
“الزيارة حملت رسالة مباشرة من طهران إلى واشنطن، مفادها أن الرياض ليست جزءًا من استراتيجية “الضغط الأقصى” الإجراءات الاقتصادية القسرية ضد إيران في عام 2019م، ولا مع أي مغامرة عسكرية ضد إيران”
المقدمة:
لقد شكلت زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى طهران يوم الخميس (17 أبريل 2025م) محطة مهمة في نشاط الحياة السياسية في المنطقة وما تشهده من توترات وحروب متعددة، وتهديدات دولية في ظل هذا الوضع الإقليمي القائم، على خلفية تطورات الملف النووي الإيراني، وتأتي أهمية الزيارة من هذا الوضع الراهن الساخن في المنطقة مع ما تشهده العلاقات بين البلدين(إيران والسعودية) من محاولات إعادة إصلاحها بعدما اعترها من فترات ركود واتهامات متبادلة وحروب غير مباشرة من كلا الجانبين النقيضين، فإيران ذات الأغلبية الشيعية والسعودية ذات الأغلبية السنية، خصمان قديمان يتنافسان على الهيمنة الإقليمية وقيادة الإسلام، الأمر الذي يغذي توترات طائفية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لقد كان البلدان على طرفين نقيضين في عدة حروب إقليمية، وسعى بعضهما ضد بعض بقصد الإيذاء بالآخر وإضعاف أهميته ووجوده في المنطقة..
وتأتي أهمية هذه الزيارة فضلًا عن ذلك كونها من وزير دفاع أهم دولة في منطقة الخليج، وهو المقرب من ولي العهد(أخيه) وملك الدولة(والده)، وقد حظي باستقبال رسمي من قبل رئيس هيئة الأركان العامة اللواء محمد باقري، والتقى بأرفع القادة المسؤولين في إيران، إذ التقي بالرئيس الإيراني مسعود بزشيكان، ورئيس الأركان اللواء محمد باقر، الذي كان في مقدمة مستقبليه في مطار طهران. فضلًا عن لقائه بالمرشد الأعلى في الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي سلمه رسالة خطية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ويُعدّ لقاء الإمام الخامنئي بحد ذاته امتيازًا، إذ يقتصر في لقائته على أهم الشخصيات السياسية ذات المناصب في الدول، وهذه القاعدة لا يُستثنى منها إلّا قادة فصائل وحركات المقاومة في المنطقة. فالإمام الخامنئي، يمثّل تجسيدًا للثورة الإسلامية ولقيادة محور المقاومة في المنطقة، كما ترى إيران، وقد عدَّ مراقبون هذه الزيارة الرسمية تحولًا نوعيًا في العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعدَّها بعضهم لحظة مفصلية في تطور العلاقات بين الرياض وطهران، إذا ما أحسن توظيفها لحل كثير من الأوضاع الشائكة في المنطقة، وتأتي هذه الزيارة تتويجًا لمسار طويل من الجهود الدبلوماسية، بدأ منذ توقيع اتفاق بكين في 10 مارس 2023م، الذي أعاد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة استمرت لأكثر من سبع سنوات وخلافات تاريخية وإيدلوجية كثيرة بين البلدين، وعلى رغم من أن الإعلان عن تلك المصالحة السعودية _ الإيرانية، التي رعاها الوسيط الصيني الكتوم، مع أهميته قد جاء حينها البيان مقتضبًا في نحو 700 كلمة، فانجرف المراقبون الغربيون لشؤون المنطقة، لاسيما الأميركيين، إلى التقليل من أهمية الاتفاق والتشكيك في إمكان صموده، إلا أن البلدين، ومنذ مصافحة بكين، يعيدان بخطوات ثابتة، وإن شابها الحذر، مسارات التعاون المختلفة، دبلوماسيًا عبر لقاءات وزيري الخارجية المتعددة، واقتصاديًا عبر استكشاف فرص التعاون، وأخيرًا عسكريًا بعد هذه الزيارة، وقد رحَّبت دول الخليج العربي بالاتفاق، كما رحَّبت دولًا عربية أخرى بالاتفاق كالعراق ومصر ولبنان وسوريا وتونس والجزائر والسودان والأردن، فضلًا عن تركيا، ولم يمتعض من هذا الاتفاق في الشرق الأوسط غير إسرائيل وعبرت في أول رد فعل رسمي لها أن الاتفاق بين الطرفين سوف يؤثر على تطبيق العلاقات بين السعودية وإسرائيل، بحسب تعبيره.
وبشكل عام تشهد العلاقات بين السعودية وإيران تقدمًا ملحوظًا، وزيارات ومباحثات على فترات، وقد جاء في أثناء هذه الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع السعودي إلى طهران تصريحات متبادلة من الجانبين حملت في دلالاتها خطوط عامة من الشركات المستقبلية بينهما، والتأكيد على أهمية التفاهم والتعاون المشترك في كل ما يهمُّ البلدين، وحظيت هذه الزيارة بتغطية إعلامية واسعة وتقارير وتحليلات مواقع وقنوات إخبارية عدة، ومن هنا تأتي أهمية الدراسة لهذا الموضوع، وفق المنهج التحليلي الاستقرائي في أربعة محاور على النحو الآتي:
المحور الأول: الوضع الإقليمي والدولي الذي جاءت الزيارة في ظله
تسعى إسرائيل بكل قوتها وثقلها إلى أن تزيح إيران من أمامها بوساطة الدول الراعية لها أميركا وحلفائها الذين يهمهم أمر استقرار إسرائيل وطمأنتها من كل محاذير أو مخاطر تحدق بها، وقد جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي مؤخرًا وتهديداته لإيران _ بتوجيه ضربات لم يشاهدوا لها مثيل حتى الآن إذا لم يخضعوا للمحاورات المباشرة مع أمريكا بشأن البرنامج النووي الإيراني _ في صالح توجه إسرائيل واستراتيجيتها مع إيران، وإذا تحقق لها ذلك سيكون بمثابة إزاحة الكابوس الأكبر من أمامها بعد إزاحة كابوس جيش الشام في سوريا من أمامها مؤخرًا، بسيطرة الجهادين الذين سعوا إلى تدمير ذلك الجيش ومقدراته وتركوه وآلياته مكشوفًا أمام إسرائيل التي سارعت إلى التدمير لكل ما يشكل خطرًا عليها من ذلك الجيش وترسانته العسكرية، وقبله تم إزاحة جيش العراق، وإذا تحقق لها إزاحة هذا الكابوس فلم يبق أمامها بعد ذلك إلا دول منقادة لحلفائها ورعاتها الرسميين، الذين يعتمدون عليهم في رسم سياساتهم في مختلف أوجه الحياة فضلًا عن حمايتهم من كل خطر يهددهم، وحينها ستكون دول المنطقة أوهن من أن تستطيع مقاومة إسرائيل، ولن تستطيع تلك الدول حماية ذاتها أو فرض وجودها أو شروطها أمام إسرائيل إلا ما ستستجديه من تلك الدول الراعية والمتحالفة مع إسرائيل؛ ولهذا بدأت بعض الدول في التفكير بمحاولة الخروج من عنق هذه الزجاجة، الذي ترى نفسها محشورة فيه، في ظل تنامي مراكز قوى عالمية جديدة كالصين وروسيا؛ لتصل إلى استقلاليتها في قرارها ورسم سياستها وفق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وتأتي زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران وفق هذا التوجه، وكذلك محاولة تشكيل حلفاء إقليميين بعيدًا عن القطب العالمي الواحد، لاسيما في ظل ذلك التنامي لمراكز قوى عالمية جديدة، كقطر وتركيا وتنامي دورهما وتعزيز حضورهما في المنطقة.
