
الملخص
تتناول هذه الورقة تطور الحرب الأمريكية على الإرهاب في اليمن خلال الفترة (2000–2025)، وتحلل أبعادها السياسية والأمنية والاجتماعية، من خلال تتبّع العلاقة المتداخلة بين واشنطن وصنعاء، وما رافقها من ازدواجية في التعاطي مع الجماعات المتطرفة، بين التوظيف السياسي والتعامل الأمني.
كما ترصد التحول الجنوبي بعد 2017 نحو بناء نموذج محلي فاعل في مكافحة الإرهاب، تمثّل في تجربة عدن الأمنية وعمليات “سهام الشرق” [1]في أبين، بوصفها نقلة نوعية في مقاربة الشراكة المحلية مع الجهود الدولية.
تعتمد الورقة على منهج تحليلي تاريخي مقارن، يستند إلى مصادر ميدانية وتقارير أمنية ودولية، لتصل إلى أن مكافحة الإرهاب في اليمن ظلت رهينة التوظيف السياسي حتى انتقال مركز الثقل الأمني إلى الجنوب.
الكلمات المفتاحية: الإرهاب – اليمن – الولايات المتحدة – الإخوان المسلمون – الحوثيون – المجلس الانتقالي الجنوبي – الأمن الإقليمي – عمليات سهام الشرق – مكافحة التطرف – البحر الأحمر.
جذور الإرهاب في اليمن واستخدامه السياسي (1990–2015)
تشكّل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب[2] عام 2009، بعد اندماج فرعي التنظيم في اليمن والسعودية، ليصبح اليمن المركز الرئيس لأكثر فروع القاعدة تطرفًا ونشاطًا في العالم[3]، ويرجع ذلك إلى جملة من العوامل المعقدة، أبرزها الاحتضان السياسي غير المعلن الذي حظي به التنظيم في مراحل مختلفة من تاريخ الصراع اليمني، ففي صيف عام 1994، استفاد مقاتلو القاعدة – ومعظمهم من “الأفغان العرب” العائدين من ساحات الجهاد في أفغانستان – من الحرب الأهلية بين اليمن والجنوب[4]، وشاركوا في القتال إلى جانب قوات نظام علي عبدالله صالح المتحالفة حينها مع حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون).
وقد أتاح لهم هذا التحالف المؤقت شرعية ميدانية وغطاءً سياسياً مكّنهم لاحقاً من التمركز في محافظات أبين وشبوة، حيث وفّرت التضاريس الجبلية المعقدة ملاذاتٍ آمنة لإعادة التنظيم والتجنيد والتدريب.
ومنذ ذلك الحين، تحوّل الجنوب إلى ساحة مفتوحة للاغتيالات التي استهدفت عشرات الضباط والقيادات الأمنية والعسكرية الجنوبية، في محاولة لإضعاف الأجهزة المحلية وبثّ الفوضى، بينما ظلت السلطة المركزية في صنعاء تتعامل مع هذا الملف بانتقائية، تراوح بين التغاضي والمساومة والاستخدام السياسي.
يرى أحمد الصوفي، السكرتير الصحفي للرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح[5]، أن الفتوى الدينية التي أصدرها علماء منتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين خلال حرب صيف 1994م، كانت من أبرز الأسباب التي دفعت المقاتلين “الأفغان العرب” إلى الانخراط في الحرب إلى جانب قوات الشمال ضد الجنوب.
فقد اعتبر شيوخ الإخوان[6] الحرب “جهادًا ضد الشيوعيين الجنوبيين”، وأضفوا عليها طابعًا دينيًا صريحًا، من خلال فتوى شهيرة وقّعها وزير العدل حينها عبدالوهاب الديلمي، نصّت على أن “قتل المستضعفين أهون من أن تُعلى شوكة الكفر على شوكة الإسلام”.
كانت تلك الفتوى[7] بمثابة غطاء شرعي لتجنيد واسع للشباب، وأضفت على الحرب السياسية طابعًا دينيًا تعبويًا.
ويؤكد الجهادي المصري[8] نبيل أبونعيم – وهو أحد العائدين من أفغانستان – أن نظام صالح أرسل رسالة إلى زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن يطلب فيها دعمه في الحرب ضد خصومه من قادة الجنوب، الذين كانوا شركاءه في مشروع الوحدة.
ويضيف أبونعيم[9] أن قيادات بارزة من “الأفغان العرب” اليمنيين حصلت على رتب عسكرية في صفوف الفرقة الأولى مدرع التي قادها حينها اللواء علي محسن الأحمر، والتي تولّت القيادة الميدانية للهجوم على عدن.
لقد مثّل هؤلاء المقاتلون اليد الطولى للنظام في المعركة، ومهّدوا لاحقًا لانتشار الفكر الجهادي المسلح في الجنوب.
وبعد أكثر من عقد على الحرب، وتحديدًا في عام 2007، انطلقت حركة احتجاجية سلمية واسعة في الجنوب نظمها ضباط وجنود سرّحهم النظام بعد حرب 1994م، شكلت النواة الأولى لما عُرف لاحقًا بـ“الحراك الجنوبي”.
اتهمت هذه الحركة نظام صنعاء باستخدام تنظيم القاعدة كأداة لتصفية الكوادر الجنوبية واغتيال القيادات العسكرية والأمنية التي شاركت في جيش الدولة السابقة.
وفي الوقت الذي كان فيه قادة الحراك يوجّهون هذه الاتهامات، كان التنظيم ينفّذ بالفعل عمليات اغتيال متتابعة، من أبرزها مقتل ثلاثة من طياري سلاح الجو الجنوبي السابق في مدينة الحوطة بمحافظة لحج[10].
تلاحقت الاغتيالات، واستهدفت – كما يقول قادة الحراك – ضباطًا وقيادات من الجيش الجنوبي الذي خسر معركة صيف 1994م.
لم يكن الجنوب حينها مهيئًا للدخول في وحدة متكافئة مع اليمن الشمالي؛ إذ جاء توقيع مشروع الوحدة في مايو 1990م بعد حرب أهلية جنوبية (1986) أقصت محافظتي شبوة وأبين المحسوبتين على الرئيس السابق علي ناصر محمد.
دخل الجنوبيون الوحدة بمشروع سلمي وبخطاب وطني وحدوي، لكنهم لم يدركوا أن الحلم سيتحوّل إلى مأساة سياسية.
فما إن مضت أشهر قليلة على إعلان الوحدة حتى بدأت سلسلة اغتيالات طالت قيادات الحزب الاشتراكي اليمني، وهو الشريك الجنوبي في الوحدة.
يوثّق الحزب الاشتراكي مقتل أكثر من 150 قياديًا من أبرز كوادره بين عامي 1990 و1993، في مقدمتهم شخصيات كانت قريبة من نائب رئيس مجلس الرئاسة آنذاك علي سالم البيض.
ورغم ذلك، تمسّك البيض بمشروع الوحدة، وأعلن عقب توقيع وثيقة العهد والاتفاق في عمّان أن “الوحدة أغلى من دماء الشهداء الذين سقطوا في صنعاء وعدن”.
لكن الأوضاع تدهورت سريعًا. ففي 27 أبريل 1994 اندلعت الحرب الشاملة عندما شنّت قوات اليمن هجمات على مواقع الجيش الجنوبي في عمران وذمار.
وردّ البيض بإعلان فك الارتباط من مدينة المكلا في 21 مايو 1994م، معلنًا عودة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية[11].
غير أن ميزان القوى كان قد حُسم مسبقًا، إذ كانت الجماعات الجهادية القادمة من اليمن، والمقاتلون الأفغان العرب[12]، قد لعبوا دورًا حاسمًا في الميدان،
وفي 7 يوليو 1994م [13]سقطت عدن بيد قوات تحالف النظام والإخوان، لتبدأ مرحلة جديدة من التوظيف السياسي للإرهاب في الجنوب.
منذ سقوط عدن في السابع من يوليو 1994 وإعلان نظام صنعاء النصر على ما وصفه بـ“حركة الردة والانفصال”،[14] بدأت حربٌ أخرى لا تقلّ ضراوة عن الحرب العسكرية.
فقد تحوّل الجنوب إلى ساحة انتقام وإقصاء سياسي، بينما انطلقت مرحلة جديدة من توظيف الجماعات الجهادية التي قاتلت سابقًا إلى أدوات للترهيب الداخلي وتصفياتٍ منظمة لقيادات وضباطٍ جنوبيين.
ومع أن نظام الرئيس علي عبدالله صالح حاول لاحقًا إظهار نفسه كطرفٍ منخرط في الحرب على الإرهاب، إلا أن الوقائع الميدانية كشفت أن تنظيم القاعدة أعاد التمركز داخل مناطق نفوذه في أبين وشبوة، وبدأ شنّ عمليات انتقامية تحت ذريعة “الثأر من النظام الذي خان المجاهدين”.
ازدواجية النظام اليمني في الحرب على الإرهاب.. من حماية الزنداني إلى ضربة المعجلة
خلال تلك المرحلة الدقيقة، حاول الرئيس علي عبدالله صالح تجنّب الصدام المباشر مع جماعة الإخوان المسلمين، وفي الوقت نفسه التنصّل من الضغوط الأمريكية المتزايدة بعد تصاعد عمليات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
ففي حين كانت واشنطن تعتبر اليمن شريكًا رئيسيًا في ما سُمّي بـ”الحرب العالمية على الإرهاب”، كان صالح يتعامل مع الملف من منظورٍ سياسيٍّ تكتيكي أكثر منه أمنيًا استراتيجيًا.
وربما أدرك أن أي خطوة ضد الشيخ عبدالمجيد الزنداني أو ضد جماعة الإخوان[15] قد تفجّر صراعًا داخليًا واسعًا، في وقتٍ كان يواجه فيه النظام تمرد الحوثيين شمالًا وتنامي الغضب الشعبي في الجنوب.
مثّل هذا الموقف نموذجًا صارخًا لـ ازدواجية صنعاء في إدارة الحرب على الإرهاب[16]؛ فبينما كانت تُعلن التزامها بتحالفها مع واشنطن، كانت على الأرض تحمي رموز الفكر الجهادي وتستخدمهم كورقة تفاوض سياسي مع الخارج.
ورغم القلق المتكرر داخل الدوائر الأمريكية، تردّدت واشنطن في ممارسة ضغطٍ حقيقي على النظام خشية أن يؤدي انهياره إلى فراغٍ أمني قد تستفيد منه الجماعات المتطرفة.
في خضمّ هذه التناقضات، تصاعدت الضغوط الأمريكية مطلع الألفية لتسليم الشيخ عبدالمجيد الزنداني، رئيس مجلس شورى حزب الإصلاح[17]، بعد أن أُدرج اسمه على قائمة العقوبات الدولية للأمم المتحدة عام 2004 بتهمة تمويل الإرهاب ودعم معسكرات تدريب تابعة للقاعدة.
غير أن صالح رفض الامتثال لتلك المطالب، مفضّلًا تجنّب الصدام مع الإخوان الذين كانوا حينها ركيزة سياسية داخلية لا يمكنه الاستغناء عنها.
تجلّى هذا التحدي علنًا عندما اصطحب الزنداني ضمن الوفد الرسمي اليمني المشارك في قمة منظمة التعاون الإسلامي بمكة عام 2004، في مخالفة صريحة لقرار أممي يمنع سفره.
أثار ذلك احتجاجًا رسميًا أمريكيًا اعتبر الخطوة استهزاءً بالقرارات الدولية، لكن “صالح” تجاهل الضغوط واستمرّ في حمايته.
وقد اذاعت وسائل إعلام حكومية خبراً ان “الزنداني[18]” لمحاولتين فاشلتين لاغتياله، وحظي بإجراءات أمنية خاصة لكن مُنع من السفربشكل مؤقت، والنظام لم يتخذ ضده أي إجراء قضائي أو سياسي.
لم تكن علاقة صالح بالزنداني مجرّد توازن داخلي، بل رمزًا لبراغماتية النظام المتطرفة في تعامله مع ملف الإرهاب.
