
الملخص
يتناول هذا البحث موضوع القوى الناعمة في السياسة الخليجية من خلال دراسة مقارنة بين التجربة السعودية والإماراتية، وذلك بهدف تحليل الكيفية التي وظفت بها كل دولة أدواتها الثقافية والدبلوماسية والإعلامية لتعزيز حضورها الإقليمي والدولي.
يُبرز البحث الدور المتزايد للقوى الناعمة كأداة حديثة في العلاقات الدولية، تسهم في بناء الصورة الإيجابية للدولة ودعم أهدافها التنموية دون اللجوء إلى القوة الصلبة.
وقد أظهرت المقارنة أن المملكة العربية السعودية ركزت في رؤيتها 2030 على تعزيز مكانتها الدينية والثقافية والانفتاح المجتمعي، بينما اتجهت دولة الإمارات ضمن رؤيتها 2071 إلى ترسيخ قيم التسامح والابتكار والريادة الإنسانية.
خلص البحث إلى أن توظيف القوى الناعمة في البلدين أسهم في تحقيق نفوذ سياسي وإنساني متزايد، وأن التكامل بين التجربتين يمكن أن يشكل أساسًا قويًا لبناء سياسة خليجية موحدة قائمة على التنمية والاستقرار والتأثير العالمي.
Abstract
This research explores the role of soft power in Gulf politics through a comparative study of the Saudi and Emirati experiences. It aims to analyze how both countries have utilized their cultural, diplomatic, and media tools to strengthen their regional and international influence.
The study highlights the growing importance of soft power as a modern instrument in international relations that helps nations shape a positive global image and achieve development goals without relying on hard power.
The comparison reveals that Saudi Arabia, through its Vision 2030, focuses on enhancing its religious, cultural, and social openness, while the United Arab Emirates, through Vision 2071, emphasizes tolerance, innovation, and global leadership.
The research concludes that both countries have successfully used soft power to expand their political and humanitarian influence, and that integrating their approaches could form the foundation for a unified Gulf strategy based on stability, development, and international influence.
مقدمة
تُعد القوة الناعمة من أبرز المفاهيم الحديثة في العلاقات الدولية، إذ تمثل القدرة على التأثير والإقناع من خلال الجاذبية الثقافية، والقيم، والدبلوماسية، والإعلام، والتعليم، والعمل الإنساني، دون اللجوء إلى الوسائل العسكرية أو الاقتصادية المباشرة.
وفي ظل التحولات السياسية والاقتصادية العالمية، أصبحت الدول تسعى إلى بناء صورتها الإيجابية وتعزيز حضورها الدولي عبر أدوات القوة الناعمة.
لهذا أصبحت القوة الناعمة تمثل عنصرًا محوريًا في استراتيجيات السياسة الخارجية للدول، ولا سيما في منطقة الخليج العربي خلال العقود الأخيرة. تعكس القوة الناعمة قدرة الدولة على جذب الآخرين والتأثير فيهم من خلال ما تمتلكه من ثقافة وقيم وسياسات جذابة، بدلًا من الاعتماد على الإكراه أو القوة الصلبة([1]). وقد برز اهتمام دول الخليج بهذا المفهوم مع سعيها لتنويع مصادر نفوذها الدولي بعيدًا عن النفوذ التقليدي القائم على الثروة النفطية والقوة الاقتصادية. في هذا الإطار، برزت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة كنموذجين رائدين في توظيف أدوات القوة الناعمة لتعزيز صورتيهما الذهنية وخدمة مصالحهما الخارجية، وإن كانت تجارب كل منهما تتسم بخصوصيات وتميزات معينة.
مشكلة البحث
على الرغم من تزايد الاهتمام بمفهوم القوى الناعمة في السنوات الأخيرة، فإن دراسات السياسة الخليجية ما زالت تركز بشكل أكبر على الجوانب الاقتصادية والأمنية والعسكرية، بينما يتم إهمال تحليل أدوات القوة الناعمة ودورها في تعزيز النفوذ الخارجي وصياغة صورة إيجابية للدولة في العالم.
تنبع مشكلة هذا البحث من الحاجة إلى فهم أعمق لكيفية توظيف القوى الناعمة في الدول الخليجية، وخاصة في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، اللتين تمثلان نموذجين رائدين في هذا المجال.
فرغم أن كلا الدولتين تمتلكان مقومات كبيرة من الثقافة، والدين، والإعلام، والدبلوماسية، إلا أن الاختلاف في الرؤى والسياسات يجعل من المهم دراسة كيف يوظف كل منهما هذه المقومات لخدمة أهدافه الوطنية والسياسية.
كما تكمن المشكلة في غياب الدراسات المقارنة المتخصصة التي تُبرز أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين السعودية والإماراتية في استخدام القوة الناعمة، وتحليل مدى فاعلية هذه الأدوات في تحقيق التأثير السياسي والتنموي والإنساني على المستويين الإقليمي والدولي.
أهمية الدراسة
تأتي أهمية هذه الدراسة من كونه يسلط الضوء على دور القوى الناعمة في السياسة الخليجية المعاصرة، ويقدّم مقارنة تحليلية بين التجربتين السعودية والإماراتية من حيث الأدوات، والنتائج، وأثرهما في تعزيز المكانة الإقليمية والدولية للدولتين.
وبذلك، لا تقتصر أهمية هذا البحث على الجانب التحليلي فحسب، بل تمتد إلى المجال العملي والتطبيقي، من خلال إظهار كيف يمكن توظيف القوة الناعمة كوسيلة فعّالة لتحقيق التنمية المستدامة، والسلام، والتفاهم الثقافي في الخليج والعالم.
أسئلة البحث
انطلاقًا من مشكلة البحث وأهميته، يسعى هذا البحث إلى الإجابة عن مجموعة من التساؤلات الرئيسة والفرعية التي تُوجِّه مسار الدراسة، وهي على النحو الآتي:
1. ما المقصود بالقوة الناعمة، وما مكانتها في العلاقات الدولية المعاصرة؟
2. كيف تم توظيف مفهوم القوة الناعمة في السياسة الخليجية الحديثة؟
3. ما أبرز أدوات واستراتيجيات المملكة العربية السعودية في بناء قوتها الناعمة ضمن رؤية 2030؟
4. كيف نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في توظيف القوة الناعمة لتعزيز مكانتها الإقليمية والعالمية ضمن رؤية 2071؟
5. ما أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين السعودية والإماراتية في مجال القوة الناعمة؟
6. ما مدى فعالية توظيف القوى الناعمة في دعم الأهداف السياسية والتنموية للدولتين؟
7. كيف يمكن الاستفادة من التجربتين في صياغة سياسة خليجية موحدة تقوم على التكامل في مجالات القوة الناعمة؟
الاهــــداف
تهدف هذه الدراسة الأكاديمية إلى إجراء مقارنة معمقة بين التجربتين السعودية والإماراتية في مجال القوة الناعمة ضمن السياسة الخارجية الخليجية. سنبدأ باستعراض الإطار النظري لمفهوم القوة الناعمة وتطوره التاريخي، مع الإشارة إلى إسهام جوزيف ناي في صياغة هذا المفهوم وانتقاله إلى السياق العربي والخليجي. ثم سنتناول بالتفصيل تجربة المملكة العربية السعودية، مسلطين الضوء على رؤية السعودية 2030 وما انبثق عنها من مبادرات ثقافية وترفيهية، ودور الإعلام السعودي، والدبلوماسية الدينية (بوصف المملكة حاضنة الحرمين الشريفين)، وجهود المساعدات الخارجية وغيرها. يلي ذلك عرض تجربة الإمارات العربية المتحدة، مع التركيز على استراتيجية القوة الناعمة الإماراتية 2017 وما تبعها من خطوات كتفعيل الإعلام الدولي، وإبراز الجانب الثقافي والتكنولوجي، والابتكار والتعليم والمساعدات واستضافة الفعاليات الكبرى (مثل إكسبو 2020 وغيرها). بعد استعراض التجربتين، سنقدم مقارنة مفصّلة تشمل أدوات القوة الناعمة المستخدمة لدى كل طرف، ودرجة التنظيم المؤسسي لهذه الجهود، وكذلك مدى تأثير كل تجربة على الصعيد الدولي والصورة الذهنية التي كوّنتها كل دولة لدى الجمهور العالمي. وتشير الدلائل إلى تفوّق نسبي للتجربة الإماراتية في بناء قوة ناعمة أكثر فعالية وهيكلة وتأثيرًا على الساحة العالمية، وهو ما سنبرزه ونتقصّى أسبابه ضمن سياق المقارنة. وستتضمن الدراسة جداول مقارنة واضحة تلخّص أبرز أدوات وتجليات القوة الناعمة في البلدين بصورة مباشرة. كما نعتمد على بيانات وإحصاءات حديثة من مصادر رسمية – مثل التقارير الحكومية والمنظمات الدولية ومراكز الأبحاث – لضمان موثوقية المعلومات وحداثتها حتى عام 2025. وفي الخاتمة، سنستعرض أبرز النتائج المستخلصة من المقارنة، ونطرح توصيات عملية لتعزيز القوة الناعمة الخليجية عمومًا، ولتطوير التجربة السعودية خاصة على ضوء الدروس المستفادة من النموذج الإماراتي.
6-المنهجية:
- منهج البحث تحليلي وصفي
- أدوات جمع البيانات من خلال مراجعة الوثائق الرسمية وتقارير المجلس
- حدود البحث: المناطق الجنوبية
الإطار النظري لمفهوم القوة الناعمة وتطوره
مفهوم القوة الناعمة
صاغ الباحث الأمريكي جوزيف ناي مفهوم القوة الناعمة لأول مرة في مطلع تسعينيات القرن العشرين (عام 1990 تحديدًا) لوصف القدرة على الحصول على المطلوب عن طريق الجذب والإقناع بدلًا من الإكراه أو دفع الأموال([2]). يعبّر هذا المفهوم عن قدرة دولة ما على جعل الآخرين يرغبون فيما تريد هذه الدولة، عبر التأثير في تفضيلاتهم وتوجهاتهم من خلال عناصر غير مادية كالثقافة والفن والقيم السياسية والصورة الجذابة، عوضًا عن فرض الأمر بالقوة العسكرية أو العقوبات الاقتصادية. وبصياغة ناي الشهيرة، فإن القوة الناعمة تعني “أن تجعل الآخرين يريدون ما تريد أنت” دون إكراه أو ترغيب مادي([3]). وقد تزايد الاهتمام الدولي بهذا المفهوم بعد نهاية الحرب الباردة، حيث أدركت الدول أن الصورة الوطنية الجاذبة والسمعة الحسنة يمكن أن تكون مصدرًا مهمًا للنفوذ العالمي.
ترتكز موارد القوة الناعمة – بحسب ناي – على ثلاثة عناصر رئيسية: الثقافة (بما تشمله من فنون وآداب وتراث وقيم مجتمعية)، والقيم السياسية (مثل مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان إذا جسّدتها الدولة في سياساتها)، والسياسة الخارجية (عندما تُعتبر شرعية وأخلاقية وتحترم مصالح الآخرين)([4] )([5]). وكلما كانت ثقافة الدولة أكثر رواجًا عالميًا، وقيمها السياسية أكثر جاذبية، وسياساتها الخارجية أكثر اتساقًا مع المبادئ الأخلاقية الدولية، ازدادت قوّتها الناعمة وتأثيرها. ومن جهة أخرى، شهد مفهوم القوة الناعمة تطورًا مع مرور الوقت ليشمل جوانب جديدة؛ فقد ظهر نقاش حول مفهوم “القوة الذكية” (Smart Power) الذي ينادي بمزج القوة الناعمة مع القوة الصلبة ضمن استراتيجية متكاملة. كذلك اقترح بعض الباحثين توسيع نطاق القوة الناعمة ليشمل الاستثمارات الاقتصادية ذات البعد الاستراتيجي طويل الأجل. على سبيل المثال، تشير دراسات حديثة إلى أن استثمارات الدول في مشاريع بالبنية التحتية أو في أندية رياضية عالمية أو جامعات أجنبية يمكن أن تعزز صورتها وتجذب الآخرين إذا كانت تلك الاستثمارات تُكسب الدولة سمعة إيجابية ولا تُستخدم لابتزاز مباشر([6])([7]). هذا الاتجاه ملحوظ في دول الخليج التي توظف صناديقها السيادية في استحواذات عالمية بارزة (كالأندية الرياضية أو الشركات التقنية) بهدف تعزيز مكانتها وصورتها الدولية، مما يُعد شكلًا من أشكال القوة الناعمة متى ما ولد انطباعات إيجابية عن الدولة[7].
في السياق العربي والخليجي، دخل مفهوم القوة الناعمة قاموس الاستراتيجيات التنموية والسياسية بصورة واضحة في العقدين الأخيرين. ورغم أن الكثير من الدول العربية تاريخيًا اعتمدت على أدوات ناعمة (كالقوة الثقافية لمصر عبر السينما مثلاً، أو قوة التأثير الديني للسعودية بحكم مكانتها الإسلامية)، فإن الوعي النظري والاستراتيجي المتكامل بهذا المفهوم تبلور بشكل أكبر في السنوات الأخيرة. فبعد عام 2010، ومع التحولات الإقليمية والاحتياج إلى تعزيز القوة الانطباعية للدول، بدأت دول الخليج خاصة بصياغة رؤى وخطط تستلهم مفهوم القوة الناعمة صراحةً. دولة الإمارات كانت سبّاقة إلى وضع استراتيجية وطنية للقوة الناعمة وتأسيس مجلس مختص بهذا الشأن عام 2017، مما يعكس تحول المفهوم إلى سياسة حكومية مؤسسية([8]). كذلك المملكة العربية السعودية، في إطار مشروع رؤية 2030 الإصلاحي، ضمّنت بشكل ضمني العديد من مستهدفات القوة الناعمة، مثل تحسين الصورة الذهنية للمملكة عالميًا وتعزيز التبادل الثقافي واستقطاب السياح وترسيخ موقعها كعاصمة للعالمين العربي والإسلامي. كما أبدت دول خليجية أخرى اهتمامًا بهذا النهج (مثل قطر عبر استضافة الفعاليات الرياضية والإعلامية الكبرى، أو عُمان عبر دبلوماسية السلام). وقد بدأت نتائج هذا التركيز الخليجي تظهر في مؤشرات دولية حديثة: على سبيل المثال، في مؤشر القوة الناعمة العالمي لعام 2023 الذي تصدره مؤسسة “براند فايننس” (Brand Finance) البريطانية، جاءت الإمارات ضمن الـ10 الأوائل عالميًا والأولى عربيًا، تلتها السعودية في المرتبة 19 عالميًا (الثانية عربيًا) ثم قطر فالكويت فبقية الدول([9]). هذا التطور يؤكد أن دول الخليج تمكنت خلال فترة وجيزة نسبيًا من تحسين مكانتها على خريطة القوة الناعمة الدولية من خلال تبني أدوات مدروسة والتعلم من التجارب الرائدة عالميًا.
باختصار، يمثّل مفهوم القوة الناعمة إطارًا مهمًا لفهم سلوكيات الدول الخليجية اليوم في سعيها لكسب “قلوب وعقول” الشعوب الأخرى. وفي الأقسام التالية، سنرى كيف طبّقت كل من السعودية والإمارات هذا المفهوم عمليًا، وأي نجاحات وأوجه قصور ظهرت في تجربتيهما حتى عام 2025.
المبحث الأول: القوة الناعمة في السياسة الخارجية السعودية
1. رؤية 2030 وإعادة تشكيل الصورة الوطنية
أطلقت المملكة العربية السعودية في عام 2016 رؤية السعودية 2030 كمشروع تحول وطني شامل يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وقد حملت الرؤية في طياتها أهدافًا تتجاوز الإصلاح الاقتصادي لتشمل البعد الثقافي والحضاري للمملكة. حرصت الرؤية على تعزيز مكانة المملكة عالميًا على الصعيد الثقافي من خلال برامج وفعاليات موجهة للجمهور الدولي)[10]). وقد أدركت القيادة السعودية أن تحسين الصورة الذهنية للمملكة وجعلها أكثر جذبًا وتقبّلًا عالميًا هو مفتاح لجذب الاستثمارات والسياح والكفاءات، فضلًا عن تعزيز الدور السياسي للمملكة. وعليه، بدأت خطوات غير مسبوقة لتحديث الهوية السعودية لتبدو أكثر انفتاحًا واعتدالًا: تم تخفيف القيود الاجتماعية التقليدية، والسماح بعودة أنشطة ترفيهية وثقافية كانت محظورة لعقود، والترويج لرؤية المملكة كبلد معتدل دينياً ومنفتح ثقافياً. ومن أبرز الخطوات في هذا السياق إنشاء الهيئة العامة للترفيه عام 2016 لتطوير قطاع الترفيه والفنون، وإنشاء الهيئة العامة للثقافة (والتي تحولت لاحقًا إلى وزارة للثقافة مستقلة عام 2018) لرعاية المبادرات الثقافية داخليًا وخارجيًا. وخصصت القيادة السعودية موارد ضخمة لدعم هذه التوجهات؛ فقد أعلنت المملكة في 2018 عزمها استثمار 240 مليار ريال سعودي (نحو 64 مليار دولار) في قطاع الترفيه خلال عشر سنوات([11])، بهدف بناء بنية تحتية ترفيهية عالمية وتنظيم فعاليات تستقطب الجمهور المحلي والدولي. هذه الخطة التمويلية العملاقة واكبها تخفيف للقيود الاجتماعية (مثل السماح بالحفلات السينمائية والغنائية والفعاليات المختلطة)، مما أدى إلى خلق حراك ثقافي غير معهود في المشهد السعودي[11]. ونتج عن ذلك تأسيس مهرجانات فنية ومواسم ترفيهية مثل “موسم الرياض” الذي بات منصة سنوية تستضيف فنانين عالميين وتجذب ملايين الزوار، مما يعرّف العالم بوجه جديد للسعودية أكثر حيوية وانفتاحًا. كل هذه الجهود تندرج في إطار صياغة هوية وطنية جديدة أكثر جاذبية عالميًا، وهو لبّ مفهوم القوة الناعمة. وقد أكدت وثائق الرؤية أن السعودية تطمح لأن تكون “عمق العالمين العربي والإسلامي” ومنارة للإعتدال والوسطية، ما يعني تعزيز قوتها الناعمة الدينية والثقافية بالتوازي مع قوتها الاقتصادية.