وتشكَّل إيران وإسرائيل قطبي تنافر إقليمي على السطح يجعل المنطقة على صفيخ ساخن، وكلاهما يطمع في الاستيلاء والاستحواذ على المناطق العربية، وبصفة عامة لم يفكر أحدهما في القضاء المباشر على الآخر، ولا يجتمعان في تحقيق الهدف بصورة مشتركة، وإن كان اتجاه هدفهما واحد إلا أن غايتيهما تختلفان، فكل واحد منهما يريد أن ينفرد بتحقيق ذلك الهدف لوحده بعيدًا عن الآخر، فعملت إيران على تغذيت دعوات إسلامية وجماعات وأحزاب في لبنان والبحرين وفلسطين وسوريا واليمن تسعى من خلالها بدرجة أساسية إلى بسط سيطرتها ونفوذها في البلاد العربية ومياهها الإقليمية، وتقف في الوقت نفسه ضد إسرائيل ومطامعها التوسعية في المنطقة، وهو ما شكل محور مقاومة وممانعة في وجه إسرائيل يمنع تقدمها ومد نفوذها التوسعية في الجغرافيا العربية، وقد كانت الدول العربية تنظر إلى هذه الجماعات والأحزاب على أنها أدوات إيرانية لمحاولة احتوائها ومد نفوذها بالدرجة الأول في المناطق العربية، إلا أنها حين تشاهدها أمام إسرائيل في مناوشات وحروب شبه دائمة، فهي (الدول العربية) وقفت موقف الحياد منها فلم تدعمها لتقوي شوكتها في محاربة إسرائيل، واقتصرت على الدعم في المجال الإنساني الذي دعم فيه العالم أجمع بغض النظر عن دياناتهم أو انتسابهم الجغرافي أو المخاطر التي ممكن أن تصلهم من تلك الحروب، ولم تعمل (الدول العربية) على محاولة اقتناص الفرصة للتضحية بها أو حتى القضاء عليها بصفتها أدوات إيرانية تشكل عليها خطرًا وقد سنحت الفرصة للتخلص منها؛ ولهذا تحاول أن تعمل بمرونة في وسط هذا الوضع الموبوء سلمًا وحربًا، إذ في الحرب تكون السجال بين إسرائيل وأدوات إيران، فتكون الأدوات أو الأذرع في خط الدفاع الأول عن المنطقة العربية والإسلامية، وهو ما يعني أنها بصالح الدول العربية، والخطر عليها سيكون من إسرائيل في حال زوال تلك المقاومة والممانعة، وفي السلم تكون تغذية ودعم إيراني لهذه الأذرع لمحاولة التوسع والتمدد باتجاه المنطقة العربية، وهو ما يشكل خطرًا وتهديدًا على الدول العربية والإسلامية، ولهذا تحرص إسرائيل على محاولة إبعاد الدول العربية من أية تقاربات أو تفاهمات مع تلك الأذرع وراعيها إيران، حتى تنفرد بهم دون وقوف الدول العربية في موقف المساند أو المدافع عنهم، فتسعى إلى التطبيع ومد العلاقات لاسيما مع الدول الخليجية التي ترى بأنها المحور الذي ما زال متماسكًا مقارنة بالدول العربية الأخرى التي أصبحت كل دولة مشغولة ومنهمكة في قضاياها وخلافاتها الداخلية وحروبها الأهلية ومع بعضها بعض، وهي بهذا تعمل على إبعاد أي تقارب أو تفاهم بين تلك الدول وإيران، حتى لا يتشكل أمامها سورًا منيعًا يصعب تجاوزه أو يستحيل، فإن كانت تلك الأذرع كحماس وحدها في غزة بفلسطين وحزب الله في جنوب لبنان قد شكلا سورًا منيعًا أمامها لم تستطع أن تزيحهما من أمامها تمامًا رغم الضربات القوية العنيفة التي وجهت لإحراق الأرض(غزة) ومسحها من تحت أقدم مقاومة حماس، وإبادة الصفوف الأولى من قيادات حزب الله في جنوب لبنان، ومع طول أمد الحرب وما جرى من تدمير وقتل إلا أنهما ما زال مستميتين، يقاومان، ويفاوضان ندًا بند مع إسرائيل.
وقد استغلت إسرائيل موضوع المفاوضات النووية الإيرانية مع أمريكا، وما وجهه ترامب من تهديدات علنية لإيران؛ لتضاعف من توجهها وتهديداتها الأمنية لدولة إيران، وفي حال تحقق ذلك يعني انتهى خط المقاومة والممانعة الأول عن الدول العربية والإسلامية؛ ولهذا تسعى هذه الدول لاسيما الخليجية منها إلى بناء تحالفات جديدة من ناحية لأي احتمالات مستقبلية في حال تم إزاحة إيران وأذرعها المقاومة لإسرائيل، وإعادة تموضع وتوازن القوى في المنطقة من خلال التقارب والتفاهم مع إيران حتى يستقيم هذا المحور، ويظل قائمًا كما هو، ولو بشكل مرحلي، من ناحية أخرى.
المحور الثاني: دوافع السعودية وراء التحرك نحو طهران
يمكن تتبع هذا من خلال الوضع الراهن بشكل عام بدأ بما أدَّى إلى الوصول إليه، وموقع المملكة العربية السعودية منه، ومن ثم زيارة وزير الدفاع السعودي مؤخرًا إلى طهران، وما نتج عنها من تصريحات وتحليلات تستجلي الدوافع والطموحات للمملكة العربية السعودية لاسيما من الجانب السعودي، مع الإشارة إلى تفعيل إعادة العلاقات مع إيران منذ 10 مارس 2023م بوساطة صينية، ويمكن تناول ذلك على النحو الآتي:
_ مراقبة المملكة العربية السعودية لتحركات إسرائيل وإيران ونشاطها في المنطقة
إن المملكة العربية السعودية تنظر إلى أن وصول إيران إلى أن تكون قوة إقليمية فاعلة سيشكل خطرًا على مستقبلها الجيوسياسي؛ لهذا سعت جاهدةً إلى فرض عقوبات دولية على إيران لعدم التزامها بمفاوضات البرنامج النووي المفروضة عليها من أمريكا فضلًا عن محاولة تقطيع أذرعها في المنطقة كدعم القضاء على العلويين في سوريا، والشيعة في البحرين، والحوثيين في اليمن، وترك حزب الله في لبنان، وحماس في غزة في مواجهة غير متعادلة القوى أمام إسرائيل، والتضحية بالشعوب العربية المسلمة التي تعيش معها في المكان نفسه ولا ذنب لها إلا أنها شكلت حاضنات لنمو تلك الجماعات في ظل ما تتعرض له من حروب وانتهاكات وخلو بلدانهم من أية مقاومات حقيقية أو حكومات أو اتحادات أو منظمات إقليمية ودولية تدافع عنهم، وتسعى (السعودية) من جهة أخرى إلى أن يكون لها حضور فاعل في المنطقة وتصبح دولة إقليمية قد تصير ندًا أمام أي خطر إقليمي يواجها أو يواجه المنطقة العربية برمتها، وحتى يكون لها ثقلها الإقليمي في المنطقة؛ لكن في ظل ذلك السعي ومع اقتراب تحقق الجهة الأولى وتأخر الثانية يتضح بأنها واقعة في خطر، وهو حين تنتهي كل تلك الأذرع التي تمثل محور مقاومة ضد إسرائيل، ويصل التدمير إلى العمق الاستراتيجي لها في إيران، وهو ما تتبناه إسرائيل بوساطة رعاتها أمريكا وحلفائها ودعمته في فترة من الفترات السعودية بنفسها بهدف الحد من البرنامج النووي وتحقيقًا لتوجهها في الوجهة الأولى، وإذا ما تحقق ذلك في المنطقة بحسب توجهات إسرائيل وتطلعاتها _ إزاحة إيران من المشهد _ الذي تتفق في جزء منه مع توجهات السعودية _ الحد من تطلعات إيران النووية ودعم الجماعات والأحزاب الشيعية في المنطقة العربية _ فإن ذلك سيتيح المجال لظهور قوة إقليمية فاعلة _ ذات نزعة احتلالية استيطانية _ أشد خطرًا على السعودية والمنطقة ككل، وهي دولة إسرائيل؛ لهذا جاءت زيارة وزير الدفاع السعودي إلى إيران؛ للحد من عدم الوصول إلى تلك النتيجة، والحفاظ على بقاء التوازن في المنطقة كما هو الوضع القائم، وإرسال رسالة مفادها لسنا في السير _ في ظل وضعنا القائم _ إلى نهاية المشوار في تدمير هذا المحور على حساب نشوء محور آخر أشد خطر علينا وعلى أمتنا الإسلامية ومعتقداتنا ومقدساتنا الدينة، فلن نحارب إيران وأدواتها لنسلم أرواحنا إلى إسرائيل، ومن هنا يبدو أن السعودية قد أدركت الخطر المحدق الذي تسير الأمور عليه في المنطقة؛ لهذا سارعت إلى محاولة إعادة التوازن وتغيير مواضع الاهتمام في المنطقة، من خلال مد جسور لبناء علاقات الثقة مع إيران بهذه الزيارة لوزير دفاعها إلى طهران؛ ليظل هذا المحور قائمًا، فالمصلحة الأولى في ظل أن تكون إسرائيل هي البديل أن تبقى إيران حاضرة في المشهد، ولا ضير في التنازلات المرحلية والحوارات لاسيما مع أذرعها التي شكلت خطرًا مباشرًا على السعودية، فعملت على محاربتها، إذ كانت الحرب مع تلك الأذرع حين كان ذلك المحور في وضع السبات لمحاولة منع التوسع والتعمق في الجزيرة العربية من قبل تلك القوى الشيعية المدعومة من إيران، أما وقد اشتعل ذلك المحور بين إسرائيل وأذرع إيران وأصبحت إسرائيل تهدد قيام إيران ووجودها في المنطقة فذلك ما ليس في صالح المنطقة العربية الإسلامية، وإن كانت مصلحتها في إزاحتهما جميعهما(إسرائيل وإيران) إلا أنه في حال إزاحة أحدهم على حساب الآخر، فهذا يعني توسع الخطر واقترابه من العرب المسلمين في معاقلهم في أعماق الجزيرة العربية، والمصلحة في هذه الحالة أن يظلا (إسرائيل وإيران) على وضعيهما وينشغلا بذاتهما بصورة غير مباشرة بانشغال إسرائيل في مواجهة الأجندات الإيرانية المحاطة بها التي تشكل صد مواجه أول ضد تقدم إسرائيل في المنطقة العربية؛ لهذا تعمل السعودية على محاولة إعادة التوازن، بعد استشعار الخطر بتوجه رعاة إسرائيل ضد إيران وإبعادا الدول الخليجية عن التقارب والتفاهم مع إيران، وسيكون ذلك التوازن من خلال فتح هذه العلاقات ودفع إيران إلى مفاوضات تجنبًا لحرب محتملة نتيجة تهديدات مصرح بها من قبل رئيس أمريكا، وسعي حثيث من قبل إسرائيل إلى أن يصل الوضع إلى تنفيذ تلك التهديدات، وهذا ما سيجنب المنطقة من أية أخطار تحدق بها في حال السير في توجه مبدأ الإزاحة إلى نهايته، وهي (السعودية) تعمل على بقاء الوضع قائمًا مستقرًا كما هو وإلا يؤدي إلى انزلاقات أكبر، وتسعى إلى ذلك سواء من خلال نسج هذه العلاقات التي يبدو أنها تشكل استقلالية في قرارهاوتعدد البدائل والشركاء الاستراتيجيين في العلاقات الدولية، أو من خلال لعب دور الوسيط الاستباقي لمفاوضات البرنامج النووي الإيراني مع أمريكا، فهي قد تكون وسيطًا أو مسابقًا إلى حجز موقع قبل مفاوضات يجب على السعودية أن يكون لها موقع فيها في الحالتين سلمًا وحربًا، ففي حالة السلم وإعادة ترتيب المنطقة وتشكيلها يجب أن تكون قد حجزت موقعها من خلال نسج هذه العلاقات، وفي الحرب يجب أن يكون لها دور في تجنيب المنطقة حرب يؤدي إلى إزاحة محور إيران، ومحاولة إبقاء التوازن القائم كما هو على أقل تقدير، فلا تهم الوسيلة ما دام الغاية واحدة، وهذا التفاعل رفيع المستوى يعكس رغبة حكام السعودية بإعطاء الأولوية في علاقاتهم الخارجية، للبراغماتية والمصلحة الوطنية والإقليمية، على ما سواها من علاقات؛ ولتحقيقها جاءت زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى طهران، محمّلًا برسالة خطية من العاهل السعودي، برفقة وفد رفيع المستوى يضم شخصيات دبلوماسية وعسكرية وفنية، ويلفت الانتباه في الوفد وجود السفير السعودي محمد آل جابر لدى اليمن، الذي هو حامل القلم في المعادلة اليمنية والمعني بشكل مباشر بإدارة الملف اليمني لدى الجانب السعودي، وقد سبق أن رافق هذا السفير وزير الدفاع خالد بن سلمان في زيارته السابقة في أواخر فبراير الماضي إلى واشنطن، وتعكس مشاركة هذا السفير الأهمية التي توليها الرياض للملف اليمني بوصفه عنصرًا محوريًا في علاقتها مع طهران وأمريكا، وتدل في الوقت نفسه على أن التحرك السعودي لم يكن شكليًا، بل جزء من مقاربة أكثر اتساعًا واستباقية لما ينبغي أن تصل إليه الأوضاع في المنطقة من خلال مجريات أحداثها، لاسيما مع تدخل أمريكا المباشر في الحرب باليمن بعد أن بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عمليات عسكرية ضد الحوثيين بهدف وقف هجماتهم المعطلة لحركة السفن في البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب، وتوعد ترامب بـ”إبادتهم” إذا لم يتوقفوا. وقد نفذت الجماعة الحوثية أكثر من 100 هجوم على سفن شحن منذ بدء الحرب في غزة، في 7 أكتوبر 2023، مشيرة إلى أن ذلك “تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة”، فأدَّى ذلك إلى تعطل حركة التجارة العالمية. وهو ما يدلُّ على أن المناقشات في هذه الزيارة شملت قضايا الأمن الإقليمي، ومن ذلك الوضع في اليمن وأهمية الاستقرار في الشرق الأوسط.
وفي خضم هذا الحراك السياسي والقتالي والتحركات العسكرية والتهديدات لإيران جاءت زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى طهران، وهي الزيارة الخارجية الثانية له هذا العام بعد سفره إلى واشنطن في فبراير الماضي، ما يشير إلى أهمية هذا التحرك، وأن هناك أمور مهمة في المنطقة تستدعي هذا الحراك لترتيبها وإعادة تموضعها والتجهيز لها؛ إذ قبل أسبوع بدأت المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الاتفاق النووي، وبعد أيام ستبدأ الجولة الثانية في مسقط، وهي المحادثات التي رحبت بها الرياض وعبرت عن أملها في أن تفضي إلى إنهاء جميع الخلافات الإقليمية والدولية.
وقد أوضح البيان السعودي الرسمي أن لقاءات وزير الدفاع “ستبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، ومناقشة القضايا والمواضيع ذات الاهتمام المشترك، ووفق تقرير أوردته وكالة الأنباء السعودية “واس”: “بتوجيه من القيادة، وصل صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع، والوفد المرافق له، الخميس، إلى العاصمة الإيرانية طهران في زيارة رسمية، غير محددة المدة”. وفيه أيضًا أن “وزير الدفاع السعودي سيعقد خلال الزيارة عددًا من اللقاءات لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، ومناقشة القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك”. وقال وزير الدفاع السعودي، إنه بتوجيهات من القيادة السعودية التقى خامنئي، وسَلَّمه رسالة خطية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ونقل إليه تحيات القيادة، وأضاف في منشور عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه ناقش مع المرشد القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك، واستعرضا العلاقات الثنائية بين البلدين. وتأتي هذه المحادثات مع المرشد الإيراني علي خامنئي وكبار المسؤولين في طهران وسط ظرف إقليمي جديد، كما سبق الإشارة، وهذه المحادثات تتناول جميع أوجه التعاون المشتركة التي قد تعيد ترتيب الأرضية المناسبة لمخرجات هذا الظرف، وهو ما يشير إلى أن الزيارة لا تقتصر على إحياء الصلات الدفاعية فحسب، بل قد تعطي دفعة لتعزيز الجوانب الأخرى من العلاقة الثنائية ومنها التعاون الاقتصادي الذي تقيده مسألة العقوبات الغربية المفروضة على طهران، وهو ما تطمح إليه السعودية في حال أن تكون نتائج المفاوضات النووية بين أمريكا وإيران إيجابية، فيجب أن تكون لها خطتها الاستراتيجية المكملة لتوجهها في رؤية 2030م على مستوى المنطقة ككل إذا ما استتب الأمن والاستقرار، وهو ما يحتم نسج علاقات الثقة والتبادل التجاري والاقتصادي مع كل الفاعلين والمؤثرين في المنطقة، وهكذا يبدو التأثير والتأثر بين الملفين (الأمني والاقتصادي)، فكل واحد يتأثر بالآخر ومكمل له، ويشكلان قطبي اهتمام الجانبين.
وبحسب قناة الإخبارية السعودية، فإن الوزير خالد بن سلمان، التقى رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، لبحث تطوير العلاقات الدفاعية، وتعزيز التعاون الإقليمي، فضلًا عن بحث سبل مكافحة الإرهاب، ما يعني أن الزيارة لبحث المجالات التي تهم المنطقة في جميع الاتجاهات، ولما كان الاضطراب الأمني والحروب القلاقل الموجودة في المنطقة كان لزامًا أن يعطى هذا الجانب الأولوية، وبمعالجتها ستفعل كل الطموحات المعلن عنها في هذه الزيارة.
وقد نقل وزير الدفاع السعودي خلال الزيارة إلى قادة إيران تحيات الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان(أبيه وأخيه)، مؤكدًا التزام السعودية بتعزيز العلاقات الثنائية، وقد أعرب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان عن سعادته الكبيرة بهذا اللقاء، قائلًا “قدِمتُ إلى طهران مكلَّفًا بتعزيز العلاقات مع إيران والتعاون في جميع المجالات، ونأمل أن تفضي المحادثات البنّاءة التي أُجريت إلى علاقات أقوى من الماضي بين السعودية وجمهورية إيران الإسلامية”. ويرى الجانب الإيراني أن هذا التصريح يؤكد من جديد، أن السلطات السعودية ترى أن إيران، على الرغم من سنوات العقوبات ومحاولات العزل والمواجهات بالوكالة، لا تزال ذات أهمية فحسب، بل لا غنى عنها لحسابات الاستقرار الإقليمي، فدورها ما زال قويًا مؤثرًا في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، فضلًا عن تأثيرها في غزة، وهو ما يعزز مكانتها كمحور مركزي في السياسة الإقليمية، لا بد أن يعتمد عليه في التفاهمات المشتركة لترتيب أوضاع المنطقة ككل، والتفاهمات معها مسألة ضرورة لا تفضيل.
وقد نشرت وسائل إعلام سعودية مقاطع فيديو لها، مشيرة إلى «حفاوة الاستقبال» الذي حظي به وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، لدى وصوله العاصمة طهران، ما يؤشر إلى اهتمامهم وتطلعاتهم بهذه الزيارة وما سيترتب عنها، وتمنياتهم بأن تكون مثمرة وإيجابية.
_ رؤية الشأن الداخلي السعودي لهذا الزيارة دوافعًا وتطلعاتٍ
هنا سنتتبع رؤية الشأن الداخلي في المملكة العربية السعودية لهذه الزيارة، من خلال رصد ما قاله المحللون والكتاب السعوديون تعليقًا على هذه الزيارة، ونجد بهذا الاتجاه د. خالد باطرفي المحلل السياسي السعودي والمحاضر في جامعة الفصيل في الرياض الذي يرى أن زيارة الأمير خالد بن سلمان ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمفاوضات النووي بين واشنطن وطهران، ويتوقع أن تلعب الرياض دورًا إيجابيًا لتقريب وجهات النظر في القضايا الخلافية بين الجانبين، حتى تتهيأ الأرضية لنجاح تلك المفاوضات في مدة وجيزة، ويرى أن إيران بهذه الخطوة ستستشعر بأهمية وقوف الآخرين إلى جانبها وبأنها ليست هدفًا يسعى الجميع إلى القضاء عليه، وقال “تسعى السعودية لضمان أن يخفف أي اتفاق جديد أخطار الانتشار النووي ويقلل التوترات الإقليمية، فهذه المحادثات السعودية – الإيرانية جزء من دبلوماسية الرياض الاستباقية لتشكيل نتيجة مفاوضات عُمان بصورة غير مباشرة بما يتماشى مع استراتيجيتها الأوسع لعدم الانحياز”.