فالرئيس الذي أعلن انضمامه إلى “الحرب على الإرهاب” عام 2001، كان في الوقت نفسه يزور جامعة الإيمان التي أسسها الزنداني في صنعاء[19]، ويشارك في حفلات تخريج طلابها، قائلًا في إحدى المناسبات، “لو تعلمون كم حجم الضغوط لإغلاق هذه الجامعة… لكنها لن تُغلق أبدًا.”
كانت جامعة الإيمان تمثّل مدرسة أيديولوجية لتلقين الفكر الجهادي العالمي، حيث تؤكد تقارير أمنية ودولية أن عددًا من منفّذي العمليات الإرهابية الكبرى تلقوا فيها تعليمًا دينيًا أو فكريًا، من أبرزهم عمر فاروق عبدالمطلب (النيجيري المعروف بـ“انتحاري السروال”)، الذي حاول تفجير طائرة أمريكية في عيد الميلاد عام 2009 بعد أن تلقى دروسًا في جامعة الإيمان.
وسعيد كواشي، أحد منفذي هجوم شارلي إيبدو في باريس عام 2015، الذي زار اليمن وتلقى محاضرات على يد الزنداني، وجون ووكر ليند، الأمريكي الذي قاتل في صفوف طالبان ودرس في جامعة الإيمان أواخر التسعينيات.
وتشير تقارير أوروبية[20] إلى أن الزنداني لم يكن مجرد داعية، بل شخصية محورية في شبكة التنظيمات الإسلامية المتطرفة العابرة للحدود.
فقد أسس المعاهد العلمية في السبعينيات، وأنشأ جامعة الإيمان مطلع التسعينيات، لتتحول من مؤسسة تعليمية إلى منبر تعبئة عقائدية.
كما كشفت التحقيقات الأمريكية أن جمعية الرعاية الاجتماعية، المرتبطة بحزب الإصلاح والزنداني[21]، كانت واجهة لتمويل تنظيم القاعدة، وقد شغل أنور العولقي[22] منصب نائب رئيس فرعها في الولايات المتحدة بين عامي 1998 و1999.
وفي فبراير 2004، صنّفته وزارة الخزانة الأمريكية كـ”إرهابي دولي مميز”[23]، مؤكدة أنه لعب دورًا مباشرًا في شراء الأسلحة لصالح القاعدة وساهم في تجنيد وتدريب المقاتلين في معسكرات التنظيم.
كما ربطت تقارير استخباراتية بينه وبين تفجير المدمّرة الأمريكية[24] USS Cole عام 2000، الذي أودى بحياة 17 بحارًا أمريكيًا، حيث صرّح قاضٍ في المحكمة العليا اليمنية أن المتهمين في القضية “استندوا إلى فتوى للشيخ عبدالمجيد الزنداني”.
أصبحت قضية الزنداني عقدة العلاقات اليمنية–الأمريكية طوال العقد الأول من الألفية.
فبينما كانت واشنطن تضغط لتسليمه، كان صالح يعتبره صمام أمان داخليًا لضبط التيار الإسلامي ومنع تفجّر الصراع، وورقة مساومة سياسية مع الولايات المتحدة ودول الخليج.
لقد جسّد موقف صالح من الزنداني أزمة الحرب على الإرهاب في اليمن “حرب تُدار بالشعارات وتُفرّغ من مضمونها، بين رئيس يناور، وتنظيم متطرف يتمتع بالغطاء السياسي، وحليفٍ أمريكيٍّ يكتفي بالدرونز بدل بناء شريك محلي حقيقي”.
وفي ديسمبر 2009، وفي ذروة الضغوط الأمريكية على صالح لتسليم الزنداني وقيادات أخرى، قدّمت صنعاء “هدية” استخباراتية لواشنطن عبر تزويدها بإحداثيات يُعتقد أنها لمعسكر تابع للقاعدة في منطقة المعجلة بمحافظة أبين[25].
نفّذت الولايات المتحدة الضربة بصواريخ توماهوك مزوّدة بذخائر عنقودية محرّمة دوليًا، ما أسفر – وفقًا للتحقيق البرلماني اليمني – عن مقتل نحو 55 شخصًا، بينهم 41 مدنيًا (منهم 9 نساء و21 طفلًا).
تُعدّ ضربة المعجلة واحدة من أكثر الأحداث دموية[26] في الحرب على الإرهاب في اليمن، ونقطة سوداء في سجل النظام، إذ استُخدمت لاحقًا من قبل تنظيم القاعدة كأداة تعبئة وتحريض وتجنيد ضد الدولة والولايات المتحدة على حد سواء.
وزاد من الجدل تصريح وزير الداخلية رشاد العليمي[27] آنذاك بأن “النساء والأطفال الذين قُتلوا كانوا يقدّمون دعمًا لوجستيًا للتنظيم”، وهو ما قوبل برفض واسع داخليًا ودوليًا.
أثبتت حادثة المعجلة أن تحالف صنعاء وواشنطن لم يكن تحالفًا في مكافحة الإرهاب، بل في إدارته سياسيًا؛ فبينما رأت واشنطن في الضربة “نجاحًا عملياتيًا”، كانت نتائجها الميدانية عكسية، إذ عمّقت السخط القبلي، وزادت من شعبية القاعدة، وأثبتت أن الحرب على الإرهاب في اليمن لم تكن سوى واجهة لصفقات سياسية قصيرة المدى.
الازدواجية الإخوانية في الحرب على الإرهاب.. حادثة جابر الشبواني نموذجًا (2010–2012)
منذ اشتداد الحرب الأمريكية على الإرهاب في اليمن بعد عام 2009م، برز حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بوصفه أكثر الأطراف اليمنية اتساقًا في الخطاب وأشدّها تناقضًا في الممارسة.
فبينما كان يشارك بفاعلية في الحكومات المتعاقبة ضمن تحالف السلطة مع حزب المؤتمر الشعبي العام، حرص قادته على مهاجمة أيّ عمليات أمريكية ضد تنظيم القاعدة، مستخدمين خطابًا مزدوجًا يجمع بين الشعارات الدينية والسيادة الوطنية من جهة[28]، والتفاهم الضمني مع واشنطن من جهة أخرى.
أبرز هذه المفارقات تمثّلت في حادثة مقتل جابر الشبواني[29]، أمين عام المجلس المحلي بمحافظة مأرب، في غارةٍ أمريكية بطائرة دون طيار في مايو 2010م.
كان الشبواني – وهو شخصية محلية مقربة من حزب الإصلاح – يعمل وسيطًا غير رسمي بين الحكومة اليمنية وبعض قادة القاعدة،[30] في محاولة لاحتواء المواجهات المسلحة عبر القنوات القبلية.
لكنّ الغارة الأمريكية، التي نُفذت بناءً على معلوماتٍ استخباراتية من صنعاء، أدت إلى مقتله، لتفجّر أزمة سياسية وقبلية واسعة، وتُكشف معها حدود التناقض داخل معسكر السلطة اليمنية.
فقد سارع نواب حزب الإصلاح في مجلس النواب إلى اعتبار الغارة “انتهاكًا صارخًا للسيادة اليمنية”، وهاجموا الحكومة متهمينها بالتواطؤ مع الولايات المتحدة في استهداف مواطنين يمنيين.
ووصف بعضهم – كما نقلت وسائل الإعلام حينها – القتيل بأنه “رجل وسطي يسعى للتفاهم بين الدولة والمجاهدين”، وطالبوا الرئاسة بتقديم احتجاجٍ رسمي إلى السفارة الأمريكية في صنعاء.
لم تقتصر الانتقادات على حادثة مأرب، بل استُحضرت مجددًا خلال جلسة البرلمان في منتصف أبريل 2012م، حين أدان أعضاء كُثر – معظمهم من الإصلاح – الضربات الجوية الأمريكية على محافظة أبين، معتبرين أنها “تدخّل سافر في شؤون اليمن الداخلية” و”استباحة لدماء الأبرياء”[31].
وقال النائب علي المعمري إن “هناك تصريحًا مفتوحًا لقتل اليمنيين”، بينما دعا سنان العجي إلى اعتماد القوات اليمنية على نفسها “لمقارعة القاعدة دون وصاية أجنبية”، في حين ذهب النائب نبيل باشا إلى اتهام وكالة الاستخبارات الأمريكية بالسعي “لقتل اليمنيين بوسائل جديدة”، محذرًا من أن هذه الأخطاء “تمنح الإرهابيين التعاطف الشعبي”.
وأشار باشا كذلك إلى أن مأرب وأبين دفعتا “فاتورة الضربات الأمريكية الخاطئة”، وأن حادثة المعجلة 2009م جعلت القبائل ترى في واشنطن خصمًا لا شريكًا.
ورغم حدة الخطاب البرلماني[32]، لم تُبدِ الولايات المتحدة أيّ ردٍّ رسمي، واستمرت في تنفيذ عملياتها الجوية ضد قيادات القاعدة بوتيرةٍ أعلى، مدفوعةً بقناعتها بأن النظام اليمني غير قادر على المواجهة الميدانية الفعلية.
لكنّ ما يُؤخذ على السياسة الأمريكية في تلك المرحلة أنها ركّزت على الحلّ العسكري البحت دون بناء تحالفات محلية مستقرة أو دعم قوى محلية فاعلة[33] خارج دائرة صنعاء، رغم تمويلها المتواصل لوحدات مكافحة الإرهاب التابعة للحكومة[34].
وهكذا تحوّلت حادثة الشبواني وما تلاها من اعتراضٍ برلماني إخواني إلى رمزٍ لازدواجية الموقف اليمني الرسمي والإخواني من الحرب على الإرهاب:
ففي العلن، كانت الحكومة والإصلاح ينددان بالضربات الأمريكية “حفاظًا على السيادة”، وفي الواقع كانا يستفيدان سياسيًا من وجود الإرهاب لتقوية نفوذهما وإضعاف خصومهما.
هذه الازدواجية، التي تراوحت بين البراغماتية السياسية والمزايدة الوطنية، مثّلت أحد أبرز أسباب فشل الشراكة اليمنية–الأمريكية في مكافحة الإرهاب خلال العقد الأول من الألفية[35]، ومهّدت الطريق لاحقًا لظهور النموذج الجنوبي كشريك محلي بديل أثبت فاعليته الميدانية ومصداقيته السياسية في مواجهة التطرف.
وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وانفجار الخلافات بين صالح والإخوان
شكل عام 2006 بداية الانفصال الحقيقي بين الإخوان المسلمين والنظام، بعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية في اليمن ورئيس مجلس النواب، الذي كان يمثل حلقة الوصل السياسية والقبلية بين الطرفين.
كان الأحمر بالنسبة لصالح صمّام أمان سياسي وديني؛ إذ شكّل ثقلاً قبليًا هائلًا مكن النظام من استيعاب الإخوان تحت مظلته دون صدام مباشر.
لكن بوفاته، وجد أبناؤه – وفي مقدمتهم حميد الأحمر – أنفسهم في مواجهةٍ مفتوحة مع النظام، بعدما فشلت محاولات صالح في احتوائهم عبر امتيازات مالية ومناصب برلمانية.
بدأت جماعة الإخوان مرحلة القطيعة التدريجية مع النظام الذي كانوا شركاءه في حرب 1994 ضد الجنوب، وبدأ خطابهم السياسي يتحوّل من الدفاع إلى المواجهة.
وفي المقابل، ظل صالح يؤكد أنه هو من أسّس حزب التجمع اليمني للإصلاح في سبتمبر 1990، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية، بهدف موازنة نفوذ الحزب الاشتراكي اليمني داخل السلطة الجديدة.
غير أن المعادلة انقلبت بعد حرب 1994؛ إذ فقد الحزب الاشتراكي معظم قوته، بينما احتفظ ببعض التمثيل الرمزي داخل المعارضة، لتتولى جماعة الإخوان قيادة تحالف “اللقاء المشترك” في مواجهة النظام الحاكم.
ورغم ذلك، لم تُبدِ الجماعة أي مراجعة نقدية لمشاركتها في حرب 1994، بل على العكس، وصفت تلك الحرب بأنها “مقدسة”.