2. الدبلوماسية الدينية وخدمة الحرمين الشريفين
تتمتع المملكة العربية السعودية بمكانة دينية فريدة لا تضاهى في العالم الإسلامي، كونها موطن الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة. هذه المكانة تمنح السعودية مصدرًا بالغ التأثير ضمن عناصر قوتها الناعمة على المستوى الإسلامي؛ إذ يفد إلى المملكة ملايين المسلمين سنويًا لأداء الحج والعمرة، ويعودون بذكريات وانطباعات عن جهود المملكة في خدمة ضيوف الرحمن وعن الحالة الحضارية فيها. تولي السعودية عناية كبيرة لاستثمار هذا الدور الديني في سياستها الخارجية عبر ما يمكن تسميته “الدبلوماسية الروحية”. فمن جهة، تحرص على تسهيل قدوم الحجاج والمعتمرين من شتى أنحاء العالم وتقديم التسهيلات لهم، ومن جهة أخرى تنظم مؤتمرات إسلامية دولية مستغلة مكانتها كقائدة للعالم الإسلامي. على سبيل المثال، تستضيف المملكة مؤتمرات سنوية ولقاءات لرابطة العالم الإسلامي وهي منظمة تتخذ من مكة مقرًا لها، وتهدف لنشر مبادئ التسامح والحوار بين المذاهب والأديان. وفي السنوات الأخيرة، برزت هذه الرابطة بقيادة أمينها العام الشيخ محمد العيسى كذراع للدبلوماسية الدينية السعودية، حيث قامت بخطوات غير معهودة مثل تنظيم زيارة لوفد إسلامي سعودي إلى موقع محرقة الهولوكوست في بولندا عام 2020، والمشاركة في لقاءات حوار أديان عالمية. هذه التحركات ساهمت في تحسين صورة المملكة لدى الدوائر الغربية كدولة تحارب التطرف宗 وتدعو للاعتدال. كذلك، تستضيف السعودية قممًا إسلامية تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي (التي يوجد مقرها في جدة) لمناقشة قضايا الأمة، مما يعزز نفوذها السياسي من خلال مكانتها الدينية. ومن الأمثلة البارزة، قمة مكة التي عقدت في 2019 بحضور عشرات القادة المسلمين لمناقشة القضايا الإقليمية. ولأن إدارة المشاعر المقدسة تمس وجدان كل مسلم، فإن نجاح السعودية في مشاريع توسعة الحرمين وتطوير البنية التحتية للحج يرتد إيجابًا على سمعتها. إذ ينظر كثيرون في العالم الإسلامي بتقدير لدور المملكة في إعمار الحرمين وخدمة المسلمين، الأمر الذي يرسّخ قيادتها الروحية ويترجم إلى نفوذ سياسي ناعم تلقائي. في المقابل، واجهت السعودية تحديات في هذا المضمار، أبرزها تسييس بعض الأطراف لقضية الحج أو انتقاد إدارة المملكة لها، بيد أن الرياض سعت لتحييد هذه الانتقادات عبر التأكيد أن خدمة الحرمين أولوية سعودية قصوى تقوم على التفاني والإخلاص، بعيدًا عن الخلافات السياسية. إجمالًا، تشكل القوة الناعمة الدينية أحد أعمدة التأثير السعودي الخارجي؛ فصفة “خادم الحرمين الشريفين” التي يتلقب بها ملوك المملكة ليست مجرد لقب شرفي، بل ترجمة لسياسة قوة ناعمة فعّالة تستثمر المقدس الديني لتعزيز الاحترام والتأييد للمملكة في قلوب أكثر من مليار مسلم حول العالم.
3. الثقافة والفنون والترفيه كأدوات للقوة الناعمة
شهدت المملكة تحولات ثقافية جذرية مع انطلاق رؤية 2030، حيث جرى إحياء الفنون وفتح المجال العام أمام صناعة الترفيه بعد عقود من الانغلاق. أدركت القيادة السعودية أن المنتج الثقافي والفني يُعد من أنجع وسائل التواصل مع شعوب العالم وتحسين الصورة النمطية عن البلد. ففي عام 2018، رُفعت الحظر عن دور السينما الذي استمر 35 عامًا، وبدأت الأفلام تُعرض مجددًا في الصالات السعودية. ولم يتوقف الأمر عند الاستهلاك الفني، بل جرى تشجيع إنتاج الأفلام السعودية وتطوير صناعة سينمائية محلية قادرة على المنافسة عالميًا. وتشير دراسة حديثة إلى أن الخبراء يعتبرون تنشيط قطاع الأفلام من العوامل المهمة للدبلوماسية الثقافية السعودية بنسبة 14.7%([12])، إذ يمكن عبر السينما نقل الثقافة السعودية للعالم بصورة حيّة وأكثر قربًا للمشاهد. وبالفعل، شهدت السنوات الأخيرة إطلاق مهرجانات سينمائية دولية في المملكة مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الذي انطلق في جدة عام 2021، مستقطبًا مئات من صنّاع السينما العالميين. كما بدأت الأفلام السعودية تحصد جوائز في مهرجانات إقليمية ودولية، مما يروّج لهوية فنية سعودية ناشئة.
إلى جانب السينما، ازدهرت مجالات ثقافية وفنية أخرى: الفنون التشكيلية باتت تحظى برعاية كبيرة مع إقامة معارض وفعاليات مثل بينالي الدرعية للفنون المعاصرة. الأدب وصناعة النشر تلقي دعمًا أيضًا حيث نظمت معارض كتاب دولية في الرياض وجدة. كما تم الاحتفاء بالموسيقى بإقامة حفلات لفنانين عرب وغربيين في مدن المملكة، بل تأسست أوركسترا سعودية وفرق موسيقية شبابية كظاهرة جديدة. وفي مجال التراث، أولت الدولة اهتمامًا بمواقعها التاريخية لتكون معالم جذب ثقافي: فمشروع إحياء مدينة العلا التاريخية وتحويلها إلى متحف مفتوح للطبيعة والتراث الإنساني (بالتعاون مع فرنسا) هو مثال على تسخير التراث لتعزيز القوة الناعمة. وأصبحت العلا تستضيف مهرجان “شتاء طنطورة” الذي يجمع بين الفن والتاريخ ويحضره زوار عالميون. كذلك مشروع بوابة الدرعية لإبراز تاريخ الدولة السعودية الأولى، ومشروع المسار السياحي للتاريخ الإسلامي في مكة والمدينة، كلها مبادرات لعرض المخزون الثقافي والتاريخي السعودي بصورة حديثة أمام العالم. وتقدّر رؤية 2030 أهمية السياحة الثقافية كجسر تواصل؛ وتهدف المملكة إلى استقبال 55 مليون زيارة من الخارج بحلول 2030([13])، كثير منها لأغراض دينية وثقافية، ما يعني انفتاح المجتمع السعودي بشكل غير مسبوق لاستقبال العالم على أرضه([14]). إن السياحة هنا ليست مجرد نشاط اقتصادي بل أداة قوة ناعمة أساسية لأي بلد، إذ تتيح للآخر التعرف مباشرة على ثقافة البلد ومجتمعه([15]). وعليه، أُطلقت التأشيرة السياحية الإلكترونية عام 2019 لتسهيل قدوم السياح الأجانب، وتُروج المملكة حاليًا لمعالمها الطبيعية (كالصحارى والشواطئ) والتراثية (مدائن صالح، حي الطريف في الدرعية المدرج على قائمة اليونسكو) عبر حملات إعلامية دولية لاستقطاب الزوار وإعطاء صورة مغايرة عن المملكة لم تكن متاحة سابقًا.
إضافة لذلك، أنشئت مؤسسات تعنى بالحوار الثقافي العالمي مثل مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) الذي أنشأته أرامكو في الظهران ويفتح أبوابه لبرامج ثقافية دولية. أيضًا، مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (KAICIID) – رغم أنه مقره في فيينا – تشارك السعودية في دعمه مع دول أخرى، وهو يهدف لتعزيز الحوار بين الحضارات. وعلى صعيد التعليم والتبادل الأكاديمي، يعد برنامج الابتعاث الخارجي السعودي الذي أُطلق مطلع الألفية وأوفد مئات الآلاف من الطلبة السعوديين للدراسة في جامعات العالم، أحد أكبر برامج التبادل التعليمي عالميًا. ورغم أن هدفه الرئيس كان تنمية رأس المال البشري السعودي، إلا أنه حقق أثرًا ناعمًا بجعل هؤلاء السفراء الثقافيين الصغار ينشرون جوانب من ثقافة المملكة ويصححون بعض الانطباعات عن مجتمعها لدى المجتمعات التي درسوا فيها، وفي الوقت ذاته يعودون أكثر فهمًا للعالم وبالتالي أكثر انفتاحًا. كما بدأت السعودية في السنوات الأخيرة استقطاب جامعات عالمية لإنشاء فروع لها داخل المملكة، وتنظيم مؤتمرات علمية دولية، ما يسهم في وضعها على خريطة المعرفة العالمية ويعزز سمعتها الأكاديمية.
4. الإعلام والتواصل الدولي
أدركت المملكة العربية السعودية قوة الإعلام في تشكيل التصورات وبناء القوة الناعمة منذ وقت مبكر، فهي تمتلك بعض أكبر وسائل الإعلام الموجهة للجماهير العربية والإسلامية. فـالمملكة تسيطر على مجموعة MBC الإعلامية (مركز تلفزيون الشرق الأوسط) التي تُعد أضخم مجموعة بث فضائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تقدم عشرات القنوات المنوعة والإخبارية والترفيهية التي يصل محتواها لمئات الملايين([16]). هذه المنصة الإعلامية الواسعة الانتشار مكنت السعودية من التأثير في الرأي العام العربي عبر الدراما والبرامج الترفيهية، وحتى عبر تمرير رسائل سياسية غير مباشرة تساهم في تشكيل صورة المملكة كدولة رائدة عربيًا. إلى جانب ذلك، تمول السعودية قناة العربية الإخبارية (بالشراكة مع الإمارات حيث مقرها في دبي) والتي تنافس قناة الجزيرة في الفضاء الإعلامي الإخباري الناطق بالعربية. وتعد العربية واجهة للموقف السعودي من قضايا المنطقة، ويسهم انتشارها في تقديم رواية الرياض ورسائلها السياسية إلى الجمهور في المنطقة. كما أطلقت المملكة قناة العربية بالإنجليزية وموقعها الإلكتروني لتخاطب الجمهور الدولي بلغات مختلفة. علاوة على ذلك، ظهر في 2020 مشروع إعلامي سعودي جديد هو قناة “الشرق للأخبار” بشراكة مع مجموعة بلومبرغ Bloomberg العالمية، وهي قناة باللغة العربية تركز على الأخبار الاقتصادية والسياسية موجهة لجمهور النخبة في المنطقة، وتتخذ من دبي مقرًا وتملكها المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام. هذا التوسع في أدوات الإعلام يعكس استراتيجية السعودية في الدبلوماسية الإعلامية لتعزيز قوتها الناعمة، عبر إيصال صوتها ورسالتها إلى الخارج والتحكم بالسرديات المتعلقة بها.
وإلى جانب القنوات الفضائية، تمتلك السعودية صحفًا ومنصات رقمية مؤثرة موجهة للجمهور الدولي مثل صحيفة “عرب نيوز” و “سعودي جازيت” الصادرتين بالإنجليزية، وتُستخدم هذه المنابر لشرح سياسات المملكة والدفاع عنها وكسب تفهّم القراء الأجانب. كما تستخدم الرياض وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة؛ فعدد من كبار المسؤولين السعوديين بات لديهم حسابات نشطة تخاطب الجمهور العالمي (مثل وزير الخارجية والسفارات السعودية في الخارج)، وتنظم حملات عبر تويتر ويوتيوب للترويج لمناسبات المملكة (مثلاً حملة #السعودية_العظمى التي انتشرت عام 2019). وتدعم المملكة المؤثرين الوطنيين للظهور في الإعلام الجديد لتقديم صورة حياتية حديثة عن المجتمع السعودي. أضف إلى ذلك، الاستثمار السعودي في شركات الإعلام والترفيه العالمية عبر صندوق الاستثمارات العامة (PIF) بات يمثل توجهًا حديثًا؛ حيث استحوذ الصندوق على حصص في شركات ألعاب فيديو عالمية وشركات ترفيه، مما يعطي السعودية حضورًا في الصناعة الثقافية العالمية ويعزز نفوذها فيها.
لا يغيب عن الاستراتيجية الإعلامية للسعودية الاستعانة بشركات العلاقات العامة الدولية لتحسين صورتها. فبعد أحداث مثل قضية مقتل جمال خاشقجي 2018 التي أضرت بسمعة المملكة، لجأت الرياض إلى حملات إعلامية مدروسة لتحسين صورتها في الغرب، شملت إجراء مقابلات لقادتها مع شبكات غربية، وتمويل نشر مقالات إيجابية في صحف عالمية، واستضافة وفود صحفية غربية للاطلاع على التغييرات الداخلية. كما تعمل السعودية على إبراز قصص النجاح التنموية لديها عبر الإعلام، مثل مشاريع مدن المستقبل (نيوم وذا لاين) بوصفها رؤية مستقبلية جريئة للمملكة تُغيّر الانطباع التقليدي عنها. وقد نجحت هذه الجهود نسبيًا في دفة السرد العالمي تجاه السعودية من التركيز على قضايا سلبية (كحقوق المرأة سابقًا) إلى عرض قصص إصلاح وانفتاح جارية في عهد الملك سلمان وولي عهده. ولعل الدليل على ذلك تحسّن ترتيب السعودية في مؤشرات السمعة الدولية تدريجيًا؛ فقد صعدت المملكة إلى المرتبة 18 في مؤشر القوة الناعمة العالمي 2024 بعدما كانت 26 في 2020([17])([18])، مما يشير إلى تنامي تأثير جهودها الإعلامية والدبلوماسية([19]). ورغم أنه لا يمكن إرجاع هذا التحسن لعامل الإعلام وحده، لكنه بالتأكيد كان عنصرًا مساندًا هامًا.
5. المساعدات الخارجية والعمل الإنساني
تُعد الدبلوماسية الإنسانية والمساعدات الخارجية ركيزة تقليدية من ركائز القوة الناعمة السعودية، إذ دأبت المملكة لعقود على منح القروض الميسرة والهبات والمعونات للدول الشقيقة والصديقة، وخاصة في العالمين العربي والإسلامي. وتظهر البيانات أن السعودية تصنف ضمن أكبر الدول المانحة عالميًا. فبحسب منصة البيانات السعودية الرسمية للمساعدات، بلغ إجمالي ما قدمته المملكة من مساعدات إنمائية وإنسانية حتى منتصف عام 2025 حوالي 528.4 مليار ريال سعودي (ما يعادل 140.9 مليار دولار)([20]). هذا الرقم الضخم يضع المملكة بين أكبر 5 مانحين إنسانيين في العالم([21])، وهو سجل تؤكد عليه المؤسسات الدولية. وتشير بيانات منصة المساعدات إلى أن مصر تصدرت قائمة الدول المستفيدة من المعونات السعودية بإجمالي 32.5 مليار دولار، تلتها اليمن بحوالي 27.7 مليار، ثم باكستان بنحو 13.2 مليار، ثم سوريا والعراق وفلسطين بمبالغ أقل([22]). وتعكس هذه التوزيعات حرص السعودية على دعم الدول العربية والإسلامية المحورية ومساعدتها في أزماتها الإنسانية والاقتصادية.
