والعنف والإرهاب وجميع الجرائم الأخرى، فقد أصبحت تلك الظاهرة تهدد المجتمع الجنوبي لأسباب عديدة، نذكر منها الآتي:

  • لقد أصبحت عدن والجنوب ملجأ للمجرمين والمهربين، سواء أكانوا من المناطق الشمالية أم القرن الإفريقي، فتلك العناصر المشبوهة والعصابات الإجرامية التي وجدت في المناطق المحررة بيئة خصبة وآمنة للترويج وممارسة مشاريعهم التدميرية.
  • استغلال الضعف الأمني لاسيما في مناطق الساحل، فبعد أن سقطت مدينة المخا، التي تعدُّ الوكر الرئيس في تهريب المخدرات تحولت تلك العصابات إلى مناطق جنوبية يمارسون أنشطتهم الإجرامية فيها.
  • حركة النزوح إلى الجنوب شكلت جسر عبور لتلك العناصر الإجرامية بحيث أصبحوا في مأمن من وجه العدالة، بل إن هناك قوى أمنية وسياسية توفر لهم الحماية، وهذا ما لامسناه من معظم القيادات الأمنية في النقاط الأمنية.
  • غياب القانون الرادع لتجار المخدرات كان سببًا رئيسًا في شيوع تلك الظاهرة، ومن الملاحظ أن هناك عددًا كبيرًا من مروجي المحذرات والمتاجرين بها في قبضة الأمن، إلا أن المحاكم والنيابات لم تبتّ بها إلى الآن.
  • ضعف آليات الرقابة والتنظيم: عدم وجود آليات فعالة للتحكم في تدفقات النزوح وتنظيمها يجعل من الصعب مواجهة هذه التحديات. بدون تنظيم دقيق، سيستمر النزوح في التأثير على مختلف جوانب الحياة في حضرموت والجنوب، مما يستدعي تدخلات استراتيجية لتنظيم عملية النزوح وتقليل آثاره السلبية.

     ومن هنا ندعو كل الحريصين على مستقبل شبابنا والمدافعين عن عدالة قضيتنا أن يقفوا صفًّا واحدًا في مكافحة المخدرات؛ لكونها السلاح الفتاك التي يستغلها العدو بعد أن يأس من الانتصار على إرادة شعب الجنوب الصلبة، فالمخدرات خطر يدمر الإنسان.

رابعا: المخاطر الاجتماعية

تتمثل أبرز المشكلات الاجتماعية التي تتجلى من حركة النزوح السكاني لأبناء الشمال إلى الجنوب فيما يأتي:

  1. البطالة وتدني فرص العمل:

تعد ظاهرة البطالة من أبرز المظاهر التي تجلت في المحافظات الجنوبية، وهي نتيجة سببتها حرب 94 حيث سرحت تلك القوى المنتصرة الآلاف من الموظفين الجنوبيين، سواء أكانت وظائف مدنية أم عسكرية، فأصبح معظم أبناء الجنوب في البيوت وتم استجلاب قوى عاملة من المحافظات الشمالية وفي جميع المجالات، وأصبحت سوق العمل المحلية بأيدي تلك القوى نتيجة لسيطرة قوى النفوذ على معظم مجالات الاستثمار واعتمادها بشكل رئيس على قوة العمل الشمالية، وأصبح الآلاف من الجنوبيين يبحثون عن أدنى فرص العمل في السوق المحلية إلا أن الحصول على تلك الفرص كان أمرًا ذا صعوبة كبيرة لكل من يحاول البحث للحصول على فرصة عمل، ونتيجة لذلك أصبح السواد الأعظم من أبناء الجنوب يعانون الفقر والجوع والحرمان؛ فالدولة لم توفر لهم الأعمال المناسبة، وليس لهم قدرة في منافسة تلك القوى العاملة الوافدة من المناطق الشمالية.

     ومن تتبعنا لظاهرة البطالة في المحافظات المستهدفة (عدن لحج أبين) تبين أن هناك نسبة كبيرة من الشباب عاطلين من العمل، وهم يحملون الشهادات الجامعية ومقيدون في الخدمة المدنية منذ سنوات عديدة؛ إذ بلغ عدد الشباب الجامعيين المقيدين في الخدمة المدنية في تلك المحافظات في المدة من 2011 إلى 2016م نحو (73000) مقيد، وتلك الكثافة تعد من أبرز المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الشباب.