ويرى الشأن الداخلي السعودي أهمية هذه الزيارة في مجال التعاون الاقتصادي بين البلدين، ويستلزم نجاح ذلك ترتيب الوضع الأمني وتعزيز الاستقرار في المنطقة، إذ تملك السعودية وإيران تاريخًا إيجابيًا في ملف التعاون الاقتصادي والنفطي بخاصة، فمنذ تأسيس “أوبك” عام 1960م تعاونا بوصفهما عضوين في المنظمة في وضع معايير إنتاجية للنفط يعود نفعها على كلا الجانبين، فسعيا إلى الحد من الإفراط في الإنتاج والمحافظة على ثبات أسعار النفط في مستوى مقبول لهما، ورغم حدوث خلافات في شأن الإنتاج لكنها حُلت في إطار “أوبك”، وكان من ثمار ذلك التعاون ارتفاع سعر النفط عام 2001 إلى 25 دولارًا للبرميل، بعدما كان لا يتجاوز 13 دولارًا قبل ذلك، إلا أن ذلك التعاون لم يعمم في جميع المجالات الاقتصادية، وتنتهج الدول بشكل عام سلوكًا حذرًا في التعامل مع إيران بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها، فضلًا عن عدم الاستقرار فيها الذي يؤدي إلى عدم جذب المستثمرين، وهو ما أدى إلى وضع اقتصادي هش في إيران، ومع ذلك يرى د. خالد باطرفي أن بناء الجسور عبر العلاقات التجارية والتنموية مع إيران ممكن في حال أولت الأمن والاستقرار وبرنامجها النووي أهمية مقبولة دوليًا، فهي بحاجة إلى الخبرات السعودية في مجال الطاقة والنفط، و”شركة أرامكو” يمكن أن تطور مشاريع إيران النفطية بأقل التكاليف، لكن ذلك يتطلب تجاوز الخلافات في ما يخص البرنامج النووي وبرنامجها لصناعة الصواريخ الباليستية. وسيتطلب ذلك أيضًا خفض نشاطاتها المقوضة للأمن في المنطقة، وليس في شأنها الداخلي فحسب؛ ولذلك يرى باطرفي أن تأمين الملاحة البحرية ومواجهة القرصنة من أهداف الاتفاق الأمني بين البلدين، إلا أنه تعرض لهزات وتحديات منذ إبرامه، مشيرًا إلى أن المناطق البحرية من الخليج العربي وبحر عُمان ومضيق هرمز، وصولًا إلى باب المندب والبحر الأحمر، تحولت إلى “بؤر للصراعات تهدد الجميع”، وإيران بوصفها دولة منتجة ومصدرة للنفط ولها علاقات تجارية مع العالم تتأثر أيضًا بهذه التهديدات البحرية، وأضاف “طهران كانت في مرحلة سابقة تتبنى منطق إذا كانت مصالحي ستتعطل بسبب العقوبات فلم لا أعطل مصالح الآخرين، لكن تهديد السفن التجارية أدى إلى ارتفاع تكاليف التأمين مما انعكس سلبًا على جميع الدول، وزاد الحاجة إلى تنسيق الجهود.
ولاشك أن مرافقة السفير السعودي في اليمن لوزير الدفاع إلى إيران، وقبلها إلى أمريكا، تبين اهتمام السعودية بهذا الملف وقلقها منه، وسعيها الحثيث إلى حله، إذ على رغم أن الحوثيون _ أبرز من يتزعم هذه البؤرة في الصراع المعيق للملاحة البحرية _ الذين يتلقون دعمهم من طهران يزعمون اقتصار هجماتهم على السفن الإسرائيلية تضامنًا مع أهل غزة، إلا أنهم في الواقع استهدفوا سفنًا مملوكة لدول في قارات مختلفة، وحتى إيران نفسها طالتها التداعيات، إذ في فبراير (شباط) 2024م أطلق الحوثيون صاروخين على ناقلة يونانية محملة بالغلال كانت في طريقها من البرازيل إلى ميناء الخميني في إيران.
ويقول عضو مجلس الشورى السعودي السابق علي العنزي إن “السعودية تسعى إلى إعطاء الأولوية للاستقرار والتنمية في المنطقة، مما يتطلب التهدئة والحلول الدبلوماسية لكل القضايا العالقة، خصوصًا ما يتعلق بالخلافات بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي الإيراني؛ ولذلك رحبت السعودية بالمفاوضات”، مضيفًا أن الرياض تؤيد الاستخدام السلمي للطاقة النووية لكنها ترفض انتشار أسلحة الدمار الشامل؛ لأن المنطقة لا تحتمل أي تصعيد عسكري.
واعتبر العنزي أن زيارة الأمير خالد بن سلمان إلى طهران تأتي في إطار تغليب الدبلوماسية لتعزيز استقرار الشرق الأوسط وازدهاره، وقد سبقها عدة زيارات واتصالات متبادلة بين البلدين، ويجب أن تزداد فاعليتها بعد هذه الزيارة.
وأشار، في هذا السياق، الخبير بمركز مالكوم كير–كارنيغي والمشرف العام على برنامج الأمن الوطني بجامعة نايف للعلوم الأمنية الدكتور هشام الغنام، في تصريحات لقناة “العربية”، إلى أن هذه الزيارة ليست مجرد إجراء بروتوكولي، بل تمثل ترسيخًا عمليًا لاتفاق بكين، وتعكس رغبة الطرفين في نقل المصالحة الأولية إلى مرحلة من التعاون الاستراتيجي، لافتًا إلى أن أي تقارب سعودي إيراني يحمل في طياته فوائد استراتيجية لكلا الجانبين، ويسهم بشكل فعّال في تهدئة التوترات الإقليمية. وقال: إن العلاقات السعودية الإيرانية شهدت منذ عام 2023م خطوات تدريجية ومدروسة لإعادة بناء الثقة، مضيفًا أن زيارة وزير الدفاع الأخيرة إلى طهران قد تفتح المجال لتعاون عسكري محتمل بين البلدين، قد يشمل مستقبلًا مناورات مشتركة.
وبخصوص تطلعه إلى ثمارها الإيجابية، يستدل على ذلك من صداها في الداخل الإيراني، ومن هنا أكد الغنام أن وسائل الإعلام الإيرانية، الرسمية منها وشبه الرسمية، وصفت الزيارة بأنها “أكثر من مجرد لقاء رمزي”، معتبرة إياها “خطوة استراتيجية لإعادة ترتيب موازين القوى في الشرق الأوسط”. كما أوضح أن الرياض تملك من أدوات التأثير السياسي والاستراتيجي ما يجعلها لاعبًا رئيسًا في ضمان الاستقرار الإقليمي.
ويرى الغنام أن زيارة وزير الدفاع إلى طهران تعيد ترتيب توازن القوى وقد تمهّد لتحول جذري في علاقات المنطقة، ويرى أهمية وتأثير التقارب بين أميركا وإيران في تحقيق تطلعات البلدين، وهما(أمريكا وإيران) يوليان حضور السعودية وتأثيرها بهذا الشأن أهمية كبيرة، فقال: إن واشنطن وطهران تعولان على السعودية في جهود خفض التصعيد بالمنطقة. وأوضح أن الأمريكيين يضعون ثقلًا كبيرًا على المملكة، في التأثير على إيران، مشيرًا إلى أن طهران ترغب كذلك في أن تدخل الرياض وسيطًا وميسرًا بين الجانبين. وأشار إلى أن الرياض أشارت في أكثر من مناسبة على انفتاحها على القيام بدور وساطة بين إيران وأمريكا، مؤكدًا أن المملكة تلعب أدوارًا كبرى في ملفات المنطقة، وهو ما سينعكس إيجابا على تلك الملفات، ويحقق تطلعات البلدين المستقبلية.
وأضاف: “زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران خطوة جريئة تعبّر عن رغبة صادقة من الرياض في تهدئة الأوضاع في المنطقة، وبناء أرضية مشتركة للحوار والتعاون، بدلًا من التصعيد والمواجهة”، واختتم الغنام تصريحه بالتأكيد على أن استمرار هذه التطورات ضمن مسارها المنطقي قد يؤدي إلى تخفيض تاريخي للتوترات في المنطقة، ويمهّد لتحول جذري في العلاقات الإقليمية، تكون فيه الشراكة والتكامل هي القاعدة الجديدة.
_ زيارات السعودية واتصالاتها بإيران منذ 10 مارس 2023م
سنرصد هنا بعض الزيارات والاتصالات من الجانب السعودي بعد هذا التاريخ، إذ عينت السعودية سفيرًا لها في إيران، لكن بعد مضي أكثر من سنة، لم يفعل الطرفان، شيئًا يذكر لتوسيع علاقاتهما، باستثناء فتح السفارتين وتيسير حج الحجاج الإيرانيين. وقد كان من المفترض إعادة فتح السفارات في 10 مايو 2023م إلا أن ذلك قد تأخر، وفي أثناء زيارة وزير الخارجية الإيرانية للسعودية في 17 أغسطس 2023م، لا يزال الدبلوماسيون السعوديون موجودين في فنادق في مدينتي مشهد وطهران الإيرانيتين. ومن غير الواضح ما إذا كان مبعوث المملكة الجديد موجودًا في إيران، وفي أعقاب هذه الزيارة، ظهرت تقارير تفيد بأن “الإعلان عن إعادة فتح السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد وشيك”.