المهم أن المملكة تربط بين دورها الإنساني وأهداف رؤيتها الاستراتيجية؛ حيث تنص رؤية 2030 على تعزيز الشراكات الدولية وترسيخ مكانة المملكة كركيزة للسلام والاستقرار الإقليمي والدولي([23]). ويأتي نشاط المملكة الإغاثي تجسيدًا لهذه الرؤية بسعيها لتكريس صورة “المملكة الإنسانية”. فخلال أزمة وباء كورونا (كوفيد-19) مثلاً، بادرت السعودية لتقديم مساعدات طبية ولوجستية لدول محتاجة، وقد استضافت قمة افتراضية لمجموعة العشرين عام 2020 تركزت على تنسيق الجهود لمواجهة الجائحة، معلنةً مساهمات مالية سخية لصناديق الاستجابة الدولية. وفي اليمن، ورغم انخراط السعودية عسكريًا هناك، حرصت على الظهور بمظهر الداعم الإنساني الأول لليمنيين، فأنشأت في 2015 مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية (KSrelief) الذي تولى إرسال مئات القوافل من المساعدات الغذائية والطبية إلى اليمن وغيرها من الدول المنكوبة. وبحلول 2025، باتت السعودية وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية واحدة من أكبر 5 مانحين إنسانيين على مستوى العالم لعدة سنوات متتالية. ولا يقتصر العطاء السعودي على محيطها القريب، بل يمتد ليشمل دولًا في آسيا وأفريقيا وحتى المساهمات في جهود الإغاثة الدولية عبر الأمم المتحدة (مثل التبرع لجهود إغاثة المتضررين من تسونامي المحيط الهندي 2004 أو زلازل باكستان وتركيا وأفغانستان في سنوات مختلفة). وتعزز المملكة شفافية ورؤية جهودها الإغاثية عبر منصات حديثة؛ إذ دشنت عام 2018 منصة “المساعدات السعودية” الإلكترونية لتوثيق وحصر كافة المساعدات المقدمة عبر الجهات الحكومية والخيرية([24])([25]). وتهدف هذه الخطوة إلى إظهار حجم إسهام المملكة العالمي، وتنسيق الجهود بين الجهات المانحة المتعددة في المملكة (وزارات المالية والخارجية، الصندوق السعودي للتنمية، مركز الملك سلمان للإغاثة، وغيرها)[24][25]. وقد أصبحت هذه المنصة مرجعًا دقيقًا يجعل دور السعودية أكثر بروزًا على الساحة الدولية كدولة معطاءة ومسؤولة. ولا شك أن سخاء المملكة المالي يعزز رصيدها من الامتنان والتأثير في الدول المستفيدة، ما يترجم إلى دعم سياسي ومكانة معنوية أقوى للرياض على المدى الطويل. وهذا يظهر جليًا في علاقاتها مع دول مثل مصر وباكستان؛ حيث يشير كثيرون في تلك البلدان إلى السعودية بوصفها “الشقيق الأكبر” الذي يهب للمساعدة وقت الضيق، مما يولّد مشاعر إيجابية تجاهها بين شعوب تلك الدول.
6. الرياضة والفعاليات الكبرى كمنصة للقوة الناعمة
في السنوات الأخيرة، برز الاستثمار السعودي في قطاع الرياضة واستضافة الأحداث الكبرى كأحد مكونات القوة الناعمة الحديثة للمملكة. فبدءًا من عام 2018 تقريبًا، انخرطت السعودية في ما سُمي أحيانًا بـ”الدبلوماسية الرياضية”، إدراكًا منها للشعبية الجارفة للرياضة عالميًا وما تجلبه الأحداث الرياضية من انتباه دولي وإشادة تنظيمية. استضافت المملكة بطولات ومنافسات إقليمية وعالمية في عدة ألعاب: نظمت بطولة العالم للشطرنج 2017، وسباق الفورمولا إي للسيارات الكهربائية في الدرعية منذ 2018، واستضافت نهائي السوبر الإيطالي والإسباني في كرة القدم لعدة سنوات، كما استضافت مباريات ملاكمة عالمية (مثل نزال بطولة العالم للوزن الثقيل بين آنتوني جوشوا وأندي رويز في الدرعية عام 2019). وفي 2020، احتضنت السعودية رالي داكار الصحراوي الشهير، لتكون أول دولة آسيوية تستضيف هذا السباق التاريخي، واستمرت في تنظيمه سنويًا. وعلى مستوى الخطط المستقبلية، فازت الرياض في أواخر 2023 بحق استضافة معرض إكسبو الدولي 2030، كما فازت المملكة بحق استضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 في مدينة نيوم (في خطوة مفاجئة تهدف لإبراز نيوم كوجهة مستقبلية حتى في رياضات الثلج). كذلك دخلت السعودية السباق الرياضي الكبير عبر صندوق الاستثمارات العامة الذي استحوذ عام 2021 على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي العريق، وفي 2023 أطلقت المملكة دوري كرة قدم محلي معزز بالنجوم العالميين باستقطاب لاعبين كبار (مثل كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما وغيرهم) إلى أنديتها، في محاولة لوضع دوريها ضمن دائرة الاهتمام العالمية. وأيضًا قامت عبر صندوق الاستثمار بإطلاق مبادرة “جولة LIV Golf” للغولف لمنافسة الجولة الأمريكية PGA، قبل أن تندمج لاحقًا مع الجولة الأمريكية في صفقة تعكس النفوذ المالي السعودي. كل هذه التحركات الرياضية لم يكن الهدف منها رياضيًا صرفًا فقط، بل كانت مدفوعة برؤية أن الرياضة لغة عالمية يمكن عبرها مخاطبة الشعوب وتحسين صورة السعودية لدى جمهور الرياضة الدولي، فضلًا عن كسر الصورة النمطية القديمة عن المملكة. وقد بدأت هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها؛ فتنظيم الأحداث أتاح لآلاف الرياضيين والزوار الأجانب زيارة المملكة وخوض تجربة مباشرة فيها، ونقل العديد منهم انطباعات إيجابية عن مستوى التطور والتنظيم وحفاوة الاستقبال([26]). ووفق الدراسة حول الدبلوماسية الثقافية المشار إليها سابقًا، اعتُبرت استضافة الفعاليات الدولية (بما يشمل الرياضية والثقافية) أكثر العوامل تأثيرًا في جهود القوة الناعمة السعودية بنسبة 22.5%[26]، وهو ما يؤكد صحة الرهان السعودي على هذا المسار. كما حققت المملكة تغطية إعلامية دولية واسعة باستضافتها مثلا قمة مجموعة العشرين (G20) في الرياض عام 2020 – رغم أنها عُقدت افتراضيًا بسبب الجائحة – لكنها حملت اسم المملكة وجعلت الأنظار تتجه إلى الإصلاحات التي تجري فيها كجزء من النقاشات. وإلى جانب ذلك، استضافت السعودية في 2023 بطولة العالم للأندية لكرة القدم، وفي 2024 تستضيف كأس آسيا لكرة القدم، وتقدمت بملف لاستضافة كأس العالم 2034. هذه السلسلة من الأحداث الرياضية الكبرى تضع المملكة باستمرار في دائرة الضوء العالمي وتعزز رصيدها من الثقة والقبول كبلد قادر على التنظيم وكوجهة للفعاليات الدولية، ما يصب مباشرة في تعزيز قوتها الناعمة.
في المحصلة، تُظهر تجربة السعودية في مجال القوة الناعمة صورة دولة كبرى تمر بمرحلة انتقالية: توظف مقوماتها التقليدية (الدين والثروة والموقع) بذكاء عبر تحديثها وإعادة تقديمها بروح عصرية، وتتبنى في الوقت ذاته أدوات جديدة تمامًا لم تعهدها في تاريخها (كالترفيه والرياضة والفنون)، وكل ذلك ضمن مشروع وطني طموح (رؤية 2030) يهدف إلى تحويل المملكة إلى دولة مؤثرة ليس فقط بقوتها النفطية والاقتصادية بل أيضًا بتراثها وثقافتها وإسهامها الحضاري. ورغم التحديات التي واجهتها – سواء داخلية تتعلق بتغيير المفاهيم الاجتماعية، أو خارجية تتعلق بإقناع العالم بمصداقية هذا التحول – فإن المؤشرات تدل على تقدم ملحوظ: فترتيب المملكة في مؤشرات القوة الناعمة يتحسن عامًا بعد عام[17][18]، والانفتاح السياحي والثقافي بدأ يغيّر الكثير من الصور النمطية القديمة عن السعودية. لكن تبقى التجربة السعودية في مراحلها الأولى نسبيًا، ويمكن القول إنها تبني الأساس الآن لقوة ناعمة سيكون ذروة تأثيرها في المستقبل المنظور عندما تنضج هذه المبادرات وتتراكم نجاحاتها.
المبحث الثاني: القوة الناعمة في السياسة الخارجية الإماراتية
1. الإستراتيجية الوطنية والمؤسسية للقوة الناعمة الإماراتية
على النقيض من الحالة السعودية التي برز فيها مفهوم القوة الناعمة ضمن رؤية تحولية داخلية، انتهجت دولة الإمارات العربية المتحدة مقاربة مبكرة واستباقية في تبني مفهوم القوة الناعمة كإستراتيجية دولة. فقد أعلنت القيادة الإماراتية في أبريل 2017 عن تشكيل “مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات” برئاسة وزير شؤون مجلس الوزراء آنذاك محمد القرقاوي، وعضوية عدد من الوزراء والمسؤولين الكبار([27])([28]). مهمة هذا المجلس رسم السياسة العامة لاستراتيجية القوة الناعمة للإمارات، وبلورة منظومة وطنية متكاملة تشمل الجهات الحكومية والخاصة والأهلية لنقل قصة الإمارات إلى العالم بطريقة جديدة([29])([30]). وقد عُهِد إلى مكتب الدبلوماسية العامة في وزارة شؤون مجلس الوزراء بإعداد هذه الاستراتيجية بالتنسيق مع الجهات المعنية([31]). بالفعل، بدأ المجلس في سبتمبر 2017 بوضع استراتيجية القوة الناعمة الإماراتية وحدد لها أربعة أهداف رئيسية[8]: (1) تكوين هوية موحدة للدولة في كافة المجالات تعكس صورتها المميزة، (2) ترسيخ مكانة الإمارات كبوابة إقليمية للعالم ووجهة رئيسية في الشرق الأوسط، (3) بناء شبكة علاقات عالمية تفاعلية مع الأفراد والمؤسسات عبر الدبلوماسية الشعبية، (4) تعزيز سمعة الإمارات كدولة حديثة منفتحة متسامحة ومحبة للخير[8]. هذه الأهداف عكست فهمًا عميقًا لعناصر القوة الناعمة المطلوبة: الهوية المتماسكة داخليًا والجذابة خارجيًا، والاستفادة من موقع الإمارات كمركز أعمال وسفر، وتفعيل الاتصال الشعبي عالميًا، وتسويق قيم الدولة الجوهرية (كالحداثة والتسامح والإحسان).
ولخدمة هذه الاستراتيجية، أنشأت الإمارات خلال السنوات التي سبقتها وتلتها عددًا من الهياكل المؤسسية والبرامج الداعمة: ففي فبراير 2016 استُحدثت وزارة للتسامح (تولاها الشيخ نهيان بن مبارك ثم الشيخة لبنى القاسمي) بهدف ترسيخ قيمة التسامح كميزة متأصلة في المجتمع الإماراتي([32]). وهذه خطوة فريدة تعكس اهتمام الإمارات بتأكيد صورة مجتمعها المتنوع والمنفتح، حيث يعيش على أرضها أكثر من 200 جنسية بانسجام واحترام[32]. وأطلقت الدولة البرنامج الوطني للتسامح وسنّت ميثاقًا للتسامح وعينت سفراء للتسامح، وكلها جهود لترسيخ قيمة مجتمعية يمكن تسويقها خارجيًا كصفة إيجابية بارزة للإمارات. أيضًا عام 2016، استحدثت الإمارات وزارة للسعادة، وكلّفت بها عهود الرومي، في سابقة عالمية تهدف لجعل مؤشر السعادة معيار أداء حكومي([33]). ورغم أن فكرة “السعادة” داخلية الطابع، إلا أن لها بُعدًا خارجيًا أيضًا في إظهار الإمارات كدولة تهتم برفاه الإنسان، مما يعزّز جاذبيتها. ولاحقًا دمجت الوزارة تحت وزارة أوسع (تنمية المجتمع)، لكن البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة استمر. كذلك تم استحداث وزارة للشباب (بوزيرة شابة عمرها 22 عامًا هي شما المزروعي) لإبراز دور الشباب، وتعيين وزير دولة للذكاء الاصطناعي (عمر العلماء) كأول وزير من نوعه عالميًا، وكلها رسائل قوية للخارج بأن الإمارات تتبنى فكرًا حديثًا وشابًا وتعد نفسها للمستقبل.
من جهة أخرى، عملت الإمارات على توحيد خطابها وهويتها خارجيًا. ففي عام 2020 كشفت عن مشروع الهوية الإعلامية المرئية للإمارات عبر شعار “الخطوط السبعة” الذي صُمم ليمثل الإمارات السبعة في خطوط ملونة ترمز للطموح والابتكار، وتم استخدام هذا الشعار في الترويج السياحي والاستثماري للدولة عالميًا. كما أطلقت شعارًا دبلوماسيًا بعنوان “قوة الاتحاد” ليستخدم في الفعاليات الرسمية بالخارج. وإجمالًا، يمكن القول إن الإمارات وضعت هيكلة مؤسسية متقدمة لترجمة مفهوم القوة الناعمة إلى سياسات وإجراءات عملية، بدءًا من أعلى هرم الحكومة (مجلس القوة الناعمة تحت إشراف مجلس الوزراء) وانتهاءً بالبرامج التنفيذية والوزارات المختصة. وقد صرّح الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة حاكم دبي، عند إطلاق المجلس بأن الإمارات التي تمتلك قوة عسكرية واقتصادية، تستعد اليوم لبناء منظومة القوة الناعمة لترسيخ سمعتها العالمية خدمةً لمصالح شعبها طويلة الأمد([34]). وأكد أن الاستثمار في كسب “محبة واحترام الشعوب الأخرى” هو ضمان لعلاقات دائمة على المستويات الاقتصادية والسياحية والاستثمارية([35]). وهذه النظرة تلخص إيمان القيادة الإماراتية العميق بأن السمعة الجيدة رصيد إستراتيجي لا يقل أهمية عن الموارد المادية.
2. الثقافة والفنون والتراث كجسور عالمية
انتهجت الإمارات منذ تأسيسها سياسة الانفتاح الثقافي والاستفادة من التنوع الديموغرافي على أرضها لبناء مشهد ثقافي عالمي. وقد تصاعد هذا النهج بوضوح في العقدين الأخيرين ضمن مساعي تعزيز القوة الناعمة. تبنت الإمارات استراتيجية دبلوماسية ثقافية نشطة ترتكز على إنشاء مؤسسات ثقافية عالمية المستوى واستضافة أحداث ثقافية ضخمة. أبرز مثال على ذلك كان افتتاح متحف اللوفر أبوظبي عام 2017، كثمرة اتفاقية ثقافية مع فرنسا، ليكون أول متحف لوفر خارج باريس. هذا الصرح الثقافي وضع أبوظبي على خريطة السياحة الثقافية العالمية وجسد رسالة الإمارات في حوار الحضارات، حيث يعرض قطعا من مختلف الحضارات الإنسانية في صرح معماري فريد. وتعمل أبوظبي أيضًا على إنشاء متحف جوجنهايم أبوظبي للفن الحديث بالتعاون مع مؤسسة سولومون جوجنهايم، بما يعزز مكانتها كعاصمة ثقافية إقليمية.
كما أصبحت الإمارات مقرًا لمعارض فنية عالمية مثل معرض “آرت دبي” الدولي للفنون المعاصرة الذي ينظم سنويًا ويجتذب فنانين وجامعي أعمال من شتى أنحاء العالم، ومعرض أبوظبي الفني. وأثبتت إمارة الشارقة حضورًا بارزًا عبر بينالي الشارقة الذي يُقام منذ 1993 ويُعد من أهم المعارض الفنية في الشرق الأوسط. إلى جانب الفنون البصرية، هناك الفعاليات الأدبية الكبرى مثل مهرجان طيران الإمارات للآداب الذي يقام في دبي سنويًا ويستضيف عشرات الكتّاب العالميين، ومعرض الشارقة الدولي للكتاب الذي بات أحد أكبر معارض الكتب في العالم من حيث زواره وصفقاته. وقد توّجت اليونسكو جهود الشارقة باختيارها عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019. وفي المجال الموسيقي والمسرحي، تستضيف الإمارات عروض أوركسترا عالمية (كأوركسترا باريس وأوركسترا نيويورك التي قدمت حفلات في أبوظبي)، وتنظم مهرجانات موسيقية مثل مهرجان أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية.
وإدراكًا لأهمية التراث، قامت الإمارات بجهود للحفاظ على تراثها المحلي والتعريف به عالميًا: فقد نجحت في إدراج عدد من عناصر تراثها غير المادي ضمن قائمة اليونسكو، مثل فن العيالة التقليدي وفن الصقارة (بالاشتراك مع دول أخرى) والقهوة العربية والمجالس الاجتماعية وغيرها. كما تم إدراج مواقع تراثية إماراتية على قائمة التراث العالمي مثل مدينة العين التاريخية. وعززت أبوظبي حضورها في مجال الآثار والتراث العالمي باستضافة المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي وإنشاء تحالف دولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ALIPH) بالتعاون مع فرنسا. هذه المساهمات ترسل رسالة أن الإمارات شريك دولي في حفظ التراث الإنساني، مما يكسبها احترامًا دوليًا ويعزز قوتها الناعمة الثقافية.
ولا يمكن إغفال أن واحدة من أعظم القوى الناعمة الثقافية للإمارات هي واقعها الاجتماعي المتنوع. فوجود أكثر من 200 جنسية تعيش وتعمل في الإمارات شكل فسيفساء ثقافية فريدة([36])، جعلت من الدولة “مجتمعًا عالميًا مصغرًا” ومختبرًا للتعايش بين مختلف الأعراق والأديان. هذا التنوع مقترن بسياسات رسمية تشجعه (مثل إلغاء الكثير من القيود الاجتماعية، وسن قوانين تجرّم الكراهية والتمييز، واستحداث وزارة للتسامح كما سلف) خلق بيئة من التسامح والتعايش أصبحت جزءًا من العلامة الوطنية للإمارات. وقد أكد تقرير لمركز المستقبل للأبحاث أن الإمارات عملت على أن تكون “مركزًا ثقافيًا فريدًا في المنطقة” عبر بناء قاعدة ثقافية متنوعة للغاية على أرضها([37])([38]). اليوم تُصوَّر الإمارات عالميًا كنموذج للاندماج الثقافي، حيث معابد الهندوس بجوار مساجد المسلمين وكنائس المسيحيين، والجميع يمارسون شعائرهم بحرية وأمان. وتوج هذا النهج بحدث تاريخي هو زيارة البابا فرنسيس لأبوظبي في فبراير 2019 كأول بابا للفاتيكان يزور شبه الجزيرة العربية، وتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية بينه وبين شيخ الأزهر في الإمارات([39]). كان لهذا الحدث أصداء عالمية بالغة الإيجابية([40])، واعتُبر شهادة على الدور الإماراتي في تعزيز الحوار بين الأديان. وقد اختارت الإمارات لاحقًا بناء بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي يضم كنيسة ومسجد وكنيس جنبًا إلى جنب، كرمز للتعايش الديني. هذه المبادرات الثقافية والقيمية أسهمت بشكل ملموس في تعزيز صورة الإمارات كـ”عاصمة للتسامح العالمي”، وهي عبارة كثيرًا ما تتردد في الأدبيات الدولية والإعلام عند الحديث عن الدولة([41])([42]).
أما على صعيد القوة الناعمة عبر التعليم والعلوم، فقد نجحت الإمارات في استقطاب فروع لأهم الجامعات العالمية: جامعة نيويورك أنشأت حرماً في أبوظبي، وجامعة السوربون افتتحت فرعاً لها أيضًا، إلى جانب فروع لجامعات مرموقة أخرى. وهذا جعل الإمارات وجهة تعليمية إقليمية يدرس فيها الآلاف من دول مختلفة، وينقلون انطباعات إيجابية عنها. إضافة لذلك، استثمرت الإمارات في مشاريع علمية ملهمة عززت صورتها كدولة عربية سبّاقة في الابتكار، مثل مشروع مسبار “الأمل” إلى كوكب المريخ الذي انطلق عام 2020 ودخل مدار المريخ بنجاح في فبراير 2021 كأول مهمة عربية للكوكب الأحمر. وقد أشادت صحف العالم بهذا الإنجاز العلمي، وساهم في ترسيخ سمعة الإمارات كدولة علمية متقدمة. أيضًا أطلقت الإمارات برنامج رواد الفضاء الإماراتي الذي أثمر عن إرسال أول رائد فضاء إماراتي (هزاع المنصوري) إلى محطة الفضاء الدولية عام 2019، وتخطط لإرسال رائد آخر لمدة أطول. هذه الإنجازات جذبت اهتمامًا عالميًا وشكلت “قوة ناعمة علمية” للإمارات، إذ أوصلت رسالة مفادها أن الدول العربية قادرة على المساهمة في التقدم العلمي للبشرية. كما استضافت الإمارات فعاليات علمية دولية مثل مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP28 في نوفمبر 2023، حيث حضر قادة وزعماء العالم لمناقشة قضية عالمية في رحاب الإمارات([43]). وكان اختيار الإمارات لاستضافة هذه القمة تتويجًا لجهودها في ملف الطاقة النظيفة (استضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة – إيرينا)، وتعهدها بتحقيق الحياد الكربوني في 2050، وغيرها من المبادرات التي أكسبتها احترامًا كمساهم دولي في قضايا المناخ والاستدامة([44])([45]).
3. الإعلام الدولي والترويج لصورة الإمارات
اعتبرت الإمارات الإعلام والتواصل العالمي أدوات جوهرية في ترسيخ قوتها الناعمة. فمنذ مطلع الألفية الجديدة، حرصت على تأسيس منافذ إعلامية تستهدف الجمهور الدولي بلغات متعددة. في عام 2007، أطلقت حكومة أبوظبي صحيفة “ذا ناشيونال” (The National) اليومية باللغة الإنجليزية لتكون منصة أخبار وتحليلات تعرض وجهة النظر الإماراتية وتنقل قصص النجاح في الدولة إلى القراء الأجانب. كما أنشأت أبوظبي في 2012 قناة “سكاي نيوز عربية” كشراكة بين شركة أبوظبي للإعلام وشبكة سكاي البريطانية، لتكون قناة إخبارية إقليمية بلغتين (العربية والإنجليزية عبر موقعها) تقدم صورة متوازنة عن قضايا المنطقة وتسهم في إبراز مواقف الإمارات. وإلى جانب ذلك، تعمل وكالة أنباء الإمارات الرسمية “وام” على بث أخبارها بخلاصات متعددة اللغات (العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الروسية، الصينية وغيرها) لضمان وصول الرسالة الإماراتية لأوسع نطاق عالمي. كما دشنت الإمارات خلال معرض إكسبو 2020 منصة إعلامية متقدمة هي “استوديو إكسبو – Studio Expo” قدمت محتوى رقميا متنوعا بعدة لغات للترويج لفعاليات المعرض عالميًا، واستمر بعضها بعد انتهاء المعرض لدعم دبلوماسية الإمارات العامة.
وتميزت الإمارات أيضًا في جانب العلاقات العامة الدولية؛ فالشركات والمؤسسات الإماراتية تستعين بكبرى شركات العلاقات العامة العالمية لتنظيم حملات ترويجية لصورة الإمارات في الخارج، خصوصًا في الدول الغربية. تُظهر التقارير أن الإمارات أنفقت مبالغ كبيرة على التعاقد مع شركات لوبي وعلاقات عامة في واشنطن ولندن لتحسين سمعتها والتأثير على صناع القرار هناك لصالح مواقفها (كما في سياق الخلاف مع قطر 2017-2021 أو حرب اليمن). لكن جانبًا أكثر إشراقًا هو توظيف الإمارات لصورتها كبيئة حاضنة للأحداث العالمية في الترويج الإعلامي: فهي تستضيف باستمرار مؤتمرات ومعارض دولية تحظى بتغطية إعلامية واسعة، مثل القمة العالمية للحكومات التي تقام سنويًا في دبي بحضور قادة وخبراء عالميين وتولد محتوى إعلاميًا إيجابيًا عن الإمارات كمختبر لأفضل الممارسات الحكومية. أيضًا معرض “جيتكس” السنوي للتقنية في دبي بات مقصدًا لشركات التكنولوجيا والإعلام التقني العالمي، فيتم إبراز دبي كمركز ابتكار. وكذلك معرض دبي للطيران ومعرض آيدكس للدفاع في أبوظبي، كلها تجذب آلاف المشاركين وكبريات وسائل الإعلام وتنقل صورة احترافية عن قدرة الإمارات التنظيمية وريادتها القطاعية.
على منصات التواصل الاجتماعي، يحظى قادة الإمارات بحضور متميز: فحسابات الشيخ محمد بن راشد والشيخ محمد بن زايد على تويتر وانستغرام يتابعها ملايين حول العالم، وينشرون بانتظام باللغتين العربية والإنجليزية رسائل حول إنجازات الدولة ورؤيتها وقيمها. حتى أن محمد بن راشد سبق ونشر قصيدة شعرية بالإنجليزية موجهة للعالم عبر تويتر. هذه الطريقة المباشرة في التواصل مع الجمهور الدولي تعزز الدبلوماسية الرقمية للإمارات. كما أن الحكومة الإماراتية أطلقت مبادرات رقمية مثل بوابة “UAE Nation Brand” لتشجيع الجمهور العالمي على التفاعل مع قصة الإمارات وشعارها الجديد. وتستخدم الإمارات كذلك مشاهير الفن والرياضة في الترويج؛ على سبيل المثال، استعانت بمشاهير عالميين في حملات MyDubai السياحية، واستقدمت الممثل الشهير ويل سميث ليقدم فيلمًا قصيرًا عن تجربة العيش في دبي، كما ظهر ممثلون بوليووديون في أفلام مصورة في أبوظبي. كل ذلك أوصل رسائل إيجابية لجمهورهم العريض حول الإمارات كوجهة مفضلة.
ولأن الإمارات تمتلك إحدى أقوى شركات الطيران العالمية (طيران الإمارات وطيران الاتحاد)، فقد استفادت من ذلك في التسويق العالمي: فرعاية طيران الإمارات لأندية كروية كبرى (ريال مدريد، آرسنال، باريس سان جيرمان) وضع شعار دبي والإمارات على صدور قمصان تلك الفرق وتحت أنظار جماهير الرياضة الدولية. وكذلك رعاية الاتحاد للطيران لفريق مانشستر سيتي سابقًا وفريق نيويورك سيتي، أسهمت في رفع اسم أبوظبي عالميًا (ملعب مانشستر سيتي الرئيسي يحمل اسم “استاد الاتحاد”). هذه الدبلوماسية التجارية/الرياضية مكملة للدبلوماسية الرسمية وأسهمت في بناء سمعة الإمارات كدولة ناجحة في عالم الأعمال والرياضة معًا.
انعكاس كل هذه الجهود الإعلامية والترويجية يظهر في نتائج مؤشرات القوة الناعمة: فالإمارات غالبًا ما يتم إبرازها إعلاميًا كنموذج إيجابي من المنطقة. ووفق تقرير مؤشر القوة الناعمة العالمي (Brand Finance) لعام 2025، صنفت الإمارات ضمن أفضل 10 دول عالميًا بفضل عوامل مثل التقدم التكنولوجي وبيئة الأعمال والانفتاح الثقافي([46])([47]). وقد أشار التقرير إلى أن الدبلوماسية الثقافية والمشاريع الدولية كاتفاقيات إبراهيم للسلام واستضافة إكسبو وحضورها في مبادرات المناخ، كلها عززت بصمتها الثقافية عالميا. كما تمت الإشادة بجهودها الإعلامية؛ إذ حلت الإمارات في المركز 11 عالميًا من حيث التأثير الإعلامي وفق تصنيف مؤتمر القوة الناعمة العالمي 2021([48])، وجاءت بين العشر الأوائل في التأثير الشعبي العالمي([49]). وبات ينظر للإمارات الآن على أنها تمتلك قوة ناعمة تضاهي قوتها الصلبة، وتسعى بواسطتها لترسيخ مكانتها كواحة للتسامح والحريات والتقدم في المنطقة([50]).
4. المساعدات الإنسانية والتنموية كاستثمار في السمعة الدولية
على غرار المملكة العربية السعودية، جعلت الإمارات العمل الإنساني والتنموي الدولي حجر زاوية في سياستها الخارجية، بل وتفوقت عالميًا في بعض معاييره. فقد دأبت منذ قيام الاتحاد عام 1971 على تقديم المساعدات للدول النامية، وتزايد هذا الدور بمرور الزمن حتى غدت الإمارات واحدة من أكبر المانحين الدوليين نسبة إلى دخلها القومي. ووفق البيانات الرسمية الإماراتية، بلغ إجمالي المساعدات الخارجية المقدمة منذ تأسيس الدولة وحتى منتصف 2024 حوالي 360 مليار درهم (نحو 98 مليار دولار).([51]) – وهو رقم هائل إذا ما قيس بحجم الاقتصاد السكاني للإمارات. الأهم أن الإمارات حافظت لسنوات عدة على مركز المانح الأكثر سخاءً في العالم نسبة إلى الدخل؛ فمثلًا في عام 2017 قدمت 19.3 مليار درهم كمساعدات تنموية (5.2 مليار دولار) بما يعادل 0.93% من دخلها القومي لتكون الأعلى عالميًا في تلك السنة بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وفي كل عام من 2013 إلى 2017 تصدرت الإمارات القائمة العالمية لنسبة المساعدات إلى الدخل([52])، محققة بذلك هدف الأمم المتحدة (0.7% من الدخل) بجدارة. وقد اعتمدت الحكومة الإماراتية سياسة شفافة ومنهجية للمساعدات بإصدار تقرير سنوي مفصل عن المساعدات الخارجية (عبر وزارة التعاون الدولي – التي ترأستها ريم الهاشمي، ثم وزارة الخارجية والتعاون الدولي حاليًا)، تعرض فيه حجم المساعدات ووجهتها وقطاعاتها. وأظهرت التقارير تنوعًا كبيرًا في خارطة المساعدات الإماراتية جغرافيًا: من العالم العربي (مصر، اليمن، الأردن، فلسطين) إلى آسيا (أفغانستان، باكستان، بنغلاديش) إلى أفريقيا (مصر ودول القرن الأفريقي ومؤخرًا دول الساحل)، وحتى مناطق أبعد. وتغطي هذه المساعدات قطاعات متعددة: من بناء بنية تحتية (مدارس، طرق، مستشفيات) إلى دعم إنساني عاجل (غذاء ودواء في أزمات)، وصولًا إلى مساعدات فنية وتقنية.
تميز النهج الإماراتي في المساعدات بعدة جوانب زادت من تأثيره الناعم: عدم تسييس المساعدات بشكل فج، حيث تُقدم غالبًا دون اشتراطات سياسية حادة (على الأقل ظاهريًا)، ما أكسبها تقديرًا أمميًا. أيضًا الاستجابة السريعة للأزمات، فالإمارات سباقة في إرسال فرق الإغاثة والطوارئ حال وقوع كوارث طبيعية أو أزمات إنسانية. على سبيل المثال، خلال جائحة كوفيد-19 أرسلت الإمارات مساعدات طبية إلى أكثر من 100 دولة (بما فيها دول كبرى كالملكة المتحدة والصين وإيطاليا في بدايات الأزمة)، مما عكس روح التضامن وجعل علم الإمارات حاضرًا في عناوين الأخبار كدولة معطاءة. وفي كارثة انفجار مرفأ بيروت 2020 كانت الإمارات من أوائل الدول التي أقامت جسرًا جويًا إغاثيًا إلى لبنان، ووجه رئيسها بإرسال مساعدات عاجلة بقيمة 100 مليون دولار([53]). ومؤخرًا في الأزمة السودانية (2023) أعلنت الإمارات حزمة مساعدات بـ 100 مليون دولار واستقبلت لاجئين للعلاج([54]). هذه المواقف تعزز صورة الإمارات كـ”دولة صديقة عند الشدة”. كما عززت الإمارات بنيتها التحتية الإنسانية، فأسست في دبي “المدينة العالمية للخدمات الإنسانية” وهي أكبر مستودع إغاثي لوجستي في العالم تديره الأمم المتحدة وشركاؤها، وتستخدمه منظمات مثل برنامج الأغذية العالمي لتخزين مواد الإغاثة وتوزيعها بسرعة في آسيا وأفريقيا. وهذا جعل دبي مركزًا عالميًا لوجستيًا للرحمة إن جاز التعبير، وارتبط اسمها بالمبادرات الإنسانية.
ولم يغب عن الإمارات الجانب التنموي المستدام في قوتها الناعمة: فهي تمول مشاريع تنموية طويلة الأجل تترك بصمة مستدامة في الدول المستفيدة، مثل بناء السدود وشبكات الكهرباء (بواسطة صندوق أبوظبي للتنمية)، وتمويل برامج الصحة العالمية (كمبادرة محمد بن زايد لاستئصال شلل الأطفال بالتعاون مع مؤسسة بيل غيتس، حيث قدّم الشيخ محمد مئات الملايين لدعم جهود التطعيم عالميا). وأطلقت الإمارات عام 2024 وكالة الإمارات للإغاثة كهيئة اتحادية لتنظيم المساعدات (كما ورد في أخبار تصريحات ولي عهد أبوظبي)([55])، مما يظهر استمرار التطوير المؤسسي لهذا القطاع.