وفي حين خرج بعض قياداتها لاحقًا لينفوا إصدار فتوى دينية تحرّض على الحرب، يؤكد أحمد الصوفي، السكرتير الصحفي للرئيس صالح، أن الفتوى أُذيعت عبر إذاعة صنعاء والتلفزيون الرسمي، ونشرتها عدة صحف من بينها صحيفة “الإيمان” التابعة لجماعة الإخوان المسلمين.
كان ذلك التلاعب الديني والسياسي إيذانًا بمرحلة جديدة من التناقض بين الخطاب والواقع؛
فالجماعة التي ساهمت في الحرب على الجنوب تحت راية النظام، عادت لتتبنى خطاب المعارضة والمظلومية بعد أن ضعُف تحالفها مع صالح، فيما ظلّ الإرهاب نفسه هو المستفيد الأكبر من هذا الانقسام، مستثمرًا حالة الصراع بين النظام والإخوان لتوسيع نفوذه وإعادة إنتاج نفسه في الجنوب والشمال على حد سواء.
في عام 2009، بدأت ملامح الانقسام داخل النظام اليمني تتكشف بوضوح بين الرئيس علي عبدالله صالح وذراعه العسكري الأقوى اللواء علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع، والذي وُصف في تقارير استخباراتية وإعلامية بأنه “الأب الروحي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب”.
كان الخلاف بين الرجلين امتدادًا لتناقضات أعمق داخل النظام بين جناح الرئيس وحزبه المؤتمر الشعبي العام، وبين جناح الإسلاميين المتغلغل في الجيش والقبائل عبر تحالفٍ غير مكتوب منذ حرب 1994م.
خاضت القوات اليمنية خلال الفترة (2004–2009) ستّ حروب متتابعة ضد جماعة الحوثيين في صعدة، بدعم لوجستي واستخباراتي من المملكة العربية السعودية، التي رأت في نشوء الجماعة الزيدية الموالية لإيران تهديدًا مباشرًا لأمنها[36].
هذا الدعم السعودي ساهم مؤقتًا في توحيد صفوف النظام بين صالح والأحمر، إلا أن هذا التحالف ظل هشًا وقائمًا على الشكوك المتبادلة.
فقد تشكّلت جبهات الحرب من قوتين رئيسيتين: الفرقة الأولى مدرع التابعة لعلي محسن الأحمر، وقوات الحرس الجمهوري بقيادة نجل الرئيس، العميد أحمد علي عبدالله صالح.
لكن مع تقدم الحرب، تصاعدت الخلافات الميدانية، إذ اتهم الأحمر سلاح الجو اليمني والسعودي بقصف مواقع متقدمة تابعة لقواته عن طريق الخطأ، بينما كان مقربون من صالح يشيرون إلى أن الأحمر يستغل الحرب لتسليح قبائله في حرف سفيان وعمران ومناطق زيدية أخرى.
ويقول مسؤول عسكري بارز في نظام صالح لمجلة بريم إن الرئيس أرسل حينها اللواء أحمد سعيد بن بريك، مدير دائرة الرقابة والتفتيش في وزارة الدفاع، لتفقد الجبهات، فاكتشف أن بعض القيادات العسكرية، وهم في الأصل زعماء قبائل شمالية، حولوا الحرب إلى مصدر للثراء من خلال تهريب السلاح والمؤن وحرمان الجنود من الإمدادات.
لجأ بن بريك إلى حيلة ذكية، إذ أبلغ تلك القيادات أن الرئيس يريد لقاءهم في صنعاء، لكنهم نقلوا على متن طائرة عسكرية إلى قاعدة الشرطة العسكرية للتحقيق معهم.
غير أن صالح، وبسبب الضغوط القبلية، أمر بإطلاق سراحهم مقابل التزامهم بالبقاء في منازلهم، ما أثار غضب علي محسن الأحمر، الذي ردّ بسحب وحدات من جبهات صعدة، لتنهار مواقع متقدمة وتستعيد جماعة الحوثيين أنفاسها.
وفي منتصف عام 2010، كانت الجماعة قد استعادت قوتها وتوسعت نحو عمران، لتصبح بعد عام واحد فقط – في 2011 – على مشارف العاصمة.
ومع اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد نظام صالح، انتقلت جماعة الحوثيين إلى ساحة جامعة صنعاء، حيث وفّرت لها قوات علي محسن الأحمر حماية ضمنية بعد انشقاقه عن النظام، في حين كانت عناصر القاعدة [37]والقبائل الموالية للأحمر تهاجم مواقع الحرس الجمهوري في أرحب شمال صنعاء[38].
دخلت البلاد مرحلة غير مسبوقة من الفوضى والانقسام، ففي الجنوب، استغل تنظيم القاعدة انهيار الأجهزة الأمنية ليسيطر على مدينة زنجبار، مركز محافظة أبين، في منتصف عام 2011، دون مقاومة تُذكر.
كانت تلك السيطرة بمثابة إعلان عن قيام أول “إمارة” للتنظيم في اليمن.
وفي خضم هذا الانهيار، وقع تفجير جامع النهدين في دار الرئاسة عام 2012، والذي استهدف الرئيس صالح وكبار قياداته خلال صلاة الجمعة، اتهم النظام حينها جماعة الإخوان المسلمين المتحالفة مع الحوثيين بالوقوف وراء العملية، مشيرًا إلى استخدام متفجرات بتقنية إيرانية، في إشارة رمزية إلى التلاقي بين الطرفين ضد النظام.
أدت إصابة “صالح” البليغة ومقتل عدد من معاونيه إلى تسريع المبادرة الخليجية التي نقلت السلطة إلى نائبه عبدربه منصور هادي، في محاولة لإنقاذ اليمن من السقوط الكامل.
هادي رئيس متمرد على جماعة الإخوان في مواجهة الهجمات الإرهابية
غير أن انتقال السلطة لم ينهِ الصراع، بل فتح الباب أمام مرحلة جديدة من الهيمنة الإخوانية على القرار السياسي والعسكري في صنعاء، بدأت حكومة هادي، تحت ضغط حزب الإصلاح الإسلامي، بتفكيك وحدات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، وهي النخبة العسكرية الأقدر على مواجهة القاعدة والحوثيين، ما أضعف بنية الجيش وعمّق الفوضى.
في هذه الفترة، ركّزت الولايات المتحدة الأمريكية على تنفيذ عمليات “الدرون” (الطائرات بدون طيار) ضد قيادات تنظيم القاعدة، لكنها تجاهلت المشهد السياسي المنقسم، واكتفت بالتنسيق الاستخباراتي دون دعم حقيقي لبناء شريكٍ محلي فعّال.
أثار هذا النهج امتعاض حزب الإصلاح، فخرج عبدالمجيد الزنداني في تصريحات علنية يدعو إلى “الحوار مع الجماعات الجهادية”، فيما شكّل الحزب لجنة دينية برئاسة عبدالوهاب الهتار لـ“مناصحة أعضاء القاعدة”، في محاولة لاحتواء التنظيم لا مواجهته.
لكن الواقع الميداني كان يسير بعكس ذلك.. ففي ديسمبر 2013، نفّذ التنظيم أول سلسلة تفجيرات نوعية في صنعاء، استهدفت وزارة الدفاع ومجمّع العرضي الطبي، في محاولة لاغتيال الرئيس هادي.
أسفرت الهجمات عن مقتل العشرات بينهم مدنيون، وقدم التنظيم بعدها “اعتذارًا” رسميًا غير مسبوق، زاعمًا أن الهدف كان عسكريًا.
غير أن الاعتذار كان غطاءً لاستعداد أكبر، إذ بدأ التنظيم بتوسيع نشاطه في لودر وأبين، قبل أن تتصدى له اللجان الشعبية والقبائل المحلية بدعم من الرئيس هادي، الذي أدرك مبكرًا أن المعركة ضد الإرهاب تتجاوز قدرات الدولة المنهكة.
غير أن المواجهة لم تتوقف عند حدود أبين[39].. فبينما كانت “هادي” يخوض معركة طويلة ضد القاعدة، عن طريق القبائل، كانت جماعة الحوثيين تتقدّم نحو عمران وصنعاء، مستفيدة من تمرد الألوية الموالية لعلي محسن الأحمر[40]، ومنها اللواء 310 مدرع بقيادة حميد القشيبي[41]، الذي قُتل في يوليو 2014 أثناء اقتحام الحوثيين لعمران[42].
وفي 21 سبتمبر 2014، سقطت العاصمة صنعاء بالكامل بيد الحوثيين[43]، لتبدأ مرحلة الانقلاب، حيث أجبر الرئيس هادي على توقيع اتفاق[44] “السلم والشراكة”[45]، بينما كانت الأجهزة الأمنية – بقيادة وزير الداخلية الإخواني عبده الترب – تسمح بدخول الحوثيين إلى أقسام الشرطة ومؤسسات الدولة.
تُوجت تلك التطورات بإطاحة حكومة محمد سالم باسندوه، واستقالة هادي نفسه تحت ضغط الحوثيين مطلع 2015، قبل أن يتمكن من الفرار إلى عدن بمساعدة زعماء قبائل.
كانت تلك اللحظة إعلانًا فعليًا لانهيار الدولة اليمنية، وبداية مرحلة جديدة من الصراع الإقليمي على اليمن، حيث برز الإرهاب مجددًا كـ أداة لإعادة تشكيل المشهد السياسي، في ظل تراجع الدور الأمريكي، وتحوّل الحرب على الإرهاب إلى مجرد ضربات عمياء دون استراتيجية.
صعود الدور الجنوبي في الحوثيين والتنظيمات المتطرفة (2015–2025)
في 21 فبراير 2015م، وصل الرئيس عبدربه منصور هادي إلى العاصمة عدن في الذكرى الثالثة لانتخابه رئيسًا توافقيًا لليمن، بعد رحلة فرار معقدة من صنعاء إثر تمكّن جماعة الحوثيين من السيطرة على القصر الرئاسي ووضعه قيد الإقامة الجبرية.
كانت عملية الإفلات من قبضة الحوثيين أشبه بالمستحيلة، ولذلك مثّل وصوله إلى عدن حدثًا سياسيًا مفصليًا، أعاد الأمل إلى الشارع الجنوبي[46] الذي رأى في هادي رمزًا مرحليًا لإحياء الدولة وإنهاء الوصاية الحوثية.
أعلن هادي عدن عاصمةً مؤقتة للجمهورية اليمنية، وحظي بدعم إقليمي واسع من دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي رأت في وجوده عنصر توازن ضد التمدد الإيراني عبر الحوثيين.
لكن الرئيس الجديد كان بلا جيش فعلي.. فالقوات المتمركزة في عدن – كقوات قاعدة بدر، ومعسكر صلاح الدين، ومعسكر الصولبان التابع للأمن المركزي – لم تعلن ولاءها له، فيما كانت معظم التشكيلات الأمنية في حالة تشتت أو ولاءات مزدوجة.
لم يكن أمام هادي سوى اللجان الشعبية التي اعتمد عليها سابقًا في حربه ضد تنظيم القاعدة في أبين (2012–2013)، فكانت هذه التشكيلات محدودة التسليح هي نواته العسكرية الوحيدة في تلك اللحظة الحرجة.
بدأ هادي بمحاولة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في عدن لإثبات سلطته، فأصدر قرارًا بإقالة العميد عبدالحافظ السقاف، قائد قوات الأمن الخاصة، بعد اتهامه بالتنسيق مع الحوثيين، الا انه رفض تنفيذ القرار، وأعلن التمرد، لتندلع في مارس 2015م أولى المواجهات المسلحة بين القوات الموالية لهادي وعناصر الأمن الخاصة المتمردة.
قاد القيادي علي الصمدي – أحد أبرز قادة اللجان الشعبية – المعركة ضد السقاف، وألقى بيانًا دعا فيه إلى “تلاحم جنوبي لمواجهة اجتياحٍ جديد شبيه بحرب صيف 1994م”، سقط الصمدي شهيدًا في تلك المعركة، لكنه خلّد لحظة التحوّل: من تمرد أمني محدود إلى نواة مقاومة جنوبية منظّمة.
وسرعان ما انضمت إلى هذه المواجهات وحدات من الجيش والمقاتلين الجنوبيين السابقين، مدفوعة بإحساسٍ جمعي بأن عدن تواجه غزوًا آخر قادمًا من اليمن.