جدول رقم (13) يوضح عدد الجامعيين من محافظات عدن لحج أبين والمقيدين في الخدمة المدنية

المحافظةالعدد
عدن26000
لحج 31000
أبين16000
المجموع73000

     إن الناظر في تلك الأعداد العاطلة من العمل يدرك مدى المأساة التي حلت على هذا الشعب العظيم وأمام تلك الجموع القادمة من المناطق الشمالية، التي تتدفق كل يوم؛ بغرض النزوح وطلب الهجرة والاستثمار على حساب أبناء عدن وأبين ولحج خاصة والجنوب عامة.

    مما سبق نستنتج أن ظاهرة البطالة في الجنوب، قد تسبب لنا في المستقبل القريب كوارث مجتمعية كالعنف والتطرف والإرهاب والانخراط في الأعمال غير الأخلاقية التي يجدون فيها متنفسًا للهروب من واقعهم المعيشي المتدهور.

     أصبحت ظاهرة التسول وعمالة الأطفال من أبرز الظواهر في المجتمع، وعندما زادت حركة النزوح إلى المحافظات الجنوبية تجلت تلك الظاهرة بوضوح وأصبحت في كل مكان في الجولات والمساجد والحافلات والطرقات والمستشفيات وأماكن البريد والمصارف والبنوك، ولا يخلو مكان تتجمع فيه الناس إلا والمتسولين من كلا الجنسين موجودين هناك، وتلك الظاهرة أصبحت سلوك وثقافة يومية ينتهجها المتسولون. 

من خلال حركة النزوح تتجلى مشكلة اجتماعية لدى النازح والمضيف وتتمثل في عدم التكيف مع المجتمع لعدة أبعاد سياسية واقتصادية وفكرية وعقائدية ولاسيما أن الحرب خلفت في النفوس أزمات كثيرة، مسببة العجز عن تحقيق التكيف الذاتي حيث إنه يجعل الفرد في صراعات نفسية مستمرة، لذا نجد مثل هذا الفرد العاجز عن التكيف الذاتي عُرضة للتعب الجسمي والنفسي لأقل جهد يبذله ونافذًا للصبر سريع الغضب، مما يؤدي إلى سوء علاقته الاجتماعية بالآخرين أي إلى سوء تكيفه الاجتماعي، وهذا يوضح العلاقة المتبادلة بين التكيف الذاتي والتكيف الاجتماعي، ويوضح أيضًا أن المقصود من التكيف الذاتي هو خلو الفرد من الصراعات الداخلية بين أفراد المجتمع لاسيما مع تلك العناصر المشبوهة التي لديها أجندة سياسية وعسكرية تعمل ضد أفراد المجتمع الأصليين[17].

تتطلب هذه التحديات جهودًا متواصلة من القيادة السياسية والمجتمع المحلي لوضع ضوابط وقوانين واضحة تسهم في حماية الهوية الجنوبية والحفاظ على الاستقرار في المنطقة.

المبحث الرابع: الفرص الممكنة للحد من ظاهرة النزوح

للحد من ظاهرة التغيير الديموغرافي في الجنوب، هناك مجموعة من الفرص والإجراءات التي يمكن الاستفادة منها:

أولا: وضع سياسات صارمة للهجرة الداخلية

  • وضع قوانين وإجراءات صارمة لتنظيم حركة النازحين من الشمال إلى الجنوب، بما في ذلك تحديد فترات إقامة مؤقتة في المناطق الجنوبية.
  • إلزام النازحين بتسجيل بياناتهم في قواعد بيانات خاصة، مما يسهل متابعتهم وإدارة أوضاعهم.
  • فرض رقابة على شهادات الميلاد والبطاقات الشخصية التي تُصدر في الجنوب لضمان صحتها ومصداقيتها.

ثانيا: إنشاء بطاقات خاصة بالنازحين

  • إصدار بطاقات تعريفية خاصة بالنازحين، تُحدد فيها معلومات عن مكان الميلاد والإقامة الأصلية، بحيث لا يُعدُّ النازح مواطنًا جنوبيًا كاملًا إلا بعد استيفاء شروط معينة.
  • توثيق بيانات النازحين بشكل دقيق وتقديم خدمات محددة لهم دون منحهم الحقوق الكاملة نفسها الممنوحة لأبناء الجنوب، خاصة فيما يتعلق بالتصويت والحقوق السياسية.