هذه الجهود بمجملها أكسبت الإمارات احترامًا وإشادة في المحافل الدولية. فقد وصفتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأنها “شريك تنمية رئيسي” خارج أعضاء اللجنة (الإمارات ليست عضوًا في لجنة مساعدات التنمية بالـOECD لكنها تقدم تقارير طوعية لهم). كما كرمت الأمم المتحدة الإمارات مرارًا على مساهماتها، ومنحت منظمة الصحة العالمية عام 2019 محمد بن زايد ميدالية تقدير لدوره في مكافحة الأمراض. ومن زاوية القوة الناعمة، فإن المساعدات الإماراتية أسست لرصيد من الامتنان للدولة لدى شعوب عدة، خاصة في العالم الإسلامي وأفريقيا. فعلى سبيل المثال، ارتبط اسم الإمارات في ذهن الكثير من المصريين بالمشاريع التنموية الضخمة التي موّلتها بعد 2013 (كبناء 100 مدرسة و88 مركزًا صحيًا وغيرها)، وفي باكستان بالمشاريع في مناطق القبائل وبناء الطرق، وفي كوسوفو وألبانيا ببناء المدن السكنية للنازحين وغيرها. هذا الرصيد يتحول عند الحاجة إلى رصيد دبلوماسي يمنح الإمارات ثقلًا ومقبولية عند التوسط أو طرح مبادرات دولية. كما أن سخاء الإمارات نسبيًا لحجمها يولد انطباعًا إيجابيًا عامًا في الإعلام الدولي، ففي كل سنة تقريبًا تتصدر أخبار “الإمارات أكبر مانح نسبة للناتج القومي” عناوين صحف التنمية الدولية، بما يعزز علامتها كدولة معطاءة ومسؤولة. ولعل أفضل تتويج لذلك كان اختيار أبوظبي لاستضافة مؤتمر “المجلس الدولي للسكري” عام 2017 بدعم من الأمم المتحدة للحديث عن الابتكار في التمويل الإنساني – وهو اعتراف دولي بجهود الإمارات في هذا المضمار.
5. الرياضة والفعاليات الكبرى في خدمة الدبلوماسية الإماراتية
لطالما أدركت دولة الإمارات أهمية الفعاليات الدولية الكبرى – رياضية كانت أو اقتصادية أو ثقافية – كمنصة لتعزيز حضورها العالمي. وقد حصدت أبوظبي ودبي سمعة ممتازة في هذا المجال بفضل استضافتهما الناجحة لسلسلة من الأحداث الضخمة خلال العقدين الماضيين. ولعل الحدث الأبرز كان معرض إكسبو 2020 دبي، الذي تأجل لعام 2021/2022 بسبب الجائحة. سعت الإمارات لاستضافة هذا المعرض منذ فوزها بالتصويت في 2013، إدراكًا منها لأهمية المعارض الدولية (وهي من أضخم الفعاليات العالمية عمرًا وتأثيرًا) في إبراز قصص النجاح الوطني وتعزيز المكانة الدولية([56]). وبالفعل، استثمرت إمكانات هائلة لإنجاح المعرض تحت شعار “تواصل العقول وصنع المستقبل”، ونجحت في تقديم نسخة مبهرة لاقت إعجاب الزوار والمشاركين([57])([58]). حضر إكسبو دبي أكثر من 24 مليون زائر من شتى أنحاء العالم خلال ستة أشهر، وشهد مشاركة 192 دولة بجناحات عرضت ثقافاتها وإنجازاتها. وقد أكدت تحليلات المراقبين أن إكسبو 2020 أصبح نموذجًا لقصة نجاح إماراتية توظف الأدوات الثقافية لخدمة قوتها الناعمة([59])([60]). فقد أبرز المعرض قدرة الإمارات التنظيمية عالمية المستوى، وعكس تاريخ 50 عامًا من التطور والازدهار بمشاركة العالم الاحتفال بذلك[60]. وأسهم المعرض في تعزيز النفوذ الإماراتي إقليميًا وعالميًا عبر توسيع شبكة العلاقات الشعبية والدبلوماسية([61])، واستقطاب اهتمام اقتصادي وسياحي واستثماري عالمي[61]. وكشفت دراسة أن النجاحات العالمية كإكسبو، إلى جانب اتفاقيات السلام (إبراهيم) واستضافة قمم المناخ، تزامنت مع قفزة ترتيب الإمارات في القوة الناعمة من المركز 18 في 2020 إلى ضمن العشرة الأوائل بحلول 2023[62]. أي أن لهذه الأحداث الضخمة أثرًا ملموسًا في إبراز الصورة الحقيقية للدولة وتعزيز نفوذها[62].
وإلى جانب إكسبو، اعتادت الإمارات استضافة قمم اقتصادية وسياسية رفيعة المستوى: استضافت دبي عام 2003 اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (كأول مدينة عربية)، وتستضيف سنويًا المنتدى الاقتصادي العالمي الإقليمي. كما استضافت أبوظبي قمة الطاقة العالمية والقمة العالمية للصناعة والتصنيع وغيرها. وكل تلك الفعاليات تستقطب صناع القرار والخبراء، مما يتيح عرض النموذج الإماراتي وإنجازاته أمامهم مباشرة وجعلهم سفراء غير رسميين ينقلون انطباعات إيجابية عن الدولة بعد عودتهم[63].
في المجال الرياضي، تمتلك الإمارات باعًا طويلاً في استضافة البطولات الكبرى: تستضيف سباق جائزة الاتحاد للطيران الكبرى للفورمولا 1 في أبوظبي سنويًا منذ 2009، كحدث رياضي وسياحي فائق الأهمية ينقل مشاهد أبوظبي لجمهور عالمي. كما نظمت الإمارات كأس العالم للأندية لكرة القدم عدة مرات (2009، 2010، 2017، 2018) بشهادة نجاح عالية من الفيفا، واستضافت كأس آسيا لكرة القدم 2019. وتستضيف دبي سنويًا بطولة دبي للتنس لفئة المحترفين والمحترفات، وبطولة دبي للجولف، كما احتضنت الإمارات بطولة كأس العالم للشباب تحت 20 سنة سابقًا. وعلى صعيد ملكية الأندية، حققت الإمارات واحدة من أبرز قصص نجاح الدبلوماسية الرياضية الاستثمارية باستحواذ مجموعة أبوظبي (الشيخ منصور بن زايد) على نادي مانشستر سيتي الإنجليزي عام 2008، والذي تحول بفضل الاستثمار الإماراتي إلى نادٍ عالمي حقق بطولة الدوري الإنجليزي عدة مرات ودوري أبطال أوروبا. وقد ساهم هذا في رفع اسم أبوظبي (الراعي لملعب النادي وقميصه في سنوات سابقة) في الإعلام الرياضي باستمرار. وبشكل عام، فإن الرياضة الإماراتية حملت شعار الدولة إلى منصات عالمية بطريقة ناعمة، سواء عبر رعاية بطولات (مثل رعاية طيران الإمارات لأكبر سباقات الخيل في العالم – كأس ملبورن وكأس ملبورن) أو عبر استقدام فعاليات مبتكرة (مثل سباق دبي للجري العالمي في منتصف الليل). وميزة الإمارات هنا أنها دخلت مبكرًا هذا المضمار مقارنة بجيرانها، فكوّنت خبرة تراكمية وبنية تحتية راسخة (ملاعب، مرافق) جعلتها خيارًا مفضلًا للاتحادات الدولية لاستضافة البطولات.
هذه النجاحات المتتالية في إدارة الفعاليات الكبرى رسّخت الثقة الدولية في قدرات الإمارات. فعندما ضربت جائحة كورونا العالم وأدت لتأجيل إكسبو، أصرّت الدول المشاركة على الاستمرار مع الإمارات وثقتها بأن التأجيل لعام واحد كافٍ. وبالفعل تم تنظيم الحدث بأمان ونجاح باهر. كذلك لما فازت قطر باستضافة مونديال 2022، لجأت للاستفادة من خبرات الإمارات التنظيمية (رغم الخلاف السياسي حينها) في بعض المجالات، كتوظيف شركات إماراتية في تنظيم الجماهير، مما يعكس السمعة المتميزة للإمارات. ومن منظور القوة الناعمة، حققت الإمارات عبر هذه الأحداث جملة من المكاسب: إبراز نفسها كـ”عاصمة إقليمية” لكل ما هو دولي – من أحداث رياضية إلى معارض اقتصادية – مما يرسخ صورتها كمركز عالمي نشط[64]؛ تعزيز الشعور بالفخر الوطني داخليًا والذي يُترجم إلى رواية شعبية إيجابية تروجها الجاليات الإماراتية في الخارج؛ والأهم توسيع شبكة الصداقات والعلاقات غير الرسمية بين شعب الإمارات وشعوب العالم، حيث احتكت كوادر إماراتية شابة بمتطوعين وزوار من كل البلدان خلال إكسبو والبطولات، ما خلق روابط إنسانية طويلة الأمد تخدم البلد مستقبلاً.
في المحصلة، نجحت الإمارات إلى حد بعيد في جعل الفعالية الدولية أداة من أدوات قوتها الناعمة، بحيث كل حدث كبير تستضيفه يضيف لبنة إلى “برج سمعتها” العالمي الآخذ في الارتفاع. وقد تجسد ذلك بدخول الإمارات نهائيًا نادي العشر الكبار في القوة الناعمة العالمية وفق مؤشر 2025[49]، محافظةً على ترتيبها العاشر عالميًا الذي نالته منذ 2023 )[62]). هذا الموقع المتقدم ما كان ليتحقق لولا حصيلة عقود من الاستثمار الذكي في الثقافة والإعلام والإنسانية والرياضة وغيرها، ضمن رؤية استراتيجية تضع سمعة الدولة ومكانتها في مصاف الأولويات الوطنية.
المبحث الثالث: المقارنة بين التجربتين السعودية والإماراتية
بعد استعراض مفصل لكل من التجربتين السعودية والإماراتية في بناء القوة الناعمة، ننتقل الآن إلى مقارنة مباشرة تبرز أوجه التشابه والاختلاف في المقاربات والأدوات والنتائج بين البلدين. يتضح من العرض السابق أن كلا الدولتين أدركتا أهمية القوة الناعمة في تعزيز نفوذهما الخارجي وتحقيق أهداف سياستهما الدولية، إلا أن النهج الاستراتيجي ودرجة التكامل المؤسسي وسرعة الإنجاز والتأثير اختلفت بينهما. أدناه نناقش أبرز محاور المقارنة:
1. الرؤية الإستراتيجية والتخطيط المؤسسي
الإمارات تبنّت نهجًا أكثر استباقية وتنظيمًا مؤسسيًا لبناء قوتها الناعمة. فقد وضعت إطارًا إستراتيجيًا واضحًا مبكرًا متمثلًا في استراتيجية القوة الناعمة 2017 التي حظيت بدعم أعلى المستويات الحكومية[8]، وتأسس مجلس تنسيقي يشارك فيه كبار الوزراء والمسؤولين[27] لتوحيد الجهود الوطنية في هذا المجال. هذا يعني أن الإمارات صاغت سياسة شاملة ومتكاملة تضم مختلف القطاعات (الثقافة، الاقتصاد، الدبلوماسية الشعبية، الإعلام، المساعدات) تحت مظلة واحدة بهدف تحسين السمعة وترسيخ مكانتها العالمية[8]. كما عززت منظومتها المؤسسية عبر وزارات جديدة للقيم المجتمعية (التسامح والسعادة والشباب)، وأنشأت مكتبًا للدبلوماسية العامة، ونفّذت حملات هوية إعلامية موحدة. كل ذلك يدل على درجة عالية من التنظيم المؤسسي والاعتراف الرسمي بأهمية القوة الناعمة.
أما السعودية، فعلى الرغم من تبنيها عناصر القوة الناعمة ضمن رؤية 2030، إلا أنها لم تنشئ (حتى 2025) مجلسًا وطنيًا موحدًا أو استراتيجية معلنة مخصوصة للقوة الناعمة كما فعلت الإمارات. بدلاً من ذلك، توزعت جهود القوة الناعمة السعودية بين برامج رؤية 2030 المختلفة (مثل برنامج جودة الحياة الذي يغطي الترفيه والثقافة، وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية الذي يشمل السياحة، وغيرها) وبين الوزارات والمؤسسات المعنية كلٌ في نطاقه. فوزارة الخارجية أسست إدارة للدبلوماسية العامة وشجعت مبادرات الحوار الثقافي، ووزارة الإعلام أطلقت خططًا لتحسين الصورة الخارجية، ووزارة الثقافة وضعت استراتيجية ثقافية تهدف لجعل المملكة وجهة ثقافية عالمية بحلول 2030[65]، وهيئة الترفيه لديها أجندة فعاليات دولية، ووزارة السياحة تعمل على ترويج المملكة عالميًا وهكذا. أي أن المكونات موجودة لكن التنسيق المركزي أقل وضوحًا مقارنة بالإمارات. كما أنه لا يوجد خطاب رسمي متكرر يتبنى مصطلح “القوة الناعمة” بحد ذاته في السعودية (رغم استخدام المفهوم ضمنيًا)، في حين نجد المسؤولين الإماراتيين – من أعلى المستويات – يتحدثون صراحة عن بناء قوة ناعمة إماراتية كهدف وطني[34][41]. وربما يرجع ذلك إلى أن السعودية ركزت في البداية على التغيير الداخلي، على اعتبار أن تحقيق إنجازات إصلاحية بالداخل سينعكس تلقائيًا على السمعة الخارجية. لكن مع انطلاق الرؤية بدأت الحاجة تبرز لجهود خارجية منظمة لتسويق هذا التحول، ومن هنا صدرت توجيهات لتعزيز العمل الإعلامي الخارجي وإنشاء مراكز تواصل دولية تحت إشراف الديوان الملكي ووزارة الإعلام. ومع نهاية العقد الحالي، يُتوقع أن تتجه المملكة نحو مأسسة أكبر لقوة ناعمة متكاملة، وربما إنشاء مجلس أو هيئة عليا تعنى بذلك (أسوة بتجربة الإمارات). يمكن القول إن الإمارات تفوّقت في هذا الجانب بحكم الأسبقية الزمنية والتجربة، بينما السعودية تلحق بالركب وتسعى للاستفادة من النموذج المؤسسي الإماراتي.