مع تزايد حدة المعارك، أدرك هادي أن الإمكانيات العسكرية المحلية لا تكفي لمواجهة تحالف الحوثي–صالح الذي بدأ يتقدم من لحج باتجاه عدن.
فوجّه نداءً رسميًا إلى دول مجلس التعاون الخليجي، داعيًا إلى تدخل عسكري تحت مظلة “درع الجزيرة” لحماية الشرعية والدولة.
في المقابل، كان علي عبدالله صالح يرى في الفوضى المتصاعدة فرصة لاستعادة موقعه في الحكم من بوابة عدن، معتقدًا أن بإمكانه استخدام الحوثيين كقوة مؤقتة للضغط ثم التخلص منهم لاحقًا، لكن حساباته كانت خاطئة؛ إذ لم يُدرك أن الحوثيين لم يعودوا مجرد ذراع، بل أصبحوا القوة المهيمنة على الجيش والسلاح الجوي.
وفي أواخر مارس 2015م، تعرّض قصر معاشيق الرئاسي – مقر إقامة هادي – لقصفٍ جوي من طائرات تابعة لسلاح الجو اليمني، الذي كان قد سقط بالكامل تحت سيطرة الحوثيين.
تزامن ذلك مع انهيار شامل للمنظومة الأمنية والعسكرية في عدن، حيث سُحبت القوات من مواقعها، وتُركت المعسكرات بلا قيادة، فيما نُهبت مخازن السلاح علنًا أمام أعين السكان.
دخلت المدينة في فوضى عارمة، وغادر الرئيس هادي قصر معاشيق بعد اختراق حراسته وسقوط بوابته الرئيسية إثر تدفق مدنيين لنهب محتوياته.
كانت تلك اللحظة إعلانًا غير رسمي لانهيار الدولة المركزية في اليمن، وولادة مرحلة جديدة ستُعيد رسم خريطة السلطة والنفوذ على أسس مختلفة، تقودها لاحقًا المقاومة الجنوبية بدعم مباشر من التحالف العربي.
على طول الطريق الساحلي الممتد من معبر العلم شمال عدن، مرورًا بميناء شُقرة وأحور وسواحل شبوة وصولًا إلى المكلا، كان الرئيس عبدربه منصور هادي يسابق الزمن بحثًا عن ملاذٍ آمن، بعد انهيار العاصمة المؤقتة عدن وسقوط قصر معاشيق بيد الفوضى.
كانت وجهته الأولى مدينة المكلا في محافظة حضرموت، في محاولة لاستنساخ تجربة الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض الذي اتخذ من المدينة مقرًا مؤقتًا قبيل سقوط عدن في حرب 1994م.
لكن الظروف هذه المرة كانت أكثر تعقيدًا وخطورة.
فخلال الرحلة الساحلية الطويلة، تلقى اللواء علي الأحمدي – رئيس جهاز الأمن القومي والمستشار الأمني المقرب من هادي – معلومات استخباراتية أكدت أن الوحدة العسكرية المكلّفة بحماية القصر الجمهوري في المكلا قد أعلنت ولاءها الكامل لتحالف علي عبدالله صالح والحوثيين، وأن أي محاولة لاقتحام المدينة ستعني الوقوع في كمينٍ مضمون.
استوعب هادي الرسالة، وقرّر عدم التوجه نحو المكلا، ليتابع رحلته شرقًا عبر الطريق الساحلي الوعر نحو محافظة المهرة، أقصى الحدود الشرقية لليمن.
كانت المهرة آنذاك المنطقة الوحيدة التي لم تصلها يد الحوثيين ولا قوات صالح، وتتمتع بنفوذ قبلي قوي وشبه استقلالٍ إداري عن صنعاء.
وفي اللحظة التي دخل فيها هادي مدينة الغيضة عاصمة المهرة، كانت عملية “عاصفة الحزم” قد انطلقت فجر 26 مارس 2015م، بقرارٍ من المملكة العربية السعودية وإجماعٍ خليجي، لتعلن عن تحولٍ جذري في مسار الصراع اليمني من حربٍ أهلية إلى حربٍ إقليمية ذات بعدٍ دولي، في مواجهة مشروع إيراني توسعي يستهدف المنطقة.
هذه اللحظة، التي تزامنت فيها رحلة هادي على الساحل الجنوبي مع انطلاق أولى الضربات الجوية لعاصفة الحزم[47]، كانت تمثّل نقطة انكسار الدولة اليمنية القديمة وبداية مرحلة جديدة سيتحوّل فيها الجنوب إلى الميدان الرئيسي للحرب على الإرهاب ولإعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية.
قليلة من وصوله إلى الغيضة في محافظة المهرة، انتقل الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مسقط، ومنها إلى الرياض، حيث بدأ إعادة ترتيب ما أسماه بـ “أوراق الشرعية الجديدة”، بدعم مباشر من دول مجلس التعاون الخليجي.
في تلك الأثناء، كان الجنوب يعيش واقعًا مختلفًا تمامًا؛ فبينما انتقلت القيادة السياسية إلى الخارج، كانت القيادة الميدانية تولد من الداخل، وسط فراغٍ كامل في مؤسسات الدولة وانهيارٍ تام للجيش النظامي.
على الأرض، بدأت المقاومة الجنوبية تتشكل بصورةٍ عفوية ومنظمة في آنٍ واحد، تجمع بين العسكريين المسرّحين منذ حرب 1994م والشباب المنتمين إلى الحراك الجنوبي، الذين وجدوا في لحظة انهيار عدن دافعًا وجوديًا لحمل السلاح والدفاع عن الأرض.
كان التحدي حينها مضاعفًا: فالمعركة لم تكن فقط ضد قوات الحوثيين وصالح المتقدمة، بل ضد ذاكرة هزيمةٍ قديمة أراد الجنوب محوها بثمنٍ جديد.
في هذه الأجواء، بدأ الدعم الخليجي يتدفق تدريجيًا نحو عدن، بقيادة الإمارات العربية المتحدة التي تبنّت مبكرًا رؤية واضحة لمساندة القوات المحلية وبناء تشكيلات أمنية منظمة قادرة على مواجهة الجماعات المتطرفة والميليشيات الغازية معًا.
من رحم الفوضى وركام المؤسسات المنهارة، بدأت ملامح مرحلة جديدة تُعرف باسم “مرحلة المقاومة الجنوبية”، التي ستتحول لاحقًا إلى النواة الأولى للنظام الأمني الجنوبي الحديث، وتؤسس لواحدٍ من أهم التحولات في تاريخ اليمن الحديث “انتقال مركز القوة من صنعاء إلى عدن.
عاصفة الحزم.. من الدفاع عن الشرعية إلى تأسيس الشراكة الأمنية في الجنوب (2015–2017)
كانت المقاومة الجنوبية تقف على أرضيةٍ صلبةٍ ووعيٍ وطني متجذّر، تخوض معركتين في آنٍ واحد: التخلص من الاحتلال القديم والجديد معًا.
ارتفعت أعلام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في كل حيّ وشارعٍ وموقعٍ عسكري، فيما أعاد ضباط الجيش الجنوبي السابقون تشغيل الدبابات والآليات التي كانت معطلة منذ سنوات، في مشهدٍ مثّل عودة الوعي العسكري الجنوبي من تحت الركام.
لقد لعبت الخبرة الميدانية للكوادر العسكرية الجنوبية دورًا محوريًا في تنظيم الصفوف وقيادة العمليات القتالية، وهو ما منح المقاومة تفوقًا نوعيًا رغم شُحّ الموارد وضعف التسليح.
تزامن ذلك مع تفاعلٍ إيجابي لافت في الإعلام السعودي، الذي قدّم المعركة على أنها دفاع مشروع عن عدن والجنوب، بل ذهب بعض المحللين العسكريين إلى حدّ الإيحاء بدعم حق الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته السابقة.
لكن بين الوعود الإعلامية والتنفيذ العملي، كانت الإمارات العربية المتحدة تتحرك على الأرض بخطى واثقة، بوصفها الشريك الأكثر فعالية داخل التحالف العربي.
أرسلت أبوظبي عربات مدرعة حديثة وكتيبة من قواتها الخاصة المدربة على قتال الشوارع، لتقاتل جنبًا إلى جنب مع مقاتلي المقاومة الجنوبية في أحياء عدن.
وسرعان ما اكتسبت القوات الإماراتية حاضنةً شعبيةً واسعة، بعد أن ظهرت انضباطها الميداني وانفتاحها الإنساني في التعامل مع الأهالي، مما جعلها طرفًا موثوقًا في معركة عدن.
في السابع من يوليو 2015م، وهو التاريخ الذي كان يُحيي في ذاكرة الجنوبيين ذكرى احتلال عدن عام 1994م، تحوّل اليوم ذاته إلى رمزٍ للتحرر؛ إذ كانت المدينة قد بدأت بالفعل معركتها الأخيرة ضد الحوثيين، محررةً المطار وعدداً من الأحياء التي كانت تحت سيطرة الجماعة.
وفيما كانت عدن تستعيد أنفاسها، كانت القوات الموالية للحوثيين تنسحب من مدينة المكلا، لتسلمها فعليًا إلى تنظيم القاعدة، في صفقةٍ غامضةٍ كشفت حجم التداخل بين الإرهاب والسياسة في الشمال.
استمرت عمليات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في مطاردة الحوثيين حتى تحرير ميناء المخا، لكن مع حلول أكتوبر 2015م واجهت عدن تحديًا جديدًا أكثر تعقيدًا: حرب التنظيمات الإرهابية.
شهدت المدينة سلسلة هجمات انتحارية، أبرزها استهداف حكومة خالد بحاح في فندق القصر، وهجوم آخر على منزل الزعيم القبلي صالح بن فريد العولقي في مديرية البريقة، إلى جانب موجة اغتيالاتٍ شبه يومية طالت ضباطًا وشخصياتٍ دينية وسياسية.
في هذه الأجواء المضطربة، عاد الرئيس عبدربه منصور هادي إلى عدن، وبدأ مرحلة تأسيس الأجهزة الأمنية الجنوبية.
أصدر قرارًا بدمج المقاومة ضمن الجيش والأمن، وتم إنشاء اللواء الأول دعم وإسناد بقيادة العميد منير اليافعي (أبو اليمامة)، وهو ضابط سابق في الجيش الجنوبي.
بدأت المرحلة الأولى من تأمين حي المنصورة وإخراج الجماعات المسلحة، ثم توسعت مهام القوة لتشمل تفكيك خلايا إرهابية كانت تنشط في المدينة.
تحمّلت الإمارات الجزء الأكبر من مسؤولية مكافحة الإرهاب في هذه الفترة، إذ كان على التحالف مواجهة تحدياتٍ أمنيةٍ مزدوجة:
تثبيت الأمن في المدن المحررة من الحوثيين، وملاحقة التنظيمات الإرهابية التي عادت للظهور في محافظات الجنوب.
وفي الوقت الذي كانت فيه عدن تستعيد أمنها تدريجيًا، كانت مدينة المكلا تعيش عاماً كاملاً تحت حكم تنظيم القاعدة، ما جعل معركة تحريرها اختبارًا حاسمًا لمصداقية الحرب على الإرهاب.
من هنا، انتقلت الإمارات إلى تأسيس قوات النخبة الحضرمية، لتتولى مهمة تحرير المكلا من القاعدة، إيذانًا ببدء مرحلة جديدة في تاريخ الجنوب واليمن عمومًا، عنوانها:”من مقاومة الاحتلال إلى مكافحة الإرهاب وبناء الشراكة الأمنية المحلية”.
بعد أقل من عامٍ على تحرير عدن (العاصمة، من ميليشيات الحوثيين، وجدت قوات التحالف العربي نفسها أمام تحدٍّ جديد لا يقل خطورة”تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، الذي استغلّ الفوضى التي رافقت الحرب ليستولي على مدينة المكلا، ثاني أكبر موانئ اليمن، في أبريل 2015م، ويحوّلها إلى عاصمة فعلية له على ساحل بحر العرب.