_8 أبريل 2023م أول زيارة رسمية منذ عودة العلاقات السعودية الإيرانية، لوفد سعودي إلى طهران، وقالت وزارة الخارجية السعودية إن فريقًا فنيًا سعوديًا وصل إلى طهران لمناقشة آليات إعادة افتتاح سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مدينة مشهد.
_17 يونيو 2023م وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في طهران، في أول زيارة لوزير خارجية سعودي لإيران منذ أكثر من عقد من الزمن.
_ 17 يوليو 2024م ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يتصل بالرئيس الإيراني مسعود بزشيكان بعد فوزه بالانتخابات الإيرانية، وفي هذا الاتصال أشادا بتطور العلاقات الثنائية بين البلدين.
_ 10 سبتمبر 2023م قدم السفير السعودي عبدالله بن سعود العنزي أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في طهران.
_ 10 نوفمبر 2024م زيارة رئيس هيئة الأركان العامة السعودي الفريق أول فياض بن حامد الرويلي في طهران يلتقي بمسؤولين إيرانيين لبحث التطوير الدبلوماسية الدفاعية وتوسيع التعاون الثنائي بين البلدين.
_ 17 أبريل 2025م زيارة وزير الدفاع السعودي إلى إيران(موضوع الدراسة).
_ رؤية الخارج لتوجه السعودية نحو إيران في هذه الزيارة
ينظر الشأن الخارجي إلى أهمية زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران ويرى أن هناك جملة من الدوافع تقف خلف توجه السعودية إلى إعادة بناء علاقاتها وتنشيطها مع إيران، فيرى بعضهم أن المخاوف من حجم الرد العسكري الإسرائيلي على هجمات حماس في أكتوبر 2023م دفعت المملكة إلى تكثيف جهودها للمساعدة في حل الجمود بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووي، وتجنب المزيد من التصعيد في المنطقة. ويرى بعضهم الآخر أن هذه الزيارة تأتي تزامنًا مع تطورات اليمن وتحركات البحرية الأمريكية، وتعكس رغبة السعودية في تجنب الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع الحوثيين، قد تتسبب في استهداف منشآتها الحيوية من قبل الجماعة أو حتى بفتح جبهة مع إيران؛ ولذلك يأتي تقارب السعودية مع طهران، مدعومًا بتفاهمات أمنية واقتصادية، تصب في سياق تحييد الجبهات المشتعلة مثل اليمن، والانتقال نحو توازنات جديدة قائمة على الشراكة بدلًا من المواجهة؛ لأن أي انفجار عسكري في اليمن لن يكون بعيدًا عن حسابات المواجهة الإقليمية الشاملة.
وهناك من يتفاءل بهذا التوجه، ويرجعه إلى التحول في أولويات السعودية الداخلية والإقليمية، من خلال مشروع رؤية 2030م، ويرى بأن ذلك قد أتاح فرصة ثمينة لكل من طهران والرياض لتعزيز تلاقي الأمن والتنمية، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الجوارية بينهما. وتمثل هذه الزيارة فرصة مهمة لترسيخ علاقة ثنائية مستقرة ومتقدمة، تقوم على تجاوز عقود من التوتر، والسير نحو نموذج للأمن الجماعي في المنطقة، قائم على التعاون والمنافسة البنّاءة، بدلًا من النزاع والصراع.
وبخصوص موقف واشنطن يرى الشأن الخارجي أنها لا تعارض هذا التقارب، بل على العكس ترى فيه مخرجًا سياسيًا يخفف عنها عبء الانخراط المباشر في صراعات المنطقة، خصوصًا في ظل الانشغال بالصراع الأوكراني والتوتر مع الصين، وهو يتفق مع ما يراه الشأن الداخلي السعودي، ويختلف مع رؤية الشأن الإيراني الداخلي، كما سيتضح في المحور اللاحق.
المحور الثالث: رؤية إيران للزيارة السعودية
يمكن تتبع رؤية إيران أو قراءتها لهذه الزيارة من خلال تلك التصريحات والتغريدات الرسمية من المسؤولين الإيرانيين التي رافقت الزيارة أو حتى جاءت بعدها وتتعلق بها، وما تناولته المواقع والصحف والقنوات الإخبارية الرسمية الإيرانية بذات الاتجاه، ورؤية الداخل الإيراني لها بشكل عام، على النحو الآتي:
الجانب الرسمي
تمثل هذه الزيارة أول لقاء منذ ما يقرب من عقدين من الزمن بين مسؤول سعودي رفيع وخامنئي. ووفقًا للموقع الرسمي للمرشد الإيراني، Khamenei.ir، فإن آخر مرة التقى فيها خامنئي بعضو من مجلس الوزراء السعودي كانت في يونيو 2006م عندما زار وزير الخارجية السعودي آنذاك، الأمير سعود الفيصل، طهران.
وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، أن الأمير خالد بن سلمان كان يحمل رسالة خطية من العاهل السعودي سلمها لمرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي، دون الكشف عن محتواها، وإحاطة الرسالة بسرية تامة تدلُّ على أهميتها، إذ لم تفصح عنها أية إشارات مباشرة، وهو ما جعل المحللين والصحفيين يتكهنون بمضمون الرسالة وما تحمله، وقد جاء في أهم الصحف الإيرانية ومواقعها المقربة من دوائر صنع القرار بأن “هذه الزيارة مهمة كونها من أهم وزير في المنطقة في أهم دولة وأكثرها تأثيرًا، وأن في توقيت هذه الزيارة ما يبعث رسالة قوة في الموقف الإيراني للمفاوضات النووية”، وهو المأزق الذي جعل إيران تتوجه بدرجة رئيسة نحو التقارب مع السعودية، لعلها ستكون بمثابة الوسيط ولو غير المباشر في مشاكلها بخصوص الملف النووي وما تجري حوله من مفاوضات حاليًا مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب وكالة “تسنيم” الإيرانية، التقى وزير الدفاع خلال الزيارة بالمرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، وسلّمه رسالة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. كما استقبل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأمير خالد بن سلمان في طهران، في مشهد دبلوماسي لافت يجسد حجم التغير في العلاقة بين الجانبين.
ونقلت هذه الوكالة أيضًا، عن المرشد خامنئي لدى استقباله وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان آل سعود، قوله، إن التواصل بين طهران والرياض «سيكون مفيدًا لكلا البلدين، ويمكن للدولتين أن تكونا مكملتين لبعضهما بعض». وبحسب خامنئي، فإن «تعاون الأشقاء في المنطقة ومساعدة بعضهم البعض هو أمر أفضل بكثير من الاتكاء على الآخرين». وأضاف أن توسيع العلاقات مع السعودية له أعداء، ويجب التقلب على الدوافع العدائية، وأبدا استعداد طهران إلى ذلك؛ ولاشك أنه يشير بذلك إلى وقوف المملكة العربية السعودية إلى جانب من يقف ضد إيران في برنامجها النووي، ومحاولاتها التوسعية في المنطقة التي أدَّت إلى الدخول في حروب مع أطراف من خارج العرب المسلمين، وحتى يبني الثقة للوصول إلى تعاون متين في كل المجالات والاستفادة من إمكانية وقدرات ومناورات السعودية أبدا استعداد بلاده في المجالات التي حققت فيها تقدم للتعاون مع السعودية في المواضيع التي تحتاجها، وقال: إن تعاون الأشقاء في المنطقة وتقديم المساعدة لبعضهم بعضًا، أفضل بكثير من الاعتماد على الآخرين. وهو ما يشير إلى رغبة إيران في الاستفادة من الجانب السعودي بالمثل في المجالات التي تقدمت فيها.
وبذات الصدد قال رئيس هيئة الأركان الإيرانية اللواء محمد باقري: إن العلاقات الطيبة مع المملكة العربية السعودية تحبط الأعداء، وتفرح الأصدقاء، وأضاف بأن علاقات القوات المسلحة الإيرانية والسعودية تشهد نموًا وتطورًا منذ توقيع اتفاق بكين، وفي ذلك إشارة إلى إمكانية البناء على إعادة الثقة المرحلية للوصول إلى تعاون أمني وعسكري يقف أمام أي تهديد تتعرض له المنطقة، ويقصد بالأعداء أعداء الوضع القائم فيما يتعلق بالملف النووي أمريكا وإسرائيل، وليس كل الأعداء الذين يصنفونهم ويحددون هوياتهم بين حين وآخر، وهم كثر، وأغلبهم من العرب المسلمين.
ووصف السفير الإيراني لدى السعودية علي عنايتي زيارة الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي إلى إيران بـ«المهمة للغاية»، وأوضح عنايتي في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن زيارة الأمير خالد بن سلمان لطهران دليل على تحرك العلاقات بوتيرة متسارعة منذ عودتها قبل أقل من سنتين. وأضاف: «نتمنى أن يأتي الخير للإقليم، إيران والسعودية بلدان مهمان، وزيارة الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع لإيران مهمة للغاية، وقد التقى خلالها المرشد الأعلى علي خامنئي، وكذلك الرئيس بزشكيان، ورئيس هيئة الأركان، والأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني».