2. أدوات القوة الناعمة الرئيسية: توازن التشابه والاختلاف
في الجدول التالي نستعرض مقارنة مباشرة بين أدوات ومجالات القوة الناعمة التي يوظفها البلدان، لبيان نقاط التركيز لكل منهما:
| المجال/ الاداة | تركيز وأمثلة (السعودية) | تركيز وأمثلة (الامارات) |
| الاستراتيجية الوطنية | – تضمين أهداف القوة الناعمة ضمن رؤية 2030 (تحسين الصورة، الانفتاح الثقافي، جذب السياح والاستثمارات). إستراتيجية مستقلة معلنة للقوة الناعمة حتى 2025، بل جهود موزعة عبر برامج الرؤية والوزارات المختلفة. -الاعتماد على مكانة المملكة الدينية ومحوريتها الإقليمية كأساس تنطلق منه المبادرات الناعمة. | إستراتيجية وطنية معلنة للقوة الناعمة منذ 2017 بدعم حكومي مجلس القوة الناعمة أعلى[8] لتنسيق كافة الجهود (حكومية وخاصة وأهلية) لرسم صورة موحدة ورؤية موحدة للدولة[29].– رؤية واضحة لتعزيز الهوية الوطنية عالميًا كدولة حديثة ومنفتحة ومتسامحة[8]. |
| الثقافة والفنون | – نهضة حديثة في القطاع الثقافي بعد افتتاح دور السينما، إنشاء وزارة الثقافة (2016-2018) وهيئات فنون وأفلام. مهرجانات ناشئة: موسم الرياض، مهرجان البحر الأحمر السينمائي، بينالي الفنون.– إبراز التراث: مشاريع العلا والدرعية الإسلامية ، تسجيل مواقع تراثية في اليونسكو، إحياء الحِرف التقليدية.– التركيز لا يزال محليًا/إقليميًا بشكل أكبر وإن كانت الطموحات عالمية (مثل إرسال معارض متنقلة للخط العربي للخارج). | – بني تحتية ثقافية عالمية: متحف اللوفر أبوظبي[36]، متاحف حديثة (قيد الإنشاء كجوجنهايم) تؤكد حضورًا ثقافيًا دوليًا.– فعاليات راسخة: آرت دبي، معرض الشارقة للكتاب، مهرجان أبوظبي للفنون – باتت وجهات دولية ثابتة.– الثقافة المحلية جزء من الهوية المصدرة: فنون الأداء التراثية في إكسبو وغيره، تضمين الضيافة الإماراتية في الفعاليات. – تعتبر الإمارات نفسها مركزًا ثقافيًا إقليميًا وتسعى لريادة الإبداع الفني في العالم العربي. |
| القيم والمبادئ (الدبلوماسية القيمية) | – الدين المعتدل: تروج المملكة لنفسها كقبلة الإسلام المعتدل ومسؤولة عن رعاية الحرمين[66]، مع جهود لمحاربة التطرف (مركز اعتدال، رابطة العالم الإسلامي في الحوار).– إصلاحات اجتماعية: إبراز تمكين المرأة (قيادة السيارة، مناصب عليا) لتحسين الصورة الحقوقية. – تؤكد المملكة على قيم مثل الاستقرار والتضامن العربي والإسلامي في خطابها الدولي. | – التسامح والتعايش: قيمة محورية تروجها رسميًا (وزارة للتسامح، عام للتسامح 2019)[32]، مع مبادرات كبناء دور عبادة لمختلف الأديان، ووثيقة الأخوة الإنسانية[39].– السعادة وجودة الحياة: إبراز الإمارات كدولة تهتم برفاه الإنسان (وزارة السعادة، مراكز خدمة نموذجية).– الحداثة والانفتاح: خطاب الإمارات يركز على أنها مجتمع منفتح يحترم الحريات (تعديل قوانين لتحسين بيئة المعيشة للأجانب، حرية الملبس نسبيًا، الخ). |
| الإعلام والتواصل | – أدوات إعلامية تقليدية قوية إقليميًا: مجموعة MBC (ترفيه) ذات انتشار واسع، قناة العربية (أخبار) المؤثرة عربيًا، وصحف كـ الشرق الأوسط والرياض (موجهة للعرب).– منصات بالإنجليزية: عرب نيوز، سعودي جازيت – نطاقها محدود مقارنة بنظيراتها الإماراتية.– حملات العلاقات العامة: نشاط عالي بعد 2018 لتحسين الصورة في الغرب، لكن ما زالت تتعامل برد الفعل أحيانًا أكثر من المبادر. – الحضور الرقمي: تنامٍ في تواجد المسؤولين على تويتر، واطلاق مركز التواصل الدولي لنشر محتوى رسمي بعدة لغات. | – منظومة إعلام دولية متنوعة: سكاي نيوز عربية (موجهة إقليميًا)، صحيفة ذا ناشيونال (جمهور غربي)، شبكة أبوظبي للإعلام لها ذراع عالمي، وكالة وام تبث بلغات عدة.– توظيف ذكي للإعلام في المناسبات: حملات عالمية خلال إكسبو 2020، إنتاج أفلام وثائقية عن الإمارات على قنوات عالمية.– سمعة إعلامية إيجابية: أقل قيودًا على الإعلام الدولي العامل بالإمارات مقارنة بالسعودية، مما جعلها مركزًا للمراسلين في المنطقة.– قادة الإمارات نشطون على شبكات التواصل ويلقون تفاعلًا كبيرًا، مما يضفي طابعًا ودودًا وشعبيًا على صورتهم. |
| الدبلوماسية الدينية | – تستفيد بقوة من موقعها كقلب العالم الإسلامي: مواسم الحج والعمرة (تستقطب ~8 مليون معتمر سنويًا قبل كورونا) منصة لتعزيز الروابط[67].– منظمة التعاون الإسلامي رابطة العالم الإسلامي تحت نفوذها، تستغلها لتوحيد الموقف الإسلامي أحيانًا (مثل قمم مكة الطارئة).– مؤخراً: انفتاح على حوار الأديان عبر الرابطة وزيارات العيسى لأوروبا وأمريكا لتصحيح الصورة. | – لا تمتلك ثقلًا دينيًا إسلاميًا مماثل، لكنها تبنت دبلوماسية حوار الأديان: استضافت البابا وشيخ الأزهر[39]، تبني خطاب التسامح الديني وتعيين وزير للتسامح.[32]– مجلس حكماء المسلمين مقره أبوظبي يعمل على تقريب المذاهب وإبراز الإمارات كحاضنة للإسلام المعتدل (برئاسة شيخ الأزهر سابقًا).– تسوّق الإمارات نفسها كعاصمة للتعددية الدينية في الشرق الأوسط (وجود الكنائس والمعابد في أبوظبي ودبي دون حساسيات). |
| المساعدات الخارجية | – إجمالي تاريخي ضخم ~$140 مليار[20] (الأعلى عربيًا)، تركّز تاريخيًا على العالمين العربي والإسلامي (مصر، فلسطين، اليمن، باكستان…).– قفزة في التنسيق: إنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة (2015) ومنصة المساعدات السعودية (2018)[24] لتحسين توثيق وتنسيق المساعدات. – غالبية المساعدات كانت ثنائية (من دولة لدولة) وتستخدم أيضًا لدعم حلفاء سياسيين (مثال: دعم مصر بعد 2013، السودان، البحرين…).– حضور أقل في أفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بالإمارات، وأقل انخراطًا في قضايا التنمية العالمية العامة (باستثناء مساهمات متفرقة كدعمGlobal Fund). | – إجمالي ~$98 مليار منذ 1971[51] (ثاني أكبر خليجي بعد السعودية)، لكن الإمارات تفوق الجميع كنسبة من الدخل سنويًا[52].– مساعدات متنوعة جغرافيًا: حضور قوي في أفريقيا وآسيا إلى جانب المنطقة العربية. مشاريع كبرى في مصر والأردن، وكذلك باكستان وأفغانستان، ودعم مستمر للدول الأقل نموًا (جزر المحيط الهادئ، دول أفريقيا الفقيرة…).– اعتمادية عالية: تأسيس وزارة التعاون الدولي لتنسيق المساعدات وتقديم التقارير السنوية بشفافية، تحرص الإمارات أن تظهر كمساهم دولي مسؤول (شراكات مع الأمم المتحدة، استضافة مقرات وكالات إغاثة).– توجه للمبادرات متعددة الأطراف: تمويل مبادرات أممية وصناديق تنموية مشتركة (صندوق حياة & سبل المعيشة مع البنك الإسلامي للتنمية مثلًا[68]). |
| الفعاليات الدولية والرياضة | – فعاليات رياضية: تسارع حديث في 5 سنوات الأخيرة – فورمولا إي، ملاكمة عالمية، سباقات رالي، بطولات كرة قدم (استضافة سوبر إيطالي وإسباني)، وعروض المصارعة الترفيهية (WWE)… culminating في نجاحات مثل الفوز باستضافة آسيا 2027 وإكسبو 2030 والبطولة الآسيوية الشتوية 2029.– مؤتمرات: استضافت قمة G20 (افتراضية 2020)؛ تخطط لاستضافة مناسبات دولية مثل قمة الشرق الأوسط الأخضر، والقمة العالمية للذكاء الاصطناعي – لكن لم تصل بعد لمستوى الإمارات في كثافة المؤتمرات الدورية العالمية.– الحضور السياحي في المعارض: جناح السعودية في إكسبو 2020 كان ثاني أكبر جناح وحاز جوائز، مما أظهر اهتمام المملكة بتحقيق بصمة في تلك الفعاليات. | – فعاليات رياضية: سبّاقة في المنطقة – الفورمولا1 منذ 2009 بأبوظبي، بطولات تنس وجولف سنوية، كأس العالم للأندية عدة مرات، آسيا 2019… كما أن أبوظبي تملك نادي مانشستر سيتي (عبر شركة سيتي لكرة القدم) الذي يعد دعاية عالمية غير مباشرة للإمارات.– معارض ومؤتمرات: تنظيم معرض إكسبو 2020 بنجاح مبهر[59][61]؛ منتدى دبي الاقتصادي العالمي؛ القمة العالمية للحكومات (حدث سنوي دولي)؛ معرض دبي للطيران (من الأكبر عالميًا)؛ آيدكس للدفاع… باتت الإمارات مركزًا ثابتًا لهذه الملتقيات.– معارض تجارية وسياحية: سوق السفر العربي بدبي، معرض ومؤتمر البترول العالمي بأبوظبي 2019، إلخ – حضور دائم. النجاح الإماراتي هنا جعلها الوجهة الأولى إقليميًا لأغلب الفعاليات الكبرى، قبل السعودية. |
| الصورة الذهنية والسمعة الدولية | – تحولات إيجابية: بدأت الصورة التقليدية للمملكة المحافظة تنكسر لتظهر ملامح جديدة – بلد سياحي ناشئ، مجتمع يتغير (مشاهد حفلات موسيقية وفعاليات ترفيه غير مألوفة سابقًا). العالم بدأ يلحظ تلك التغييرات ويناقشها إيجابًا.– تحديات: الماضي القريب يلقي بظلاله؛ أحداث مثل قضية خاشقجي 2018 أو حرب اليمن استُغلت إعلاميًا ضد المملكة وشوّهت صورتها[66]، تحتاج المملكة لوقت وجهد لتجاوز أثرها. سجلّ حقوق الإنسان لا يزال محط انتقاد لدى بعض الدوائر مما يحدّ من قوة سردية الانفتاح.– مكانة دينية قوية: لدى الشعوب الإسلامية، سمعة السعودية كأرض الحرمين ثابتة وإيجابية عمومًا، وتساعدها في تبوء موقع قيادي رغم ما قد يُؤخذ عليها سياسيًا.– المؤشرات: تحسن ترتيب السعودية في مؤشر Brand Finance للقوة الناعمة من 26 (2020) إلى 18 (2024)[17][18] ثم 20 (2025)[17][18] مما يظهر تصاعدًا لكن لا يزال خلف الإمارات. | – صورة إيجابية راسخة: تُعرف الإمارات عالميًا بأنها بلد حديث، مزدهر، منفتح للسياحة والأعمال. مدن كدبي وأبوظبي ارتبطت في الذهن العالمي بالرفاهية والأمان والفرص (وجهة سياحية وتسوق وترفيه). – القوة الناعمة المكتسبة: نجاحات دبلوماسية (اتفاق إبراهيم للسلام مع إسرائيل 2020، دور وساطة نسبي في أفغانستان والسودان) عززت صورة الإمارات كشريك سلام وانفتاح[40]. عدم وجود نزاعات سياسية حادة مع الدول الكبرى جعل سمعتها أقل جدلية مقارنة بالسعودية. – انتقادات محدودة: تُنتقد الإمارات أحيانًا في قضايا مثل حقوق العمال الوافدين أو دورها باليمن (2015-2019)، لكن تمكنت عبر التواصل الفعال ومبادرات التحسين من منع تلك الملفات من التأثير البالغ على سمعتها العامة. كما أن عدم وجود تركيز إعلامي غربي سلبي كثيف عليها كما حصل مع السعودية في بعض القضايا أعطاها مجال مناورة أفضل.– المؤشرات: ثبات الإمارات بين الكبار – 10 عالميًا منذ 2023[62]، والأولى إقليميًا باستمرار[9]. في مؤشر 2025 حلت بالمرتبة 10 (بينما السعودية 20)[17][18]، مما يعكس فجوة لصالح الإمارات في إدراك الجمهور العالمي. |
قراءة في المقارنة: نرى أن كلا البلدين يستخدم تشكيلة أدوات متشابهة (ثقافة، إعلام، مساعدات، سياحة، فعاليات…) لكن كيفية التفعيل ومستوى التركيز يختلف. الإمارات ركزت بقوة على قيم التسامح والتنوع كعلامة وطنية، بينما السعودية ترتكز على قيمتها الدينية وتراثها الإسلامي الأساسية مع محاولة إبراز اعتدالها الجديد. ثقافيًا، الإمارات لديها بنية تحتية واستثمار أقدم جعلها مركزًا ثقافيًا قبل أن تبدأ السعودية رحلة مشابهة متأخرة. في الإعلام الدولي، للإمارات سبق واضح عبر قنوات وصحف عالمية، بينما السعودية تدعم الآن وسائل موجهة للغرب ولكنها لا تزال تبني جمهورها. في المساعدات، كلاهما سخيّان، مع تفوق سعودي بالكم المطلق[20] وتفوق إماراتي بالنسبة والتنوع[52] – حتى إن مؤشر القوة الناعمة العالمي رصد أن “مساعدة الدول المحتاجة” إحدى النقاط التي تتلقى فيها الإمارات تقييمًا عاليًا[69]. أما في الرياضة والفعاليات، فالإمارات صاحبة خبرة طويلة جعلت اسمها مرتبطًا بأحداث ناجحة (فورمولا1، المؤتمرات السنوية)، والسعودية دخلت بقوة مؤخراً وتحقق مكاسب سريعة (استقطاب نجوم الرياضة، تنظيم أحداث كبرى مستقبلية) وقد تلحق بالإمارات في هذا المضمار قريبًا.
3. التأثير الدولي والصورة الذهنية: تفوّق التجربة الإماراتية
عند تقييم الأثر الدولي التراكمي لكل من التجربتين، تميل الكفة حاليًا لصالح الإمارات من حيث النجاح في بناء صورة ذهنية إيجابية وشاملة على المستوى العالمي. فالإمارات تمكنت عبر عقدين من الاستراتيجيات المتواصلة أن تثبت في الأذهان صورتها كدولة معتدلة ومزدهرة ومنفتحة، بل وأصبحت تُقارن بنماذج عالمية ناجحة رغم حداثة عمرها. مثلاً، أصبح شائعًا في الإعلام الدولي تشبيه دبي بمدن عالمية رائدة مثل سنغافورة أو هونغ كونغ في جذب الأعمال والسياح. وأيضًا ينظر للإمارات كصوت إيجابي في القضايا الدولية مثل التغير المناخي (استضافة وإطلاق مبادرات خضراء)، ومكافحة التطرف (مركز هداية بأبوظبي، دعم تحالفات مكافحة الإرهاب فكريًا). هذا الحضور المتوازن جعل الإمارات تلقى احترامًا دوليًا يفوق حجمها الجغرافي أو السكاني. حتى في الأزمات السياسية المعقدة (كحرب اليمن أو المقاطعة مع قطر)، نجحت الإمارات في الحفاظ على نهج هادئ أقل ضررًا بسمعتها مقارنة بالسعودية التي وُضعت أكثر تحت المجهر. أضف إلى ذلك أن الإمارات بحكم كونها مجتمعًا شديد التنوع وبلا أغلبية سكانية محلية كبيرة، قلّ فيها الاحتكاك الثقافي مع الوافدين وتحولت لما يشبه “أرض الفرص لكل الجنسيات”، فانعكس ذلك بسمعة تسامح وتعددية يستحيل أن تنالها دولة أحادية الثقافة. وبالفعل صنّف مؤشر القوة الناعمة 2023 الإمارات ضمن العشرة الكبار عالميًا من حيث سهولة التعامل وودّ الشعب[9]. ولا شك أن الاستقرار السياسي الداخلي للإمارات (غياب أية اضطرابات أو تهديدات أمنية كبيرة طيلة تاريخها الحديث) عزز الثقة الدولية بها، مقارنة بالسعودية التي عانت من هجمات إرهابية في العقد الأول من الألفية واضطرابات أمنية محدودة، مما كان يؤثر سابقًا على سمعتها كبلد آمن – قبل أن تنجح خلال السنوات الأخيرة في ضبط ذلك واستعادة الاستقرار الكامل.
على الجانب الآخر، السعودية تمر حاليًا بمرحلة إعادة تشكيل صورتها أكثر من ترسيخ صورة ثابتة. فصورتها التقليدية لدى شريحة واسعة حول العالم (خاصة في الغرب) كانت سلبية إلى حد ما بفعل عوامل معروفة: التشدد الديني، قيود المرأة، قضايا حقوق الإنسان، تصدير الفكر المحافظ… إلخ. الآن تبذل القيادة الجديدة جهودًا جبارة لمحو تلك الصورة عبر حزمة إصلاحات اجتماعية وقانونية وإعلامية، ويُمكن تلمّس بوادر نجاح. فقد بدأت الميديا الغربية تتناول “السعودية الجديدة” بإيجابية واهتمام، وارتفعت شعبية ولي العهد محمد بن سلمان لدى قطاعات من الشباب العربي (وفق استطلاعات عربية سنوية مثل “أصداء بي سي دبليو” للشباب العربي التي أظهرت السعودية والإمارات كأكثر بلدين يفضّل الشباب العربي العيش والعمل فيهما في 2022 و2023). كما أن الانفتاح السياحي كشف كثيرين على جمال الطبيعة السعودية وغنى تراثها، ما أوجد قصصًا وتجارب جديدة تروى عنها. ومع ذلك، لا تزال بعض الملفات تؤثر سلبًا على القوة الناعمة السعودية: أبرزها ملف حقوق الإنسان والحريات السياسية، إذ تتعرض الرياض لانتقادات مستمرة من منظمات دولية بشأن معتقلي الرأي أو حرب اليمن أو غيرها. وهذه الانتقادات – وإن رفضتها السعودية معتبرة إياها تدخلًا – إلا أنها تحد من اندفاع سردية القوة الناعمة، لأن القوة الناعمة مبنية في جزء منها على “القيم السياسية الجاذبة” كما ذكرنا[5]، وفي هذا البُعد تحتاج السعودية إلى خطوات إضافية لإقناع الجمهور العالمي بتحسن سجلها. أضف لذلك أن بعض سياسات السعودية الإقليمية الصارمة (مثل مواجهة خصومها الإقليميين) قد تبدو ضرورية أمنيًا لكنها تؤثر على صورتها لو قورنت بالإمارات التي تنهج دبلوماسية أكثر هدوءًا. على سبيل المثال، وُصفت الإمارات بأنها “لا عدوّ لها” نتيجة حفاظها على خيوط تواصل مع الجميع (باستثناء خلافها القصير مع إيران عام 2016 وإدارة Obama)، بينما السعودية دخلت في خصومات علنية مع إيران وقطر وكندا وغيرها أثّرت على صورتها في تلك الدوائر.