ثالثا: الاستثمار في الهوية والثقافة الجنوبية

  • تعزيز الهوية الثقافية الجنوبية من خلال برامج التوعية والتثقيف في المدارس ووسائل الإعلام، وتشجيع المبادرات الثقافية التي تعزز من قيم الجنوب العربي وتقاليده.
  • تنظيم فعاليات ثقافية وفنية تُبرز التراث الجنوبي وتسلط الضوء على خصوصية المجتمع الجنوبي.

رابعا: التعاون الإقليمي والدولي

  • التعاون مع المنظمات الدولية المختصة بشؤون النازحين لتنظيم وتنسيق تدفق النازحين إلى الجنوب، ووضع آليات رقابة مشتركة تضمن عدم استغلال ملف النزوح لأغراض سياسية.
  • البحث عن دعم دولي لتعزيز القدرات المحلية في إدارة ملف النزوح وتحديد الأسس والمعايير المناسبة لاستقبال النازحين.

خامسا: تعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص العمل

  • تقوية الاقتصاد الجنوبي من خلال توفير فرص عمل حقيقية لأبناء الجنوب، مما يقلل من اعتماد المجتمع على العمالة الخارجية، ويشجع على التوظيف المحلي.
  • تشجيع الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتعزيز الاقتصاد المحلي ودعم الاقتصاد الجنوبي، ما يقلل من الضغوط الاقتصادية الناتجة عن زيادة أعداد النازحين.

سادسا: تشديد الرقابة على بيع الأراضي والعقارات

  • وضع قوانين تمنع بيع الأراضي والعقارات لغير أبناء الجنوب إلا بتصاريح خاصة وإشراف الجهات الرسمية.
  • تشكيل لجان مختصة لمراقبة عمليات البيع والشراء في المناطق الجنوبية، خاصة في المدن الحساسة كالعاصمة عدن، لمنع استغلال الأراضي السكنية لأغراض التغيير الديموغرافي.

سابعا: إطلاق برامج توعية للمجتمع الجنوبي

  • توعية المجتمع الجنوبي حول أهمية الحفاظ على الهوية الجنوبية وتعريفهم بالمخاطر التي قد تنجم عن التغيير الديموغرافي.
  • إطلاق حملات إعلامية محلية تركز على تعزيز الانتماء للجنوب والتصدي لمحاولات تمييع الهوية.

ثامنا: إصلاحات في النظام التعليمي

  • تعديل المناهج التعليمية لتعكس الهوية والقيم الجنوبية، مما سيسهم في ترسيخ الهوية الوطنية الجنوبية في أذهان الأجيال القادمة.
  • إدراج موضوعات تتناول التاريخ والتراث الجنوبيين، وتعزيز الوعي الثقافي الوطني في المدارس والجامعات.

تاسعا: إطلاق استفتاءات محلية

  • تنظيم استفتاءات محلية لتعزيز القرارات التي تهم المجتمع الجنوبي وتحديد مصير بعض المناطق، مما يضمن مشاركة أبناء الجنوب فقط في هذه القرارات المهمة.
  • تقوية نظام التسجيل الانتخابي ليشمل من لديهم تاريخ طويل في الجنوب، واستبعاد أولئك الذين ليس لديهم جذور عميقة في المنطقة.

عاشرا: إعادة تقييم مشاريع الإغاثة والإعمار والتنمية

  • مراجعة مشاريع الإغاثة والإعمار والتنمية في المناطق الجنوبية لضمان أن تكون مُوجهة بشكل أساسي لخدمة المجتمع الجنوبي وليس النازحين.
  • توجيه الدعم الاقتصادي والبنية التحتية للمناطق التي تعاني من ضغوط سكانية كبيرة لضمان توفير حياة كريمة للمواطنين الجنوبيين دون تأثير مباشر من النزوح.

هذه الإجراءات قد تسهم في الحد من ظاهرة التغيير الديموغرافي وحماية الهوية الجنوبية، فضلًا عن تقوية البنية الاجتماعية والاقتصادية للجنوب في مواجهة هذه التحديات.