وتابع عنايتي، الذي كان يتحدث من طهران، بقوله: «نوقش خلال الزيارة العلاقات المثمرة والبناءة والإيجابية والصاعدة بين إيران والسعودية على المستوى الثنائي، وكذلك تمت مناقشة القضايا التي تهم الإقليم وتصب في صالح الأمن والاستقرار في المنطقة، بالإضافة لما يجري في العالم الإسلامي ودعم قضية فلسطين».
وشدد السفير الإيراني على أن «البلدين لديهما طاقات قصوى وهناك حاجة إلى تفعيلها في تنمية العلاقات»، مبينًا أن المرشد الأعلى أكد على «أهمية العلاقات الإيرانية – السعودية، وأن استمرارها في صالح الجميع، ونحن نولي اهتمامًا كبيرًا بهذه الزيارة».
ولفت عنايتي إلى تأكيد زيارة وزير الدفاع السعودي «عزم البلدين على استمرار العلاقات وتعزيزها، وتفعيل ما اتفق عليه، ورسم مستقبل مشرق للعلاقات، سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي». وأضاف الدبلوماسي الإيراني أيضًا أن «الإقليم يحتاج إلى التكاتف والتعاضد بين دوله، خاصة السعودية وإيران»، متابعًا: «عندما نتحدث عن الأمن أو الاستقرار الإقليمي، لا يمكن أن يتحققا إلا بتضافر الجهود لجميع دول المنطقة، وأن تجلس دول الإقليم وترسم مستقبله بيديها».
ويتضح على هذا النحو أهمية هذه الزيارة من قبل الجانب الإيراني الرسمي، وتأكيدهم على تفعيل العلاقات بين البلدين في جميع المجالات، إلا أنهم يتخوفون من وجود أعداء سيقومون بعرقلة هذه العلاقات، ويرون أن تفاهم البلدين وتقاربهما يقيض أولئك الأعداء، ولاشك أنهم يشيرون بذلك إلى الأعداء الذين يهددونهم في الوضع القائم إسرائيل وأمريكا، وهم بذلك يسعون إلى إبعاد السعودية عن التقارب والتفاهم معهما لاسيما أميركا وسيحملون تلك الأطراف مسؤولية أي فشل في مسار بناء هذه العلاقات، في حال أن لا تستجيب السعودية لكل توجهاتهم أو تعارض توجهات استراتيجية لديهم يرونها مصيرية بالنسبة لهم، كالتخلي عن استراتيجية “الدفاع الأمامي” الذي لم تفعل إيران شيئًا يذكر لوقف دعمها للمجموعات غير الدولية في الشرق الأوسط التي تمارس من خلالها نفوذها الإقليمي، فالمهمة صعبة في إقناعها بالتخلي عن هذه الاستراتيجية ولا سيما في اليمن، حيث يشكل دعم طهران للحوثيين مصدر قلق قديم للسعودية، وضمن أولوياتها في التقارب والتفاهم مع الجانب الإيراني، وهكذا تستشعر إيران الطلب وترفضه، وتحضر السبب للفشل وترميه على أولئك الأعداء حاليًا(أمريكا وإسرائيل)، وهو دأبهم الذي يسيرون عليه في علاقاتهم الخارجية في كل مكان، وتسير عليه تلك الجماعات أو الأذرع الإيرانية في المنطقة في حروبها الداخلية والخارجية.
وبالتزامن مع زيارة بن سلمان إلى طهران، زار مساعد الشؤون القنصلية في الخارجية الإيرانية وحيد جلال زادة الرياض، بهدف اللقاء والتشاور مع المسؤولين في السعودية حول عدد من القضايا، وفق ما ذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية، من دون أن تحدد مهمات الزيارة أو برنامجها، وتحمل هذه الزيارة بهذا التوقيت مدلولًا إيجابيًا في مسار تقدم العلاقات بين البلدين التي تشهد تكثيف الزيارات بينهما والاتصالات المتبادلة.
الشأن الداخلي الإيراني
وهنا سنتتيع أصداء هذه الزيارة لوزير الدفاع السعودي إلى طهران، لدى الداخل الإيراني ذاته أو ما أتت لصالحه، ويأتي بهذا الاتجاه تعليق الدكتور محمد شمص، الخبير في الشؤون الإيرانية على هذه الزيارة بالقول: “لا شك أن زيارة وزير الدفاع السعودي ومعه وفد رفيع إلى طهران ولقاءه الإمام الخامنئي وكبار القادة العسكريين والسياسيين يحمل دلالات كبيرة لجهة التأكيد على أن إيران دولة قوية في المنطقة، وأن هذا الحوار وهذا اللقاء، هو لقاء الأقوياء لاسيما في لحظة حساسة تمر بها المنطقة تتعرض فيها إيران لتهديدات عسكرية أمريكية وإسرائيلية”. وأشار الدكتور شمص إلى أهمية هذه الزيارة في دحض الشائعات حول قوة إيران ومحور المقاومة، فقال: “تُثبت هذه الزيارة وما تخلّلها من لقاءات أن إيران قوية وليس كما يشاع في الإعلام المعادي للمقاومة ومحورها بأن إيران باتت أضعف ما بعد طوفان الأقصى، اليوم إيران أقوى والدول الإقليمية القوية والفاعلة تسعى لأفضل علاقات معها”. أمّا المتضرّر الأبرز من هذه الزيارة بحسب الدكتور شمص فهو الكيان المؤقت فقال: “بالطبع المتضرر الوحيد أو الأكثر غضبًا هم الصهاينة، فتعاون إيران والسعودية هاتان الدولتان الإقليميتان الكبيرتان سينعكس إيجابا على المنطقة وهدوئها، وسلبًا على إسرائيل ومصالحها في المنطقة”، وهكذا يتفق الجانب الرسمي والعادي في داخل إيران على أهمية هذه الزيارة وأنها تعطي مؤشر بأن إيران ما زالت قوية وفاعلة وتأكيد على أهميتها واستمرار دورها كقوة مؤثرة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، فضلًا عن علاقاتها الوثيقة بحركات المقاومة كما يسمونها، وتعزز مكانتها بوصفها محورًا مركزيًا في السياسة الإقليمية، والتعامل معها بات ضرورة لا ترفًا؛ ولهذا تسعى الدول الإقليمية القوية إلى خطب ودها، ويتفقون أيضًا بأن ذلك لن يعجب أمريكا وإسرائيل، في إشارة منهم إلى تجهيز السبب لأي فشل محتمل في مسار تنشيط العلاقات المتبادلة بين السعودية وإيران.
ويرى الجانب الإيراني بأن هذه الزيارة فيها رسالة لواشنطن التي تشكّل السعودية أحد ركائز الهيمنة الأمريكية في الخليج والمنطقة، وربما أرادت من خلال هذه الزيارة أن تبعث برسالة إلى واشنطن، بأنها لا تريد الحرب على إيران، لتداعيات ذلك على السعودية أولًا وعلى الاستقرار الإقليمي، وتفضّل على ذلك اتخاذ مسار التعاون الذي يحقق المصالح المشتركة.
وهناك من يرى بأن هذه الزيارة تشكّل خطوة سعودية استباقية، بعدما استشعر حكام الرياض قرب التوصل لاتفاق أمريكي إيراني، سيكون له تأثيراته الكبرى على واقع المنطقة، وهو ما يدفعهم للمسارعة إلى تجنب التهميش. فإن تعزيز العلاقات مع إيران قبل إضفاء واشنطن الطابع الرسمي على أي اتفاق، يسمح للرياض بإدراج نفسها في أي اتفاق مستقبلي، ويضمن مراعاتها ومراعاة مصالحها الأمنية والاقتصادية.
ويرى الجانب الإيراني أن في هذه الزيارة رسالة إلى المنطقة تتمثل في أن هذه الزيارة قد تترك تداعياتها في جميع أنحاء المنطقة، خاصةً الدول العربية التي تسعى جاهدة لإقامة أفضل العلاقات مع إيران. وعقب زيارة وزير الخارجية الإيرانية للسعودية في أغسطس 2023م رحب وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح بتلك الزيارة ووصفها بأنها “صفحة مشرقة في تاريخ العلاقات الخليجية الإيرانية”، وأشاد بالأثر الإيجابي للتقارب الإيراني السعودي على دول المنطقة، ويعد التصريح الكويتي مهمًا في ظل الخلاف حول حقل آراش/ الدرة، وعقب توقيع الاتفاق بين البلدين في بكين عبَّر الأمين العام الراحل، لحزب الله، حسن نصر الله، عن سعادته لعودة العلاقات بين البلدين، وقال: إن لديه الثقة أن ذلك سيكون في مصلحة شعوب المنطقة، معتبرًا أن الاتفاق من الممكن أن يفتح الآفاق في كل دول المنطقة من ضمنها لبنان. وفي اليمن قال الناطق باسم الحوثيين: إن المنطقة بحاجة إلى عودة العلاقات الطبيعية بين دولها. ومن هنا يرى الجانب الداخل الإيراني أن هذه الزيارة تشكل ضوءًا أخضر لهم للانخراط بشكل أعمق بالعلاقات مع إيران. وسيكون لهذه الزيارة تأثيراتها على الدول العربية، ذات الاهتمام المشترك ما بين السعودية وإيران، مثل فلسطين ولبنان واليمن وسوريا والعراق. ما يعني أن الفترة المقبلة قد تشهد تعاونًا ثنائيًا يسهم في وقف العدوان على غزة وتدشينًا لفترة من إعادة الهدوء والاستقرار الى المنطقة.