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الفجوة بين البلدين بدأت تضيق مؤخراً مع تسارع الإنجازات السعودية. إقليمياً مثلاً، في مؤشر القوة الناعمة العربية أو صورة الدول العربية لدى الشعوب العربية، غالبًا ما تتبادل السعودية والإمارات موقع الصدارة. فالشعب العربي عمومًا ينظر بإعجاب لكلا التجربتين وإن كان يقدّم الإمارات بوصفها “نموذج النجاح الحضاري” الأبرز ويعتبر السعودية “القوة التقليدية الصاعدة”. وربما يمكن القول إن الإمارات تفوقت عالميًا، بينما السعودية حافظت على ثقلها الإقليمي والديني مع سعيها للتوسع عالميًا. وقد أظهر مؤشر Brand Finance 2024 أن الدول التي شهدت أكبر تحسن منذ 2020 في المؤشر كانت الإمارات والسعودية وقطر على التوالي[70]، مما يدل على صعود عام للقوة الناعمة الخليجية وإن كانت الإمارات تقود هذا الصعود تليها السعودية[17][18]. وقد حللت دراسة لمؤسسة ORF عام 2025 هذا التباين، مشيرةً إلى أن الإمارات حققت قفزة مبكرة بفضل سلسة جهود عالمية مرئية (إكسبو، اتفاقيات إبراهيم، استضافة COP28) بينما السعودية برغم صعودها تراجعت طفيفًا في 2025 ربما لانشغالها داخليًا في بناء مشاريع ضخمة قللت تركيزها الخارجي لذلك العام[17][18]. ومعنى ذلك أن الاستمرار في بذل الجهود واتساقها مهم للحفاظ على النتائج؛ والإمارات في هذا مضت بخطى ثابتة فيما السعودية ما زالت في مرحلة تتعلم فيها وتسابق الزمن لتعويض العقود الماضية.
4. تفوّق التجربة الإماراتية: الأسباب والملامح
بناءً على ما سبق، يتأكد أن التجربة الإماراتية في القوة الناعمة متفوقة إجمالًا على نظيرتها السعودية في الوقت الراهن. ويمكن إجمال أبرز ملامح هذا التفوق وأسبابه فيما يلي:
• البداية المبكرة والتراكم: استفادت الإمارات من انطلاقة مبكرة في تسعينيات القرن الماضي لبناء سمعتها كواحة ازدهار وحداثة (عبر نهضة دبي مثلاً)، ثم أتبعتها بخطط ممنهجة في 2010s، ما أعطاها أفضلية زمنية لتترسخ صورتها عالميًا. بينما بدأت السعودية فعليًا هذا المسار بقوة فقط بعد 2016 مع رؤية 2030، أي بفارق زمني كبير.
• التكامل والشمول: التجربة الإماراتية شاملة لجميع عناصر القوة الناعمة (ثقافة، تعليم، قيم، اقتصاد، سياسة خارجية) ضمن رؤية موحدة، في حين أن التجربة السعودية حتى الآن برزت بقوة في بعض العناصر (الدين، المساعدات، الترفيه مؤخرًا) لكنها أقل تكاملًا واتساقًا تحت استراتيجية واحدة. الهيكل المؤسسي الإماراتي لعب دورًا كبيرًا في ضمان هذا التكامل[8][29].
•القيم الإيجابية العالمية: ركزت الإمارات على قيم ذات جاذبية كونية مثل التسامح والتعايش والسعادة، وهي قيم تلقى صدى إيجابيًا فوريًا لدى أغلب الشعوب[32][33]. بينما السعودية – برغم أنها تتبنى الاعتدال – ارتكزت تقليديًا على قيمة دينية قد لا تهم غير المسلمين، واضطرت الآن لتبني قيم عالمية (تمكين المرأة، محاربة الفساد، حق الحياة الكريمة) لكن صورتها القديمة تجعل البعض يشكك إلى أن يثبت استمرار هذه القيم.
•الانفتاح الاجتماعي: الإمارات مجتمع منفتح منذ زمن، مما جعل الترويج له أسهل، بينما السعودية تمر بتحولات اجتماعية داخلية كبيرة؛ نجاح القوة الناعمة السعودية مرتبط بشرط ترسيخ هذه الانفتاح داخليًا واستدامته حتى ينعكس تمامًا في الخارج. الإمارات لا تواجه معارضة داخلية تذكر حول سياساتها المنفتحة، على عكس السعودية التي تواجه تيارًا محافظًا (وإن تراجع) قد يعرقل أو ينتقد بعض مظاهر الانفتاح، وهذا يفرض على الرياض توازناً أحيانًا بين الداخل والخارج.
• الحياد والتوازن السياسي: حافظت الإمارات على شبكة علاقات دولية متوازنة بلا عداء مع القوى الكبرى أو الإقليمية (استثناء خلاف قطر كان حالة خاصة وتم تجاوزه). لم تتبنَّ مواقف حادة تثير استعداء طرف دولي قوي. بينما السعودية بحكم ثقلها السياسي خاضت مواجهات سياسية (مع إيران، قطر سابقًا، كندا 2018) عرضتها لهجوم إعلامي مضاد. وبالتالي الإمارات أقل عرضة لحملات مضادة تشوه سمعتها، ما يجعل بناء القوة الناعمة يجري في بيئة أكثر صفاءً.
• النتائج الملموسة: يمكن رصد نتائج نجاح الإمارات بوضوح: أعلى جواز سفر عالمي (لفترة كانت الأولى عالميًا في مؤشر باسبورت إندكس)[71][72]، استضافة فعاليات عالمية بدون اعتراضات، دخولها قوائم الـTop10 في عدة مؤشرات (القوة الناعمة، الثقة الدولية…)، بينما السعودية رغم تقدمها إلا أنها لم تحقق بعد إنجازات مماثلة على صعيد المكانة الدولية (مثلاً جوازها في الخمسينيات رتبةً، مؤشر السمعة أقل). هذه النتائج تغذي بدورها حلقة مفرغة إيجابية لصالح الإمارات؛ فالنجاح يجلب نجاحًا أكبر.
• القيادة والرسائل: القيادة الإماراتية، خاصة الشيخ محمد بن راشد والشيخ محمد بن زايد، تتمتع بكاريزما تواصلية عالية مع الداخل والخارج، ويحرصون على مخاطبة العالم بلغة إنجليزية جيدة ورسائل واضحة. القيادة السعودية الشابة (محمد بن سلمان) رغم شعبيتها محليًا وإقليميًا، إلا أنها ما زالت تعمل على ترسيخ صورتها دوليًا، وتتجنب الإعلام الغربي نسبيًا (قلة مقابلات دولية)، مما يقلل فرص التواصل المباشر مع الجمهور العالمي.
• الاستدامة والاستمرارية: الإمارات جعلت القوة الناعمة جزءًا من رؤية مئوية 2071 لديها، أي أنها مشروع مستدام طويل الأجل. السعودية رؤيتها الحالية حتى 2030 ولم تتضح بعد ملامح ما بعدها في هذا السياق. لكن المتوقع بالطبع أن تستمر وتُحدّث، بيد أن الإمارات تقدم صورة أوضح عن تخطيط مستدام.
مع الإقرار بهذا التفوق الإماراتي، من المهم القول إن الفجوة ليست مطلقة أو عصية على التجسير. فالسعودية تمتلك إمكانات ضخمة ونقاط قوة فريدة (خصوصًا في التأثير الديني والثقل السياسي والاقتصادي والحضاري) تمكنها – إن أحسنت استغلالها ضمن إطار مؤسسي واستراتيجية مدروسة – من تحقيق قفزة نوعية في قوتها الناعمة وربما التفوق في مجالات معينة. ولعل رؤية 2030 بطموحها الكبير ستفضي إلى ترسيخ صورة جديدة للمملكة أكثر إشراقًا، كما بدأت مؤشراتها تظهر. عندئذ سنشهد مشهدًا غير مسبوق: قطبان خليجيان لديهما قوة ناعمة كبرى متكاملة مع قوتهما الصلبة، بما يزيد تأثير الخليج عمومًا في مسرح العلاقات الدولية.
النتائج والتوصيات
النتائج
تناولت هذه الدراسة بالتحليل المقارن تجربتي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في توظيف القوة الناعمة ضمن سياستهما الخارجية. ومن خلال الاستقصاء النظري والتطبيقي، يمكن تلخيص أهم النتائج فيما يلي:
• تأكيد أهمية القوة الناعمة خليجيًا: أظهرت التجربتان أن دول الخليج لم تعد ترتكز فقط على أدوات القوة الصلبة (كالقوة الاقتصادية أو التحالفات الأمنية)، بل بات الاستثمار في السمعة والصورة الإيجابية جزءًا أصيلًا من استراتيجياتها. وقد قطعت السعودية والإمارات أشواطًا معتبرة في هذا المجال، مما انعكس في صعود ترتيبهما في المؤشرات العالمية المعنية بالقوة الناعمة خلال السنوات الأخيرة[9]. هذا التطور يمثل تحولًا في الفكر الدبلوماسي الخليجي نحو مزيد من الشمولية والتوازن بين عناصر القوة.
• تفوق نسبي للتجربة الإماراتية حاليًا: بالمقارنة التفصيلية، برزت الإمارات كنموذج أكثر نضجًا وهيكلية في بناء القوة الناعمة، حيث تبنت مبكرًا إستراتيجية واضحة مدعومة على أعلى المستويات[8]، ونجحت في ترسيخ عدة علامات دولية فارقة (التسامح، مركز الثقافة والفن، المانح السخي، الوجهة السياحية الآمنة). ونتيجة لذلك حافظت الإمارات على موقعها ضمن أقوى 10 دول في القوة الناعمة عالميًا 2023-2025[62][49]، وتصدرت عربيًا. في المقابل، السعودية – رغم امتلاكها مقومات فريدة تاريخيًا – ما زالت في مرحلة الصعود والتحول. لقد حققت قفزات سريعة بفضل رؤية 2030، وتحسن ترتيبها العالمي إلى المركز 18 في 2024[19]، لكنها لم تبلغ بعد مستوى التأثير والسمعة الذي حققته الإمارات. ويمكن إرجاع ذلك إلى تأخر انطلاقها في هذا المضمار وإلى تحديات مرتبطة بإرث الصورة السابقة الذي يحتاج وقتًا ليتغيّر كليًا.
• تكامل وتداخل أدوات القوة الناعمة: بيّنت التجربتان أن أدوات القوة الناعمة تعمل بطريقة متشابكة. فالثقافة والسياحة والإعلام والمساعدات وغيرها ليست مجالات منعزلة، بل يؤدي تعزيز إحداها إلى دعم الأخرى. مثال ذلك: نجاح الإمارات في استضافة إكسبو (فعالية) عزز من صورتها الثقافية والإعلامية[61]؛ وانفتاح السعودية داخليًا (ثقافيًا وترفيهيًا) سهّل عمل إعلامها الخارجي وجعل سرديتها أكثر مصداقية. بالتالي، فإن النهج الشمولي الذي اتبعته الإمارات كان عنصر قوة، ويمكن للسعودية الاستفادة منه عبر تعزيز التكامل بين مبادراتها المختلفة ضمن قصة موحدة ترويها للعالم.
• الاستثمار في القيم العالمية يجني ثمارًا: تجارب البلدين تؤكد أن تبني ونشر القيم التي تحظى بقبول عالمي (كالتسامح، تمكين المرأة، الحوار، الإغاثة الإنسانية) يرفع بشكل ملحوظ رصيد القوة الناعمة. الإمارات ضربت مثالًا في ذلك بتصدير قيمة التسامح كمنتج دبلوماسي[32]، والسعودية قطعت خطوات واسعة في إبراز إصلاحاتها الاجتماعية (مثل زيادة مشاركة المرأة وتمكين الشباب) لتحسين صورتها. كلما تمكنت دولة الخليج من مواءمة خطابها وسلوكها مع القيم العالمية الإيجابية، ازدادت جاذبيتها وتأثيرها المعنوي في الساحة الدولية.
• القوة الناعمة ليست ترفًا بل ضرورة استراتيجية: أوضحت الدراسة أن دوافع تبني القوة الناعمة لدى الرياض وأبوظبي لم تكن مجرد رغبة تجميلية، بل جاءت كاستجابة لتحديات وضغوط دولية (مثل الحاجة لتحسين السمعة بعد أزمات معينة، أو دعم التحول الاقتصادي بجذب السياح والاستثمارات، أو ملء فراغ القوة التقليدية عبر النفوذ الناعم). وبالتالي، بات يُنظر للقوة الناعمة كجزء من الأمن القومي الشامل – فهي تحصّن الدول ضد حملات التشويه وتكسبها أصدقاء، وتخلق مناخًا دوليًا أكثر تفهمًا ودعمًا لمواقفها.
توصيات
انطلاقًا من هذه النتائج، نقدم عددًا من التوصيات التي نرى أنها تعزز من القوة الناعمة الخليجية عمومًا، مع تركيز على المملكة العربية السعودية بحكم أنها في طور بناء تجربتها على ضوء الدروس المستفادة من النموذج الإماراتي:
1.وضع إستراتيجية وطنية سعودية شاملة للقوة الناعمة: من المفيد أن تقوم المملكة بصياغة وثيقة إستراتيجية أو إنشاء مجلس أعلى يُعنى بتنسيق جهود القوة الناعمة تحت رؤية موحدة (على غرار مجلس القوة الناعمة الإماراتي[29]). هذا الكيان يمكن أن يضم ممثلين عن وزارات الخارجية، الإعلام، الثقافة، السياحة، والتعليم، إضافة لممثلين عن القطاع الخاص (الشركات الكبرى) والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة. مهمته رسم خارطة طريق طويلة المدى لتحسين سمعة المملكة عالميًا، وتحديد الرسائل الأساسية والصورة الذهنية المستهدفة، وضمان تكامل الجهود وعدم تعارض الرسائل الصادرة من مختلف الجهات.
2.الاستمرار في الإصلاحات الداخلية وتعزيز الاتساق مع الخارج: لكي تنجح القوة الناعمة، لا بد أن تستند لصورة حقيقية أو شبه حقيقية عن البلد، فليس بالإمكان إقناع العالم برسالة لا يرون تطبيقها على أرض الواقع. لذا على السعودية المضي قدمًا في إصلاحاتها الاجتماعية والاقتصادية (تمكين المرأة أكثر في المناصب القيادية، ترسيخ ثقافة التسامح الديني والفكري محليًا، تحديث المنظومة التعليمية لترعى الإبداع والتعددية). وعندئذ ستتحدث إنجازاتها الداخلية عن نفسها في المحافل الخارجية. كذلك يُنصح بتحسين بعض الملفات الحقوقية – عبر الحوار وضمانات العدالة والشفافية – لأن استمرار الانتقادات الحقوقية يقوّض جهود القوة الناعمة مهما كانت مكثفة.
3.تطوير أدوات إعلامية موجهة واحترافية: رغم التطور الملحوظ في الإعلام السعودي، إلا أنه بحاجة لتوسيع نطاقه العالمي. نقترح دعم إطلاق قناة تلفزيونية عالمية متعددة اللغات تعكس وجهة نظر السعودية بشكل عصري (على غرار قناة “فرنسا 24” أو “سي جي تي إن” الصينية)، وتوظيف كوادر صحافية دولية لإعطاء مصداقية واحترافية للمحتوى. وكذلك الاستثمار أكثر في الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي العالمية. كما يمكن تنظيم برامج تبادل للصحفيين بين السعودية ودول غربية لإطلاعهم عن قرب على واقع المملكة الجديد، بما يسهم في بناء جسور مع الإعلام الدولي بدل العلاقة المتشنجة أحيانًا. ولدى السعودية قصص نجاح عديدة يمكن تسليط الضوء عليها عالميًا (مثل قصة بناء مدينة نيوم المستقبلية، أو البرامج البيئية الضخمة كالسعودية الخضراء، أو مبادرات تمكين المرأة السعودية في قطاعات الفضاء والتقنية)، وهذه تحتاج حملات إعلامية ذكية لتصل لجمهور واسع.
4.تعميق الدبلوماسية الثقافية والتعليمية: يمكن للسعودية أن تؤسس مراكز ثقافية سعودية عالمية تحت إشراف وزارة الثقافة، تنتشر في عواصم مختارة (مثل باريس، لندن، بكين، واشنطن، القاهرة وغيرها)، أسوة بمعاهد جوته الألمانية أو المعهد الفرنسي. هذه المراكز تعرف بالثقافة السعودية المعاصرة وتراثها، عبر تنظيم أسابيع ثقافية وعروض فنية ودروس لغة عربية وأنشطة تفاعلية مع المجتمع المحلي. من جهة أخرى، يستحسن زيادة المنح الدراسية للطلاب الأجانب للدراسة في الجامعات السعودية، خاصة في مجالات العلوم الإسلامية والعربية، فهذا يخلق نخبًا أجنبية شابة تتقن لغة المملكة وثقافتها وتكون أقرب إليها (تمامًا كما فعلت أمريكا عبر برنامج فولبرايت مثلا). ويمكن استلهام تجربة الإمارات في استقطاب جامعات عالمية وإنشاء فروع لها داخل السعودية (مثل فتح فرع لجامعة عالمية في مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية أو في نيوم)، مما يعزز تبادل المعرفة والثقافة.