النتائج والتوصيات

أولا: النتائج

  1. ظاهرة نزوح أبناء محافظات اليمن(الشمال) إلى محافظات الجنوب العربي، لم تعد تلك الظاهرة وليدة اللحظة وإنما لها جذور عميقة تتجلى بوضوح منذ مرحلة ما قبل استقلال الجنوب من الاستعمار البريطاني، مرورًا بإعلان دولته الفتية بحدود 67م، وحتى يومنا هذا، وقد اختلفت تبعًا لغرضها وأهدافها.
    1. ظاهرة النزوح من المحافظات الشمالية إلى المحافظات الجنوبية، يترتب عليها كثير من المشكلات الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية، وهذا الأمر أدى إلى تدني الأوضاع وتدهورها في المحافظات الجنوبية.
    1. حركة النشاط التجاري والاستثماري والتملك العقاري في محافظات (عدن، ولحج، وأبين)، يسيطر عليها أبناء اليمن(الشمال) بنسبة تفوق (70%)؛ مما جعلهم يتحكمون في مفاصل الحركة التجارية لاسيما توفير الخدمات الرئيسة للشعب.
    1. ارتفاع نسبة الجريمة في المحافظات الجنوبية ترجع لحركة النزوح المكثفة لأبناء المحافظات الشمالية، فمن حركة النزوح، استطاع المجرمون والإرهابيون والمطلوبون أمنيًا وتجار المخدرات دخول عدن والمناطق الجنوبية الأخرى؛ ليمارسوا أعمالهم الإجرامية فيها وبدعم وإسناد من وجهات دينية وسياسية مناهضة لمشروع الجنوب التحرري.
    1. الأهداف السياسية التي يحملها النازحون تتعارض بشكل كبير مع الأهداف السياسية التي يحملها المضيفون لهم(الجنوبيون)، وبناءً على ذلك نتوقع أن لهذا التباين السياسي أثرًا كبيرًا في الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية في الجنوب مستقبلًا؛ إذ إن هذا التباين قد يعزز من الانقسامات السياسية داخل الجنوب؛ حيث يمكن لبعض القوى المناوئة لمشروع استعادة الدولة أن يستغلوا فرصة وجود هؤلاء النازحين لتعزيز مواقفهم السياسية في الجنوب.
    1. لظاهرة النزوح إلى الجنوب تحديات مخاطر سياسية، تستهدف طمس الهوية الجنوبية وتحديات ومخاطر أمنية، تشكل خطرًا على الأمن القومي الجنوبي، وتحديات ومخاطر فكرية أيدلوجية تستهدف الشباب الجنوبي.[18]
    1.  رغم كل الإجراءات التي قام بها نظام صنعاء المتعاقب خلال (70) عاما وهو يعمل على طمس هوية الجنوب بمشروع اليمننة إلا أن معظم محاولاتهم باءت بالفشل.
    1. إن ما يجري على الأرض الجنوب العربية حاليًا من هجرة ونزوح منظم هو أمرٌ ينذر بالعواقب الوخيمة كما يؤدي إلى نتائج يصعب توقعها.
    1. إن حالة الاستهداف التي يتعرض لها الوطن والأرض والإنسان في الجنوب العربي تبدو غير مسبوقة في تاريخنا الحديث وتشير بوضوح إلى وجود تحالفات شريرة تسعى إلى تقويض دعائم هذا الشعب وهدم أعمدته وهويته.،
    1.   إن مسألة عدم إيجاد حل جذري وناجع لقضية شعب الجنوب أسهمت في خلق حدود ديموغرافية جديدة في الجنوب من خلال قتل وتهجير ونزوح مئات الالاف من اليمنيين إلى الجنوب. 
    1. إن القوى اليمنية كلها يلجؤون إلى ما يمكن تسميته إذا لم تستطع أن تحتل الأرض غير السكان، تقوم على نهج يعتمد التغيير الديمغرافي، ويُفرض من خلال شن حرب شاملة، بالتزامن مع الحصار والتجويع والقصف والترهيب، وبعد إنهاك المناطق المستهدفة يجري احتلالها.
    1. العليمي في أحد خطاباته قال:(إن الوطن ليس لمن يسكن فيه، لمن يحمل جواز سفره أو جنسيته، وليس الوطن لمن يدافع عنه) في إشارة واضحة إلى عزمه توطين وتجنيس أبناء العربية اليمنية في الجنوب.
    1. تجلت ظاهرة النزوح من المحافظات الشمالية إلى العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى بشكل كبير لاسيما في السنوات الثلاث المنصرمة، ومعظم النزوح يهدف إلى تحقيق أغراض سياسية وعسكرية تهدد الهوية الوطنية الجنوبية.
    1. تشير الدراسة إلى أن هناك أطراف تسعى إلى إعادة توطين الشماليين في الجنوب وخاصة بعدما غادر غالبيتهم عدن والمحافظات المجاورة لها منذ حرب 2015م. وأظهرت استطلاعات الرأي أن أعداد الشماليين المتواجدين في المحافظات الجنوبية يفوق الأعداد التي كانت متواجدة قبل حرب 2015م لاسيما في عواصم المحافظات الجنوبية.