ويرون بأن الخاسر الأكبر من خلال هذه التطورات بين إيران والسعودية وما سيترتب عليها من تطور العلاقات مع باقي الدول العربية، هي إسرائيل، لأنها الجهة الوحيدة التي يهمها بقاء المنطقة في حال من عدم الاستقرار والفوضى، حتى تحقق مطامعها التوسعية في الجغرافيا العربية.
_ زيارات إيران إلى السعودية منذ 10 مارس 2023م
نشطت الزيارات المتبادلة بين إيران والسعودية بعد وساطة الصين التصالحية بينهما في 2023م، وزاد السعي الإيراني للتقارب مع السعودية أخيرًا، وتحديدًا منذ بدء محادثات البرنامج النووي بين إيران وأمريكا، وقد تم رصد عدة زيارات واتصالات من الجانب الإيراني بالجانب السعودي يمكن عرض أهمها على النحو الآتي:
_ 16 أبريل 2023م قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيراني أن رئيسي تلقى دعوة لزيارة السعودية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وأشار إلى أن الرئيس الإيراني بدوره وجه دعوة إلى العاهل السعودي لزيارة إيران.
_ 6 يونيو 2023م أعادت إيران فتح سفارتها في الرياض، وعينت مساعد وزير الخارجية علي رضا عنايتي سفيرًا جديدًا لها لدى المملكة العربية السعودية.
_ كان يفترض إعادة فتح السفارات بين البلدين بحلول 10 مايو 2023م إلا أنهما قد تأخرا عن هذا الموعد، فأعادت إيران فتح بعثاتها الدبلوماسية في المملكة العربية السعودية في يونيو/ حزيران، لكن سفير طهران الجديد لدى الرياض لم يتول منصبه إلا بعد زيارة وزير الخارجية الإيرانية أمير عبد اللهيان للمملكة في أغسطس 2023م.
_ 17 أغسطس 2023م وصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض، ويلتقي نظيره السعودي وولي العهد في جدة لمدة خمس ساعات، وحضور السفير الإيراني الجديد لدى الرياض، علي رضا عنايتي، الاجتماع، بحسب إفادة وكالة الأنباء السعودية (واس). وهذا هو اللقاء الرابع بين وزيري البلدين منذ 10 مارس 2023م.
_ 6 سبتمبر 2023م قدم السفير الإيراني علي رضا عنايتي أوراق اعتماه إلى عبدالمجيد السماري، مساعد وزير الخارجية السعودي، نيابة عن وزير الخارجية فيصل بن فرحان، في الرياض.
_ 11 نوفمبر 2023م وعلى هامش القمة الإسلامية غير العادية في الرياض، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يلتقي الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي.
_ في 14 أبريل 2025م أجرى وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي اتصالًا هاتفيًا بنظيره السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، بحثا خلاله الأوضاع في المنطقة والجهود المبذولة في شأنها، وفق وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” التي لم تعلن مزيدًا من التفاصيل.
_ 9 أكتوبر 2024م ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يستقبل وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي.
_ وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2024م، أجرى الرئيس الإيراني مسعود بزشيكان اتصالًا هاتفيًا بالأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودية، وبحثا في هذا الاتصال العلاقات الثنائية بين البلدين.
_ وفي فبراير الماضي شارك وزير الاقتصاد والمالية الإيراني في مؤتمر للاقتصادات الناشئة في السعودية، وأجرى محادثات مع وزير المالية السعودي ركزت على تعزيز الاستثمار الثنائي والتعاون التجاري والجمركي وتجنب الازدواج الضريبي، كما مثّل المؤتمر فرصة للوزير الإيراني لعقد محادثات ثنائية مع نظرائه من دول المنطقة.
_ بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى طهران، زار مساعد الشؤون القنصلية في الخارجية الإيرانية وحيد جلال زاده الرياض، بهدف اللقاء والتشاور مع المسؤولين في السعودية حول عدد من القضايا، وفق ما ذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية، من دون أن تحدد مهمات الزيارة أو برنامجها.
المحور الرابع: النتائج المحتملة على النظام الإقليمي
إن العلاقات بين السعودية وإيران ليست وليدة نشاطها الراهن، وإنما تعود إلى نهاية القرن الماضي على أقل تقدير إذ إن أسس الاتفاق الأمني بين البلدين، وضعت بينهما في أثناء زيارة وزير الدفاع السعودي الراحل سلطان بن عبدالعزيز إلى طهران في في مطلع مايو 1999م حيث أجرى لقاءات على مدى خمسة أيام مع المرشد الإيراني علي خامنئي وكبار المسؤولين الإيرانيين، وقد شملت تلك المحادثات تعزيز العلاقات الدفاعية والأمنية فضلًا عن تعزيز التعاون التجاري والثقافي وتوقيع اتفاق لزيادة الرحلات الجوية بين البلدين، إضافة إلى القضايا المشتركة آنذاك مثل أزمة “مسلمي كوسوفو” والمشكلة الأفغانية، مما مهد لزيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي للسعودية في الشهر نفسه، إلا أن مسار التاريخ في الجزيرة العربية بشكل خاص وقارة آسيا بشكل عام قد شهد اضطرابات عدة أدت إلى فتور العلاقات بين البلدين بل قطعها في بعض الأوقات، وهذا المسار التاريخي نفسه وما أوجده من تحولات أدَّى إلى محاولة تفعيل تلك العلاقات وتنشيطها مرة أخرى بعد وساطة بكين في 2023م. ومن الممكن أن تنعش هذه الزيارة مساعي تفعيل أو تحديث اتفاق التعاون الأمني الذي وُضعت أساساته خلال زيارة وزير الدفاع السعودي الراحل الأمير سلطان، ووقعت في طهران من قبل وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز ونظيره الإيراني عبدالواحد لاري عام 2001م، فذلك الاتفاق الذي نص “اتفاق بكين” على إعادة تفعيله بقي إطارًا عامًا من دون أن يترجم إلى تعاون فعلي، ومن أهدافه الحد من مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتهريب المخدرات، وهو مفتاح إعادة العلاقات بين البلدين أن تحقق بينهما.
وإذا كان الأمير سلطان قد نُقل عنه حينها في الاتفاق السابق في نهاية القرن الماضي الذي وقع عليه الجانبان في مطلع القرن الحالي، قوله بأن “التعاون العسكري ليس بالأمر السهل بين بلدين لم تربط بينهما علاقات منذ سنوات”، فإن هذا التحدي الذي لخصه الأمير الراحل ما يزال قائمًا اليوم، وقد يواجه أية مساع مستقبلية لتعزيز التنسيق العسكري، إذ لم يمض سوى عامين على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وهو يحتاج إلى ترتيبات وتفاهمات في مجالات عدة؛ لتبنى عليها إعادة الثقة بين البلدين تمهيدًا للوصول إليه.
وبشكل عام فإنه بالنظر إلى موقع الأمير خالد بن سلمان في هرم السلطة السعودية، ومسؤوليته عن ملفات إقليمية مهمة، وثقة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان به كأخ شقيق، إضافة إلى إشرافه العسكري والأمني الواسع في وزارة الدفاع، فإن هذه الزيارة من شأنها تحقيق نتائج ملموسة في تعزيز العلاقات بين طهران والرياض، على المستويين الثنائي والإقليمي، حيث ملفات مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان وغزة على طاولة الحوار، وتتطلب تشاورًا متبادلًا رفيع المستوى بين الجانبين، لاسيما في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وما تواجهه إيران حول برنامجها النووي وتعقيداته مع أمريكا ومن ورائها إسرائيل، وهو ما يبشر بالوصول إلى تفاهمات بين الجانبين.
وفي المحصلة العامة لهذه الزيارة وما ترتب عنها من لقاء الأمير خالد بخامنئي رأس هرم النظام السياسي الإيراني فإنه يتجاوز الطابع البروتوكولي ويعكس نية واضحة لدى الطرفين للانتقال من مرحلة التهدئة إلى مستوى من التنسيق السياسي والأمني ما يستدعي التوقف عند أبرز انعكاساته لا سيما على الملف اليمني الذي يربط الجانبين بشكل شبه مباشر، وبحسب مصادر دبلوماسية نشرتها صحيفة الشرق الأوسط فإن السعودية طلبت من إيران استخدام نفوذها لدى جماعة الحوثيين لتثبيت الهدنة ومنع التصعيد في مقابل فتح آفاق للتفاوض السياسي من جانبها أعلنت الخارجية الإيرانية أن الحل في اليمن يجب أن يكون سياسيًا وشاملًا ويأخذ في الاعتبار كل المكونات، وهو ما يؤشر إلى أن هناك تفاهمًا ضمنيًا بين الجانبين على تقليص التدخلات العسكرية المباشرة في الملف اليمني وهو ما تؤكده تقارير مراكز أبحاث غربية أشارت إلى بدء إيران فعليًا بخفض حجم الدعم العسكري للحوثيين منذ مطلع 2024م.
ويشكل هذا الملف محورًا من أهم المحاور التي أوصلت الأوضاع في المنطقة إلى ما هي عليها حاليًا، وانعكس تأثير هذه الزيارة عليه على المسار الأممي أيضًا إذ أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ أن هناك فرصة تاريخية لإنهاء النزاع اليمني في ظل التوافق الإقليمي غير المسبوق وعقب الزيارة شهدت التحركات الدبلوماسية في الملف اليمني نشاطًا لافتًا بما في ذلك مشاورات مباشرة وغير مباشرة بين مختلف الأطراف اليمنية بدعم من الأمم المتحدة وسلطنة عمان وبدفع من الرياض وطهران.