5.استثمار القوة الناعمة الدينية بشكل إيجابي وشامل: لدى السعودية ميزة لا تنافسها فيها أي دولة وهي الحرمين الشريفين. ويمكن تعظيم أثر هذه الميزة عبر مبادرات حوار حضاري تنطلق من الأماكن المقدسة. مثلًا، يمكن تنظيم مؤتمر دولي سنوي في مكة المكرمة خلال موسم الحج تحت عنوان “السلام والتضامن الإسلامي” يدعى له قادة الفكر من مختلف الدول الإسلامية، ليخرج برسائل وحدة وتسامح تنشر بالعالم. أيضًا يمكن للسعودية إقامة معارض متنقلة عن تاريخ الحرمين والقيم الإسلامية وتنقلها إلى متاحف عالمية (تجربة معرض “طرق التجارة في الجزيرة العربية” كانت ناجحة في عدة متاحف عالمية ويمكن البناء عليها). كما يُقترح توسيع برامج ضيوف خادم الحرمين لتشمل رموزًا من غير المسلمين (مثل دعوة شخصيات أكاديمية أو إعلامية عالمية لزيارة الحرمين – مع احترام خصوصية المكان – لكي يشاهدوا مباشرة جهود السعودية في خدمة ملايين الحجاج، ما قد يصحح تصورات مغلوطة لديهم). كذلك من المهم استمرار جهود رابطة العالم الإسلامي في مد جسور مع المؤسسات الدينية حول العالم وبرعاية رسمية سعودية، فهذا المجال إذا أحسن استخدامه سيظل مصدر قوة ناعمة حصري للمملكة لا تستطيع أي دولة أخرى مجاراتها فيه.
6.تعزيز التعاون والتكامل الخليجي في مجال القوة الناعمة: على الرغم من أن هذه الدراسة ركزت على المقارنة، لكن يجدر التنبيه أن تعظيم القوة الناعمة الخليجية يتحقق بالتكامل أيضًا. يمكن للسعودية والإمارات – ومعهما بقية دول مجلس التعاون – إطلاق مبادرات ثقافية أو إنسانية مشتركة تحت راية الخليج ككل، مما يعطيها زخمًا أكبر. مثلًا: تنظيم عواصم الثقافة الخليجية بالتناوب سنويًا (فكرة مشابهة لعاصمة الثقافة العربية ولكن بنكهة خليجية مشتركة)، أو تأسيس صندوق خليجي للتنمية الثقافية والإنسانية يمول مشاريع في الدول الفقيرة باسم الخليج ككتلة واحدة. هذا يرسّخ صورة الوحدة والتعاون ويضاعف التأثير، كما يخفف التنافس غير الضروري. أيضًا يمكن تبادل الخبرات بين الإمارات والسعودية في مجال التدريب الإعلامي والدبلوماسي؛ مثلاً، إنشاء برامج تدريب لموظفي الخارجية السعودية في معهد دبلوماسي إماراتي على أساليب الدبلوماسية العامة الحديثة، مقابل استفادة إعلاميي الإمارات من مراكز التدريب الإعلامي السعودية الكبرى، وهكذا شراكات win-win. القوة الناعمة ليست لعبة محصلتها صفر، بل يمكن بالتنسيق ارتفاع الكل معًا، خاصة أن لدى كل دولة خليجية نقاط قوة مختلفة (الكويت بارزة في المجال الخيري الشعبي، قطر في الرياضة والإعلام، عُمان في دبلوماسية السلام…إلخ)، وتكامل هذه المزايا يعزز “القوة الناعمة الخليجية” الشاملة.
7.تركيز الرسائل بحسب الجمهور المستهدف: من المفيد لكل من السعودية والإمارات تفصيل خطاب القوة الناعمة وفق شرائح الجمهور العالمي المختلفة. فالجمهور الغربي قد يهتم أكثر برسائل حول حقوق المرأة والإصلاح الاجتماعي ومساهمة البلد في القضايا العالمية (المناخ، مكافحة الإرهاب)، بينما الجمهور الآسيوي قد يهمه فرص العمل والاستثمار والسياحة الحلال، والجمهور الإسلامي تهمه جهود البلدين في دعم القضايا الإسلامية ومكانة الدين. وعليه، يمكن تبني حملات تواصل متوازية: حملة موجهة لأوروبا وأمريكا تبرز جوانب الانفتاح والتحديث، وحملة موازية للعالم الإسلامي تبرز جانب رعاية الحرمين ودعم المسلمين، وحملة لأفريقيا تركز على المشاريع التنموية الإماراتية-السعودية هناك، وهكذا. هذا التخصيص يضمن وصول الرسالة المناسبة لكل مجتمع بشكل أكثر فاعلية وتجنب سوء الفهم.
8.المتابعة والتقييم المستمر: أخيرًا، يوصى بأن تنشئ الحكومتان آليات لقياس دورية لقوتهما الناعمة. يمكن أن تكون عبر مؤشر وطني سنوي يستطلع آراء جمهور عالمي حول صورة السعودية/الإمارات (كما تفعل مؤسسات دولية كبراند فايننس[69] أو غالوب). أيضًا تحليل مضامين الإعلام العالمي ووسائل التواصل لمعرفة كيف يتغير sentiment الجمهور تجاه سياسات البلدين مع الوقت. هذا التقييم المستمر يساعد على تحديد جوانب الضعف ومعالجتها سريعًا، ورصد الفرص وتعزيزها. فمثلاً إذا وجدت السعودية أن صورتها لا تزال سلبية في بلد أوروبي معين رغم جهودها، يمكن زيادة العمل الدبلوماسي العام هناك (عبر سفارتها وتنظيم فعاليات إضافية). وقد يكون من المجدي أيضًا عقد مؤتمر سنوي أو منتدى في كل بلد تحت عنوان القوة الناعمة يجمع الخبراء والمسؤولين لمناقشة الإنجازات والتحديات وتحديث الإستراتيجيات – هكذا منتدى وطني موجود في بعض الدول (مثل اليابان لديها منتدى عن الدبلوما
المقترحات
1. إنشاء مركز خليجي للقوة الناعمة لتبادل الخبرات بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتنسيق الاستراتيجيات لتعظيم التأثير الإقليمي والدولي.
2. تطوير مؤشرات لقياس نجاح القوة الناعمة من خلال تصميم أدوات قياس كمية ونوعية لتقييم أثر المبادرات الثقافية والدينية والتعليمية والإعلامية على المستوى الدولي.
3. تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص والمتمثل في دعم مبادرات الشركات والمؤسسات الخاصة التي تسهم في نشر الثقافة والابتكار والتسامح، بما يعزز القوة الناعمة للدولة.
4. إعداد برامج تدريبية متخصصة لتأهيل الكوادر الوطنية على استخدام أدوات القوة الناعمة بشكل احترافي في مجالات الإعلام والدبلوماسية والثقافة والرياضة.
5. إجراء دراسات مقارنة مستمرة لمتابعة تطورات القوة الناعمة في الخليج مقارنة بالدول الأخرى لتحديد نقاط القوة والضعف وتحسين الأداء الاستراتيجي.
خاتمة
تؤكد الدراسة أن القوة الناعمة باتت مضمار تنافس إيجابي بين دول الخليج يدفع كلًا منها لتحسين ذاته وخدمة شعبه وشعوب العالم عبر الثقافة والمعرفة والسلام. وإذا كانت الإمارات قد نجحت بامتياز في هذا المضمار خلال العقد الماضي، فإن السعودية تخطو بثبات نحو الموقع ذاته مستفيدةً من مواريثها الخاصة ومن تجارب أشقائها. ومن المتوقع خلال العقد القادم أن نشهد تبلور نموذج خليجي متكامل للقوة الناعمة يمزج الحداثة بالتقاليد، والدين بالتعددية، والثروة بالعطاء، ليقدم صوتًا حضاريًا قويًا من منطقة طالما وُصفت بأنها تعتمد القوة الصلبة فقط. هذا التحول سيكون لصالح استقرار المنطقة وازدهارها وتعزيز دورها كشريك مؤثر ومسؤول في المجتمع الدولي.
المراجع:
- اتجاهات النخب نحو مستقبل الدبلوماسية الثقافية السعودية في ظل رؤية 2030 – مركز القرار للدراسات الإعلامية https://alqarar.sa/8777
- ترتيب السعودية في مؤشر 2024 PlaceBrandObserver – (2024).
- تقرير مؤشر القوة الناعمة 2025 Brand Finance- (2025).
- جوزيف ناي، “القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية” (1990).
- حاضر القوة الناعمة ومستقبلها في العالم العربي | الجزيرة نت. https://www.aljazeera.net/blogs/2024/10/28
- جدول مؤشر القوة الناعمة (2020-2025) (2025) ORF-.
- سعوديجازيت – رؤية 2030 والمساعدات السعودية (2025).
- الشرق الأوسط – السعودية تستثمر 64 مليار دولار في الترفيه (2018). https://aawsat.com/home/article/1183731
- القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة – مجلة الجندي – مجلة عسكرية ثقافية شهرية https://www.aljundi.ae
- قفزة الإمارات في الترتيب بعد إكسبو وCOP28 (2025) ORF-.
- مدونات الجزيرة – حاضر القوة الناعمة ومستقبلها في العالم العربي (2024).
- منصة المساعدات السعودية – سعوديجازيت (2025).
- مدونات الجزيرة – ترتيب الإمارات والسعودية عالميًا (2024).
- مجلة الجندي – الإمارات ضمن العشرة الأوائل في القوة الناعمة (2025).
- مجلة الجندي – مكانة القوة الناعمة الإماراتية مقابل الصلبة (2025).
- مجلة الجندي – دور وزارة التسامح في القوة الناعمة الإماراتية (2025).
- مجلة الجندي – وزارة السعادة واستراتيجية السعادة (2025).
- مركز المستقبل – وثيقة الأخوة الإنسانية وأثرها (2021).
- مركز المستقبل – اتفاقات إبراهيم ودعم مكانة الإمارات (2021).
- مركز القرار – رؤية 2030 وتعزيز المكانة الثقافية السعودية (2025).
(تمت المحافظة على صيغة citations للأمانة العلمية وحفاظًا على المراجع كما طلب)
- ملامح القوة الناعمة السعودية في ظل رؤية 2030 – جريدة الرياض
https://www.alriyadh.com/1896409
- محمد بن راشد يعلن تشكيل “مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات” لتعزيز مكانتها إقليميا وعالميا | وكالة أنباء الإمارات https://www.wam.ae/ar/article/hszr5d2p-%
- موضوع رقم السياحة الثقافية – وزارة الثقافة السعودية
- مجلة الجندي – القوة الناعمة لدولة الإمارات (2025).
- المساعدات السعودية 60% من مساعدات الخليج 1963-2017 (2025) ORF-.
- مركز القرار – دراسة الدبلوماسية الثقافية السعودية (2025).
- مركز المستقبل – Expo 2020 and UAE’s soft power (2021).
- نتائج الاستثمار في استضافة الأحداث على ترتيب القوة الناعمة (الإمارات وقطر) (2025) ORF-.
- وكالة وام – بيان تشكيل مجلس القوة الناعمة الإماراتي (2017).
- وزارة الخارجية الإماراتية – حقائق وأرقام المساعدات (2018).
- وكالة وام – إجمالي المساعدات الإماراتية منذ 1971 (2024).
- ويكيبيديا – مجموعة MBC وعدد مشاهديها.
- وقفة تأملية في نماذج القوة الناعمة في المملكة العربية السعودية
34- Brand Finance’s Global Soft Power Index 2024: USA and UK ranked
35-Future Center – How Expo 2020 Dubai strengthens the UAE’s soft power?https://futureuae.com/enus/Mainpage/Item/6723/strategic-gains-how-expo-2020-dubai-strengthens-the-uaes-soft-power.
36-Al-Riyadh/The-UAE/Facts-and-Figures https://www.mofa.gov.ae/en/Missions
37- Ministry of Foreign Affairs
38-MBC Group – Wikipedia/ https://en.wikipedia.org
39-Saudi Arabia – Country Performance, Brand Strength, Reputation
40-Saudi Arabia is among world’s top donors with assistance worth SR528 billion | Saudi Gazette
https://www.saudigazette.com.sa/article/653205
41-The Rise of Soft Power in the Gulf: A Comparative Analysis of GCC Strategies – ORF(2025) Middle East
42-UAE Ranks Among Top 10 in Brand Finance Global Soft Power Index 2025 – ATB Legal
43-UAE foreign aid hit AED 360 billion since 1971 | Emirates News Agency
https://www.wam.ae/en/article/b6i89id-uae-foreign-aid-hit-aed-360-billion-since-1971
[1] جوزيف ناي، “القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية” (1990).
[2] مدونات الجزيرة حاضر القوة الناعمة ومستقبلها في العالم العربي | الجزيرة نت
https://www.aljazeera.net/blogs/2024/10/28
[3] مدونات الجزيرة حاضر القوة الناعمة ومستقبلها في العالم العربي | الجزيرة نت
https://www.aljazeera.net/blogs/2024/10/28
[4] The Rise of Soft Power in the Gulf: A Comparative Analysis of GCC Strategies – ORF Middle East
[5] The Rise of Soft Power in the Gulf: A Comparative Analysis of GCC Strategies – ORF Middle East
[6] The Rise of Soft Power in the Gulf: A Comparative Analysis of GCC Strategies – ORF Middle East
[7] The Rise of Soft Power in the Gulf: A Comparative Analysis of GCC Strategies – ORF Middle East
[8] القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة – مجلة الجندي – مجلة عسكرية ثقافية شهرية
[9] حاضر القوة الناعمة ومستقبلها في العالم العربي | الجزيرة نت
https://www.aljazeera.net/blogs/2024/10/28
[10] اتجاهات النخب نحو مستقبل الدبلوماسية الثقافية السعودية في ظل رؤية 2030 – مركز القرار للدراسات الإعلامية
[11] الشرق الأوسط – السعودية ستستثمر 64 مليار دولار في الترفيه
https://aawsat.com/home/article/1183731
[12] اتجاهات النخب نحو مستقبل الدبلوماسية الثقافية السعودية في ظل رؤية 2030 – مركز القرار للدراسات الإعلامية
[13] وقفة تأملية في نماذج القوة الناعمة في المملكة العربية السعودية
[14] وقفة تأملية في نماذج القوة الناعمة في المملكة العربية السعودية
[15] ملامح القوة الناعمة السعودية في ظل رؤية 2030 – جريدة الرياض
https://www.alriyadh.com/1896409
[16] MBC Group – Wikipedia
https://en.wikipedia.org/wiki/MBC_Group
[17] /18 ORF – جدول مؤشر القوة الناعمة (2020-2025) (2025).
[19] PlaceBrandObserver – ترتيب السعودية في مؤشر 2024 (2024).
[20]/22 /23/25/ Saudi Arabia is among world’s top donors with assistance worth SR528 billion | Saudi Gazette
21 / 23 رؤية 2030ومنصة المساعدات السعودية – سعوديجازيت (2025).
[26] اتجاهات النخب نحو مستقبل الدبلوماسية الثقافية السعودية في ظل رؤية 2030 – مركز القرار للدراسات الإعلامية(2025. https://alqarar.sa/8777
[27] / 28/29/30/31/34/35 محمد بن راشد يعلن تشكيل “مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات” لتعزيز مكانتها إقليميا وعالميا | وكالة أنباء الإمارات
https://www.wam.ae/ar/article/hszr5d2p-
[32] مجلة الجندي – دور وزارة التسامح في القوة الناعمة الإماراتية (2025).
33 مجلة الجندي – وزارة السعادة واستراتيجية السعادة (2025).
[34] / 35 محمد بن راشد يعلن تشكيل “مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات” لتعزيز مكانتها إقليميا وعالميا | وكالة أنباء الإمارات
https://www.wam.ae/ar/article/hszr5d2p-
[36] /37/ 38 Future Center – How Expo 2020 Dubai strengthens the UAE’s soft power?
39 ركز المستقبل – وثيقة الأخوة الإنسانية وأثرها (2021).
40 مركز المستقبل – اتفاقات إبراهيم ودعم مكانة الإمارات (2021).
[41]/42 القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة – مجلة الجندي – مجلة عسكرية ثقافية شهرية
43/44/45 UAE Ranks Among Top 10 in Brand Finance Global Soft Power Index 2025 – ATB Legal
[46]/47/ Brand Finance – تقرير مؤشر القوة الناعمة 2025 (2025).
[48]/49/50/ القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة – مجلة الجندي – مجلة عسكرية ثقافية شهرية https://www.aljundi.ae
51 وكالة وام – إجمالي المساعدات الإماراتية منذ 1971 (2024).
2 وزارة الخارجية الإماراتية – حقائق وأرقام المساعدات (2018).
[53] /54/55/ UAE foreign aid hit AED 360 billion since 1971 | Emirates News Agency
https://www.wam.ae/en/article/b6i89id-uae-foreign-aid-hit-aed-360-billion-since-1971
[56] /57/58/ Future Center – How Expo 2020 Dubai strengthens the UAE’s soft power?
[59] /60/61 Future Center – How Expo 2020 Dubai strengthens the UAE’s soft power?
[62] The Rise of Soft Power in the Gulf: A Comparative Analysis of GCC Strategies – ORF Middle East