ثانيا: التوصيات:

ويشار هنا إلى أن الإجراءات التالية من شأنها تجنيب المدنيين عواقب النزوح والحد من تبعياته:

  1. صد سياسة الاستيطان اليمني في مدن الجنوب.
  2. المطالبة بإدراج عودة اللاجئين والنازحين الطوعية لأماكن إقامتهم الأصلية في جميع الاتفاقات والتسويات السياسية المحلية وعلى المستوى الوطني تحت مراقبة ومسؤولية الأمم المتحدة.
  3. فضح السياسة اليمنية الهادفة إلى التغيير الديمغرافي وسياسة الإخلال من خلال وسائل الإعلام والأبحاث والدراسات التي تهدف إلى التوعية بخطورة هذا النهج.
  4. إبقاء النازحين قسريا في مخيمات خارج الحدود الجنوبية وذلك للحد من اندماجهم في المجتمع وإحداث تغيير ديموغرافي في النسيج الجنوبي ومراقبتهم والحد من خطرهم، وكذلك إبقائهم تحت الرقابة والحد من حرية تنقلهم بين المناطق الحساسة. وتقليص أعداد النازحين المتواجدين ومراقبة عودتهم إلى محافظاتهم لكون معظم مناطق الإرسال لا توجد فيها صراعات مسلحة بل هي أكثر أمنا واستقرارا من عدن، ولا يوجد ما يمنعهم من العودة إليها، وموجات السفر الكثيفة خلال الأعياد الدينية لأولئك النازحين إلى مناطقهم لقضاء إجازة العيدين خير شاهد على ذلك، ويجب أن يرافق ذلك العمل على التجفيف من العمالة المشبوهة التي تشغل مهام إدارية حساسة وتستغلها لتسهيل عملية النزوح.
  5.  تكثيف العمل الأمني والاستخباراتي في كافة المرافق الحكومية والدوائر التي يشغلها أبناء الجمهورية العربية اليمنية، وكذا الفنادق ومحطات النقل المختلفة مع القيام بحملات أمنية تفتيش للمدن المشبوهة التي تأوي عناصر مجهولة الهوية وترتكب أعمال إجرامية وكشف الشبكات الاستخبارية وغيرها من شبكات الدعارة والإتجار بالمخدرات.
  6.  إيقاف أي بناء أو شراء للأراضي أو البيوت أو تأجيرها أو أي مشاريع لتلك الأفراد والمجموعات القادمة من الشمال لكونها مصدر قلق حقيقي للجنوب. وقف حالات النقل الوظيفي الإداري وحصر المنقولين ومنعهم من مزاولة العمل تمهيدا لترحيلهم لأنهم كادر غير مؤتمن على الجيل الجنوبي القادم وإعاقتهم من تنفيذ أي مخططات مستقبلية أخرى سواء كانت إرهابية أو اجتماعية.
  7. السرعة في إجراء إحصاء سكاني أولي للعاصمة عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى لما له من أهمية في مقاومة التوطين والتغير الديمغرافي الذي تسعى له قوى صنعاء الإجرامية والقيام برصد كافة النازحين والمهاجرين من أبناء الشمال المتواجدين داخل الأراضي الجنوبية ومعرفة كافة المعلومات عنهم ووظائفهم ومراقبة أنشطتهم السياسية والتجارية.

[1]– ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف، القاهرة،1955، ص3333.