وإذا كان ما يتعلق بهذا الجانب يمثل هدفًا استراتيجيًا للبلدين، وسيسعى كل جانب إلى تحقيق استراتيجيته ومصالحه فيه، فإن للجانبين أهداف أخرى مرحلية إذا جاز لنا هذا التعبير، ويمكن القول بهذا الخصوص بأن السعودية ربما أرادت من خلال هذه الزيارة أن تبعث برسالة إلى واشنطن، بأنها لا تريد الحرب على إيران، لما قد تسببه من تداعيات عليها وعلى الاستقرار الإقليمي، ومن هنا فضلت اتخاذ مسار التعاون الذي يحقق المصالح المشتركة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ربما بدأت بعض الدول العربية لاسيما الخليجية في التفكير بمحاولة الخروج من عباءة أمريكا، في ظل تنامي مراكز قوى عالمية جديدة كالصين وروسيا؛ لتصل إلى استقلاليتها في قرارها ورسم سياستها وفق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وعندما رأت السعودية توجه أمريكا وإسرائيل إلى تهديد إيران وبأن ذلك لن يخدم مصالحها بل يهدد وجودها إذا ما أزيح محور إيران من المنطقة من أمام إسرائيل التي تسعى بشكل حثيث إلى توسعة مطامعها الاحتلالية في الجغرافيا العربية، فضلًا عن مفاوضات البرنامج الإيراني وما قد تفرزه من توجهات سواء بالفشل والسعي في الإزاحة أو النجاح وتقارب إيران معهما، وهو ما يعني إعادة ترتيب أوضاع المنطقة وفق تلك المخرجات نجاحًا أو فشلًا، ربما دفعها ذلك إلى الاستباق في الترتيب لتحجز موقعها قبل أن يصل إلى استبعادها منه أو تهميش وضعها فيه من قبل أولئك في موضع ترى بأنه سيتعارض مع مصالحها لاحقًا أن بقيت في وضع المتفرج، وتأتي محاولة قطر وتركيا في تنامي دورهما وتعزيز حضورهما في المنطقة، وزيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران لإعادة التموضع وبقاء التوازن في المنطقة قائمًا بأقل ما يمكن خسرانه، أو على الأقل سيتيح تعزيز العلاقات مع إيران قبل إضفاء واشنطن الطابع الرسمي على أي اتفاق، للرياض بإدراج نفسها في أي اتفاق مستقبلي، ويضمن مراعاتها ومراعاة مصالحها الأمنية والاقتصادية.
وتمثل هذه الزيارة لحظة فارقة؛ لا لأنها أنهت الخلاف، بل لأنها غيّرت لغته، من الصدام إلى الرسائل، وسحبت الأطراف من مربع المواجهة والحرب بالوكالة إلى مربع السياسة، ومن السجال الإعلامي إلى إدارة الملفات الحساسة بحذر، وإن كانت خطوة صغيرة في ظاهرها، إلا أنها تحمل دلالات كبيرة على مسار الشرق الأوسط الجديد — مسار تتشكّل معالمه بين الواقعية السياسية، وضغوط الداخل، وطموحات المستقبل..
وتعكس الزيارة من منظور هيكلي تحوّل أولويات الرياض في إطار مشروع “رؤية السعودية 2030″، حيث يُعدُّ التوازن بين الأمن والتنمية في غرب آسيا ومنظومة الخليج أحد المرتكزات الأساسية لهذا المشروع. ومخرجات هذا التوجه تبدو واضحة في ابتعاد السعودية عن الاصطفاف خلف السياسات الأميركية، وتبنّيها سياسة الحياد النشط في نزاعات مثل التوترات بين طهران وكل من واشنطن وتل أبيب. وتأتي هذه الزيارة لتؤكد أن التوجه السياسي السعودي نحو استقرار المنطقة وتخفيف حدة الأزمات لم يكن خيارًا تكتيكيًا مؤقتًا، بل يمثل قرارًا استراتيجيًا.
ومن هنا يمكن القول بأن هذه الزيارة حملت رسالة مباشرة من طهران إلى واشنطن، مفادها أن الرياض ليست جزءًا من استراتيجية “الضغط الأقصى” الإجراءات الاقتصادية القسرية ضد إيران في عام 2019م، ولا مع أي مغامرة عسكرية ضد إيران، وهذه الرسالة عبّر عنها صراحة المحلل السعودي البارز علي الشهابي في حديثه مع صحيفة فايننشال تايمز، قائلًا: “السعودية تريد أن توضح لطهران أنها لن تكون أبدًا منصة للهجوم على إيران. المملكة تدعم جهود الرئيس الأميركي لإيجاد حل دبلوماسي في الملف النووي، ولا ترغب في الحرب”. ويعكس هذا التصريح التوجه نحو تأسيس علاقة تقوم على التناغم بين الأمن والتنمية في العلاقات الثنائية والإقليمية، وتنقل هذه الزيارة إشارة إلى استقلال القرار السعودي، في سياق المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، وترسل رسالة إلى كل من إسرائيل وأميركا مفادها أن الرياض لن تنخرط في أي حملة ضغط عسكري على إيران، بل على العكس، ترحب بأي اتفاق يسهم في تحقيق السلام والاستقرار في الخليج، وستكون طرفًا فيه.
وفيما يتعلق بمضمون الرسالة الخطية الملكية التي حملها وزير الدفاع من العاهل السعودي الملك سلمان بين عبدالعزيز إلى المرشد الإيراني علي خامينئي، والتي لم تُرشح أية معلومات عن فحواها، فيمكن القول إن فيها ما يعزز فرضية أن الرياض تسعى من خلالها إلى استباق أي توتر قد يُفجّر المشهد الإقليمي، أو يمنح خصومها موطئ قدم جديد في الفراغات المتروكة، وترتيب إعادة التموضع الاستباقي، وهذا النوع من الدبلوماسية الوقائية لا يُعبّر عن ليونة، بل عن نضج سياسي في إدارة المصالح، ضمن بيئة تتداخل فيها الحسابات المحلية والدولية.
ومما سبق فإن تقديم أي تنازلات أو إعادة التموضع وفق توجه لا تخدم المصالح المباشرة لأي واحد من الجانبين فإنه سيكون محاولة لإعادة تعريف العلاقة ضمن إطار أقل تصادمًا وأكثر قابلية للإدارة. والتصالح، وإن وُجد، فهو تصالح الضرورة لا تقارب القناعة، ما يشير إلى أن المتحقق حتى الآن ليس نوايا، بل ترتيب أوراق. ومع ذلك، لا يمكن التقليل من الأبعاد الاستراتيجية لهذه الخطوة. فاستمرار هذا المسار، ولو بوتيرة حذرة، قد يسهم في إعادة تشكيل النظام الإقليمي على أسس أكثر براغماتية.
وتداعيات هذه الزيارة عميقة، وإذا استمرت العلاقة الثنائية بمسار تصاعدي، فقد تُبشر بعهد جديد من التوازن متعدد الأقطاب بما يخدم مصالح وتوجهات البلدين، فالسعودية وإيران تمتلكان اليوم أرضية مشتركة لإعادة رسم مشهد الأمن الإقليمي من بوابة اليمن والخليج. وعلى السعودية ألَّا تأخذ التقدم رهينة لإصرارها القديم على أن تخفض إيران مستوى علاقاتها مع حلفائها غير الدوليين دون أن تقدم لها ضمانات أمنية بالمقابل. وينبغي على إيران، من جهتها، أن تدرك أن السعودية وحلفاءها سيستمرون في الاعتماد على شركاء خارجيين، لا سيما الولايات المتحدة، في أمنهم، وهنا مبتدأ الثقة وتعزيز العلاقات المتبادلة وانتهائها بينهما.
مراجع الدراسة:
اعتمدت الدراسة لهذا الموضوع على كثير من المواقع والوكالات والصحف الإخبارية التي تناولت الزيارة، وجعلت أخبارها فضلًا عن بعض الدراسات والتحليلات متاحة على الشبكة العنكبوتية، ويمكن ذكر بعضها على النحو الآتي:
_ وكالة الأنباء السعودية(واس). وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية(إرنا). ووكالة(تسنيم) الإيرانية، ووكالة (فارس). والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والمعهد الدولي للدراسات الإيرانية والعين الإخبارية، وقنوات السعودية والعربية والجزيرة الإخبارية. اندبندنت عربية TV، قدس برس، فريق أمواج ميديا، وشبكة الجزيرة الإعلامية، والخليج أونلاين، والمصدر أونلاين، وميدل ايست نيوز بالعربي، وموقع الخنادق، وجلف_بوست. ومن أبرز الدراسات التي وردت في هذه المواقع:
_ زيارة الأمير خالد بن سلمان لإيران: طــور جـديـد فـي دبلـومـاسيـة “إدارة التـوتـر”، لؤي عباس غالب.
_ زيارة الأمير خالد بن سلمان لطهران هل تغير السعودية تحالفاتها في اليمن؟ الدكتور علي أحمد الديلمي.
_ زيارة بطابع استراتيجي.. تقارب سعودي إيراني يرسم معادلة جديدة، يوسف حمود.
_ زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران.. التوقيت والدلالات، سيف الدين باكير.
_ الطرفان الإيراني والسعودي يتصافحان عند توقيع الاتفاق بوساطة الصين، بنَفْشِه كي نوش.
_ نظرة على التحديات والفرص في ضوء رحلة وزير الدفاع الراحل الأمير سلطان لطهران والتي وضعت أساس الاتفاق الأمني الذي يسعى البلدان إلى تفعيله، عيسى النهاري.