خلال عامٍ من سيطرة التنظيم على المدينة، تحوّلت المكلا إلى قاعدة استراتيجية لعمليات القاعدة في الجنوب والشرق، حيث أنشأ التنظيم محاكم شرعية وسجونًا خاصة، وجمع الضرائب من الميناء، وفرض على سكان المدينة “زكاة الجهاد”، ما جعلها نسخة مصغّرة من إمارة الرقة السورية.
قدّر تقرير لمجموعة Soufan Center الأمريكية أن التنظيم حقق إيراداتٍ شهرية تجاوزت 2 مليون دولار من عائدات الميناء والنفط، مما جعله أغنى فرعٍ للقاعدة في العالم حينها.
في ظل هذا الواقع، وضعت الإمارات العربية المتحدة خطة عسكرية نوعية لتحرير المدينة، أُطلق عليها اسم “عملية الفيصل”.
بدأ الإعداد للعملية في مارس 2016م، بتشكيل قوات النخبة الحضرمية من أبناء حضرموت، وتدريبها في معسكرات بإشراف ضباط إماراتيين ضمن قوات النخبة الخاصة، تلقت هذه القوات تدريبات مكثفة على قتال الشوارع وتحرير الموانئ والمناطق الحضرية.
وفي فجر 24 أبريل 2016م، انطلقت العملية من محورين رئيسيين، المحور الغربي من منطقة بروم باتجاه المكلا، والمحور الشرقي من منطقة ريسون باتجاه غيل باوزير.
في تلك العملية الدقيقة، برز الدور القيادي لمحافظ حضرموت حينها اللواء أحمد سعيد بن بريك، الذي تولّى التخطيط والإشراف السياسي والميداني على معركة تحرير ساحل حضرموت، منسّقًا جهوده مع قيادة التحالف العربي، ومع القائد العسكري الميداني اللواء فرج سالمين البحسني، الذي كان يشغل منصب قائد المنطقة العسكرية الثانية.
قاد البحسني، بتفويضٍ من التحالف العربي، العملية العسكرية لتحرير المكلا في فجر 24 أبريل 2016م، بمشاركة قوات النخبة الحضرمية التي تمّ تدريبها وتجهيزها بدعمٍ إماراتي مباشر.
تقدّمت القوات بسرعة خاطفة بغطاء جوي إماراتي دقيق، وبدعم استخباراتي من التحالف، وخلال 36 ساعة فقط، انهار التنظيم وانسحب مقاتلوه باتجاه وادي حضرموت، تاركين وراءهم كميات ضخمة من الأسلحة، بينها عربات مدرعة وصواريخ حرارية كانت قد صودرت من معسكرات الجيش اليمني السابق.
أعلنت قيادة التحالف العربي في اليوم التالي تحرير مدينة المكلا بالكامل من عناصر القاعدة، واستعادة السيطرة على أكثر من 350 كيلومترًا من الساحل الجنوبي الشرقي، لكن أهمية العملية لم تكن عسكرية فحسب، بل نموذجية في فلسفة مكافحة الإرهاب، فبدلًا من القصف الجوي كما كانت تفعل الولايات المتحدة، قامت الإمارات ببناء شريك محلي ميداني محترف، يمثل نموذجًا قابلًا للاستمرار.
بعد التحرير، أعادت الإمارات فتح ميناء المكلا ومطار الريان الدولي بعد تأهيلهما، وأسست مراكز تدريب وأمن ومكافحة إرهاب بإشراف النخبة الحضرمية.
كما أُنشئ جهاز استخبارات محلي لمتابعة الخلايا النائمة، وبدأ العمل الميداني بعمليات دهم دقيقة في مديريات غيل باوزير والشحر وتريم، أفضت إلى تفكيك أكثر من 50 خلية إرهابية خلال عامٍ واحد فقط.
وعقب معركة المكلا، انتقلت جهود مكافحة الإرهاب إلى شبوة، إذ كانت المحافظة تمثل المعقل الأكثر نشاطًا للقاعدة منذ أوائل الألفية، نظرًا لوعورتها الجغرافية وتداخلها القبلي.
لكن بعد نجاح تجربة النخبة الحضرمية، شرعت الإمارات في تكرار النموذج ذاته عبر تشكيل قوات النخبة الشبوانية، تحت إشراف غرفة عمليات التحالف في عدن.
تلقت هذه القوات تدريبات مكثفة في معسكرات بلحاف والعلم، وجهزت بآليات قتالية حديثة ومدرعات نوعية.
في أغسطس 2017م، أُطلقت عملية السيف الحاسم لتحرير مديريات شبوة من عناصر القاعدة، خصوصًا في مناطق عزان، النقبة، الصعيد، والساق.
تقدّمت القوات بسرعة خاطفة، مستفيدة من الغطاء الجوي الإماراتي والدعم الاستخباراتي الأمريكي، وتمكنت خلال أقل من أسبوع من تحرير كامل مديريات شبوة الشرقية والوسطى.
قالت القيادة الإماراتية حينها إن العملية لم تكن مجرد تحريرٍ للأرض، بل بداية “معركة اجتثاث الإرهاب”، لأن الهدف لم يكن طرد التنظيم فقط، بل تفكيك بنيته الاجتماعية والمالية.
بدأت القوات بعد التحرير بتنفيذ حملة شاملة لنزع الألغام، وتأمين الطرق الساحلية، وتفكيك مخازن الأسلحة في الجبال، مع حملة موازية لاعتقال القيادات والعناصر المتخفية، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأمريكية.
وبحسب تقرير صادر عن القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) في نهاية عام 2017، فإن عمليات النخبة الشبوانية نجحت في تحييد أكثر من 200 عنصرٍ من القاعدة، واعتقال العشرات، واستعادة السيطرة على ممراتٍ رئيسية كانت تُستخدم لتهريب الأسلحة بين اليمن والصومال عبر سواحل بحر العرب.
من مكافحة الإرهاب إلى تأسيس الكيان السياسي الجنوبي (2017–2021)
وعلى الرغم من فاعلية العمليات الأمنية ضد تنظيم القاعدة في محافظات حضرموت وشبوة وأبين، إلا أن التنظيم حاول مرارًا استعادة حضوره عبر عملياتٍ انتحارية متفرقة استهدفت مواقع أمنية وعسكرية في المكلا وعتق وزنجبار.
لكن هذه العمليات فقدت تأثيرها الاستراتيجي السابق، إذ واجهتها القوات المحلية الجنوبية بقدرة استخباراتية عالية ويقظة ميدانية متقدمة، حدّت من الخسائر ومنعت عودة التنظيم إلى المدن المحررة.
في المقابل، كانت شبوة تخطو خطواتٍ أولى نحو الاستقرار الأمني، قبل أن يشهد المشهد الجنوبي تحولًا سياسيًا كبيرًا أربك موازين القوى في الداخل.
فبعد أن نجح الجنوب في بناء شراكة أمنية وعسكرية فاعلة مع التحالف العربي، برزت الحاجة إلى كيان سياسي جامع يعبر عن الإرادة الشعبية الجنوبية ويمنح التمثيل السياسي غطاءً مؤسسيًا مشروعًا.
وفي مايو/أيار 2017م، أُعلن في العاصمة عدن عن تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، برئاسة محافظ عدن المقال عيدروس قاسم الزبيدي، ونائبه وزير الدولة هاني بن بريك، وعضوية محافظي محافظات لحج (ناصر الخبجي) وشبوة (أحمد لملس) وحضرموت (أحمد سعيد بن بريك) ووزير النقل (مراد الحالمي) وعدد من القيادات السياسية والعسكرية.
جاء الإعلان بعد أسبوعٍ من قرارٍ رئاسي بإقالة الزبيدي من منصبه، ما أعطى التأسيس بعدًا رمزيًا وسياسيًا قويًا، بوصفه ردة فعلٍ جنوبيةٍ على محاولات الإقصاء الممنهج من قبل الرئاسة اليمنية، وكمحاولة لتنظيم الجهد الجنوبي ضمن إطار سياسي موحّد.
تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي مثّل رافعة سياسية وأمنية حقيقية في معادلة الحرب على الإرهاب، إذ ساهم في توحيد الجهود المحلية تحت قيادة واضحة، ورفع مستوى التنسيق مع التحالف العربي، لا سيّما مع الإمارات العربية المتحدة، التي رأت في الكيان الجديد شريكًا محليًا يمكن الاعتماد عليه في تأمين المدن وإدارة الملفات الأمنية الحساسة.
انعكس ذلك على تحسّنٍ ملحوظ في الوضع الأمني في عدن ولحج وأبين، وانخفاض الهجمات الإرهابية بنسبة لافتة خلال عامي 2017 و2018، وفق تقارير دولية.
غير أن محافظة شبوة شهدت لاحقًا انتكاسة سياسية وأمنية مؤلمة.. ففي أغسطس 2019م اندلعت فيها معركة واسعة إثر دعم السلطات المحلية في مأرب للمحافظ الموالي لجماعة الإخوان المسلمين، محمد صالح بن عديو.
قادت مأرب حينها عمليةً عسكريةً ضخمة بدعمٍ مباشرٍ من قيادات حزب الإصلاح، انتهت بسيطرة تلك القوات على مدينة عتق، وإضعاف قوات النخبة الشبوانية التي كانت تتولى مكافحة الإرهاب في المحافظة.
كانت تلك المعركة نقطة فاصلة، إذ تفككت المنظومة الأمنية الجنوبية في شبوة مؤقتًا، ما فتح المجال أمام نفوذٍ إخوانيٍ واسعٍ استمر حتى أواخر عام 2021م.
ولم يقتصر التمدد العسكري القادم من مأرب[48] على شبوة، بل حاول التوسع نحو محافظة أبين ثم التقدم باتجاه العاصمة عدن.
في سبتمبر 2019م، تعرّض مطار عدن الدولي لهجومٍ مدفعيٍ مباشر نفّذته القوات المهاجمة، لكن التحالف العربي بقيادة السعودية تدخّل سريعًا ونفّذ ضربة عسكرية خاطفة حالت دون سقوط العاصمة.
أعقب ذلك انسحاب تكتيكي لقوات الإخوان، غير أنها عادت لاحقًا لتسيطر مجددًا على أجزاءٍ من شبوة[49].
وفي نهاية عام 2021م، سلّمت تلك القوات ثلاث مديرياتٍ استراتيجية هي بيحان، عسيلان، وعين إلى جماعة الحوثيين دون قتال، في واحدة من أكثر الوقائع المثيرة للجدل في الحرب اليمنية، ما أثبت هشاشة الولاءات داخل منظومة الشرعية اليمنية، وأعاد طرح سؤالٍ جوهري: من الذي يقاتل الإرهاب فعلاً في اليمن، ومن الذي يستخدمه كورقة سياسية؟.
نقل السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي وانطلاق عملية سهام الشرق والجنوب (2022- 2025)
لم تكن إدارة الرئيس عبدربه منصور هادي فاشلة بالضرورة[50]، بقدر ما كانت مكبّلة بالتدخلات السعودية التي عطّلت فاعلية القرار داخل معسكر الشرعية، خصوصًا في الملفات الأمنية والعسكرية في الجنوب.
فالرياض – التي رأت في المجلس الانتقالي الجنوبي منافسًا محتملاً داخل التحالف – تعاملت بتحفّظ مع محاولات الجنوبيين فرض إدارة ذاتية مستقرة، مبرّرةً ذلك بأن التركيز على الجنوب قد يُضعف الجبهة الشمالية في مواجهة الحوثيين.
إلا أن هذا الموقف السعودي جاء في لحظة كانت فيها الرياض نفسها تخوض مفاوضات خلفية مع طهران[51]، ما جعل الحسابات الميدانية تتحول إلى ورقة سياسية أكثر منها استراتيجية أمنية[52].
في أبريل 2022م، نظّمت السعودية مشاورات موسّعة[53] تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي[54] جمعت قوى يمنية متعددة (باستثناء الحوثيين الذين رفضوا الحضور[55]). وأسفرت هذه المشاورات عن نقل السلطة من الرئيس هادي[56] إلى مجلس قيادة رئاسي يرأسه الدكتور رشاد العليمي[57]، ويضمّ ثمانية أعضاء يمثلون اتجاهات سياسية وعسكرية متناقضة، من أبرزهم: عيدروس الزبيدي (رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي)، اللواء فرج البحسني (قائد المنطقة العسكرية الثانية في حضرموت)، عبدالرحمن المحرمي (قائد قوات العمالقة الجنوبية)، طارق صالح (قائد المقاومة الوطنية)، وسلطان العرادة وعبدالله العليمي (المحسوبان على حزب الإصلاح)، إضافة إلى عثمان مجلي.
منذ اللحظة الأولى، بدت تركيبة المجلس[58] هشة ومتعارضة الأجندات؛ إذ حمل كل عضو مشروعه الخاص. فالمكوّن الجنوبي تبنّى مسار “استعادة الدولة”، بينما عمل الجناح الإخواني على إبقاء ملف الجنوب رهينة للتوازنات السعودية. أما طارق صالح[59]، فقد دخل المعادلة محمّلًا بثقل الصراع مع الحوثيين بعد مقتل عمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح في صنعاء نهاية 2017م، وهو ما جعله أقرب إلى التحالف مع الانتقالي منه إلى الإخوان
لكن هذه المعادلة المختلّة سرعان ما انعكست على الأرض، خصوصًا بعد إعلان رئيس المجلس رشاد العليمي تشكيل قوات “درع الوطن”[60] من عناصر غير منضبطة، وهو ما اعتبره المجلس الانتقالي الجنوبي محاولة لخلق قوة موازية تهدف لتقويض جهود القوات الجنوبية في مكافحة الإرهاب.
وفي هذا السياق، قرر الانتقالي إطلاق عملية عسكرية واسعة في محافظة أبين تحت اسم “سهام الشرق”، في أغسطس 2022م، استهدفت معاقل تنظيم القاعدة التي كانت تتمركز في مناطق وادي عومران والخيالة ومودية ومناطق جبلية وعرة.
ورغم اعتراض الإدارة السعودية المشرفة على الملف اليمني وطلبها تأجيل العملية، أصرّ عيدروس الزبيدي على المضي فيها، معتبرًا أن الإرهاب في أبين تهديد مباشر للأمن الجنوبي، وأن الانتظار سيمنح التنظيم مساحة لإعادة التموضع.
قاد العملية العميد عبداللطيف السيد، قائد قوات الحزام الأمني في أبين، إلى جانب مدير شرطة المحافظة العميد علي الذيب، وعدد من القيادات الميدانية ذات الخبرة الطويلة في مكافحة الإرهاب منذ معارك 2011م.
حققت العملية نجاحات واسعة تمثلت في طرد التنظيم من أبرز معاقله الجبلية، وتفكيك عشرات الخلايا، وضبط معامل لتصنيع المتفجرات. غير أن القاعدة لجأت بعد خسارتها إلى تكتيك الهجمات الانتحارية والعبوات الناسفة[61]، وشنّت سلسلة عمليات استهدفت قيادات ميدانية جنوبية، كان أبرزها التفجير الذي أودى بحياة العميد عبداللطيف السيد في أغسطس 2023م، والتفجير الذي استهدف قائد اللواء الثامن صاعقة العميد الخضر حمصان في العام نفسه.
ورغم الكلفة البشرية، مثّلت سهام الشرق تحولًا جذريًا في الحرب على الإرهاب، إذ أظهرت قدرة القوات الجنوبية على إدارة معركة مستقلة عالية الكفاءة.
لكن المفارقة أن القيادة الرسمية في عدن وصنعاء تجاهلت العملية إعلاميًا؛ إذ امتنعت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) وقناة اليمن الرسمية عن تغطيتها، فيما اكتفت بعض الصحف السعودية مثل عكاظ[62] بالإشارة إليها ضمن “عمليات الجيش اليمني”، وهو توصيف أثار امتعاض قيادة المجلس الانتقالي، واعتُبر تجاهلًا سياسيًا متعمّدًا.
وفي المقابل، برز الدعم الإماراتي بوصفه العامل الأكثر تأثيرًا في نجاح العملية. فقد وفّرت أبوظبي الإسناد اللوجستي والتدريب الفني، وهو ما أكسبها احترامًا شعبيًا واسعًا في الجنوب، لكنه أثار أيضًا حملات إعلامية منسقة استهدفتها من قبل أطراف إقليمية محسوبة على محور الدوحة–مسقط–صنعاء، إضافة إلى التنظيم الإرهابي توعد في أكثر من تسجيل مرئي باستهداف المصالح الإماراتية.
كشفت تقارير أمنية ميدانية أن تنظيم القاعدة[63] استخدم عبوات ناسفة ومتفجرات إيرانية الصنع[64]، ما عزز فرضية التنسيق غير المباشر بين الحوثيين والتنظيم الإرهابي. وأكدت فرق فنية محلية أن بعض تلك العبوات كانت مزودة بأجهزة استشعار حراري متطورة، تُفعَّل بمجرد مرور هدف متحرك، في دلالة على دعم تقني متقدّم.
وبينما ظل مجلس القيادة الرئاسي منقسمًا، قدّم الجنوب نموذجًا أمنيًا واضح المعالم في مكافحة الإرهاب قائمًا على التحالف المحلي والاستقلال العملياتي[65].
وأصبحت سهام الشرق عنوانًا لمرحلة جديدة من الحرب[66]، لا تُدار من مكاتب الرياض أو واشنطن، بل من الميدان الجنوبي نفسه، حيث تتقاطع الجغرافيا بالهوية، والسياسة بالأمن.
لكن ما يستوقف المراقبين في سياق عملية سهام الشرق، هو العملية الإرهابية التي استهدفت قاعدةً عسكرية تابعة للواء الأول دعم وإسناد في محافظة أبين، والتي مثّلت دليلاً على أن تنظيم القاعدة لم يُهزم بعد، بل أعاد تموضعه بأساليب أكثر مرونة.
ففي 21 أكتوبر 2025، نفّذ التنظيم هجومًا دمويًا على القاعدة الواقعة في بلدة المحفد[67]، ما أسفر عن مقتل أربعة جنود وإصابة آخرين، في واحدةٍ من أكثر العمليات الإرهابية دموية منذ بدء الحملات الجنوبية لمكافحة الإرهاب عام 2022. وقد وصف المسؤولون المحليون العملية بأنها تصعيد خطير في نشاط التنظيم بعد فترة من الهدوء النسبي، أعقبت النجاحات التي حققتها القوات الجنوبية في تفكيك خلايا القاعدة بين عامي 2023 و2024.
وأعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لاحقًا مسؤوليته الكاملة عن الهجوم، مشيرًا إلى أن غالبية المنفذين ينحدرون من صنعاء وإب، أي من مناطق تخضع لسيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران. هذا التفصيل الجغرافي لم يكن عرضيًا، بل يعزز الشبهات حول التداخل العملياتي بين الحوثيين والتنظيم، رغم التناقض الأيديولوجي الظاهري بينهما.
تشير تقارير استخباراتية وميدانية إلى أن زعيم القاعدة الحالي سيف العدل يقيم في إيران ويحظى بحمايتها منذ أكثر من ثلاث سنوات، ما يفسر امتلاك التنظيم تجهيزات متطورة ومواد متفجرة إيرانية الصنع تم ضبط بعضها في أبين وشبوة، بما في ذلك طائرات مسيّرة وأنظمة تفجير ذكية.
لقد أعاد هذا الهجوم فتح ملف العلاقة المعقّدة بين الإرهاب والطائفية السياسية في اليمن، إذ لم تُسجّل أي مواجهات مباشرة بين الحوثيين وتنظيم القاعدة خلال السنوات الأخيرة، بينما يواصل التنظيم استهداف القوات الجنوبية المدعومة من دولة الإمارات[68]. وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة التحالفات الخفية التي تجمع الحوثيين والقاعدة وجماعة الإخوان المسلمين في خصومة مشتركة ضد الجنوب والإمارات.
إن عودة نشاط القاعدة في عام 2025 لا يمكن النظر إليها كحدثٍ معزول، بل بوصفها جزءًا من معادلة إقليمية أوسع، حيث تعمل التنظيمات المتطرفة ضمن شبكات هجينة تمحو الحدود بين العقيدة والانتهازية. فسواء كانت هذه الجماعات حوثية شيعية أو جهادية سنية أو ميليشيات إصلاحية، فإنها تتقاطع في شبكات تمويل وتسليح عابرة للحدود، تشرف عليها قنوات مالية إيرانية تستغل هشاشة الجغرافيا اليمنية ومنافذها البرية والبحرية.
وتُظهر المعلومات الميدانية أن الحوثيين يسيطرون على شمال اليمن، بما في ذلك صنعاء وحجة والساحل الغربي للبحر الأحمر، ما يمنحهم ممراً آمناً لشحنات الأسلحة القادمة من ميناء بندر عباس الإيراني عبر خليج عدن. هذه المسارات نفسها تغذي عمليات القاعدة في الجنوب، عبر خطوط إمداد تتقاطع في محافظات مأرب والبيضاء والجوف.
تلك المعطيات تؤكد أن الإرهاب في اليمن لم يعد ظاهرة منفصلة، بل أصبح شبكة مترابطة توظفها أطراف مختلفة لخدمة مصالحها السياسية والإقليمية.
إنّ الهجوم على المحفد لم يكن مجرد عملية انتقامية محدودة، بل رسالة مركبة تستهدف زعزعة نموذج الأمن الجنوبي الذي كرّسته عملية سهام الشرق[69]. فالتنظيم يدرك أن الجنوب – بتحالفاته المحلية والإقليمية – بات يشكّل العقبة الأكبر أمام عودة نفوذه، لذلك لجأ إلى استراتيجية التفجيرات عن بُعد والعمليات الانتحارية المركّبة لتعويض خسارته الميدانية.
غير أن ردّ القوات الجنوبية جاء منضبطًا وسريعًا، إذ نفذت وحدات الحزام الأمني عملية تمشيط واسعة في مديرية مودية، وأسفرت عن ضبط عناصر من خلايا التنظيم، وتفكيك عبوات متطورة ثبت لاحقًا أنها إيرانية المنشأ.
هذا المشهد يثبت أن الحرب على الإرهاب في اليمن لم تعد مجرد مواجهة مع تنظيمٍ واحد، بل أصبحت صراعًا متعدّد الأطراف والمصالح، تتداخل فيه مشاريع الدول والميليشيات والأيديولوجيات.
ويعيد الهجوم الإرهابي في المحفد التأكيد على أن النجاح العسكري لا يكتمل دون استراتيجية إقليمية منسقة، تربط بين مكافحة الإرهاب البري وحماية الممرات البحرية في خليج عدن والبحر الأحمر[70].
لقد مثّل هذا الحادث تذكيرًا مؤلمًا بأن النصر على الإرهاب لا يُقاس فقط بتطهير الأرض، بل بقدرة القوى المحلية على الاستمرار في الدفاع عن نموذجها الأمني، في وجه خصومٍ يتغيرون شكلًا ويثبتون جوهرًا.
دور الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهود مكافحة الإرهاب
رغم الفاعلية الأمنية الواضحة والنتائج الميدانية الملموسة لجهود مكافحة الإرهاب في الجنوب، فإن الموقفين الأمريكي والسعودي من هذا الملف يثيران الكثير من علامات الاستفهام.
فالدعم — سواء السياسي أو اللوجستي — ظل غائبًا تمامًا، على الرغم من أن الولايات المتحدة والسعودية تتصدران التحالف الدولي والإسلامي لمكافحة الإرهاب منذ أكثر من عقدين.
هذا الغياب لم يكن محل ملاحظة فحسب، بل محل انتقاد صريح من القيادات الجنوبية. إذ أكد اللواء عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي[71]، في أكثر من مناسبة على ضرورة دعم المجتمع الدولي لجهود الجنوب في الحرب على الإرهاب.
ففي يناير 2022م، أي قبل شهرٍ تقريبًا من إعلان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، نشر الموقع الرسمي للمجلس أن الزبيدي أجرى اتصالًا مع المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ[72]، دعا خلاله الولايات المتحدة إلى توحيد الموقفين الدولي والإقليمي في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.
وفي أغسطس 2024م، جدّد الزبيدي الدعوة ذاتها، مطالبًا الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بدعم القوات الجنوبية في حربها ضد الإرهاب وتجفيف منابعه،[73] مشددًا على أن التعاون مع القوى المحلية الميدانية هو السبيل الأنجع لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة[74].
غير أنّ هذه الدعوات، رغم وضوحها وتكرارها، لم تلقَ أي استجابة من واشنطن أو الرياض، اللتين اكتفيتا بالتصريحات العامة حول «أولوية مكافحة الإرهاب» دون خطوات تنفيذية ملموسة.
بل إن المملكة العربية السعودية، التي تتزعم ما يُعرف بـ«التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب»[75]، لم تُبدِ حتى اليوم أي موقف داعم أو حتى معلن تجاه الجهود الجنوبية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى جدّية التحالف في التعامل مع مصادر الخطر الفعلية على الأرض، مقارنة بخطابه السياسي والدبلوماسي.
وهكذا، تكشف المفارقة بين النجاح الميداني الجنوبي والغياب الدولي الداعم عن خللٍ في أولويات الحرب على الإرهاب، إذ تُترك القوى المحلية التي تواجه التنظيمات المتطرفة ميدانيًا دون غطاءٍ سياسي أو دعمٍ استراتيجي من القوى الكبرى، التي لطالما تبنّت هذا الملف كعنوانٍ رئيسي لسياستها الإقليمية.
مستقبل الحرب على الإرهاب في اليمن بعد عام 2025
تشير المؤشرات الراهنة إلى أن الحرب على الإرهاب في جنوب اليمن تتجه نحو مرحلة جديدة تتجاوز المفهوم العسكري الضيّق إلى مقاربة أمنية–سياسية متعددة الأبعاد، يُتوقّع أن يُعاد فيها تعريف الفاعلين والتحالفات وأدوات المواجهة.
ومن المرجّح أن تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى بناء تحالفات استراتيجية مباشرة مع القوى المحلية الفاعلة، بعد أن أثبتت التجارب السابقة محدودية المقاربات التقليدية القائمة على الضربات الجوية والانخراط الاستخباراتي عن بُعد.
فبعد عقدين من الاعتماد المفرط على العمليات الجوية وغياب الشراكات المحلية الحقيقية، بدأت ملامح نموذجٍ مختلف تتبلور في الجنوب، حيث أثبتت القوات الجنوبية – من الحزام الأمني والنخبة الحضرمية وقوات العمالقة – قدرتها على احتواء التهديدات الإرهابية ضمن بيئة اجتماعية منسجمة، وبكفاءة تفوق المقاربات المركزية السابقة.
ومع ذلك، يبرز تحدٍّ داخلي يتطلب معالجة مؤسسية عاجلة داخل بنية المجلس الانتقالي الجنوبي، إذ تحوّل القرار الأمني في بعض الأحيان إلى أداة سياسية غير مثلى، خصوصًا في ما يتعلق بالتعاطي مع المكونات القبلية في أبين وشبوة.
فنجاح الجنوب في بناء منظومة أمنية مستدامة يستلزم الانتقال من مستوى التنسيق إلى مستوى الشراكة الميدانية مع القبائل المحلية، والاستفادة من خبراتها التراكمية التي راكمتها خلال معاركها السابقة ضد التنظيمات الإرهابية التي انتهت بهزيمة القاعدة وطردها من أبين.
من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة تصاعدًا في الدور الجنوبي المؤسسي في إدارة ملف مكافحة الإرهاب، سواء عبر تعزيز التعاون الأمني مع دول الإقليم (الإمارات، البحرين، مصر) أو من خلال مبادرات مشتركة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضمن أطر بحرية جديدة لحماية خليج عدن والبحر العربي.
لكن هذا السيناريو يبقى مرهونًا باعترافٍ دولي واقعي بالهياكل الأمنية القائمة في الجنوب كشريك موثوق، لا ككيانات محلية هامشية ضمن سلطة مركزية متآكلة.
وحتى يتحقق ذلك، تبرز الحاجة إلى أن يتولى القائد العسكري عبدالرحمن المحرمي – بصفته المسؤول عن جهود مكافحة الإرهاب – إعادة هيكلة القوات المحلية على نحوٍ يضمن تكامل الأدوار ووحدة القرار الأمني في الجنوب.
في المقابل، يبقى التهديد الإرهابي متحوّرًا أكثر من كونه متراجعًا؛ إذ يُرجّح أن يتحوّل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إلى شبكات لامركزية صغيرة تتقاطع مصالحها مع ميليشيا الحوثي والجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين.
وهذا التحالف غير المعلن، والمدعوم جزئيًا من إيران، قد يسعى إلى إعادة تموضعه في محافظات مأرب والبيضاء والجوف، مستفيدًا من هشاشة السلطة المركزية وضعف التنسيق داخل مجلس القيادة الرئاسي.
أما الولايات المتحدة فستبقى أمام مفترق حاسم: إما أن تُعيد صياغة استراتيجيتها في اليمن عبر الانخراط المباشر مع القوى المحلية الجنوبية، أو أن تستمر في نهج “الإدارة عن بُعد”، بما يتيح للتنظيمات الإرهابية إعادة بناء قدراتها في فراغ السلطة شمالًا.
وتُعد عملية سهام الشرق نموذجًا ميدانيًا ناجحًا يمكن لواشنطن من خلاله اختبار فعالية “الشراكة المحلية” كبديلٍ عن الحروب المفتوحة.
وفي المنظور الإقليمي الأوسع، يتجه خليج عدن والبحر الأحمر ليصبحا مركز ثقل في منظومة الأمن العالمي، إذ تتقاطع عندهما خطوط الملاحة الدولية ومسارات الطاقة وشبكات التهريب.
ومن هذا المنطلق، سيغدو الجنوب أحد أهم محاور الأمن البحري العربي، الأمر الذي يستدعي مقاربة دولية جديدة تنظر إليه باعتباره شريكًا في الاستقرار الإقليمي لا مجرد ساحة صراع.
إن مستقبل الحرب على الإرهاب في اليمن بعد عام 2025 لن يُحدَّد بميزان القوة العسكرية وحده، بل بقدرة القوى الإقليمية والدولية على بناء شراكات واقعية مع الفاعلين المحليين الفعليين.
فاليمن الجديد لن يكون امتدادًا لصنعاء القديمة، بل خريطة أمنية–سياسية تتشكل من الجنوب، حيث بدأت فعليًا مرحلة ما بعد الحرب التقليدية على الإرهاب.
النتائج والتوصيات
أظهرت الورقة أن الحرب الأمريكية على الإرهاب في اليمن (2000–2025) مرت بثلاث مراحل متباينة في طبيعتها وأدواتها ونتائجها.
المرحلة الأولى (2000–2011) اتسمت بسيطرة الدولة المركزية في صنعاء على القرار الأمني، لكنها مارست ازدواجية سياسية واضحة بين التعاون الاستخباراتي مع واشنطن ودعم جماعات مسلحة لاستخدامها كأوراق ضغط داخلية.
أما المرحلة الثانية (2011–2017) فشهدت توسع نشاط تنظيم القاعدة جغرافيًا، نتيجة انهيار البنية المؤسسية للدولة، وتناقض مواقف القوى الإسلامية – خصوصًا حزب الإصلاح – بين الخطاب الديني الرافض للضربات الأمريكية والممارسة السياسية المستفيدة من تمدد التنظيمات الإرهابية.
بينما مثّلت المرحلة الثالثة (2017–2025) نقطة التحول الأهم، إذ برز الجنوب كفاعل أمني مستقل قدّم نموذجًا ميدانيًا فعالًا في مكافحة الإرهاب من خلال قوات الحزام الأمني والنخب والعمالقة، وصولًا إلى عملية سهام الشرق التي أسست لمرحلة جديدة من الشراكة الأمنية المحلية.
تُظهر نتائج التحليل أن النجاح في مكافحة الإرهاب ارتبط بوجود قيادة محلية متماسكة وبيئة مجتمعية حاضنة، بعكس الفترات السابقة التي اعتمدت فيها واشنطن على مقاربة عسكرية أحادية الجانب عبر الضربات الجوية دون تنسيق مع القوى المحلية.
كما تؤكد الورقة أن استمرار التجاهل الدولي للقوى الأمنية الجنوبية يُضعف فاعلية الجهود الإقليمية، ويمنح التنظيمات المتطرفة فرصًا لإعادة التموضع عبر تحالفات هجينة تربط الحوثيين والإخوان والقاعدة ضمن شبكة مصالح مشتركة مدعومة من إيران.
استنادًا إلى هذه المعطيات، توصي الورقة:
إعادة تعريف المقاربة الأمريكية في اليمن من خلال الانخراط المباشر مع القوى المحلية الجنوبية، بوصفها الشريك الميداني الأكثر فعالية في الحرب على الإرهاب.
إنشاء آلية تنسيق أمني إقليمي تشمل الجنوب اليمني، الإمارات، مصر، والبحرين، ضمن منظومة أمن البحر الأحمر وخليج عدن.
تبني استراتيجية “الأمن المحلي المتمكن” القائمة على دمج القوات النظامية والقبلية في إطار مؤسسي موحد لمكافحة الإرهاب في أبين وشبوة وحضرموت.
ممارسة ضغط دولي على الأطراف المعرقلة – خصوصًا جماعة الإخوان المسلمين والحوثيين – لوقف دعمها غير المباشر للتنظيمات الإرهابية عبر المال والسلاح والإعلام.
إشراك الجنوب في منظومة الأمن البحري الدولي لحماية الممرات الحيوية في خليج عدن والبحر العربي، بوصفه نقطة ارتكاز جغرافية واستراتيجية للأمن العالمي.
اعتماد مقاربة تنموية موازية للمقاربة الأمنية، تعيد بناء المناطق المحررة وتحد من بيئة الفقر والتهميش التي يستغلها الإرهاب للتجنيد والتمدد.
إن نجاح الحرب على الإرهاب في جنوب اليمن لن يتحقق إلا من خلال الانتقال من المركزية الأمنية إلى الشراكة المحلية، ومن الحرب المفتوحة إلى الاستدامة الأمنية والتنموية.
وبذلك، يغدو الجنوب اليوم ليس مجرد جبهة ميدانية، بل نموذجًا واعدًا لإعادة تعريف العلاقة بين الفاعل المحلي والإقليمي والدولي في معركة الإرهاب.
المصادر والهوامش
[1] عيدروس الزبيدي يطلع على سير عملية سهام الشرق ويؤكد ضرورة تأمين محافظات الجنوب| اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/93266
[2] التفرعات الإقليمية لتنظيم القاعدة – قناة الجزيرة القطرية https://www.aljazeera.net/news
[3] “سيوف حوس تلاحق التنظيم في جبال أبين”..”القاعدة في اليمن”.. أشد الفروع تطرفاً يتحالف مع إيران في مواجهة التحالف الدولي اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/94335
[4] Yemen: terrorism is not its only problem: Christopher Boucek
[5] “إخوان اليمن”.. ذراع قطر وتركيا للسيطرة على الجنوب – موقع 24 الخليجي. – https://24.ae/article.aspx?articleid=516939
[6] ينظر الجنوبيون الى الإخوان كجماعة (عدوانية).. تحليل: كيف ستواجه المملكة العربية السعودية خطر إخوان اليمن؟ – اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات : https://alyoum8.net/posts/6961
[7] موثق| فتوى دينية جديدة ضد الجنوبيين: “دعاة الفرقة والانقسام مصيرهم الهزيمة”: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/92734
[8] الحركات الجهادية المصرية حدود الدور-المعهد المصري للدراسات: أحمد فريد مولانا – 5 فبراير 2018
[9] نبيل نعيم: الإخوان الأب الروحى لأصحاب الفكر المتطرف – اليوم السابع المصرية
[10] اغتيال 3 من أكفأ الطيارين بقاعدة العند الجوية بلحج | يمرس واخبار اليوم https://www.yemeress.com/akhbaralyom/67085
[11] علي سالم البيض الأممي الحالم والانفصالي النزق | صحيفة العرب: الكاتب صالح البيضاني الأحد 2014/02/23
[12] البيض يدعو مجلس الأمن لإخراج الجيش اليمني من الجنوب – صحيفة الشرق القطرية 03 أبريل 2014
[13] حرب الانفصال اليمنية.. أسرار وكواليس حرب صيف 1994|قناة العربي القطرية https://www.alaraby.com/ 13 مايو 2023
[14] اليمن: ذكرى الحرب الأهلية، حرب “صيف 1994″| مونت كارلو الدولية | نشرت في: https://www.mc-doualiya.com/ 16/08/2012
[15] عبدالمجيد الزنداني وهجمات (11) سبتمبر (أيلول)..الإخوان والحوثيون.. كيف يتم إعادة صناعة التطرف في اليمن؟ اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/86126
[16] الشيخ الزنداني يجدد الدعوة للجهاد دفاعا عن اليمن في حال تعرضه لتدخل عسكري – موقع دنيا الوطن https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2010/01/16/145552.html
[17] الزنداني يفند مزاعم واشنطن بدعمه الإرهاب – قناة الجزيرة القطرية 27/2/2004
[18] عبدالمجيد الزنداني.. من ميادين تجنيد الأفغان العرب إلى قصر الرئاسة اليمنية (فصول موجزة): اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات:https://alyoum8.net/posts/93509
[19] من هو الزنداني حليف صالح وصاحب اللحية الحمراء والإعجازات العلمية؟ | 24 News 4| https://www.youtube.com/watch?v=_5T9ZnuLRSI
[20] تقرير لـEuropean Eye on Radicalization
[21] قاعدة العنف المشتركة بين “الإخوان” و “القاعدة”| النهار العربي| منير أديب |13-08-2022 https://web.archive.org/web/20220815210023/https://www.annaharar.com/arabic/makalat/annahar-alarabi-authors/12082022091831496
[22] فهد سليمان الشقيران يكتب: «القاعدة» في اليمن وتوسيع التحالفات: إعادة ترتيب الصفوف وسط النزاع – اقرأ المزيد : https://alyoum8.net/articles/95495
[23] امريكا تطلب من اليمن القاء القبض على الداعية الزندانى – وكالة الانباء الكويتية الرسمية (كونا) 23/02/2006
[24] «إخوان اليمن ويو اس اس كول».. هل يُقاد عبدالمجيد الزنداني إلى المحاكم الأمريكية؟: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/93491
[25] هيومن رايتس ووتش: “بين الطائرة بدون طيار والقاعدة”.. المدنيون يدفعون ثمن عمليات القتل المستهدف الأمريكية في اليمن – 21 أكتوبر/تشرين الأول 2013
[26] BBC Arabic – “مقتل مسؤول محلي يمني في غارة جوية أمريكية بمأرب”، 25 مايو 2010م.
[27] ضربة جوية أخطأت أهدافها في بلدة المعجلة بأبين – تقرير نشرته مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات وأشار إلى إدارة رشاد العليمي الذي كان وزير للداخلية حينها عملية ضرب المعجلة 2009
[28] غارة يمنية تفجر «حرباً» في مأرب.. وساطة قبلية توقف مواجهات مع الجيش عقب مقتل نائب – صحيفة البيان الخليجية الثلاثاء، 25/5/2010 م
[29] موقع نشوان نيوز – “نواب في البرلمان اليمني يدينون الضربات الأمريكية في أبين ويعتبرونها انتهاكًا للسيادة الوطنية”، 15 أبريل 2012م.
[30] The Guardian – “US drone strike kills Yemeni official working as mediator with al-Qaida,” 25 May 2010.
[31] انتقادات قطرية لإخوان اليمن والزنداني يجرم الغارات الجوية ضد القاعدة: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/93251
[32] نشوان نيوز، “نواب في البرلمان يدينون التدخل الأمريكي في أبين”، 15 أبريل 2012م
[33] وزارة الخارجية الأمريكية، Country Reports on Terrorism: Yemen (2012)
[34] RAND Corporation. Christopher Boucek, “Yemen: Avoiding a Downward Spiral,” RAND, 2009، (تحليل استراتيجي يصف علاقة الدعم الأمريكي بتنامي نفوذ القاعدة نتيجة ضعف الدولة اليمنية وتسييس ملف الإرهاب.)
[35] New York Times – “Strike in Yemen Kills Mediator in Talks With Militants,” 25 May 2010
[36] رولا القط تكتب لـ(اليوم الثامن): من طالبان إلى القاعدة.. دور محوري لإيران في دعم الإرهاب بالمنطقة – اقرأ المزيد : https://alyoum8.net/articles/95303
[37] شعارات القاعدة تُشاهَد من بوابة معسكر “يحيص” في أرحب ويضم فارين من أبين وشبوة – وكالة خبر للأنباء – خاص: 11:00 2014/07/02
[38] اليمن.. مقتل 20 حوثياً بكمين نصبته القاعدة في أرحب – قناة دجلة العراقية 2011م
[39] Human Rights Watch – “Between Drone Strikes and Yemeni Politics: The Human Cost of Counterterrorism in Yemen”, HRW Report, 2013.
[40] اللواء علي محسن الأحمر يكشف عن تعرض القشيبي للغدر بعد اتفاق وقف اطلاق النار ويصف الحوثيين بقوى الغدر والخيانة – مؤسسة عدن الغد للإعلام اقرأ المزيد : https://www.adngad.net/news/114942
[41] الإخوان المسلمون في اليمن.. خصومة جديدة للجنوب – مؤسسة عدن الغد للإعلام – صالح أبوعوذل : الخميس – 20 أغسطس 2015: اقرأ المزيد : https://www.adngad.net/articles/167156
[42] اللحظات الأخيرة في حياة العميد القشيبي وكيف قتل؟ – مؤسسة عدن الغد للإعلام الأربعاء – 09 يوليو 2014
اقرأ المزيد : https://www.adngad.net/news/112994
[43] تنظيم الإخوان سلم اليمن لإيران بدعوى الانحناء للعاصفة: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :
https://alyoum8.net/videos/584
[44] اتفاق السلم والشراكة و التزام حزب الإصلاح بما عاهد عليه ؟! مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات – الكاتب شهاب الحامد : اقرأ المزيد :https://alyoum8.net/articles/28924
[45] اليمن: تسلسل زمني لتصاعد الأحداث وصولا إلى “عاصفة الحزم”: بي بي سي عربية -27 مارس/ 2015 | https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/03/150327_timeline_yemen_crisis_recent_developments
[46] مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات – أرشيف تقارير حول توظيف جماعة الإخوان لملف الإرهاب، عدن، 2023م.
[47] ابراهيم أل مرعي يحمل منذ وقت مبكر الإخوان مسؤولية تعثر الحرب ضد الحوثيين: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات : https://alyoum8.net/videos/630
[48] «رشاد العليمي» في مأرب لإعادة إحياء تحالف حرب «2019م».. الطريق إلى صنعاء من عدن: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/94393
[49] إخوان اليمن.. مساع للعودة إلى شبوة و”رشاد العليمي” يدعو لمصالحة مشروطة مع الحوثيين| اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات : https://alyoum8.net/posts/94243
[50] “اليوم الثامن” تبحث الابعاد السياسية لاختيار المحافظة موطئا لـ”القاعدة”..”عبدربه منصور هادي”.. سلم السلطة متنحياً لكن أبين لا تزال تدفع الثمن: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/92373
[51] تحليل: ما مستقبل علاقة المملكة العربية السعودية بـ إخوان اليمن؟ اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :
[52] جنوب اليمن في ظل المصالحة السعودية – الإيرانية.. موانئ النفط والأزمات المعيشية كأدوات للتوازن السياسي: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/95590
[53] تقرير: “مشاورات الرياض”.. كيف اقنعت “هادي والاحمر” التنحي عن حكم اليمن؟:اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/91081
[54] ورقة تحليلية ترصد مستقبل العلاقات السعودية – الإيرانية: “صراع بنيوي أم هدنة تكتيكية؟”اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :طارhttps://alyoum8.net/posts/95537
[55] تقرير: “هادي” ينقل السلطة لمجلس قيادة مشروطا بالسلام مع الحوثيين: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :
https://alyoum8.net/posts/91051
[56] تحليل: عبدربه هادي.. رئيس انتقالي سلم السلطة لكن آثار حكمه لم تنتسِ: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/9113
[57] تقرير: “مشاورات الرياض”.. كيف اقنعت “هادي والاحمر” التنحي عن حكم اليمن؟: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/91081
[58] ترحيب عربي ودولي بنقل هادي صلاحياته لمجلس القيادة الرئاسي: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :
https://alyoum8.net/posts/91063
[59] الإخوان في اليمن يغيّر استراتيجيته: صالح من “الخصم” إلى “رمز الجمهورية”: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/95067
[60] السعودية تعزز سلطة منفردة لـ”رشاد العليمي” عسكرياً في محافظات الجنوب: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/94240
[61] “القاعدة” تهدد بحرب العبوات والكمائن والقوات الجنوبية ترد بـ”سهام الشرق”| اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/93697
[62] مقتل 6 إرهابيين و4 جنود في الهجوم.. الجيش اليمني يُفْشِل هجوماً إرهابياً على أبين: صحيفة عكاظ السعودية 21 أكتوبر 2025: https://www.okaz.com.sa/news/politics/2218699
[63] ” تنظيم القاعدة في اليمن، قال في أحدث اصداراته إنه يقاتل القوات الجنوبية المحسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة أبين، وعينه على تحرير القدس”| اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراساتhttps://alyoum8.net/posts/94335
[64] تهديد جديد على الملاحة الدولية.. صفقة تحت الطاولة: هل سيغير تحالف الحوثيين والقاعدة معادلات المنطقة؟ – هشام النجار| اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات : https://alyoum8.net/posts/94465
[65] «رشاد العليمي».. رجل السعودية في اليمن يصل المهرة مجدداً.. ما سر اهتمام الرياض بالمحافظة الشرقية؟:اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/94213
[66] المجلس الانتقالي الجنوبي يعلن شروطه من الهدنة مع الحوثيين وسهام الشرق تتوسع| اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات :https://alyoum8.net/posts/93296
[67] تنظيم القاعدة ينفّذ هجومًا مركّبًا في أبين.. وقوات الجيش تتصدى وتقتل سبعة من المهاجمين| اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات : https://alyoum8.net/posts/95704
[68] “اليوم الثامن” تقدم دراسة ميدانية.. «سهام الشرق».. دور محوري لـ«الإمارات والانتقالي» في مكافحة الإرهاب: اقرأ المزيد من مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات: https://alyoum8.net/posts/93486
[69] تصريح صحفي نشره موقع الصحوة نت الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين وفيه قلل المتحدث الرسمي عدنان العديني من جهود المجلس الانتقالي الجنوبي في مكافحة الإرهاب، عقب عملية استهداف قوات اللواء الأول دعم واسناد في بلدة المحفد بأبين
[70] المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي أنور التميمي تحدث إلى مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات
[71] موقع المجلس الانتقالي الجنوبي – نشر في 23 يناير 2022 أن الزبيدي في اتصال مع المبعوث الأمريكي تيم ليندركينغ دعا إلى “توحيد الموقف الدولي ضد الإرهاب والحوثيين”. هذا يصلح كأقدم طلب موثق للتنسيق الأمني مع واشنطن
[72] President Al-Zubaidi Discusses Peace Efforts and Counterterrorism with US Ambassador
Saturday, August 24, 2024 – southern transitional council :https://en.stcaden.com/posts/11957?utm_source=chatgpt.com
[73] الزبيدي يطالب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بدعم القوات الجنوبية في حربها ضد الإرهاب وتجفيف منابعه – موقع المجلس الانتقالي الجنوبي الرسمي
[74] Southern Transitional CouncilL : Overview of the Southern Transitional Council with details on leadership, history, and affiliated actors.
https://acleddata.com/profile/southern-transitional-council?utm_source=chatgpt.com
[75] التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب هو حلف عسكري إسلامي أُعلن عنه في 3 ربيع الأول 1437 هـ الموافق 15 ديسمبر 2015 بقيادة المملكة العربية السعودية، يهدف إلى محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أيا كان مذهبه وتسميته حسب بيان إعلان التحالف.