[2]– خفاجي، تعريف-النزوح-واللجوء-والهجرة، صحيفة دنيا الوطن، 2015.

[3] وليم نجيب جورج نضار. مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي، مركز دراسات الوحدة العربية  الطبعة, الأولى. 2009.ص34-36.

[4] عمر عبد السلام . الأمم المتحدة والتهجير القسري و الإبادة الجماعية  ,القاهرة, 2011.ص63-64.

[5] – بن فريد، محسن محمد أبو بكر، القضية الجنوبية: جذورها ومضمونها.. اليمن إلى أين، مجلة آراء حول الخليج، العدد(122)، أغسطس2017م، ص74- 75.

[6] – سالم، صلاح، ظاهرة الهجرة إلى عدن الدوافع والآثار، رسالة ماجستير غير منشورة جامعة عدن، 2001م.

[7]   سامي عطا، الجنوب اليمني المحتل: قراءة في مسالة الهوية الوطنية، مجلة مقاربات سياسية مركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني، 2018م.

4 – صلاح، ظاهرة الهجرة إلى عدن الدوافع والآثار، رسالة ماجستير جامعة عدن غير منشورة.

[9] – الأرضي، ظاهرة الهجرة إلى عدن الدوافع والآثار، رسالة ماجستير جامعة عدن.

[10] –  سامي عطا (2018) الجنوب اليمني المحتل: قراءة في مسالة الهوية الوطنية، مجلة مقاربات سياسية مركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني.

 صلاح (2001) ظاهرة الهجرة إلى عدن الدوافع والآثار، رسالة ماجستير جامعة عدن غير منشورة.[11]

1- نلاحظ أن هناك مخاطر وتحديات كبيرة تتمثل في التغير الديمغرافي في المحافظات الجنوبية ولاسيما عواصم المحافظات وتلك الخطورة تكمن في الآتي:

 أولا:-  في حالة حصل الجنوب على استحقاق سياسي قادم متمثل في الاستفتاء هل يضمن قيادات الجنوب تحقيق الاستفتاء للجنوب بنسبة عالية.؟ يبدو أن الإجابة على هذا السؤال غير مطمئنة لكون حركة النزوح والتوطين والاستيطان توحي لنا غير ذلك فلو كان عدد سكان الجنوب مثلا ( 5مليون) نسمة يعني أن الذين سوف يخضعون لعملية التصويت لا يتجاوزن (2 مليون ناخب) فماذا لو كان عدد المستوطنين من أبناء العربية اليمنية يفوق ذلك العدد، وهذا ما توحي به الدراسة فأن التقديرات الأولية تفيد أن النازحين والمستوطنين والقوى العاملة في المحافظات الجنوبية يمثلون نسبة كبيرة جدا ومعظمهم من الفئات العمرية مابين25- 45 سنة .

ثانيا-  في حالة قيام مواجهات مسلحة ضد الجنوب من القوى المتربصة سواء أكانت تلك القوى في مأرب أو صنعاء أم من أذرعتها في الجنوب أين سيكون هؤلاء المستوطنين؟ وهل سيشكلون خطرًا قادمًا على أمن الجنوب. 

[13]–  يسعى حزب الإصلاح إلى تمكين عناصره من المناصب الحساسة في الوزارات فهم يشغلون مناصب وزراء ونواب وزراء ووكلاء ولديهم عناصر أخرى تشغل مناصب صغيرة في عدة وزارات بحيث يشكلون لوبي أو دولة عميقة ينفذون من خلالها أجنداتهم الخاصة. الجدير بالذكر أن مكتب التربية والتعليم في عدن يسيطر عليه حزب الإصلاح بحوالي 70% على الأقل سواء عبر العناصر العدنية ذات الأصول اليمنية(الشمالية) أو العناصر التي يتم استقدامها من اليمن (الشمال).

[14] www.twitter.com/alyoum8th

[15] https://yemenfuture.net/news/14622

  7- وقد صنفت تلك الجرائم بحسب خطورتها كآلاتي: التفجيرات الإرهابية، والقتل، والمخدرات، والاغتصاب، واللواط، والدعارة، والاختطاف، والتقطع والنهب، والسرقة.

[17]

[18]

د. صبري عفيف

رئيس تحرير مجلة بريم الصادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى